بحثًا في أصل اللغة العربية: مصدرها وأقرب أقربائها من اللغات

الصورة: Getty/Vladimir Smirnov

آية علي
نشر في 2017/09/15

ربما تبقى أصول اللغة البشرية عمومًا غامضة إلى الأبد، لكن اللغات التي استخدموها، على النقيض من ذلك، كانت موضوع دراسات دقيقة على مدى القرنين الماضيين.

هناك على الأرجح أكثر من خمسة آلاف لغة منطوقة في العالم اليوم، ثلثها في إفريقيا، لكن العلماء يجمعونها ضمن أُسَرٍ لغوية قليلة نسبيًّا، ربما أقل من 20 أسرة. ترتبط اللغات بعضها ببعض عبر الكلمات أو الأصوات أو البُنَى النحوية المشتركة، وبحسب النظرية السائدة، فإن كل أعضاء مجموعة لغوية واحدة انحدروا من لغة واحدة أقدم، أي من سلف واحد مشترك.

تطور اللغة هو التغير التدريجي فيها بمرور الوقت، ويتضمن أصل اللغات والأُسر اللغوية وتشعباتها، ويمكن اعتباره مشابهًا للتطور البيولوجي، مع عدم حدوثه بنفس الآليات طبعًا.

تنقسم اللغة الأم في البداية إلى لهجات متعددة بحسب الموقع الجغرافي، ثم تبدأ هذه اللهجات في التمايز تدريجيًّا حتى تتحول إلى لغات جديدة، وتتفرع عنها لهجات، وهكذا دواليك، فما الذي تخبرنا به الأبحاث الحديثة عن اللغة العربية؟ وممَّ تطورت؟

اللغة السامية الأم

كيف يختلف نطق العربية عن باقي اللغات السامية؟

عديد من اللغات كان ينتمي إلى هذه العائلة لكنها اختفت بمرور الوقت، منها اللغة الأكادية التي كانت تستخدم في بلاد ما بين النهرين القديمة، واللغة الفينيقية التي نطقوها في ما يُعرف اليوم بلبنان، واللغة الإبلاوية التي استُعملت في سوريا القديمة.

تنتمي اللغة العربية تصنيفيًّا إلى عائلة اللغات السامية، ومن اللغات المنطوقة في عصرنا الحالي من هذه العائلة: العبرية والآرامية (تتحدث بها مجتمعات صغيرة نسبيًّا، معظمها في العراق وسوريا) والأمهرية (اللغة الرسمية في إثيوبيا) والتجرية (إريتريا).

يفترض العلماء أن اللغة السامية الأم تشعبت في تطورها إلى سامية شرقية وسامية غربية.

يرجع أصل جميع اللغات السامية إلى «اللغة السامية الأم»، وهي اللغة التي افترضها العلماء في الأصل من كل هذه اللغات المذكورة، ويمكن اشتقاق سِماتها من السمات الثابتة تاريخيًّا لمختلف اللغات السامية.

يرجح العلماء أن اللغة السامية الأم كانت لغة موحدة لكن لها عدة لهجات، ولا يمكن اعتبار لغة سامية بعينها الأقرب إلى السامية الأم، فقد تكون إحدى اللغات أقرب إليها في الصوت (الفونولوجيا)، وقد تكون لغة أخرى أقرب إليها في خصائص التصريف والاشتقاق (المورفولوجيا).

يفترض العلماء أن اللغة السامية الأم تشعبت في تطورها إلى سامية شرقية وغربية، وخرج من رحم السامية الشرقية عدة لغات منقرضة الآن، مثل الأكادية والبابلية والأشورية، في حين تطورت الغربية إلى فرعين كبيرين ما زالا على قيد الحياة، هما السامية الوسطى والجنوبية.

تكمُن المشكلة بالنسبة إلى اللغة العربية في تحديد موقعها من مجموعتي السامية الوسطى والجنوبية، ففي حين تُظهر تركيبة الفعل العربي شَبَهًا باللغات السامية الوسطى مثل العبرية، فإن عديدًا من خصائص نظام الأصوات وعمليات تكوين الكلمات في اللغة العربية تبدو أقرب إلى المجموعات الإثيوبية والعربية الجنوبية الحديثة. وتدَّعي كلٌّ من المجموعتين اللغويتين أن اللغة العربية تنتمي إليها.

قد يعجبك أيضًا: 6 أسئلة عن اللغة بوصفها سلاحًا

اللغة السامية الجنوبية

مواطنون سعوديون يتحدثون اللغة المهرية

يمتد من اللغة السامية الجنوبية فرعان، اللغة الجنوبية العربية الحديثة، واللغات الإثيوبية السامية، والأخيرة هي اللغات المستخدمة في إثيوبيا وإريتريا. وقد تطورت اللغات الإثيوبية السامية على أرض إثيوبيا بسبب أشكال الكلام الخاصة بالمهاجرين الساميين من جنوب الجزيرة العربية.

