في مساء يوم صيفي آواخر القرن التاسع عشر حدث أن خرجت عائلة صغيرة مكونة من زوج وزوجة ورضيعة في رحلة لانهائية قاصدين قرية بريطانية. الزوج والزوجة لا يتبادلان الحديث، ويتظاهر الزوج بأنه يقرأ. يتوجهان إلى خيمة تقدم الطعام وبجانبها مزاد للماشية.
بينما هم يأكلون يشرب الزوج كثيرًا من الخمر، ويبدأ في التحسر على حاله. لقد تزوج وهو في الثامنة عشرة، ويشتكي من فقره المدقع. يصل إلى سمعه صوت إنسان يعرض حصانًا للبيع، فيتساءل بصوتٍ عالٍ: «لماذا لا يبيع الرجل زوجته إن لم يعد يريدها؟». تنهره زوجته، يصمت برهة، لكنه يعود ويسأل: «من يريدها؟».
يأمرها بأن تقف لتعرض نفسها قائلًا إن سعرها خمسة جنيهات فقط. على طاولة قريبةٍ من الزوج يجلس بحار، يسمع تساؤلاته ويستجيب لها بأن يتفحص الزوجة مرارًا وتكرارًا، ولسوء حظ الزوجة المغلوبة على أمرها، يوافق هذا البحار على الصفقة، فتنزع خاتم زواجها، وتذهب معه باكية.
هكذا يبدأ «توماس هاردي»، الكاتب البريطاني، روايته «عمدة كاستربردغ». عام 1886 بدأ هاردي كتابة هذه الرواية ذات الأماكن والأحداث الخيالية، والتي تعد انعكاس واقع الطبقة الدنيا في بريطانيا، والدليل الأدبي على تلك العادة البربرية، إذ يستطيع كل زوجٍ زهد في زوجته أن يعرضها في مزاد، ويقايض عليها، ثم يقبض ثمنها كبضاعة، حرفيًّا.
في السراء والضراء، نبيع
لم يبدأ الأمر كبيع بشكلٍ صريح، بل اتخذ شكل الطلاق الذاتي. فلم يكن الطلاق اختيارًا مطروحًا وقتها، وفي حالة أن الزوج أراد أن يُطلِّق زوجته شرعيًّا، فسيكلفه الأمر مبلغًا ضخمًا. كان اتفاقًا ضمنيًّا على التحرر الكامل من الزواج لرجلٍ آخر، وبموافقة الزوجة أحيانًا، ويدفع مُستلم الزوجة مبلغًا للزوج، وبهذا تنتهي العلاقة.
في بعض الحالات كانت المرأة تقاد بموافقتها على عملية البيع، راغبة مثل زوجها في أن تتخلص من علاقتها به.
يسرد المؤرخ «جون آر. غيلليس» في كتابه «For Better, for Worse: British Marriages» بعض الحالات التي رُصِدت على مدار التاريخ. أول حالة سُجِّلت لهذا النوع من الطلاق حدثت في تسعينيات القرن السابع عشر. رجل يُدعى «جون نيثان» قرر أن يبيع زوجته لـ«بريس غرديل»، ويُقال إنه بعدها بوقتٍ قصير ظهر رجل آخر في ساحة كنيسة بزوجة أخرى، وباقي التفاصيل مجهولة.
الحادثة المُسجلة الثانية وُجِِدَت في السجل السنوي لعام 1733، والسجل السنوي أشبه بجريدة تُكتَب فيها الأحداث المميَّزة أو التاريخية أو الدينية. ثلاثة رجال وثلاث نساء في مدينة برمنغهام بإنجلترا دخلوا حانة وكتبوا في الدفتر الخاص بكتابة المصاريف: «صامويل وايت هاوس، من مقاطعة ستافورد، باع زوجته ماري وايت هاوي في السوق المفتوحة إلى توماس غريفيث بقيمة جنيه واحد، ليأخذها بكل آثامها».
لكن هاتين الحالتين لم تمثلا سوى شائبة صغيرة في منظومة الزواج البريطانية، وربما هي حالات مختلقة، إلا أن الأمر انتشر في القرن الثامن عشر.
في القرن التاسع عشر أصبح البيع شائعًا جدًّا بين الفقراء لأنه العلاج الأسرع والأرخص للتخلص من الزيجات السيئة. تبدأ عملية البيع بأن يضع الزوج حبلًا حول عنق زوجته ويقودها إلى السوق، مُعلنًا بصمت نيته بيعها، ويشتري تذكرة ليبدأ البيع.
يلف الزوج بزوجته أرجاء السوق عدة مرات ليجعل الإجراءات قانونية، وذلك قبل طرحها في المزاد. بعد أن أدركت السلطات انتشار حالات البيع بين الطبقة الدنيا أعلنت أن العلاقة القائمة بين الزوجة والمُشتري الجديد باطلة وغير قانونية، وعقوبتها كالزنا تمامًا. إلا أن السلطات تغافلت عن تطبيق أي عقوبة على البائعين أو مقيمي المزادات، فزادت شعبيتها.
