نزلت كلمة النهاية على حضارات العالم القديم بأشكال مختلفة، وعلى الرغم من جهود علماء الآثار والتاريخ، لا يزال سقوط بعض الحضارات لغزًا غامضًا، وهنا نستعرض أشهر خمس حضارات لا نعرف أسباب سقوطها حتى الآن، كما أوردها مقال على موقع «History».
1. المايا
لا يزال الملايين من أحفاد المايا يتحدثون اللغة ذاتها ويعيشون حيث عاش أجدادهم حتى الآن.
يمكن اعتبار «المايا» أكثر حضارات العالم تقدمًا في حقبة ما قبل وصول كريستوفر كولومبوس إلى أمريكا.
تركت حضارة المايا الكثير من الآثار: مدنًا حجرية عظيمة في غابات جنوب المكسيك وأمريكا الوسطى، مدنًا كاملة من قصور ومعابد هرمية وساحات وحتى ملاعب، وكانت لديهم لغتهم الخاصة التي تشبه الهيروغليفية، وتقويمهم الخاص، وبرعوا في علوم الحساب والفلك والعمارة، ووصلوا إلى قمة ازدهارهم الحضاري في الفترة بين عامي 250 و900 من الميلاد.
هنا يبدأ واحد من أشهر ألغاز التاريخ، إذ بدأ الشعب في الانقلاب على الملوك وهجر المدن بما فيها من تقدم، لكن أحدًا لا يعرف لماذا بالتحديد.
لاحقًا، حاولت نظريات عدة تفسير ما حدث، إحداها ترجِّح حدوث جفاف ازداد أثره بسبب تآكل التربة وقطع الغابات، ممَّا أدى إلى الهجرة، بينما تذهب نظريات أخرى إلى ظهور وباء، أو قيام ثورة فلاحين ضد فساد الفئة الحاكمة المتزايد، وهناك من يرجِّح نشوب حرب أهلية أو توقف الطرق التجارية التي كانت تربط المايا بالمدن الأخرى، وربما يكون السبب الحقيقي مزيجًا من مجموعة من الأسباب السابقة.
اقرأ أيضًا: المدن الضائعة في التاريخ: ماذا نعرف عن هشاشة الوجود الإنساني؟
رغم انهيارها، إلا أن حضارة المايا لم تختفِ أبدًا، ولا يزال الملايين من أحفاد المايا يتحدثون اللغة ذاتها ويعيشون حيث عاش أجدادهم حتى يومنا هذا.
2. السِّند
تأسست حضارة «السِّند» منذ ما يقرب من ثمانية آلاف سنة، في الموقع نفسه الذي تحتله دولتا الهند وباكستان حاليًا، ممَّا يجعلها واحدة من أقدم الحضارات في العالم.
مع حلول الألفية الثالثة قبل الميلاد، كان السِّند قد احتلوا قرابة 621 ألف كيلومتر مربع من الأرض، وهو رقم أكبر ممَّا كانت عليه الحضارات المعاصرة في ذلك الوقت، مثل الفراعنة وحضارة بلاد الرافدين أو العراق القديم، وكان تعداد السِّند يمثل 10% من سكان العالم آنذاك.
طوَّر السِّند رموزهم الخاصة التي لا زال العلم يحاول فهمها حتى الآن، واحتوت مدنهم على شبكات صرف لم يجاري جودتها إلا النظام الذي ظهر لاحقًا في الدولة الرومانية.
تُعرَف حضارة السند كذلك بـ«الهارابا»، نسبةً إلى المنطقة التي قامت فيها، وبدأت في الانهيار قرب عام 1900 قبل الميلاد، عندما بدأ الأهالي في الهجرة إلى المدن الجنوب شرقية.
قد يهمك أيضًا: جيل «التهجير» يروي حكايات الظلم والقهر في قلب النوبة
شاع اعتقاد بين العلماء بأن غزو القبائل الآرية القادمة من الشمال كان له دور في القضاء على السِّند، لكن هذه النظرية لا تلقى رواجًا الآن، بينما يتبنى بعض العلماء نظرية أخرى تقول إن توقف الرياح الموسمية لقرابة قرنين جعل الزراعة مستحيلة، إلى جانب نظريات أخرى عن حدوث زلازل أو انتشار أوبئة مثل الملاريا والكوليرا.
3. جزيرة القيامة
في الفترة بين عامي 300 و1200 من الميلاد، استطاع بعض سكان بولينيزيا (مجموعة جزر جنوب المحيط الهادي) الوصول إلى واحد من أبعد الأماكن على الأرض: جزيرة القيامة، التي تبعد نحو 3700 كيلومتر غرب تشيلي.
ورغم عدم امتلاك أهل جزيرة القيامة عجلات أو دواب أو روافع، إلا أنهم شيَّدوا مئات التماثيل الحجرية التي تُدعى «مواي»، أطولها يقترب من العشرة أمتار ويزن 82 طنًّا، وأحدها غير مكتمل ويُطلق عليه «El Gigante» (العملاق)، يبلغ طوله ما يقرب من 22 مترًا ويزن 145 طنًّا.
