عديد من الأحداث والدلائل التي ظهرت على السطح مؤخرًا، من حروب وأمراض مستعصية وندرة في موارد دول عدة، تجعل أكثر المتفائلين يعتقد أن البشرية لن تصمد كثيرًا، وأن مستقبلها ربما لا يكون طويلًا، وإن طال فلن يكون سعيدًا.
في حين تبدو هذه النهاية حتمية بالنسبة إلى بعض الناس، يرى آخرون أن النزعة المادية والذاتية التي يتمسك بها البشر منذ زمن طويل هي التي تؤدي لاقتراب النهاية، لكن الحل يكمن فقط في المبادرات الفردية الروحية، التي قد تُسهم في إعطاء البشرية فرصة أخرى، مثل ما جاء في مقال نشره موقع «High Existence».
الإنسان والطبيعة: تاريخ من المذابح
في الفترة الأخيرة، أطلقت عدة منظمات تقارير تشير إلى مدى التدهور الذي وصلت إليه الكرة الأرضية، وجاء فيها مثلًا أن مصادر المياه العذبة تقل بسرعة، بدرجة جعلت كاتب المقال يقول إنه لو كانت هناك مخلوقات فضائية تراقب كوكب الأرض، لاعتقدت أن البشر قرروا السير بخطى سريعة نحو الفناء.
رغم ذلك، تخبرنا النظرة المدققة إلى التاريخ أن البشر اتخذوا خطوات نحو النهاية منذ آلاف السنين. ويرى الكاتب إمكان التوقف عند عام 4000 قبل الميلاد تحديدًا، عندما قرر سكان الأطراف الجنوبية في روسيا الهجرة إلى أوروبا، لتتكون المجتمعات الأولى لمن يُطلق عليهم «الهنود الأوروبيون».
تتحدث المؤلفة «ريان إيسلر» في كتابها «The Chalice and the Blade» عن العصر الحجري الحديث، فتذكر أن سكان أوروبا قبل الهنود الأوروبيين تمتعوا بحِسٍّ فني، بالإضافة إلى تديُّنهم وترابطهم القوي مع الطبيعة، كما حملت مجتمعاتهم قدرًا كبيرًا من المساواة، دون وجود النظام الهرمي الذي يفرق بين الطبقات في معظم دول العالم حاليًّا، وتساوت المرأة بالرجل، حتى أن الآلهة التي عبدوها كانت إناثًا.
اقرأ أيضًا: لماذا تحول البشر من عبادة الإلهة الأنثى إلى تذكير الإله؟
مثلما فعل أجدادهم قبل آلاف السنين، دمر الأوروبيون حضارة أمريكا وقضوا على السكان الأصليين.
لا توجد دلائل على استخدام سكان أوروبا في هذه الحقبة تحصينات خاصة أو جيوش من أجل الحرب، ممَّا يرجح أنهم كانوا مسالمين، لكن في المقابل، كان الهنود الأوروبيين على النقيض، فآمنوا بقوة السلاح، وكان مجتمعهم تراتبيًّا ذا طبقات وقيادة عليا، وآلهتهم ذكورًا، لذا كانت النتيجة الحتمية لنزوحهم إلى أوروبا هي احتلالها مع أجزاء من آسيا، واستبدال حضارة جديدة بالحضارة المسالمة للعصر الحجري، وفق ما يذكر الكاتب.
كان الهنود الأوروبيون نواةً لحضارات أخرى تشكلت لاحقًا، مثل الرومان والإغريق، لكن مع اختلاف تلك الحضارات، احتفظت جميعها بالقواعد الأساسية التي أقرها الهنود الأوروبيون، مثل البناء الهرمي للمجتمع، والاعتماد على قوة السلاح، والإيمان بآلهة ذكورية، والنظر إلى الطبيعة كأنها عدو.
تكرر هذا السيناريو لاحقًا بدايةً من القرن السادس، عندما قررت دول أوروبا استخدام البحر للوصول إلى الأمريكتين، وهناك فعلوا مثل أجدادهم، فدمروا الحضارة القائمة وقضوا على السكان الأصليين، واستبدلوا بهم الشكل والبناء المميز لهم مرة أخرى.
الطبيعة؟ نحن أهَم
انتقلت فكرة عداء الطبيعة وعدم الاهتمام بالحفاظ عليها من أجدادنا إلينا.
يستنتج كاتب المقال أن العقلية التي استمرت هي التي فكرت حصرًا في نفسها وكيفية استمرارها وحدها، دون النظر إلى الآخر. هذه العقلية ترى احتياجاتها ومطالبها أهم من كل من حولها، سواءً كانوا بشرًا أو كائنات أخرى، ويعني هذا أن الحياة بالنسبة إلى هؤلاء تتمحور حول ذواتهم ولا تلتفت لما يحيط بهم.
ربما تطور نوع الحياة وطريقة التفكير هذه بسبب المنطقة التي جاء منها الهنود الأوروبيون، إذ قد تكون حالة الطقس الصعبة في جنوب روسيا ساعدت على تنمية غريزة البقاء وتعزيز حس المنافسة والأنانية، وهو ما لم يكن ليحدث في حالة وجودهم في طقس أفضل وأكثر استقرارًا.
