أظهرت نتائج انتخابات «البوندشتاغ» (البرلمان الألماني)، التي أُجريت الأحد 24 سبتمبر 2017، حصول تحالف حزبي «الاتحاد الديموقراطي المسيحي» (CDU) و«الاتحاد الاجتماعي المسيحي» (CSU) على نسبة 32.9%، منها قرابة 26.8% للأول وحده، بينما حصل «الحزب الاشتراكي الديمقراطي» (SPD) على نسبة 20.5% من أصوات الناخبين.
أما «حزب البديل من أجل ألمانيا» (AfD) فحصل على نسبة 12.6%، ليكون ثالث أكبر كتلة برلمانية في البوندستاغ لأول مرة في تاريخه، رغم فشله في دخول البرلمان في انتخابات 2013. وتمكن «الحزب الديمقراطي الحر» (FDP) من الحصول على نسبة 10.7%، أما حزب اليسار «Die Linke» فحصل على 9.2% من الأصوات، وحصل تحالف الخضر على 8.9%، إلى جانب 5% من الأصوات لصالح 27 حزبًا آخر.
كانت هذه الانتخابات محط اهتمام المراقبين، لا في أوروبا وحدها، بل في العالم كله، بسبب ما يمكن أن يترتب عليها من نتائج تتعلق بمستقبل الاتحاد الأوروبي ووضع اللاجئين.
البرلمان الألماني: انتخابات فاصلة لأوروبا
بالنسبة إلى دول أوروبا، كانت الانتخابات الألمانية مرتقبة لأن إعادة انتخاب أنغيلا ميركل [ctt tweet="تمثل إعادة انتخاب ميركل عهدا جديدا وتقاربا سياسيا واقتصاديا لكثير من مؤيدي تماسك الاتحاد الأوروبي" username="manshoor"]يمثل عهدًا جديدًا من الاندماج والتقارب السياسي والاقتصادي في المنطقة لكثير من مؤيدي تماسك الاتحاد الأوروبي،[/ctt] خصوصًا مع دعمها مطالبات الرئيس الفرنسي «إيمانويل ماكرون» بالإصلاح، فقد اتفقا مبدئيًّا في مطلع عام 2017 على تعيين وزير للمالية و تأسيس برلمان وميزانية مشتركة للمنطقة الأوروبية، إضافةً إلى جهود ثنائية من أجل الإصلاحات.
إن كانت الاصلاحات مُرحبًا بها عمومًا، فإن فكرة تعيين وزير للمالية ورصد ميزانية مشتركة لم تلق ترحيبًا في أرجاء أوروبا. ففي مايو 2017، قال وزير المالية الألماني «فولفغانغ شويبله» إن أفكار ماكرون «لم تكن واقعية»، لأنها تتطب تغييرات في معاهدة الاتحاد الأوروبي نفسها، وقدم اقتراحًا بديلًا بتطوير «آلية الاستقرار الأوروبية» ومعالجة أزمة الديون.
زعيم «الحزب الديمقراطي الحر»، الذي يُعَد واحدًا من الشركاء المحتملين للتحالف مع حزب ميركل، أكد أن مثل هذا الاقتراح «مستحيل» ببساطة.
جذبت الانتخابات الأوروبية اهتمام العرب، بالذات عندما رفض الفرنسيون إعطاء أصواتهم لصالح «مارين لوبان»، ليعطوا أملًا لمحاربة قوى التعصب.
الانتخابات الألمانية والعرب
تساءل برنامج «شباب توك»، الذي تقدمه قناة «DW» العربية، عن دور وتأثير المهاجرين العرب في الانتخابات الألمانية، وما إذا كان هناك اهتمام من السياسيين الألمان بالجالية العربية.
جاءت تعليقات أبناء العرب الذين شاركوا في التقرير الميداني مؤيدة للإدلاء بأصواتهم في الانتخابات الألمانية، لدرجة أن شابًّا عربيًّا لا يملك حق التصويت تمنى الحصول على ذلك الحق.
لم تكن الانتخابات الألمانية وحدها محط أنظار العرب، فقد جذبت الانتخابات الأوروبية اهتمامهم عمومًا، وعندما رفض الفرنسيون إعطاء أصواتهم إلى «مارين لوبان»، مرشحة اليمين المتطرف المناهض للمهاجرين لانتخابات الرئاسة، أعطوا بذلك أملًا لمحاربة قوى التعصب الأعمى والإسلاموفوبيا.
