تحتفل كل دولة عربية بقدوم شهر رمضان بطريقة خاصة تميزها عن الأخرى، بعضهم يستقبله بالزينة والأنوار، والآخرون بالتكبير والتهليل، وهناك من يستقبله بالتواشيح والأناشيد الدينية، لكن معظم تلك الدول تتفق في ما بينها على احتفال موحَّد يتجلى في صنع أطباق خاصة تقدَّم على مائدة الإفطار. أطباق قد توجد طول العام، لكنها في ذات الوقت تُصنع خصيصًا لذلك الشهر.
نقدم إليكم مائدة عربية ممتدة تضم مختلف الأطباق المتنوعة، بدءًا من «المقلوبة»، مرورًا بـ«الكبسة» و«البازين» و«البوريك» و«الشفوت»، وصولًا إلى «الجاري»، مع طريقة صنعها وتكلفتها حتى يتسنى لمن يريد تجربة صنع طبق رمضاني جديد من دولة عربية مجاورة، يتعرض من خلاله إلى ذوق وثقافة وفن مختلف.
«المقلوبة»: طبق فلسطين الأشهر
أصبحت المقلوبة على مواقع التواصل الاجتماعي رمز المقاومة، ووليمة النصر والفخر، وأكلة المعتصمين في باحة الأقصى.
المطبخ الفلسطيني يتميز بالأطعمة المبهرة بتوابل خاصة وزيت الزيتون، ويشتهر بأطباق محددة تُطبخ في كل المواسم، مثل «المسخن» و«المقلوبة» و«المنسف» و«الأوزي». لكن المقلوبة تصبح أكثر الأطباق تميزًا وتكرارًا في رمضان، بحسب ما توضحه الكاتبة الفلسطينية حسناء الرنتيسي لـ«منشور».
تتكون المقلوبة من:
- الباذنجان الرومي
- الزهرة «القرنبيط»
- البطاطس
- الدجاج
- الأرز
- البصل
- الزيت
- عود قرفة
- ورقة الغار
- ملح
- فلفل
- بهارات المقلوبة
تُعرَف أكلة المقلوبة في فلسطين منذ القدم، وكانت تسمى «الباذنجانية» بسبب استخدام الباذنجان فيها كمكون أساسي. وتتعدد الروايات التاريخية حول تلك الأكلة ومكانتها لدى الفلسطينيين. لعل أكثرها ترددًا أنه حينما فتح صلاح الدين الأيوبي هو وجنوده القدس، دخلوا المدينة المقدسة، فاحتفل الناس بهذا النصر، وقدموا الطعام لصلاح الدين وجنوده، وكان ذلك الطعام هو «الباذنجانية». أعجبته كثيرًا، فسأل عن اسمها واصفًا إياها بالطبخة المقلوبة. ذلك لأن هذه الطبخة تُقلَب في صواني التقديم أمام الضيف، ومن هنا جاءت تسميتها بـ«المقلوبة».
ارتبطت المقلوبة منذ ذلك الحين بالاحتفالات والانتصارات، حتى أنها أصبحت عنوانًا للفاعليات الحاشدة في باحة المسجد الأقصى في عام 2017، حيث شهدت الباحة مشاهد متعددة لتناول المقلوبة في تحدٍّ واضح للقوات الإسرائيلية، ولإعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، في ديسمبر 2017، القدس عاصمة إسرائيل.
أصبحت المقلوبة على مواقع التواصل الاجتماعي رمز المقاومة، ووليمة النصر والفخر، وأكلة المعتصمين في باحة الأقصى. تحكي حسناء عن طريقة عمل المقلوبة قائلة: «افرمي البصل وضعيه في قدر على النار، ضعي فوقه ملعقة من الزيت النباتي، ثم قلبيه جيدًا، وأضيفي الدجاج حتى قليه تمامًا. أضيفي عود قرفة، وورقة الغار، وملعقة قرفة مطحونة، ثم ضعي الماء حتى يغمر الدجاج، واتركيها على النار حتى تنضج».