انتقل كل هذا إلى أحفاد الهنود الأوروبيين، خصوصًا فكرة عداء الطبيعة وعدم الاهتمام بالحفاظ عليها، بسبب النظر إلى عناصرها كما لو كانت موجودة فقط لخدمة البشر.
قد يهمك أيضًا: الحياة السرية للأشجار: ماذا تعرف عن مشاعر الشجر وذكرياته؟
لا، نحن والطبيعة واحد
يجب أن نغير نظرتنا إلى كل ما في الوجود، ونحاول تقليل حِسِّ الأنانية لدينا، ونزيد الاهتمام بالعالم حولنا وبالأمور الروحية كذلك، أو في قول آخر: علينا أن نحاول إيجاد نوع للحياة يعود بنا إلى ما كان عليه أبناء العصر الحجري الحديث.
ربما يبدو هذا مستحيلًا، فكيف نقنع البشر، الذين لم يعد لديهم كثير من الوقت على كوكب الأرض، بالتغيير إلى نظام جديد يختلف عمَّا اعتادوه؟
بدأ البشر سعيهم نحو هذا التغيير تحت شعار «تطوير الذات»، خلال السنوات الأربعين الأخيرة، ففي هذه السنوات يمكن ملاحظة زيادة أعداد المقبلين على الديانات الشرقية، مثل الهندوسية والبوذية، بالإضافة إلى الممارسات التأملية مثل اليوغا وغيرها.
قد يعجبك أيضًا: رواه بوذا: كيف تجتمع المبالاة مع اللامبالاة عند «زن»؟
يتنامى تعاطف الإنسان مع غير البشر الآن، وهو ما لم يكن يحدث في الماضي.
يشير المؤلف الأمريكي «بيتر راسل» في بحث له إلى الميل المتزايد لكثير من الناس نحو هذه التقاليد، فيقول إن عدد المقبلين عليها يتضاعف كل أربع سنوات، ويصاحب هذا ارتفاع في عدد من يرفضون المسار التقليدي المرسوم لحياتهم، من دراسة ثم زواج وإنجاب، مع أداء المهام نفسها بشكل روتيني والابتعاد عن تجربة أي جديد، لهذا بِتنا نجد من يغيرون عملهم، ويقضون إجازاتهم في السفر إلى أنحاء العالم.
يرى الكاتب أن كل هذا يعني وجود حالة من الإقبال على الحياة والاستمتاع بها بين البشر حاليًّا، بعيدًا عن النمط التقليدي الاستهلاكي والأناني للحياة.
يلاحظ كاتب المقال كذلك تنامي تعاطف الإنسان مع غير البشر، وهو ما لم يكن يحدث في الماضي، فبالرجوع إلى كتاب «كولن ويلسون» بعنوان «A Criminal History of Mankind»، نجد الكثير من العنف وقسوة الطباع في تاريخ البشر، فالتعاطف الذي نبديه الآن نحو الأطفال والحيوانات مثلًا قد يصدم أبناء العصر الفيكتوري.
لكن التعاطف مع الآخر صار عاديًّا في العصر الحالي، ويأتي في صور كثيرة، مثل الاهتمام بذوي الاحتياجات الخاصة أو مقاومة العنصرية بمختلف أنواعها، وغير ذلك من الممارسات.
اقرأ أيضًا: لماذا تدعونا الأرض لإسقاط النظام؟
لننقذ البشرية من الفناء
ينص قانون صدى التحول على أن التغيير الذي يُحدثه فرد من جنس ما سيؤثر على الجنس بأكمله.
يبدو أن هذه التغييرات سببها تنامي الوعي بالخطر المحدِّق بالبشرية، وربما هي غريزة البقاء، إذ يذهب كاتب المقال إلى أن الطبيعة نفسها ربما أطلقت جرس إنذار بعد الممارسات الكثيرة التي أصبحت تهدد الجنس البشري، والتي قد تؤدي إلى فناء الكوكب بدوره.
لكن ربما لا تكون هذه التغييرات الجيدة التي يُحدثها البشر إلا سلوك أفراد قليلين، ولن يكون لها التأثير المرجو، خصوصًا مع استمرار الأغلبية في الممارسات التي تسرِّع من الفناء.
هنا يحين دورنا، فبما أن هناك من بدؤوا في التغيير بالفعل، وهناك من ينوون التغيير، بالإضافة إلى من يقرؤون هذا الموضوع مثلًا وربما يتأثرون به، فسيحدث التغيير طبقًا لقانون «صدى التحول»، الذي وضعه عالم الأحياء «روبيرت شيلدريك».
ينص القانون على أن التغيير الذي يُحدثه فرد من جنس ما سيؤثر على الجنس بأكمله، وهكذا لن يصبح ما يحدث مجرد مبادرات فردية، فمع تنامي أعداد من يهتمون لأجل الأشياء غير المادية، سيصبح الأمر معتادًا في ما بعد، وسيتحول ليكون أسلوب حياة معظم البشر، وسيسعى أغلب الناس بخطوات جادة نحو إبطاء سير البشرية إلى الفناء.