ماذا كان رأي الزوجة؟ يقول المؤرخ إنه في بعض الحالات المسجلة كانت المرأة تقاد بموافقتها على عملية البيع، وراغبة، مثل زوجها تمامًا، في أن تتخلص من علاقتها به. في حالات نادرة كانت تُباع لمن يقدم أعلى سعر دون علمها، لكنها تستسلم في نهاية الأمر، وتعلن خضوعها وطاعتها لزوجها الجديد، لأن المرأة في ذاك الوقت لم يكن لها أي صلة بالطبيعة المادية، والتزامها الوحيد أن تُطيع وتخلع خاتم زواجها ببساطة. وفي حالاتٍ أخرى كان المُشتري مجرد عشيق سابق للزوجة.
استمر بيع الزوجات في إنجلترا بطريقةٍ ما حتى أوائل القرن العشرين، وفقًا للمؤرخ «جيمس بريس» الذي كتب في عام 1901 أن حالات بيع الزوجات كانت لا تزال موجودة في بعض الأحيان خلال فترة وجوده الذي امتد إلى عام 1922.
يُقال إن آخر حالة مُبلَّغ عنها في إنجلترا كانت في 1913، حينما قدَّمت امرأة أدلة إلى محكمة مدينة ليدز مُدَّعيةً أن زوجها باعها إلى أحد زملائه في العمل بمبلغ جنيه إسترليني.
قد يهمك أيضًا: النساء.. آلهة استُعبِدن باسم الزواج
ليست زوجة، بل ملكية خاصة
في منطقة راجارا بالهند لا يتقدم الشباب لخطبة الفتيات، بل يعرض مبلغًا ماليًّا مُقابلهن، ولا يُسمى هذا المال «مَهرًا»، بل سعر وثمن.
لم يتوقف الأمر عند الحالة التي أرَّخ لها بريس. فها نحن في القرن الحادي والعشرين، ولا نزال نرصد حالات بيع الزوجات. ففي تقرير نشرته شبكة «CNN» الإخبارية عام 2009 يسرد كيف يدفع الجفاف وتراكم الديون واليأس الناس دفعًا إلى التطرف في شمال الهند.
في السنوات العجاف يضطر المزارعون إلى أن يقترضوا المال من الأغنياء المرابين. ورغم الفائدة المرتفعة التي يفرضونها عليهم، فإن ذلك هو الحل الوحيد للبقاء على قيد الحياة. يبذل المزارعون كل في وسعهم ليسددوا الدين، لكن مع زيادة الفائدة وتدهور الحصاد، يجبرهم المقرِضون على أن يسددوا الديون بما يطلبون منهم، أيًّا يكن، وفي بعض الأحيان تُطلَب الزوجة كسدادٍ للدين.
تقول زوجة أحد المزارعين إن الأمر يحدث أحيانًا عندما يستدين أحدهم مالًا، فيشتري الزوجة. أجبرها المُشتري على أن تعيش معه شهرًا كاملًا إلى أن تحولت قضيتها إلى رأي عام، حينها تراجع المشتري، وعادت إلى زوجها.
حادثة أخرى تقول فيها الزوجة إن والديها باعاها قبل 14 عامًا بمبلغ 10 آلاف روبية (ما يقرب من 200 دولار)، موضحةً أنهم باعوها لأجل النقود فقط، ولم تفكر قط في أن تُبلِّغ السلطات لأنها كانت في الثانية عشر من عمرها، ولم يكن هناك ملجأ لها إلا مُشتريها، فرأته أنه قدرها وقبِلَته.
توضح «رانجانا كوماري»، مُديرة مركز البحوث الاجتماعية في الهند، أن استغلال المرأة أمر شائع في تلك المنطقة، ولا تجد المرأة التي لديها الشجاعة لرفع دعوى إلى السلطات سوى قليلٍ من الدعم. رغم المحاولات المبذولة من جهة الحكومة الهندية لتتبع هذه الحالات، فلا أحد يُمكنه تحديد مدى انتشار هذه الأعمال الوحشية لمنعها أو لوضع حلول لها، لكن ببساطة إذا ما قررت الأسرة أن تبيع، فكيف سيتشجع النظام تجاه هذه الحالات التي تعد فيها الفتاة ملكية خاصة لوالديها؟
حسب التقاليد في منطقة تُدعى راجارا بالهند، لا تتزوج الفتيات بأن يتقدم شابٌ لخِطبة إحداهن، بل يتقدم ليعرض مبلغًا ماليًّا مُقابلها، ولا يُسمى هذا المال «مَهرًا أو هدية لزوجة المستقبل»، بل سعر وثمن.
تبدأ عمليات بيع الفتاة عندما تبلغ عامها الثالث عشر. يتقدم الخطيب/المشتري الأول، ثم الثاني، والثالث، والرابع. كل واحد منهم يُقدم سعرًا أعلى من سابقه، وتُخطَب الفتاة لكل واحد منهم، لكنها تتزوج من الرابع، وبهذا تسدد الأسرة إلى الثالث المبلغ الذي دفعه، وتستفيد من الفرق بين المبلَغين.
