لم أكن يومًا نحيفة، أتذكر أني في الثامنة من عمري أردت أن تشتري لي أمي فستانًا. ذهبنا إلى أحد المحلات فقالت البائعة لأمي: «الفساتين مش هتبقى حلوة عليها عشان هي كلبوظة شوية». كانت تلك أول مرة أشعر فيها بالغضب الشديد من تلك الكلمة، لكن مع مرور السنوات تعودت سماعها.
في كل مرة كنت أدخل محل ملابس، كان لا بد أن أسمع كلمات مثل «هتبقى ضيقة عليكي» أو «مفيش منها مقاسك». كنت أرى فتيات في مثل عمري يرتدين ملابس قصيرة وأنا ممنوعة منها، لأن والدتي كانت ترى أن الفتيات البدينات لا بد أن يرتدين ملابس واسعة وفضفاضة لمحاولة إخفاء «عيوب أجسادهن». شعرت بالدونية وبأن عليَّ أغلب الوقت أن أتوارى عن الأنظار لأني بدينة ولدي بضعة كيلوغرامات زائدة.
مررت بفترات اكتئاب طويلة، وفي المرحلة الثانوية تصاعدت الأمور عندما طلبتْ إحدى المعلمات من والدتي أن أستبدل بزي المدرسة آخر أوسع لأني بدينة و«مايصحش تلبس ضيق». حينها تركتُ المدرسة لمدة طويلة ودخلت في نوبة يأس كانت أكبر من أن أتحملها، لدرجة أن كل فشل مررت به في حياتي كنت أرى بدانتي سببًا له.
حمية غذائية لأجل عيون المجتمع
تدخلت والدتي وأشارت عليَّ بأنه حان الوقت للانتظام في حمية غذائية، ومن هنا بدأتْ فترة أصعب من السابقة. ذهبت إلى أخصائي تغذية وبدأت رحلة الحمية، فصار كل شيء ممنوعًا، منعت نفسي حتى من ملاقاة أصدقائي كي لا أصادف أحدهم يأكل شيئًا محرَّمًا عليَّ.
قد يهمك أيضًا: كيف نبحث في طعامنا عن الخلود؟
مرت شهور الحمية ثقيلة وكئيبة، لكني نجحت في إنقاص وزني عدة كيلوغرامات، ولا أنكر أنني كنت سعيدة بهذا النجاح حتى وإن كان هدفه إرضاء من حولي أو نَيْل بعض القبول الاجتماعي، وهو ما كان.
طَوَال تلك السنوات لم أكن راغبة في إنقاص وزني من أجلي، بل من أجل مَن حولي.
قدرتي على تحمل الحمية بدأت تنهار، فاسترددت بعض الوزن مجددًا، وعادت نفس السخافات والنظرات، ورجع كل شيء إلى ما كان عليه: اكتئاب وعزلة، وأصبحت زيادة وزني الهمَّ الذي يشغل جميع أفراد العائلة بعد أن دخلت الجامعة، وهو الوقت المناسب لإيجاد عريس وسيم من وجهة نظرهم، فبدأ الحديث عن أنني إن لم أُنقص وزني فلن أحصل على فرصة زواج جيدة، وحتى إن وجدت ذلك الشخص الذي يوافق أن يتزوج فتاة بدينة فلن أتمكن من الحمل.
صراع الوزن يحسمه الإنترنت
كنت في عامي الثاني في الجامعة، وكنت قد استقللت بنفسي إلى حدٍّ ما، وأدركت أني لا أريد أن أقضي ما تبقى من حياتي في تلك الدائرة المغلقة، وأصابتني حالة من اللامبالاة تجاه وزني، فبدأت أنظر إلى حياتي بشكل منفصل عن كوني بدينة أو نحيفة، حتى أدركت أني طَوَال تلك السنوات لم أكن راغبة في إنقاص وزني من أجلي بل من أجل مَن حولي، وأدركت أيضًا أني عندما أنظر إلى نفسي أجدني جميلة ولا ينقصني شيء.
إحقاقًا للحق، كانت فكرة إنقاص الوزن تراودني من حين إلى آخر، لأني أشاهد التليفزيون فأجد الجميلات نحيفات، أدخل محل ملابس فأجد الثياب الجميلة مصممة للنحيفات، أما البدينات فعليهن أن يرتدين قطعًا كثيرة وفضفاضة كي لا يؤذين مشاعر الآخرين بوزنهن الزائد، وكي يتسنى لهن الهروب من السخرية ولو لوقت قليل.