تضيف الرنتيسي: «بعد نقع الأرز لمدة نصف ساعة، صفيه جيدًا من الماء، وأضيفي له بهارات المقلوبة وملعقتين من الملح، قطِّعي البطاطا دوائر، ثم اقليها. وذلك أيضًا بالنسبة إلى الباذنجان والزهرة، نقطِّعهما ونقليهما. أخرجي الدجاج من المرق بعد نضجه، واقليه جيدًا».
تتابع: «أحضري قِدرًا واسعًا، وضعي القليل من الأرز فيه، ثم قطع الدجاج المقلية، ثم البطاطا، فالزهرة والباذنجان. ضعي ما تبقَّى من الأرز فوق المكونات، ثم كمية من مرق الدجاج بعد تصفيته من البهارات حتى تغمري الأرز تمامًا. ضعي القدر على النار، وعندما تغلي ويبدأ الأرز في امتصاص المرقة خففي النار إلى أقل درجة، واتركيها حتى تنضج. اقلبي القدر في صينية كبيرة، ثم اتركيها لمدة 10 دقائق وهي مقلوبة، ثم ارفعي القدر وقدمي الأكلة ساخنة مع السلطة واللبن، أي الزبادي».
تشير الرنتيسي إلى أن ذلك الطبق لأسرة مكونة من خمسة أفراد، يكلف تقريبًا ما يقرب من 100 شيقل، أي بما يعادل 20 دولارًا.
قد يهمك أيضًا: رحلة في الجذور العربية للمطبخ الصقلي
أطباق غيَّرتها الحرب في سوريا
انصرفت البيوت الدمشقية عن صنع الـ«أوزي» بسبب تكلفته المرتفعة التي تصل إلى سبعة آلاف ليرة سورية، بما يعادل 16 دولارًا.
من المطبخ الفلسطيني إلى السوري الذي يقدم أطيب الأكلات العربية، تتميز أطباقه بالمكسرات والبهارات النادرة، حتى أن حلب تعد بيت المطبخ السوري المميز، يوجد بها أشهر الأكلات وأطيبها، تتميز بطبق «المشاوي» و«الكبب» بأنواعها المختلفة.
تشير الكاتبة السورية ياسمين علاء الدين إلى أن لكل محافظة من محافظات سوريا الـ13 أكلة مميزة تشتهر بها، موضحة أن المحافظات الجنوبية، مثل القنيطرة ودرعا والسويداء، تشتهر بالمنسف الذي يُقدَّم في الأعراس، في حين تشتهر دمشق بالكبة.
لكن الطبق الرئيسي في سوريا خلال شهر رمضان هو «الفتوش» على عكس المتوقَّع. تفسر ياسمين ذلك قائلة: «هو نوع من السَّلطة، لكنه طبق رئيسي في رمضان، وبخاصة أن دَخْل السوريين قليل، وأصبح أقل بعد الحرب».
لطبق الفتوش حكاية قديمة يتناقلها الناس عبر السنين، ففي الأصل يعد الفتوش طبقًا لبنانيًّا أصيلًا انتقل إلى كل بلاد الشام، ومنها إلى بقية الدول العربية. تقول الحكاية القديمة إنه في عام 1862 هرب عدد من المسيحيين من جبل لبنان بسبب المذابح التي تعرضوا لها، وتوجهوا إلى مدينة زحلة اللبنانية عند دارة «آل السكاف» و«آل فتوش»، وكانا من الإقطاعيين.
استقبلهم آل فتوش بمائدة عامرة بأنواع الأطعمة من لحوم وطيور وأطباق عدة. إلا أن أهل الجبل كانوا قد نذروا الصوم قبل وصولهم إلى الجبل، لذلك لم يتمكنوا من تناول اللحوم، واكتفوا بما وجدوا من خضار وأكلات نباتية.
وضع المضيفون بجانب الطعام طبقًا من سلطة الخضار، وعندما بدأ المدعوون يأكلون سلطة الخضار بالخبز صار أحد الحاضرين يضحك، ويقول لصاحب البيت الذي كان من آل فتوش باللهجة اللبنانية: «فتوش، شوف ضيوفك عم ياكلو السلطة بالخبز. هيدي أكلة جديدة».