رغم أن السلطات على علم بالمشكلة، إذ سجلت الشرطة 55 شكوى متنوعة الأسباب بين يناير 2011 وإبريل 2013، فلم يكن هناك أي رد فعل. والاعتقالات تحدث فقط في حالات العنف الواضح. وبهذا تتعايش أجيال وأجيال، تتوارث الفقر والتطرف والاستعباد، وتنتج آثار هذه الضغوطات على الأفراد الأضعف، النساء والأطفال، فيُستغنَى عنهم بمقايضات تأخذ شكل الاستعباد.
قد يعجبك أيضًا: وإذا الموءودة سُئلت: لماذا يقتلون البنات في الهند؟
عذراوات للبيع
يتراوح متوسط سعر العروس في بلغاريا بين 290 إلى 350 دولارًا، وقد يصل إلى 3500 دولار إن كانت العروس تحمل صفات الجمال التقليدية.
تباع النساء صراحةً في بلغاريا. يبدو الأمر مُثيرًا للسخرية والدهشة، فقد ظننا في بداية الأمر أن بيع الزوجات قد انتهى. لكن ماذا عن الزواج عن طريق البيع والشراء والمزايدة؟ ماذا عن أن تتحول المرأة إلى بضاعة بشرية، وتكون هذه وسيلتها الوحيدة للزواج، بل وسيلتها الوحيدة للحياة؟
هذه هي عادات قبيلة «كالايدزي». ورغم التغيرات التي تطفلت على هذه العادات بسبب التكنولوجيا، فإنها لا تمنع سوق العرائس من أن يُقام سنويًّا في فصل الربيع. تُباع الفتاة تحت إشراف الأهل، يوضح والد إحدى الفتيات، في فيلم وثائقي على قناة «Broadly»، أن الأمر ليس تجاريًّا، وليس سيئًا كما يبدو، هو فقط طريقة للتعارف بين الشباب، حدث ضخم للمواعدة السريعة، وليس إجبارًا على الزواج كما يصفه الإعلام.
من حق الفتاة أن ترفض بعد أن تتفاوض العائلتان على السعر، حتى لو اتفقا. وإذا لم تشعر الفتاة بالراحة، فلن تتم الزيجة. أما الأم، فتقول: «العذرية تجلب مالًا أكثر. إذا لم تكن الفتاة عذراء، فستُتهم بأنها عاهرة، ولن تجلب سعرًا جيدًا».
يتراوح متوسط سعر العروس بين 290 إلى 350 دولارًا، لكن يصل السعر في بعض الحالات إلى 3500 دولار إن كانت العروس تحمل الصفات التقليدية للجمال: الشعر الطويل، والعيون الملونة، والبشرة الفاتحة. وطلبات العريس هي أن تكون الفتاة جميلة وعذراء، وأن يحبا بعضهما.
الأمر بالنسبة إلى فتيات القبيلة مُرعب رغم أن السوق هي طريقهن الوحيد للزواج، للحياة الوحيدة المُتاحة لهم. مخاوفهن مُتعددة، فربما يُقرر الوالدان أن يزوجا ابنتهما إلى رجل غني لأنه دفع أعلى سعر لها، حتى وإن كانت لا تريده.
ربما ترفض والدة العريس الفتاة التي اختارها لأن عيونها سوداء، والأم تريد فتاةً أجمل ذات عيونٍ زرقاء وشعرٍ أشقر وجلدٍ أفتح، رغم أن الفتى مغرم بالفتاة من قبل إقامة السوق. تخاف الفتاة التي تجاوزت العشرين من أن يزوجها/يبيعها والداها إلى رجلٍ عجوز وغني، لأنها تُعد عانسًا، وليست «طازجة»، وأغلب الفتيات يتزوجن بين الثالثة عشرة والعشرين من عمرهن.
اقرأ أيضًا: أسطورة غشاء البكارة: مغالطة طبية تسوِّد حياة المرأة العربية
تتجول المراسِلة في الفيلم مع فتاتين في السوق وهن يحاولن أن يبتعن الفساتين والأحذية الأجمل لأجل هذا الحدث الذي من الممكن أن تتغير حياتهن فيه هذا العام. تسألهن عن حلمهن: ماذا يرغبن في أن يُصبحن لو لم يكن قدرهن أن يكن ربات بيوت؟ تُجيب إحداهن: «متخصصة تجميل أو مُصففة شعر». تسأل المراسلة: «ما الذي يُعيقك عن تحقيق حلمك؟». تجيب: «نحن لسنا مؤهلات، وعاداتنا لن تسمح لنا. لو حدث أن تزوجنا رجلًا يريد مواكبة عادات القبيلة، فلن يسمح لنا بالعمل. سيقول الزمي المنزل، وربِّي الأطفال».
عشرة في المئة فقط من فتيات قبيلة «كالايدزي» أتممن تعليمهن الثانوي، وواحدة من كل خمسة فتيات لا تجيد القراءة ولا الكتابة. فتضيف الفتاة بحسرة: «من منا لا ترغب في الذهاب إلى المدرسة وتحقيق أحلامها؟».