لم يتردد علي خامنئي، المرشد الأعلى للثورة الإيرانية، لحظة واحدة في دخول صراع مع أي رئيس إيراني منتخب، من أجل الحفاظ على هيمنته، ولأن مهابة منصبه كـ«ولي فقيه» تجعله محصنًا ضد الانتقادات.
ولفترة طويلة ظل خامنئي بعيدًا عن أي انتقادات مضادة مباشرة له من الرؤساء الإيرانيين، لكن يبدو أن هذا الأمر بدأ يتغير أخيرًا، وبخاصة في الفترة الرئاسية الثانية للرئيس الإيراني حسن روحاني.
«الاتفاق النووي».. بداية الصراع
يعتقد البعض أن خامنئي قَلِق من سياسات روحاني تجاه الغرب ولهذا يعارض الاتفاق النووي، ويتعلل بأن الولايات المتحدة لا يمكن الوثوق بها.
ربما لم يحقق روحاني أي إنجاز في فترته الرئاسية الأولى سوى الاتفاق النووي الشهير الذي أبرمته إيران مع الدول الستة الكبرى، ودافع عنه روحاني بكل الطرق قائلًا: إن «الاتفاق النووي أهم إنجاز دبلوماسي وطني في تاريخ الجمهورية الإسلامية».
في المقابل ظل خامنئي يرى الاتفاق مجرد محاولة من الغرب لجعل إيران تقدم تنازلات ظلت ترفضها طوال السنوات الماضية، وبينما اعتقد روحاني أن الاتفاق النووي سينتشل إيران من عزلتها الاقتصادية، وسيفتح الأبواب أمام الاستثمار الأجنبي، رأى خامنئي أن روحاني يريد التقرب من الغرب، والابتعاد عن مبادئ الثورة الإسلامية.
يقول «أحمدي بور»، أستاذ العلوم السياسية، لـ«منشور»: إن خامنئي قَلِق من سياسات روحاني تجاه الغرب، لذلك يعارض هذا الاتفاق، ويتعلل بأن الولايات المتحدة لا يمكن الوثوق بها، وبخاصة بعد تهديدات ترامب الأخيرة بالانسحاب من الاتفاق.
قد يهمك أيضًا: الاتفاق النووي مع إيران: من يخادع من؟
ويرى بور أن من الطبيعي في أي مفاوضات أن يحدث هذا الجدل من جميع الأطراف، لكن من الواضح أن خامنئي يستغل تلك النقطة للهجوم على روحاني.
في المقابل يرى مراقبون آخرون أن خامنئي يستخدم الاتفاق للهجوم على روحاني في الوقت الذي لم يكن فيه الاتفاق ليحدث لو كانت معارضة المرشد الأعلى له حقيقية فعلًا، ويرون أن ذلك الهجوم لا يعدو أن يكون وسيلة للحفاظ على صورته كرجل يقف ضد طموحات الغرب.
روحاني ينتقد شرعية خامنئي
في2017 فاز روحاني بمنصب الرئاسة مرة أخرى وسط إقبال جماهيري، فتشجع على معارضة خامنئي وقال: «إن شرعية المرشد الأعلى لا بد أن يحددها الشعب».
بعد انتهاء فترة روحاني الرئاسية الأولى عام 2017 دخل في منافسة مع خصمه المحافظ القوي إبرهيم رئيسي الذي يحظى بدعم خامنئي لانتزاع فترة رئاسية ثانية، ومن هنا بدأ الصراع بين روحاني وخامنئي يتخذ شكلًا أكثر تطورًا.
وقف روحاني في مدينة مشهد (معقل أنصار منافسه إبراهيم رئيسي) في إحدى جولاته الانتخابية ليقول: «الناس اليوم سيختارون بين الخداع والأمانة، الإيرانيون لديهم حكومة واحدة ودستور واحد، ولسنا بحاجة إلى قائد لكل منطقة».
رأى البعض أن روحاني يريد الإشارة إلى أن الدستور هو مصدر الحكم في إيران وليس المرشد الأعلى، وخصوصًا أنه قبل كلمته في مدينة مشهد أشار إلى هذا الأمر في حوار صحفي قائلا: «من المفترض أن لا يملك شخص واحد في إيران جميع السلطات، فنحن جمهورية ديمقراطية».