اقرأ أيضًا: الانتخابات الفرنسية التي قد تطيح بالاتحاد الأوروبي
قبل الانتخابات الألمانية والفرنسية، اهتم الشرق الأوسط وشمال إفريقيا باستفتاء بقاء بريطانيا ضمن الاتحاد الأوروبي، إذ مهد هذا الاستفتاء للحديث عن موضوعات الهجرة ومحاربة التطرف والإرهاب والحرب في سوريا والصراع الدائر في العراق.
اهتمام المنطقة العربية بالانتخابات الأوروبية نابع بالتأكيد من حقيقة أن أي تغيير في أوروبا يطول الشرق الأوسط بالضرورة، إذ يشكل عاملًا في حالات الحرب والسلم، إلى جانب التأثير المباشر للعرب المنتشرين في أنحاء أوروبا في الانتخابات، وتأثرهم بها.
«البديل من أجل ألمانيا» في الحكومة للمرة الأولى
يرغب «حزب البديل من أجل ألمانيا» في حظر تمويل المساجد، ومنع النقاب والأذان، ويشكك في تقبل المسلمين للتعددية الثقافية.
حصد «حزب البديل من أجل ألمانيا» أصوات العازفين عن الانتخابات سابقًا (مليون و200 ألف)، مقارنةً بتحالف حزبي «CDU» و«CSU» (مليون) و«الحزب الاشتراكي الديموقراطي» (500 ألف).
جاء ذلك تعبيرًا عن معارضة سياسة ميركل، خصوصًا فتح حدود ألمانيا لاستقبال اللاجئين، أو ما يُعرف بسياسة «الباب المفتوح» المثيرة للجدل، ودفع بذلك ناخبين كثر للتحول من التصويت لصالح الأحزاب الكبرى، بل وحشد العازفين عن الانتخابات للتصويت، واستفاد الحزب من هذه الحقيقة.
انتهج الحزب سياسة معادية للإسلام بشكل صريح في مايو 2016، إذ احتوى بيانه الانتخابي الرسمي على قسم يناقش أسباب «انعدام انتماء الإسلام إلى ألمانيا»، وحملت ملصقاته جملة «نقاب؟ نحن نحب ارتداء البكيني».
قد يهمك أيضًا: رحِّبوا بالمهاجرين: اقتصاد الدول يستفيد من تنوع ساكنيها
يرغب «البديل من أجل ألمانيا» في حظر التمويل الأجنبي للمساجد، ومنع النقاب والأذان، ووضع أئمة المساجد تحت إجراءات تدقيق من قِبل الدولة، بينما يعلن أن المسلمين «المعتدلين»، الذين يقبلون الاندماج، هم «أعضاء قيمين في المجتمع»، لكنه يشكك في تقبل المسلمين للتعددية الثقافية.
يعيش ما يقرب من ثلاثة ملايين مسلم من أصول تركية في ألمانيا، ورفض الحزب اتفاق الاتحاد الأوروبي المثير للجدل مع تركيا ووصفة بـ«المخزي»، وهو اتفاق يهدف إلى وقف تدفق المهاجرين القادمين عن طريق البلقان، لكن الحزب لا يراه كافيًا.
مع ذلك، وبعد ساعات قليلة من النتائج، استقالت زعيمة الحزب «فراوكه بيتري» في مؤتمر صحفي في برلين، إذ رفضت البيان الرسمي للحزب الذي افترض بشكل شامل عداؤه مع كل المسلمين، ورغبت في انتهاج رؤية أكثر اعتدالًا.
أعلنت بيتري أن «معتقداتهم الدينية تخصهم، ولا توجد مشاكل مع المسلمين الذين تركوا مطالب الإسلام السياسي وتخلوا عن الإسلام التقليدي، لأن الأخير لا يتفق ثقافيًّا مع مجتمعنا».
تعبر بيتري في هذا الموقف عن التيار الأكثر اعتدالًا داخل الحزب، وربما تسعى إلى لعب دور أكثر توافقيةً من أجل مستقبلها السياسي، لكن التيار الشعبوي داخل الحزب لا يزال يملك صوتًا مؤثرًا، مما يزيد المخاوف الأوروبية جراء صعوده. فهل يصبح هذا الصوت بالتدريج أكثر اعتدالًا وتوافقية؟ أم تمثل هذه الانتخابات خطوة أخرى تجاه أوروبا أكثر يمينيةً لا نعرف إلام تنتهي؟