تسقط ساعات العمل: ماذا يعطل الثورة الصناعية الرابعة؟

الصورة: Getty/joSon

دينا ظافر
نشر في 2018/01/07

دفعت الآلة البخارية عجلة الثورة الصناعية الأولى، أما الثورة الصناعية الثانية فكان وقودها الكهرباء وخطوط الإنتاج والقدرة على الإنتاج بالجملة، فيما كانت التكنولوجيا الرقمية المحرك الأساسي للثورة الثالثة.

لكن الاقتصادات الحديثة التي ستتمكن من إحداث ثورة صناعية رابعة ستكون تلك التي تدعم الإبداع البشري ولا تعتمد كل الاعتماد على الآلة. عندما نفهم كيف يفكر الناس ويقدمون أفضل ما لديهم، سنكون مضطرين إلى أن نضع رفاهة العمال أولًا من أجل الحفاظ على صحتهم وتحقيق الإنتاجية الاقتصادية، فقد ظلت صحة الإنسان ثمنًا للنمو الاقتصادي على مدار قرون طويلة.

ظهرت كلمة «Labor» (العمل) في أوروبا خلال العصور الوسطى، حين تراجعت العبودية وتوسع استخدام المال، وعبّرت الكلمة عن تقييم المهارة البشرية بالمال. أما التعريف الحديث للمصطلح ورؤيتنا للإنتاجية، فنتجا عن عملية التصنيع.

يستعرض مقال منشور على موقع «كوارتز» الآثار التي خلّفتها الثورات الصناعية الثلاثة ولا تزال تشكل علاقتنا بالعمل، والأسباب التي لا تجعلنا،  في رأي الكاتب، على الطريق الصحيح للثورة الرابعة.

ثنائية العمل والحياة: آثار الثورات الصناعية الباقية

مفهوم «ساعات العمل» في مراحل التصنيع الأولى كان مبنيًّا على الاعتقاد بأن الساعات التي تُقضى خارج مكان العمل «وقت مهدر».

تغيرت طبيعة ومفهوم العمل في منتصف القرن السابع عشر، عندما تحولت المجتمعات الريفية الزراعية إلى مجتمعات حضرية صناعية.

كان النمو الاقتصادي يعني التنقيب عن مصادر الطاقة تحت الأرض، والتصنيع، والإنتاج. وقد وُثقت آثار تلك الفترة في صحة العاملين، فبهدف الكسب الاقتصادي، تعرض عمال المناجم وعمال المصانع لظروف عمل خطيرة تسببت في المرض والألم الجسماني والوفاة المبكرة، بسبب تعاملهم المباشر مع مواد على درجة سُمِّية عالية، مثل الفحم والكبريت وغيرها.

قد يهمك أيضًا: من قال لا تؤجل عمل اليوم إلى الغد؟

يقول كاتب المقال إن الثورة الصناعية الأولى قدمت فرصًا اقتصادية محفوفة بالمخاطر، هددت حياة العاملين، فكانت الرفاهة هي الثمن الذي يُدفع مقابل المصلحة الاقتصادية، وكان أصحاب الأعمال يعرفون أنهم يدفعون للعمال ثمن وقتهم وصحتهم.

مع مرور الوقت، أصبحت الآلات والمعدات هي التي تحدد وتيرة العملية الإنتاجية وليس العنصر البشري، وزادت ساعات العمل. كان الطلب ينمو بخطًى تفوق المعروض، وبالتالي كان لا بد من زيادة ساعات العمل لزيادة الأرباح.

تُظهر دراسة أجرتها منظمة العمل الدولية أن مفهوم «ساعات العمل» في مراحل التصنيع الأولى كان مبنيًّا على الاعتقاد بأن الساعات التي تُقضى خارج مكان العمل «وقت مهدر».

عبر تلك التطورات، انبثقت ثنائية «العمل والحياة»، ليكون العمل هو الوقت المخصص لتحقيق الكسب الاقتصادي، وتكون الحياة هي الوقت المخصص للوفاء بالاحتياجات الذهنية والجسمانية. وما زالت تلك الثنائية تحكم حياتنا إلى الآن رغم مرور 400 سنة، فنحن «نعمل انتظارًا لمجيء عطلة نهاية الأسبوع»، وكأن تلك الثنائية صارت أمرًا مقبولًا في الحياة.