حينئذٍ قال البطريرك غريغوريوس يوسف، رئيس بطريركية أنطاكية والإسكندرية وأورشليم وسائر المشرق للروم الملكيين الكاثوليك: «سنسمِّيها فتوش، ونأكلها في أيام الصوم الكبير».
صادف ذلك التاريخ أواخر شهر رمضان من عام 1278 هجرية، فأخذ جيران منطقة زحلة اللبنانية في القرى الإسلامية فكرة طبق الفتوش وجعلوه مرتبطًا بصومهم في شهر رمضان، ومن بعده انتقل إلى معظم الدول العربية، وأصبح الطبق الرئيسي على المائدة السورية خلال شهر رمضان.
يتكون الفتوش من:
- خضار موسمي «خس وبندورة وخيار وبقلاة»
- خبز محمص
- بصلة
- حامض «ليمون»
- ثوم
- زيت زيتون
- نعنع
- دبس رمان
ويكلف ذلك الطبق ما يقرب من 1500 ليرة سوري، أي بما يعادل تقريبًا ثلاثة دولارات.
غيرت الحرب عادات السوريات، فاستبدلن اللحم في كثير من الأطباق بالدجاج لأنه أرخص.
في عام 2010 احتلت سوريا المرتبة الـ«11 عربيا» والـ«111» عالميًّا في نصيب الفرد من الدخل القومي، في قائمة مجلة «Global Finance Magazine» لأغنى وأفقر دول العالم من بين 182 دولة شملتها القائمة، وبلغ متوسط دخل الفرد السوري حينها 5043 دولارًا في العام.
ثماني سنوات من الحرب في سوريا، ألحقت أضرارًا بالغة ومدمرة في المرافق والمنشآت والقطاعات الأساسية المختلفة، تحمَّل المواطن السوري كل الخسائر على الأصعدة كافة. وتقرير البنك الدولي عام 2016، أشار إلى أن متوسط دخل الفرد في سوريا انخفض بنسبة 23%، وأن متوسط نصيب الفرد من إجمالي الناتج المحلي انخفض بنسبة 14%.
تقول ياسمين: «تحايلت النساء السوريات على العيش بعد الحرب، ومن قبل الحرب يعد الدخل السوري ضعيفًا أصلًا، فيصبح الفتوش الطبق الرئيسي في رمضان، وبجانبه نوع من المقبلات اسمه التسقية، عبارة عن حمص مسلوق، وعليه حمص مطحون وبهارات».
قد يعجبك أيضًا: لماذا يتجه فقراء العالم لطعام الأغنياء، والعكس؟
كثير من البيوت الدمشقية انصرفت عن صنع الـ«أوزي» رغم أنه يعد أحد الأطباق الرئيسية في رمضان، وذلك بسبب تكلفته المرتفعة، إذ يصل تقريبًا إلى سبعة آلاف سورية، بما يعادل 16 دولارًا.
«الحرب غيَّرت كثيرًا من العادات، واستغنت النساء السوريات عن اللحم في أطباق كثيرة، واستعملت الدجاج بدلًا عنها لأنه الأرخص»، تقول ياسمين: «فيه كتير بيوت ما بقت تسوي أوزي بسبب تكلفته المرتفعة، هو عادة يتكون من كيلو أرز مصري، ونص كيلو لحم غنم ناعم مقلاية، وبازلا خضرا، وسمن، وبهارات، ومكسرات لوز وصنوبر مقلاية، وبينلفوا برقائق عجين، وبينكبسوا متل الصرة، ونضعهم في الفرن لمدة خمس دقائق، ويقدَّم معه لبن وخيار».
«البازين» الليبي.. ثقافة الأكل باليد
تقدر تكلفة البازين في ليبيا لأسرة مكونة من خمسة أفراد نحو 50 دينارًا ليبيًّا، أي بما يعادل سبعة دولارات.