رغم اختلاف اللغات العربية الجنوبية الحديثة عن العربية، فإنها كلها تُظهر تشابهًا صوتيًّا كبيرًا، ممَّا يرجح انتماءها إلى أسرة واحدة.

يعيش قرابة 200 ألف شخص في جنوب شبه الجزيرة العربية، وجنوب وشرق اليمن، وغرب عُمان، وحدود جنوب المملكة العربية السعودية، وهؤلاء ليست العربية لغتهم الأم، بل لغات أخرى من العربية الجنوبية الحديثة.

تختلف هذه اللغات عن العربية اختلافًا كبيرًا، لدرجة تجعل التواصل والفهم بين من يتحدثون اللغات العربية الجنوبية الحديثة ومن يتكلمون العربية مستحيلًا، وتُظهر هذه اللغات سمات مشتركة عديدة مع اللغات السامية في إثيوبيا كذلك.

اللغة المَهْرية هي الأكثر انتشارًا، وتتحدث بها قبائل المهرة (قرابة 100 ألف شخص)، وبيت كثير في جبال ظفار بعُمان، وفي أقصى محافظة الشرقية في اليمن، على الساحل بين حدود عُمان والضفة الشرقية من وادي المسيلة، وكذلك في شمال غرب اليمن، عند منطقة ثمود على الحدود من صحراء الربع الخالي.

ومع اختلاف هذه اللغات الكبير عن العربية لدرجة يستحيل معها على متحدثي الأخيرة فهم المهرية، تُظهر تلك اللغات تشابهًا صوتيًّا كبيرًا مع العربية، مما دعى مجموعة من العلماء إلى ترجيح انتمائهم إلى أسرة واحدة وتطورهم عن الأصل نفسه.

قد يهمك أيضًا: هل يفتح لنا تعلم لغة جديدة تصورًا آخر عن الزمن؟

اللغة السامية الوسطى

الصورة: Michael Brown

يلاحظ المتحدثون العبريون والعربيون القادمون من خلفيات شرق أوسطية تشابهات كبيرة في طريقة اللفظ.

اللغة العبرية أشهر لغات هذه العائلة، وهي لغة تمتد جذورها في عمق التاريخ اليهودي، وتعود بعض نصوصها إلى أكثر من ألف سنة قبل الميلاد، واستمرت في العصور الوسطى كلغة مكتوبة لليهود المتعلمين، ولعبت دورًا في الشعر الإسباني اليهودي.

لاحقًا، بدأ بعض المثقفين استخدام العبرية لمناقشة المواضيع العلمانية في عصر التنوير اليهودي «هاسكالا» خلال القرن الثامن عشر، ثم أُعيد إحياء اللغة المنطوقة في نهاية القرن التاسع عشر على يد يهودي روسي اسمه إليعازر بن يهودا، فأصبح يُدعى «مُحيي اللغة العبرية».

اقرأ أيضًا: المؤنث: رهين رواية ضلع آدم

تتشابه اللغتان العربية والعبرية بصورة كبيرة لأنهما ينتميان أساسًا إلى عائلة اللغة السامية، فإذا استمع متحدث عربي إلى محادثة عبرية سيلحظ بسهولة أوجه الشبه القوية بين اللغتين،  إذ يلاحظ المتحدثون العبريون والعربيون القادمون من خلفيات شرق أوسطية التشابهات الكبيرة في طريقة اللفظ، وتمتلك أنظمة النطق عند كليهما مرونة أكبر في لفظ بعض الأحرف المتحركة، وبعض الحروف الصعبة التي لا يستطيع معظم المتحدثين الأوروبيين نطقها بسهولة، مثل حرفي الحاء والعين.

ومع أن خط التطور الدقيق للغة العربية بين آخر مجموعتين لا يزال موضع نقاش، فإن الأصل المشترك لجميع اللغات المذكورة يصبح واضحًا عند مقارنتها مجتمعة بعائلات لغوية رئيسية أخرى، مثل اللغات الهندو أوروبية واللغات الصينية التبتية.

يربط عديد من الباحثين اللغة العربية بفرع السامية الوسطى، مما يجعلها أكثر قربًا من العبرية، في حين يختار غيرهم عرض اللغة العربية كواحدة من اللغات التي تشكل المجموعة السامية الجنوبية، وبالتالي تكون أقرب إلى الأمهرية (الإثيوبية) واللغات العربية الجنوبية، لكن المسألة لا تزال جدلية.

مواضيع مشابهة