تصعب مقاومة الرغبة في التثاؤب. تدفعنا أسباب عدة إليه، مثل الشعور بالتعب والحمى والضغط النفسي وتعاطي المخدرات وغيرها من الأسباب النفسية والاجتماعية. يبدأ الجنين التثاؤب في الثلث الثاني من الحمل، ويُعتقد أن ذلك يرتبط بالتطور الطبيعي للدماغ.
عندما نتثاءب نفتح فمنا واسعًا لثوانٍ، ثم نغلقه في حركة سريعة. وحين تتثاءب الثدييات والطيور، فإنها تفتح فمها لتسحب نفسًا طويلًا يعقبه زفير قصير. لكن في فصائل أخرى من الكائنات، مثل الأسماك والبرمائيات والثعابين، لا يتضمن التثاؤب التقاطًا للنَفَس.
رغم أنه تصرُّف عفوي متكرر نمارسه بتلقائية كبيرة، ولا نلتفت كثيرًا إلى أسبابه، فإن التثاؤب حيَّر العلماء الذين لم يصلوا إلى إجابة قاطعة حول أهميته. ويسعى مقال نُشِرَ على موقع «Quartz»، إلى استعراض الأسباب التي يُعتقَد أنها تدفعنا إلى التثاؤب، مع رصد لبعض التجارب التي تناولته باعتباره سلوكًا معديًا.
التثاؤب يحيِّر العلماء
التثاؤب يزداد مع الدخول في حالة النعاس، لكنه يحافظ على حالة التنبه في نفس الوقت.
في الماضي، تعددت الفرضيات. فقبل الميلاد بنحو 400 عام، اعتقد «أبقراط» أن التثاؤب يزيل الهواء الفاسد من الرئتين، قبل الإصابة بالحمى. تقول كاتبة المقال إنه في القرنين السابع عشر والثامن عشر، اعتقد الأطباء أن التثاؤب يزيد نسبة الأوكسجين في الدم ويرفع الضغط ومعدل خفقان القلب ومستوى تدفق الدم.
حديثًا، اتجه الإجماع نحو فكرة أن التثاؤب يبرد الدماغ. فلو ارتفعت حرارة المخ نفسه وما حوله، يزداد التثاؤب لأن الدماغ يعمل عند درجة حرارة معينة. يسخن الدماغ نتيجة الإرهاق وقلة النوم، لهذا السبب تزداد نوبات التثاؤب في تلك الحالات وفق بعض الآراء، ما يؤدي إلى دخول هواء أكثر برودة عن طريق الفم، والذي يُبرد بدوره الدم المتدفق إلى المخ.
إضافة إلى ذلك، وجدت ورقة بحثية، في عام 2014، أن التثاؤب يحفز المخ ليدخل في حالة من الانتباه من خلال زيادة دورة السائل المخي النخاعي (Cerebrospinal fluid).
التثاؤب يزداد مع الدخول في حالة من النعاس. لكنه يحفاظ على حالة التنبُّه، بسبب ما يتضمنه من بسط لبعض عضلات الجسم. بعض العضلات الموجودة في الأذن تنشط خلال التثاؤب أيضًا، ما يرفع من حساسية طبلة الأذن والسمع.
رغم هذه النظريات، لا يعرف العلماء الوظيفة البيولوجية الحقيقية لهذا الفعل العفوي.
اقرأ أيضًا: ما ﻻ تعرفه عن تحكم الجهاز المناعي في سلوكك الاجتماعي
التثاؤب كسلوك مُعدٍ بين البشر.. والكلاب أيضًا؟
الأشخاص الأكثر تعاطفًا مع الآخرين أكثر عرضة للتثاؤب المعدي.
تقول كاتبة المقال إن ما نعرفه أن كل فصائل الكائنات تتثاءب. بعض الحيوانات تفعل ذلك حين يصيبها الإرهاق. وعند بعض الكائنات، يكون التثاؤب وسيلة للتهديد. يحدث أيضًا في أوقات الصراع الاجتماعي والضغط، في ما يسميه العلماء «سلوكًا إحلاليًّا».
التثاؤب سلوك معد، بين البشر طبعًا، وبعض الفصائل الاجتماعية مثل «الشمبانزي»، و«البونوبو» (المسمى قديمًا الشمبانزي القزم)، و«قردة المكاك» (نوع من القردة الآسيوية)، والذئاب.
تُظهِر الأبحاث عن البشر أن الأشخاص الأكثر تعاطفًا مع الآخرين يكونون أكثر عرضة للتثاؤب المعدي. حين ترى شخصًا يتثاءب، تنشط شبكات الدماغ المسؤولة عن التعاطف والمهارات الاجتماعية. يبدأ الأطفال في الرابعة أو الخامسة في ممارسة هذا التثاؤب الاجتماعي، حين تبدأ مشاعر التعاطف مع الآخرين في الظهور مع تطور القدرات الإدراكية. من ناحية أخرى، فإن الأطفال المصابين بالتوحد، وهو مرض يؤثر في تلك القدرة الإدراكية، يتثاءبون بشكل أقل استجابة لمشاهدة مقاطع فيديو يرون فيه أشخاصًا يتثاءبون.
«هل التثاؤب يُعدي الكلاب أيضًا؟». حاولت مجموعة من البيولوجيين في المملكة المتحدة الإجابة عن هذا السؤال في عام 2011، رغم أن خمسة من أصل 19 كلبًا، تناولتهم الدراسة، فعلت ذلك استجابة لتثاؤب شخص لا يعرفونه. لم يستطع العلماء إثبات أن التثاؤب كان معديًا.
في عام 2013، درس علماء العلوم الإدراكية والسلوكية في جامعة طوكيو التثاؤب المعدي بين الكلاب. وجد العلماء هذه المرة أنه من الممكن بشكل أكبر أن تتثاءب الكلاب كرد فعل لشخص مألوف. واستنتجوا أن الكلاب قد تصاب بالعدوى من البشر، وأن تثاؤبهم سلوك اجتماعي، ولا يصدر تحت الضغط.
في عام 2014، بحث علماء النفس في جامعة نبراسكا، مسألة التثاؤب المعدي بين كلاب تقيم في مأوى. وجدوا من خلال تجاربهم أن بعض الكلاب التي تثاءبت عند تعرضها لبشر يفعلون ذلك، كان لديها مستوى مرتفع من هورمون «الكورتيزول»، المرتبط بارتفاع مستوى الضغط النفسي. لم يرتفع مستوى الكورتيزول بين الكلاب التي لم تتثاءب كرد فعل على إنسان ما. تقترح هذه النتائج أن بعض الكلاب، وليس كلها، تجد تثاؤب الإنسان أمرًا مسببًا للضغط النفسي. تقول الكاتبة إننا ما زلنا في حاجة إلى مزيد من الأبحاث لتقييم هذا الجانب من علاقة الإنسان بالكلاب.
يحيط العلماء بشكل كامل بآليات التثاؤب، لكن الغرض الوظيفي منه ما يزال محيرًا، فما زلنا لا نفهم بعضًا من الأمور. أما في ما يخص الحيوانات، وبخاصة الأليفة منها، ربما تستطيع أنت في بيتك أن تقوم ببعض التجارب. فلو كنت تملك كلبًا، جرِّب مثلًا أن أن تتثاءب، ولاحظ إن كان كلبك سيقلدك، ودَوِّن ملاحظاتك، قد تجد الأمر مسليًا.