يعد «البازين» الأكلة الرئيسية في الأيام الأولى من شهر رمضان في ليبيا. وهو في الأصل من أشهر الأكلات الشعبية والأطباق الخاصة التي يقبل عليها الليبيون، وينسب إلى الرحالة أبو عبد الله التيجاني تفسيره لخصوصية هذا الطعام بالنسبة إلى الليبيين، والذي يُعرَف أيضًا باسم «البلفيطة»، وتقول الرواية إنه في وادي «سوف الجين» ربما أنبتت الحبة في بعض سنين مئة سنبلة. ولكثرة هذا الزرع «الشعير» اعتمده الليبون كغذاء لهم، وأدخلوه في أكلاتهم الرئيسية، ومنها البازين. حتى أن الشاعر والفقيه الليبي الشيخ إبراهيم باكير، كتب قصيدة في مدح أكلة البازين:
خير الموائد عندنا البازين واللحم حوله ناضج وسمين
ويكون قبعة بداخل قصبة وتكون عود أصله زيتون
وأعلم بأن هناك آدابًا لها أصل وتاريخ له تدوين
فاقطع بكفك قطعة من أصله ثم ادلكنها جيدًا فتلين
حتى إذا ما أشبعت مرقًا فكل بالخمس من يمناك، فهي تعين
طبقًا لصوفيا الهادي، من طرابلس، يتكون البازين من:
- دقيق الشعير
- لحم أحمر
- البصل
- الطماطم
- الفلفل الحار
- البيض المسلوق
- بعض الإضافات الأخرى التي تختلف من منطقة إلى أخرى.
وما يميز تلك الأكلة، أنها تؤكل باليد، ولا يُستخدَم في تناولها ملعقة أو شوكة، تضيف صوفيا: «الأشخاص غير الليبين بيستغربوا ناكلها بايدينا مشان فيها صوص طماطم، بس ثقافة الأكلة بها الطريقة».
تحكي صوفيا عن طريقة عمل البازين قائلة: «بنغربل دقيق الشعير، وبنحطه في مية وملح على النار لمدة ساعة، بعدين بنعصده بخشبة طويلة أو بالعجانة، وفي الآخر نعملها متل قبة كبيرة، ونحطها في صينية خزف، وبنسوي لها طبيخة، وهي صوص طماطم بيستوي على النار، وفيه لحم ناقة أو خروف، ولما بيستوي اللحم بنحط قطع بطاطس في الصوص، ونصب الصوص على كرة الشعير وحواليها، ونطبخ بيض مسلوق ونرصه حولها، وناكل بالأيد».
وتقدر صوفيا تكلفة ذلك الطبق لأسرة مكونة من خمسة أفراد بنحو 50 دينارًا ليبيًّا، أي بما يعادل تقريبا سبعة دولارات بسعر السوق الموازية في ليبيا.
«البُريك».. نصف ساعة قبل الإفطار
تقول التونسية عزيزة: البوريك طعامنا المفضل في رمضان، متل ورق الجلاش، لكنو مدوَّر.
تستغرق المسافة من طرابلس الليبية إلى تونس العاصمة نحو ست ساعات برًّا، ما جعل الثقافات تتقارب والأطعمة تتشابه رغمًا عن بعض الخلافات الحدودية بين البلدين.
في تونس، يعد «البريك» الطبق الرئيسي خلال شهر رمضان، رغم أن هناك حكاية قديمة تؤكد ارتباط تلك الأكلة الشعبية بيهود تونس، وتعد طبقًا رئيسيًّا خلال موسم «زيارة الغريبة»، أو ما يُعرَف بـ«حج اليهود» في جربة جنوب شرقي تونس، وفي تلك المنطقة يشتهر اليهود بصنع البريك.
لكن الباحث التونسي عبد الستار عمامو، في تصريحات صحفية، أكد أن أصل تلك الأكلة «تركي»، وليس يهوديًّا، مشيرًا إلى أنه لايمكن أن ترتبط الأكلة بديانة محددة، بل بحضارة محددة، موضحًا أن اليهود هم السكان الأصليون لجزيرة جربة، لكنهم لم يعرفوا البريك إلا بعد دخول الدولة العثمانية إلى تونس.