مع حلول القرن الثامن عشر توقف العمل على كل تماثيل «المواي»، وأخذ تعداد السكان في التداعي، كما أُطيح بكل القيادات السياسية والدينية.
بتحليل التربة، عرف العلماء أن سكان الجزيرة قطعوا كل أشجار الغابات عليها، وأكلت الفئران بذور الأشجار قبل أن تنمو من جديد. تسبب هذا في كارثة بالطبع، فتعثر بناء قوارب جديدة للتجارة، واضطر السكان إلى حرق الحشائش للحصول على وقود، وربما أدى هذا في النهاية إلى حدوث مجاعة وحرب أهلية.
زاد وصول الأوروبيين إلى الجزيرة عام 1722 من المعاناة، إذ نقلوا مرض الجدري إلى السكان في سبعينيات القرن التاسع عشر، كما أدخلوا تجارة العبيد، ما تسبب في خفض عدد السكان الأصليين إلى نحو مئة فرد فقط.
قد يعجبك أيضًا: حقوق الإنسان تولد على شواطئ الكاريبي.. ماذا تعرف عن ثورة هايتي؟
4. فايكنغ غرينلاند
طبقًا للحكايات في آيسلندا، قاد «إريك الأحمر» أسطولًا من 25 سفينة لاحتلال غرينلاند في عام 985 من الميلاد، عقب فترة قصيرة من نفيه المؤقت بسبب جريمة قتل ارتكبها.
بعد أن أسس هؤلاء «الفايكنغ» مستعمرتين، واحدة شرقية كبيرة وأخرى غربية صغيرة، بدؤوا في تربية قطعان الماشية والخراف والجديان، واصطادوا الوعل والفقمات، كما بنوا كنائس حجرية لا تزال آثارها موجودة حتى اليوم. بلغ عدد الفايكنغ في غريندلاند قرابة خمسة آلاف فرد، لكن عندما وصلت بعثة تبشيرية عام 1721 لدعوتهم إلى البروتستانتية، لم تجد سوى بقاياهم.
فيما بعد، عرف علماء الآثار أن المستعمرة الغربية سقطت قرب نهاية القرن الرابع عشر، فيما بقيت المستعمرة الشرقية لعدة عقود لاحقة.
إلى جانب الفايكنغ، شهدت غرينلاند 3 حضارات قامت وانتهت.
لا نعرف السبب الحقيقي، لكن أغلب الظن أن العصر الجليدي الصغير في القرن الرابع عشر كان له دور في انتهاء حضارة الفايكنغ في غرينلاند، إذ تجمدت الطرق البحرية المُستخدَمة في السفر، فانهار السوق الرئيسي القائم على تجارة العاج المأخوذ من حصان البحر.
بعض العلماء يعتقدون أن السكان الباقين عادوا أدراجهم إلى آيسلندا أو إسكندنافيا، وآخرون يرون أنهم ماتوا من الجوع أو استسلموا للطاعون الأسود، وربما أبادهم الإسكيمو الذين وصلوا إلى غرينلاند من كندا قرب نهاية القرن الثاني عشر.
إلى جانب الفايكنغ، شهدت غرينلاند ثلاثة حضارات على الأقل قامت وانتهت، منها «الدورست» الذين عاشوا في وقت واحد مع الفايكنغ والإسكيمو.
5. الأناسازي
ظهر «الأناسازي» في المكان الذي تقع فيه منطقة «Four Corners» في أمريكا حاليًا، وأنشأوا على جوانب المنحدرات هناك مساكن حجرية مدهشة، احتوى بعضها على مئات الغرف، وذلك خلال الفترة بين القرنين الثاني عشر والثالث عشر. ما يزيد من عظمة هذه المباني أنها استمرت الأعلى في الولايات المتحدة حتى بناء أول ناطحة سحاب عام 1884.
يعتبر أحفاد الأناسازي هذا الاسم إهانة، ويفضلون لقب سكان «بويبلو القديمة».
لم تكن نهاية الأناسازي سعيدة، إذ تشير الدراسات إلى وقوع مذابح تخللها أكل لحوم البشر، كما وصل العلماء إلى آثار تدل على قطع الغابات وحدوث مشكلات في إدارة المياه، إلى جانب جفاف طالت مدته، ويغلب الظن أنه لعب دورًا كبيرًا في حالات العنف التي جرت.
من المرجح كذلك أن الثورات الدينية والسياسية، مثل تلك التي حدثت في أوروبا، عجَّلت برحيل الأهالي إلى الجنوب قرب عام 1300 من الميلاد.
في الوقت الحالي، يوجد للأناسازي كثير من الأحفاد، منهم «الهوبي» و«الزوني»، لكنهم يعتبرون لفظ «الأناسازي» إهانة، ويفضلون لقب سكان «بويبلو القديمة».
ربما تبدو مشاكل الحضارات القديمة تافهة بالنسبة إلى ما نعيشه الآن. بادت الحضارات في الماضي بسبب الأمراض وقص أشجار الغابات والحرائق، أما حضارتنا فلديها أسلحة ثقيلة وقنابل نووية، فهل يمكن أن تتساءل حضارة تالية وهي تنظر إلى بقايا ما تركناه خلفنا: كيف اختفى هؤلاء؟