يبدو أن للكاتب الفائز بجائزة البوكر، يوسف زيدان، مشكلة مع شخصيات تاريخية ودينية بعينها. المؤيدون يرون ذلك «تكسيرًا للتابوهات»، والمعارضون يعتبرونه «تجاوزًا» في حق شخصيات لها ما لها وعليها ما عليها، إلا أن قصص وحكايات زيدان لا تخلو أبدًا من حديث عن تلك الشخصيات، فهل يريد الرجل أن يبقى اسمه مطروحًا على الساحة؟ أم أنه بالفعل يستخدم أدواته كأستاذ مخطوطات لتسليط الضوء على المسكوت عنه في تاريخنا؟
مَن يوسف زيدان؟ وما علاقته بالتاريخ؟
يوسف زيدان كاتب وأديب مصري مهتم بالفلسفة والتصوف وتاريخ الأديان والمخطوطات التراثية، له عديد من المؤلفات بين روايات وقصص قصيرة ومقالات نُشرت في صحف مصرية وعربية، وقد عمل مديرًا لمركز المخطوطات في مكتبة الإسكندرية، قبل أن يترك موقعه في مشهد لم يخلُ من الجدل والبيانات الرسمية من الطرفين.
ربما كان منصب زيدان في مكتبة الإسكندرية سبب تصدير الإعلام له باعتباره متخصصًا في التاريخ و«مفكرًا كبيرًا» تؤخذ تصريحاته بعين الاعتبار، ومن هنا بدأت سلسلة لقاءات تليفزيونية لا يمر أيُّها دون جدل وتبادل اتهامات بين يوسف زيدان ومناصريه من جهة، ومسؤولين وصحفيين وباحثين من جهة أخرى.
حديث زيدان الأخير عن صلاح الدين الأيوبي، ووصفه بأنه «من أحقر الشخصيات في التاريخ الإنساني»، ليس الأول من نوعه، بل سبقته تصريحات مشابهة عن الظاهر بيبرس وسيف الدين قطز، وحتى الرواية الدينية عن الإسراء والمعراج، فما الذي يشكك فيه زيدان؟ وما الذي يجعل تشكيكه مريبًا ومثيرًا للجدل بدلًا من التساؤل بشأن صحة ما يدعيه؟
الناصر صلاح الدين؟ لا، الناصر أحمد مظهر
أحرق صلاح الدين أحد أهم مكتبات العالم بدعوى سياسية معتادة حتى الآن، هي مواجهة الفكر الشيعي.
في يونيو 2016، خصَّص يوسف زيدان جزءًا من كلامه في إحدى حلقات برنامج «السادة المحترمون» للحديث عن فيلم «الناصر صلاح الدين»، فاعتبره «عملًا مترهلًا»، وأبدى اندهاشه من أن أربعةً من كبار الكُتَّاب المصريين، نجيب محفوظ وعبد الرحمن الشرقاوي ويوسف السباعي وعز الدين ذو الفقار، اشتركوا في إخراج سيناريو بهذا الشكل، وقال إن العمل كان يجب أن يكون اسمه «الناصر أحمد مظهر، لأن صلاح الدين لا علاقة له بالفيلم».
رأى زيدان وقتها أن «صُنَّاع الفيلم كان عليهم ضغط كبير، ضغطُ جَعْلِ المسلم مسيحيًّا، والأفَّاق المنشق عن الجيش الإسلامي بطلًا، ومَن تصالح مع ملك القدس فاتحًا، ومن وزع الوطن على أسرته صاحب نهضة وبطلًا»، وهو ما أيده فيه يوسف الحسيني مقدم البرنامج.
عشرة أشهر فصلت بين وصف يوسف زيدان صلاح الدين الأيوبي بأنه «أفاق» واعتباره «من أحقر شخصيات التاريخ الإنساني». ظهر زيدان في العاشر من مايو 2017 ليتحدث عن صلاح الدين وغيره من الشخصيات التاريخية، ويطلق تصريحه الشهير: «صلاح الدين من أحقر الشخصيات في التاريخ الإنساني»، واصفًا الرجل الذي يضعه العرب في مكانة تاريخية خاصة.
قال زيدان: «قبل عام 1950 لم يكن هناك مثل هذه الشخصيات بشكلها الذي صورته السينما في تلك الفترة، منظومة الحكم في مصر وظَّفت كبار الفنانين والأدباء لإظهار الشخصيات بهذا الشكل»، قبل أن يوضح أن «صلاح الدين أحرق مكتبة القصر الكبير، التي كانت إحدى أهم المكتبات في العالم، بدعوى سياسية معتادة حتى الآن هي مواجهة الفكر الشيعي. ارتكب جريمة ضد الإنسانية، عزل الرجال عن النساء حتى ينقطع نسلهم بعد أن حكموا مصر 250 عامًا».
الإسراء والمعراج: «ماعرفش جابوه منين»
«الإسراء موجود في القرآن، لكن ماعرفش المعراج جابوه منين»، يبدأ زيدان حديثه بالتساؤل، ثم يشرح أنه استند في رأيه إلى ترتيب سور القرآن: «السورة التي يستند الناس إليها في قصة المعراج ترتيبها رقم 23، أما سورة الإسراء فترتيبها 50، وبالتأكيد لن يتحدث القرآن في وقت عن المعراج ثم يتحدث بعدها بسنوات عن الإسراء».