تقول ربة المنزل التونسية عزيزة بوخير: «البوريك، طعامنا ياللي بنفضله في رمضان، هو متل ورق الجلاش، لكنو مدوَّر، بندز فيه الحشو بقدونس، بصل بيشوح مع زبدة، كبار متل مخلل الكبري، تونة وجبن»، تضيف عزيزة: «بنحشي الأطراف ونغلقها، فتصبح شكلها مربع، ونحط بيضة نية في النص، وبعدين نقفلها مثلث، ونقليها في الزيت ليصير لونها دهبي، وبعدين بنصفيها في الكسكاس ياللي هي المصفاة، وها الطبق بنسويه في نص ساعة قبل الفطور».
ويكلف ذلك الطبق نحو 15 دينارًا تونسيًّا، أي ما يعادل تقريبا ستة دولارات طبقًا لعزيزة.
قد يهمك أيضًا: كيف أصبح الإفطار «أهم وجبة في اليوم»؟
«المندي» اليمني لا يؤكل في رمضان
يعرف المطبخ اليمني بأكلاته المميزة، ويعد «المندي» الأكلة الرئيسية الشهيرة هناك، والتي انتقلت إلى الدول العربية الأخرى، لكن غالبية البيوت اليمنية لا تقدر على صنعه بسبب تكلفته المرتفعة، تؤكد ذلك اليمنية يسرا هواش: «في الحفلات نسوي مندي، لكن أكل في البيت هو مكلف كتير، لكن الشفوت هي أكلة كل يوم في رمضان».
وتوضح يسرا أن طبق «الشفوت» «عبارة عن رومي بتسموه انتوا دقيق ذرة، بر ياللي هو الدقيق الأسمر، وخميرة وملح نعجنهم مع موية ونسيبها تخمر، ونجيب شوية عجين ونرشها على العجين المختمر ونسويه لحوح يعني متل البان كيك»، ويوضع عليها خليط من الزبادي والنعناع والبقدونس والملح والكمون والحليب، وتقدَّم مع السَّلطة.
تشير يسرا إلى أن ذلك الطبق يكلف نحو 300 ريال يمني، أي بما يعادل دولارًا واحدًا.
«السمبوسك»: إفطار السعودية
من «المندي» إلى «الكبسة» الأكل الأشهر في السعودية، لكن أيضًا لا يمكن اعتمادها طبقًا رئيسيًّا على مائدة الإفطار السعودية، طبقًا لدلال الجوفي، ربة منزل، مؤكدة أن مائدة الإفطار تشمل طبق شوربة كويكر أو جريش وسمبوسك، إضافة إلى اللقيمات والمهلبية والعصير، موضحة: «الكبسة بناكلها في السحور».
رغم أن مائدة الإفطار السعودية لا تخلو من طبق السمبوسك، فإنها ليست أكلة سعودية بالأساس، إذ تضاربت الروايات حول بداية ظهورها وانتشارها حتى أصبحت طبقًا رئيسيًّا على المائدة السعودية.
أرجعت بعض الروايات أصلها إلى الأتراك، والآخرون أرجعوها إلى اليمن. أما الرواية الأقرب إلى الإقناع، فتؤكد أنها هندية الأصل، ومن خلال الاستعمار البريطاني انتقلت إلى اليمن، ومنها إلى بقية دول الخليج.
تشير دلال، (37 عامًا)، إلى طريقة عمل «السمبوسك» قائلة: «لها كذا نوع، بس الأفضل العجين، لازم العجينة تكون قاسية شوية، وهي عبارة عن طحين وخميرة، موية وشوية زيت، تعجنيها، وتكون قاسية مش لينة، وبعد ساعة قطعيها كور صغيرة، وتفرد الكور وتحشيها، الحشو يكون عبارة عن لحم مفروم وبصل وممكن أضيف لها بيض مسلوق وبقدونس أو كسبرة خضرا، وممكن تحشيها دجاج مفروم وبصل مفروم وبازاليا وقطع جزر صغيرة، افردي العجين واحشيها واقفليها على شكل نص دايرة، واقليها قبل الفطور بنص ساعة».
تؤكد دلال أن القطعة الواحدة من السمبوسك تكلف ريالًا سعوديًّا واحدًا، أي أقل من نصف دولار تقريبًا ، في حين يكلف طبق الشوربة نحو 10 ريالات، أي بما يعادل ثلاثة دولارات. ويضاف أربع ملاعق من الكويكر الجاهز على مرقة الدجاج أو اللحم، ثم توضع على النار حتى الغليان، وتقدَّم بعد النضج.