اكتشفت عالم عارضات الأزياء البدينات في أوروبا، وكيف أنهن يلبسن ما يحلو لهن ولا يخجلن حتى من ارتداء البكيني.
بقيت لفترة داخل هذا الصراع النفسي بين كوني أراني جميلة ولا أريد أن أتغير، وبين نظرات الأهل والمجتمع. وفي يوم عثرت على حساب على إنستغرام باسم «Eff Your Beauty Standards»، صاحبة هذا الحساب سيدة بدينة تُدعى «Tess»، أصبحتْ لاحقًا إحدى أشهر عارضات الأزياء للمقاسات الكبيرة.
كانت «تِس» تدعو عبر إنستغرام إلى أن تحب النساء البدينات أنفسهن وأجسامهن كما هي، وتطلب منهن إرسال صور لهن يرتدين فيها أكثر الملابس التي يخافون ارتداءها لكونهن بدينات. ظللتُ لأسابيع أراقب نساء بدينات من مختلف أنحاء الكوكب ينشرن صورهن بملابس قصيرة ومفتوحة، شعرت حينها أني لست البدينة الوحيدة على وجه الأرض، وأني لا أعاني مرضًا عضالًا صعب التخلص منه، وأسعدتني أكثر ثقة «تِس» في نفسها رغم ما عانته من رفض مجتمعي.
اقرأ أيضًا: صور إنستغرام المعدلة تهدد صحتنا النفسية
بدأت أكتشف عالم عارضات الأزياء البدينات في أوروبا، وكيف أنهن جميلات واثقات في أنفسهن ويرتدين ما يحلو لهن، حتى أنهن لا يخجلن من ارتداء البكيني. أدهشني وجود أماكن مخصصة لبيع الملابس النسائية بجميع المقاسات والأشكال، منها محال متخصصة في ملابس النحيفات تمامًا، أي أن الفتاة البدينة ليس عليها الاختفاء داخل قطع كبيرة من القماش، ويمكنها ارتداء كل شيء وأي شيء.
كل ذلك، وبالأخص «تِس»، أثر في تفكيري وجعلني أعيد مراجعة نظرتي إلى نفسي وجسدي، بدأت أشعر بالتغير والثقة أكثر فأكثر، ووجدت نفسي أجرب ملابس كنت أخاف الاقتراب منها قديمًا.
أتذكر نظرات الناس أول مرة أرتدي فيها تنورة قصيرة وبلوزة دون أكمام في الشارع. كنت أعرف تلك النظرات جيدًا، أعرف أنهم يريدون أن يقولوا لي: «ماينفعش تلبسي كده، إنتي تخينة». في البداية كنت خائفة ومترددة، ومع كل خطوة كنت أفكر في العودة إلى المنزل، لكني أصررت على المواصلة، أعجبتني فكرة أن أتحدى الناس وأنظر في أعينهم ولسان حالي يقول: «أنا عاجبة نفسي كده، ومن حقي ألبس اللي نفسي فيه».
الأكثر إثارةً للدهشة كان نظرات المحيطين بي، فمن كان يطالبني ليلًا ونهارًا بإنقاص وزني صار الآن من أشد المعجبين بثقتي في شكلي وجسمي، بل ويحسدني عليها. عندما أقول أمام شخص إني بدينة وأعرف ذلك وأحب ما أنا عليه، ولدي من الثقة والتصالح مع النفس ما يكفي، أتلقى سيلًا من عبارات الإعجاب والانبهار.
على الشاطئ بالبكيني ولا أبالي
تلك الرحلة كانت مليئة بالصعاب والدموع والإخفاقات، لم تكن سهلة إطلاقًا، لكن في نهايتها لذة ممتعة، فهي أجمل تجربة مررت بها في حياتي، وأقدِّر حتى صعابها، وممتنة لكل شيء فيها لأنها جعلتني ما أنا عليه الآن. أتمنى أن يمر كل فرد بتلك التجربة، وليس شرطًا أن يكون بدينًا، فهناك من يكره لون بشرته أو شكل أنفه أو نوع شعره، إلا أن المرء عندما يثق في شكله وقدراته، عوضًا عن رأي الناس فيه، يجد كل شيء هينًا بعدها.
مرت السنوات، وها أنا في عامي الواحد والثلاثين أكتب تجربتي، وبعد قليل سأذهب إلى الشاطئ مرتديةً المايوه البكيني، غير مبالية بأي شيء.