في 19 مايو 2017 فاز روحاني بمنصب الرئاسة مرة أخرى وسط إقبال جماهيري وُصِفَ حينها بأنه الأكبر في تاريخ إيران، ويبدو أن هذا الأمر شجع روحاني أكثر وأكثر على معارضة خامنئي، في أول اجتماع لروحاني بعد الفوز أعلنها صراحة: «إن شرعية المرشد الأعلى لا بد أن يحددها الشعب».
قوبلت تلك التصريحات بموجة غضب عارمة من أنصار خامنئي، واتهمه بعضهم بأنه يريد اشعال الفتنة في البلاد. ويرى «حشمت جعفري»، البرلماني السابق المحسوب على التيار المحافظ، أن شرعية خامنئي إلهية، ولا يجوز قول غير ذلك. إذ يضيف حشمت: «لا أدري كيف لرئيس جمهورية ورجل درس العلوم الشرعية أن يخرج ويقول مثل هذا الهراء، إلا لو كان يريد إثارة الفتن والصراعات بين النظام والشعب».
اقرأ أيضًا: حسن روحاني يفوز من جديد: ماذا يريد الإيرانيون من رئيسهم؟
خامنئي قلق من شعبية روحاني
بعد الانتقادات التي وجهها روحاني إلى شرعية خامنئي، يبدو أن الأخير أراد رد الصفعة إلى الأول الذي كان صرح بأن الاقتصاد الإيراني بدأ في التعافي، وأضاف: «يجب علينا أن نعمل معًا من أجل النهوض بإيران اقتصاديًّا». ووجد خامنئي في ذلك التصريح فرصة للنيل من روحاني، ولذلك، وفي إفطار جماعي لرجال الدولة في شهر رمضان الماضي قال خامنئي ردًّا على تصريح روحاني: «من هم الذين يجب أن يتعاونوا لتحسين الاقتصاد؟ من يخاطب الرئيس؟ أليس من المفترض أن يقوم هو وحكومته بمثل تلك الأمور».
قال خامنئي كلماته المصحوبة بالسخرية، وانفجر جميع الحضور في الضحك، وظهر على روحاني تعبيرات الإحراج والغضب، وكأنه تلميذ يتعرض لتَنَمُّر أقرانه.
ويبدو أن خامنئي أصابه القلق من فوز روحاني مرة أخرى، ومن شعبيته، بالرغم من أنه لم يحقق القليل من الوعود التي وعد بها الإيرانيين من قبل، ووجد أن ملف روحاني الاقتصادي السبيل الوحيد لتوجيه اللوم إليه في كل وقت.
أيضًا أعلن خامنئي أن البلاد ستتبنى نهج الاقتصاد المقاوم، وتشجيع المنتجات المحلية، وعدم الاعتماد على الاستثمار الأجنبي، ما قد يشكل عقبة أمام سياسات روحاني الاقتصادية.
فيقول «علي رضا يعقوب»، الخبير الاقتصادي: إن روحاني مثله مثل «رفسنجاني»، يتبنى سياسات الاقتصاد الحر، ويهتم بالاستثمارات الاجنبية التي طالما حارب من أجلها، وتمثلت أخيرًا في الاتفاق النووي، لكن يبدو أن الحرس الثوري وخامنئي لا يريدون ذلك، ونتيجة هذا الصراع ستكون معاناة الشعب من سوء الأحوال الاقتصادية.
روحاني يهدد خامنئي بمصير الشاه
بعد المظاهرات الأخيرة التي سادت أغلب المدن الايرانية اعتراضًا على الأوضاع الاقتصادية التي تمر بها إيران، خرج خامنئي ليؤكد على صدق مطالب المتظاهرين، ويُحمِّل روحاني وحكومته المسؤولية، لكن سرعان ما انقلبت الأمور، وأصبح المتظاهرون من وجهة نظر خامنئي وأنصاره أعداء الوطن.
قد يعجبك أيضًا: احتجاجات إيران: كيف انتهى كل ذلك الأمل بغتة؟
وجد روحاني تلك المظاهرات والاتهامات الموجهة إلى المحتجين فرصة جديدة لشن الهجوم على المرشد الأعلى وأنصاره، فخرج في أكثر من مناسبة ليُحمِّل قادة إيران، وخصوصًا خامنئي، مسؤولية تذمر الشعب.