اعتبر بعض الناس هذا الرأي إنكارًا لقصة «وثَّقها القرآن»، ممَّا أثار الغضب ضده، وخرجت أصوات تنادي بإحالته إلى المحاكمة، لكن أحدًا لم يتحرك بشكل قانوني.
عمرو بن العاص: صاحب الفعل القبيح
في الوقت الذي يؤكد فيه يوسف زيدان أنه «معجب» بشخصية عمرو بن العاص، قائد الجيوش الإسلامية الذي ضمَّ مصر إلى دولة الخلافة في عهد عمر بن الخطاب، فإنه يرجع ويصفه بأنه «صاحب الفعل القبيح»، ذلك أنه اضطرَّ أقباط مصر إلى بيع عيالهم كي يسددوا الجزية التي فرضها عليهم، بحسب ما رواه زيدان خلال ندوة نظمتها صحيفة «اليوم السابع» المصرية.
ورغم ما وثقته كتب تاريخية عن جرائم ارتكبها بن العاص في مصر بعد «فتحها»، فإنه يحتل مكانة كبيرة لدى المسلمين في مصر، خصوصًا أنه من نشر الإسلام فيها.
اقرأ أيضًا: هل يروي التاريخ الحقيقة أم وجهات النظر؟
قطز وبيبرس.. «سفاحان حقيران»
اعتاد يوسف زيدان أن يدخل من بوابة السينما قبل الهجوم على الشخصيات التاريخية، فكما انتقد فيلم «الناصر صلاح الدين» قبل الحديث عن الرجل، بدأ حديثه عن الظاهر بيبرس وسيف الدين قطز بنقد الأعمال الفنية التي تناولت قصص حياتيهما، ثم انتقل بعد ذلك إلى الحديث عن شخصيتيهما بشكل مباشر.
يرى زيدان أن فيلم «وا إسلاماه»، الذي يعتبره كثيرون واحدًا من أفضل الأفلام التاريخية الحربية في ستينيات القرن العشرين، يدعو إلى العنف، ويحتوي على عديد من المغالطات التاريخية، وأن نظام جمال عبد الناصر السياسي كان السبب في ذلك.
قد يهمك أيضًا: وا إسلاماه: كيف رسم شادي عبد السلام تفاصيل زمن لم يعشه؟
هل المشكلة في ما يطرحه زيدان، أم في الطريقة التي يطرحه بها؟
دعا زيدان، في بيان له نشره بعد الهجوم الذي تعرض له عقب حديثه عن صلاح الدين، الناس إلى أن يعرفوا من هم «الأبطال الحقيقيين»: «البيروني والرازي وابن سينا وابن رشد وابن النفيس، وليس أولئك المزيفين من حكامكم، السفاحين الحقراء الذين استباحوا الدماء من أجل السُّلطة، أمثال عبد الرحمن الداخل وأبو العباس السفاح والحجاج بن يوسف وقطز وبيبرس وصلاح الدين».
خلال لقائه مع الإعلامية لبنى عسل، أكد زيدان أن «الأعمال التي تحدثت عن قطز وبيبرس والتتار وموقعة عين جالوت وخلافه، جميعها تدعو إلى العنف، فضلًا عن أن كلها مغالطات تاريخية، فهذا التاريخ الذين يحاولون تسويقه لنا ليس كما يدَّعون».
البحث في التاريخ.. البحث على غوغل
لا يمكن الوقوف عند سبب منطقي وواضح لما يردده زيدان باستمرار. إن كان الرجل يبحث جديًّا عن «تفتيح وتنوير» عقول الناس، وعمَّا هو تاريخ بالفعل وما ليس حقيقيًّا، فلماذا لا يطور خطابه؟ لماذا يستخدم نفس المصطلحات في كل الأوقات وأيًّا كانت المنصة التي ينطلق من خلالها؟
لو فتحت المواقع الإخبارية أو طالعت الصحف، أو أجريت بحثًا على موقع غوغل باسم الرجل، لن يظهر لك سوى هجومه وأحاديثه عن الشخصيات التاريخية والدينية، فقد ارتبطت تصريحات يوسف زيدان بعبارة «المثيرة للجدل»، وصار طرحه مادة تفتح شهية المواقع الإخبارية، إلى جانب أخبار النميمة الفنية، ممَّا يجعلنا نطرح السؤال الأهم: هل المشكلة في ما يطرحه زيدان، أم في الطريقة التي يطرحه بها؟
قد يتبيَّن يومًا أن لدى مؤلف «عزازيل» بعضًا من المعلومات الصحيحة تاريخيًّا، لكنه يقدمها بطريقة يبدو فيها تعمُّد الاستفزاز، ويضعها في سياقات غير مناسبة تجعله عرضةً للهجوم، فالبحث التاريخي له آلياته وأدواته، التي يبدو أن أحدًا من باحثي التاريخ الإسلامي لم يهتم باستخدامها للرد على ما جاء به زيدان.
هكذا تبقى رواية يوسف زيدان للتاريخ روايةً فردية لا يثبتها إلا «مانشيتات» سطحية مأخوذة عن حواراته التليفزيونية، ويبقى هو «مفكرًا كبيرًا» في نظر الإعلام، و«رجلًا ينام كالمدن القديمة» في نظر كثير من متابعيه على فيسبوك، الذين باتوا يعتبرون كلامه مادة للسخرية ومنبعًا غنيًّا للإفيهات.