يعد الفول أساسيًّا على الإفطار في المنطقة الغربية في السعودية، تقول دلال: «في المدينة المنورة، وجدة، ومكة يعد الفول طبقًا رئيسيًّا على الإفطار في رمضان، مع خبز التميس. وطريقة عمل الفول عبارة عن بصلة قطع صغيرة تشوحينها وتحطي عليها علبة فول جاهزة ونهرسها، وكمون ونضيف طماطم في الصحن، وعليه زيت زيتون وبندورة مقطعة قطع صغيرة، ولازم يكون معاه خبز تميس، وعندما تصبح عجينة، مكونة من طحين وخميرة وموية وشوية ملح و تتخمر ساعة أو ساعة ونص، وبعدين تفردينها بالشوكة، تخرمينها، وتحطيها بالفرن من فوق وتحت».
بياض أو خضار؟ رمضان في الأردن
في الأردن، قبل رمضان بأيام قليلة ينتشر سؤال محدد: «بنستقبل رمضان ببياض ولا بخضار؟» في إشارة إلى الأكلتين الرئيسيتين عند غالبية الأسر الأردنية، وهما «المنسف» الذي يُسقَى باللبن، و «الملوخية» الخضراء، طبقًا للكاتبة الأردنية نور زين.
يعد المنسف الأردني من أشهر الأكلات الشعبية على الإطلاق، ويقدم في الحفلات والولائم. وتتعدد الروايات حول تسمية المنسف بهذا الاسم، فإحدى الروايات تشير إلى أن سبب تسمية الأكلة بالمنسف هو ما كان يفعله النساء من نسف القمح عن صدر الطعام، فحتى يطمئن الضيف على نظافة طعامه، كانوا يقولون له إن طعامه «منسف»، أي خالٍ من آثار القمح والطهي.
أما الحكاية الأخرى المتعلقة بتلك الأكلة وتسميتها، فإنها تعني نسف العهود اليهودية، إذ يخالف طهي اللحم باللبن العقيدة اليهودية مخالفة صريحة. وطبقًا للرواية القديمة، طلب الملك الأردني «ميشع» من شعبه طهي اللحم في اللبن في يوم محدد ليتأكد أن شعبه الذي يعرف تعاليم اليهود معادٍ لهم ولتعاليمهم، وعندما وصل إليه الخبر بأن الشعب في المملكة الواقعة بين نهر الزرقاء ومنطقة معان قد طهى اللحم باللبن، اطمأن إلى أن الشعب يؤازره، فنسف كل العهود مع اليهود الذين بدأوا بالغدر، وأعلن الحرب عليهم، وانتصر.
يتكون «المنسف» من:
- لحم الضأن المطبوخ بمريس اللبن الجميد
- الأرز البسمتي
- خبز الرقاق
- الكركم
- القرفة العيدان
- البهارات
- البصل
- النشا
- الزبادي
- المكسرات المقلية
يستغرق عمل المنسف ما يقرب من الساعة، بدءًا بغسل الأرز عدة مرات، ونقعه في الماء لمدة 30 دقيقة، ثم وضع اللحم والبصل في إناء، وغمره بالماء. ويُسلق اللحم على نار عالية حتى الغليان، ثم إضافة الهيل، والقرفة، والغار، والملح، والفلفل الأسود، والبهارات، ثم تصفية اللحم، وترك المرق جانبًا.
يوضع اللبن مع اللبن المتخثر، والنشا المذابة في الماء، والكركم في إناء مع ضرب المكونات بواسطة المضرب الشبكي حتى تصبح طرية، ثم وضع القدر على نارٍ متوسطة الحرارة، وتحريكها بواسطة ملعقة خشبية حتى يبدأ اللبن في الغليان، مع إضافة كوب من مرق اللحم إلى اللبن، وترك المزيج حتى يغلي لمدة عشر دقائق. ثم إضافة اللحم إلى الشوربة، ونتركه ليغلي حتى يمتص اللحم طعم الشوربة.