وفي خطاب متلفز لروحاني في أثناء زيارته قبر آية الله الخميني بمناسبة ذكرى الثورة قال إن «الشاه اعتقد أن حكمه أبدي، لكنه فجأة وجد الثورة في كل مكان، وفقد مكانته إلى الأبد».
وأضاف روحاني أنه من الخطأ تشويه قادة إيران للإيرانيين المحتجين، وبدلًا من ذلك كان من المفترض أن يستمعوا لهم ويحققوا مطالبهم الاقتصادية. وطال انتقاد روحاني الحرس الثوري أيضًا، عندما وجه إليه تهمة الاستحواذ على اقتصاد البلاد.
واصل روحاني انتقاده خامنئي ليزيد من الصراع بينهما عندما قال إنه «لا أحد معصوم في إيران، والجميع يمكن انتقاده، حتى في وقت ظهور الإمام المهدي». رأى أنصار خامنئي ذلك التصريح إهانة للعقيدة الشيعية، واتهموا روحاني بعدم الولاء للمرشد الأعلى.
رسائل أحمدي نجاد
انتقاد خامنئي لم يتوقف عند روحاني الرئيس الإيراني الحالي، بل امتد إلى الرئيس السابق أحمدي نجاد الذي حظي بدعم كامل من خامنئي في فترته الرئاسية الأولى. ففي 21 فبراير 2018 نشر موقع «دولت بهار» (المحسوب على أحمدي نجاد) رسالة مطولة يطالب فيها نجاد المرشد الأعلى بتحقيق العدالة المفقودة، وإجراء انتخابات رئاسية مبكرة دون التلاعب بها عن طريق المؤسسات الأمنية.
اتهم أحمدي نجاد خامنئي في رسالته الأخيرة بالاستحواذ على الحكم، وطالبه بضرورة وجود سلطة مستقلة باختيار الشعب لتلبية مطالبهم الأخيرة، وأكد على حق المحتجين في جميع المطالب التي نادوا بها في المظاهرات الأخيرة.
واستغل نجاد تصريحًا سابقًا لخامنئي يعتذر فيه للشعب الإيراني عن عدم تحقيق العدالة في الفترة الأخيرة، ودعا خامنئي إلى الإفراج عن كل المعتقلين بسبب انتقادهم للمرشد.
لم يكتف أحمدي نجاد بتوجيه النقد لخامنئي، بل كتب له رسالة أخرى يشرح فيها الخطوات المفصلة للإجراءات التي يجب اتباعها لتنفيذ الإصلاحات التي أشار إليها.
يرى «حسين شهيدي»، الصحفي بإحدى الجرائد الإصلاحية، أن رسائل أحمدي نجاد إلى المرشد الأعلى فيها كثير من التطاول على شخصه، فيقول: «لم يسبق أن تجرأ أحد في إيران على كتابة مثل تلك الرسائل إلى المرشد الأعلى. أحمدي نجاد اتهم خامنئي بتزوير الانتخابات، والهيمنة على الحكم، والإطاحة بكل من يحاول معارضته».
لم تكن تلك المرة الأولى التي يتجرأ فيها أحمدي نجاد على خامنئي، فقد سبق وفعلها عندما أعلن نيته للترشح للانتخابات العام الماضي، وأعلن خامنئي أنه يوصيه بعدم الإقدام على هذه الخطوة لعدم تعريض البلاد للانقسامات، لكن نجاد لم يستمع لنصائح المرشد الأعلى، وذهب لتسجيل اسمه لدى هيئة الانتخابات، وانتهى الأمر بأن منعه مجلس صيانة الدستور من الترشح.
ويبدو أن هناك من سار على نهج نجاد، فكتب «مصطفى تاج زاده»، السياسي الإصلاحي ونائب وزير الداخلية في حكومة محمد خاتمي، رسالة موجهة إلى خامنئي يصفه فيها بأنه «ظالم، ويدعم القضاء والحرس الثوري المتورطين في قضايا فساد».
وأضاف زاده في رسالته أن خامنئي وأنصاره تعمدوا إغلاق أي مجال سياسي معارض لهم، وحرموا الشعب الإيراني من المشاركة السياسية. وهدد زاده خامنئي بأن نتيجة أفعاله ستكون الإطاحة به قريبًا.