هل ضللنا طريقنا إلى ثورة صناعية رابعة؟

الصورة: emirkrasnic

تحولت الدول الغربية التي تعيش الثورة الصناعية الثالثة من العمالة اليدوية إلى العمالة الماهرة، ورغم هذا لا تزال تحكمنا عقليةٌ ترى أن الوقت الذي نقضيه بعيدًا عن العمل فيه إهدار. وتشير دراسة منظمة العمل إلى أنه لم يحدث انخفاض يُذكَر في عدد ساعات العمل، لأن مفاهيم مثل العمل لساعات إضافية أو العمل خارج المكتب صارت مقبولة مؤسسيًّا، وفق الكاتب.

تجتهد الشركات لرفع فعالية موظفيها، وبالتالي يسعى بعضها إلى تغيير شكل المكاتب دون تطوير العمل نفسه. وتهدف الشركات التكنولوجية بشكل أساسي إلى خلق أماكن عمل «مسلية أكثر». لكن هذا الاتجاه  يعبِّر عن استمرار طريقة خاطئة في التعامل مع المشكلات، فالهدف من تطوير المكاتب هذا تشجيع الموظفين على العمل لفترات أطول، وزيادة ولائهم للشركة. فيسبوك، على سبيل المثال، عرضت على موظفيها 10 آلاف دولار أمريكي من أجل أن ينتقلوا للعيش في مسكن أقرب إلى مكاتبهم.

لكن العلاقة بين بقاء الموظف فترات أطول في المكتب وزيادة الإنتاج ضعيفة إلى حد ما، فقد يقضي الموظفون ساعات أطول في الشركة لأنهم يشعرون بالراحة فيها، لكن الافتراض بأن هذا يحسِّن أداءهم لا أساس له، وفق الكاتب.

اقرأ أيضًا: افصل واسرح بخيالك: الانشغال المستمر يقتل إبداعنا

قد تؤدي معدلات هرمون «كاتيكولامين» المرتفعة، التي تُفرز خلال فترات التوتر، إلى تعطل الوظائف التنفيذية للمخ بصورة دائمة.

تبنت الشركات حلًّا آخر قائمًا على التخلي عن المكاتب المغلقة ليجلس الموظفون جميعًا في «مكتب مفتوح»، ضغطًا للنفقات، وظنًّا أن هذا التصميم سيطوِّر أداء الموظفين. كانت النتيجة أن زاد الضغط النفسي بسبب الضجيج، فأصبح الضغط هو الثمن الذي يدفعه الموظفون من صحتهم.

كنت تظن أن المكاتب المفتوحة تساعد أكثر على إنجاز العمل؟ اقرأ هذا الموضوع

وجد تقرير صادر في عام 2016 أن الضغط النفسي مسؤول عن 37% من حالات اعتلال الصحة المرتبطة بالعمل في بريطانيا، و45% من حالات التغيب عن العمل بسبب المرض.

يقول كاتب المقال إن الدراسات تشير، منذ سبعينيات القرن الماضي، إلى أن الضغط النفسي قد يكون مفيدًا عند أداء مهام يسيرة أو مألوفة، لكنه يصبح مضرًّا في المهام التي تتطلب تفكيرًا معقدًا يتميز بالمرونة.

«القشرة الأمام جبهية» جزء من الدماغ يرتبط بالوظائف التنفيذية، ويُسهِم في اتخاذ القرارات ووضع السيناريوهات المستقبلية، وأداء كثير من العمليات الإدراكية المتطورة المرتبطة بالتعلم والتخيل. وتضر المعدلات المرتفعة من هرمون «كاتيكولامين»، الذي يُفرَز خلال فترات التوتر، بعمل القشرة الأمام جبهية، وقد يؤدي إلى فقد تلك الوظائف بصورة دائمة إذا أصبح الضغط مزمنًا.

مع تزايد استخدام الروبوت في أداء مهام البشر، سيكون علينا أن نفهم أن الإبداع هو ما يفرق بين الإنسان والآلة. ومع تعاظم الأدلة التي تشير إلى أن التمتع بالصحة النفسية والجسمانية أمر حيوي لعملية التفكير الإبداعي، سينتهي الاعتقاد السائد بأن الصحة هي فاتورة النمو الاقتصادي التي لا يمكن التهرب من دفعها.

يقول «كلاوس شواب»، رئيس ومؤسس المنتدى الاقتصادي العالمي: «أؤمن بشيء واحد: أن الموهبة ستكون العامل الشائك في الإنتاج بصورة أكبر من رأس المال».

مواضيع مشابهة