توضع السمن في قدر متوسط الحجم حتى يذوب، ثم يوضع الأرز فيه، ويُقلَّب لمدة ثلاث دقائق. إضافة الملح والكركم إلى الأرز، وتقليبه، ثم إضافة الماء وتغطية القدر لطهي الأرز لمدة 30 دقيقة على نار هادئة. وضع خبز الرقاق في صينية واسعة، ثم توزيع القليل من الشوربة، وتغطيته بالأرز. تزيين المنسف بالمكسرات المقلية، والبقدونس.
تشير نور إلى تكلفة المنسف المرتفعة، إذ تصل تكلفة طبق يكفي أسرة من خمسة أشخاص إلى ما يقرب من 35 دولارًا، مضيفة: «إذا استبدلنا الدجاج باللحم تنخفض تكلفته، ويصل إلى 21 دولارًا».
أما الملوخية، فهي أكلة مصرية بالأساس، وتتعدد الروايات حول تلك الأكلة، إحدى الروايات تشير إلى أنها كانت تسمى «ملوكية» لأنها تقدَّم للملوك فقط، أما الرواية الأخرى، فتشير إلى أنها عُرِفَت منذ عهد الفراعنة، وكان يُعتقَد أنها نبات سام، و يسمى «خية»، وحين احتل الهكسوس مصر أضافوا إليها «ملو»، وأجبروا المصريين على تناولها، فلم يتسمم أحد، فاستمرت حتى اليوم كأكلة رئيسية.
طريقة عمل الملوخية الأردنية تشبه الملوخية المصرية مع بعض الإضافات البسيطة، إذ يُسلَق اللحم في إناء، مع تشويح بصلة وفص ثوم في قطعة سمن، ويوضع عليهم رشة كمون وملح.
توضع الملوخية، وتُقلَّب لمدة 10 دقائق، ثم تضاف مرقة اللحمة، واللحمة، مع التقليب حتى الغليان، في نفس الوقت نقلي ثلاثة فصوص من الثوم، ويضافون إلى الملوخية مع حبة طماطم مقسومة نصفين، ونتركهم على النار حتى الغليان لمدة خمس دقائق، وتُقدَّم مع الأرز الأبيض.
تشير نور إلى أن تكلفة طبق الملوخية باللحم تصل إلى 21 دولارًا، وفي حال استبدال الدجاج باللحم تصل تكلفة الطبق إلى 18 دولارًا.
«الجاري» الجزائرية لا تفارق المائدة طوال الشهر
في الجزائر، تعد شوربة «الجاري» من الأطباق التي لا تفارق المائدة في رمضان، بحسب الحاجة فيداء.
وتتكون الشوربة من:
- فريك
- لحم غنم
- قطع بصل صغيرة
- كرفس مقطع صغير
- قصبر
- صلصة طماطم
- ملح
- فلفل أسود
تقول الحاجة فيداء: «نحط زيت ليسخن، وقطع بصل، بعدين كرفس، ونقلِّبه منيح، ومعجون طماطم، ونقلِّبها منيح حتى تتبخر، ونضيف اللحم، ونقلِّب، ونضيف ملح وفلفل وقصبر، ونحرك كل شي مع بعض، ندير كاس مية، من بعد نمرغ كل شي مع بعض، ونتركه ينضج، يكون الفريك تنفخ منيح بعد ما نقيته وغسلته منيح وصفيته، نضيفه على المية ويغلي لمدة خمس دقايق على نار هادية، وبعدين نغلق عليه النار ويقدم على الفطور». وتشير فيداء إلى أن طبق شوربة الجاري يكلف نحو 1300 دينار جزائري، أي ما يعادل 11 دولارًا.
تختلف الأطباق الرمضانية وتتنوع من بلد إلى آخر، لكن ما يجمعها هو المشاركة في الاحتفال، واستقبال شهر رمضان بعادات وأكلات صُنِعَت خصيصًا لتلك المناسبة، وباتت جزءًا لا يتجزأ من ثقافة كل شعب، وتنتقل، أحيانًا، من بلد إلى آخر.