أمسكَتْ بعجلة القيادة وضغطتْ بقدمها على دواسة البنزين بحرص محاولةً إخفاء توترها، ففي كل مرة تتولى سياقة السيارة ويجلس هو إلى جوارها يلقنها دروسًا في أصول القيادة، ولا يخلو صوته من نبرة استعلاء رغم محاولاته أن يكون لطيفًا.
كثيرًا ما يتطوع الرجال لشرح أمور للنساء على نحو يوحي بتفوقهم الذهني، وعادةً ما يميلون إلى تقديم شروحهم في موضوعات أعطاها المجتمع صبغة ذكورية، مثل مجالات البرمجة والمال والأعمال.
مَيْلُ الرجال إلى توضيح الأمور للنساء ليس جديدًا، لكن الكلمة التي تصف هذا الفعل في اللغة الإنجليزية، «Mansplain»، وهي مزيج من كلمتَيْ «Man» بمعنى رجل و«Explain» بمعنى يشرح، لم تظهر سوى منذ سنوات قليلة، وتُعرِّفها القواميس بأنها تَحدُّث الرجل إلى المرأة بطريقة تُظهر شعوره بالتفوق عليها.
ورغم أن معلومات الرجل في الموضوع محل الحديث قد تكون قاصرة، فإنه لا يتصور أن المرأة التي يوجه إليها كلامه ربما تكون أكثر إلمامًا به، ويستعرض مقال على موقع «سايكولوجي توداي» جوانب هذه الظاهرة.
النساء لا يشعرن بقيمة ما يعرفن
بحسب المقال، لم يقدم علم النفس الكثير في شرح هذه الظاهرة، غير أن بعض الأبحاث تناولتها.
توصلت ورقة بحثية صدرت من جامعة نورث إيسترن الأمريكية إلى أن كثيرين باتوا يعتمدون على الإنترنت في البحث عن إجابات لكل ما يشغلهم، وعادةً ما يُنظر إلى الرجال باعتبارهم أقدر على التعامل مع التكنولوجيا الحديثة، فيما تكون مساهمات النساء في منتديات الإنترنت مثارًا للسخرية والاستهزاء غالبًا.
وفي حين يتفاخر الرجال كثيرًا بقدراتهم التقنية، لا تشعر النساء في الأغلب بأهمية ما يعرفنه من معلومات، ممَّا يغذي ثقة الرجال في أنفسهم ويُشعرهم أن النساء في حاجة إلى الاستعانة بمعلوماتهم، أما إذا جرؤت امرأة على التشكيك في ما يقدمه لها الرجل من معلومات، فإنها تجد نفسها موضع سخرية.
اقرأ أيضًا: هل اختلاف سلوك الرجال والنساء بيولوجي أم ثقافي فحسب؟
الرجال يعتقدون أنهم أدرى وأعلم
كان على امرأة أن تُصغي لرجل يشرح لها معنى اسمها، ظنًّا منه أنها لا تعرف معناه الحقيقي.
عادةً ما يشعر الرجل بالحاجة إلى «الهبوط لمستوى المرأة» كي يشرح لها أمورًا تتعلق بتخصصات يشتهر الرجال بالإلمام بها، مثل الميكانيكا، لكن بعضهم قد يذهب إلى شرح أمور تخص النساء حصرًا، مثل الحمل والولادة، ولا يجد غضاضة في ذلك.
حين يدور حديث بين رجلين ويستشعر أحدهما حاجةً إلى تصويب معلومة قالها الآخر، فإنه لا يلاقي صعوبة أو حرجًا في ذلك، بينما تجد المرأة نفسها في موقف دفاعي إذا اعترضت على ما يقدمه الرجل من معلومات، بحسب المقال.
قد يعجبك أيضًا: ترامب امرأةً وكلينتون رجلًا: حكاية المسرحية التي كشفت تأثر أحكامنا بالجنس
تحكي النساء عن مواقف عدة اضطُرِرنَ فيها إلى الاستماع لرأي الرجال في أمور هُنَّ أكثر درايةً بها، فقد أنصتت واحدة لرجل يشرح لها معنى اسمها ظنًّا منه أنها لا تعرف معناه الحقيقي، وكان على أخرى أن تستمع إلى واحد يفسر لها مغزى مقال، ليكتشف بعد ذلك أنها مَن كتبه.
الرجل والمرأة: منظور مختلف إلى «الكلام»
يصير الأمر مستفزًّا حين يستعرض الرجل عضلاته في موضوعات تكون المرأة أكثر علمًا بها.
تقول خبيرة لغوية إن لجوء الرجال لشرح الأمور للنساء يعود إلى اختلاف أسلوب الطرفين، فبينما يعتبر الرجل الكلام طريقةً لتأكيد مركزه أو رتبته، ترى المرأة حديثها مع الآخرين وسيلة تواصل وتحقيق ترابط، لأن الحياة في نظرها شبكة، فيما يراها الرجل سُلَّمًا يعبر عن التراتبية.
عندما يتحدث رجل وامرأة معًا، يعبِّر الرجل عن وجهة نظره ليعزز مكانته، بينما قد تومئ له المرأة ليستمر في حديثه، وتكون غايتها الأساسية توثيق صلتها بالمتحدث وليس الموافقة على وجهة نظره بالضرورة، وهو ما قد يعطي الرجل ضوءًا أخضر لممارسة «تفوقه» واستعراض معلوماته.
تشير أدبيات علم النفس إلى أن الرجال أكثر ميلًا لمقاطعة النساء، وتكون النساء أكثر لطفًا عندما يعترض أحدهم كلامهن، فقد يبتسمن أو يومئن برأسهن لمن يقطع حديثهن. وتعكس المقاطعة شعورًا بالقوة، فالشخص الذي يعترض حديث الآخر يشعر أنه يملك قدرًا أكبر من القوة.
المشكلة الأساسية التي تقع حين يسلك بعض الرجال منحًى يوحي بتفوقهم على المرأة هي تعزيز انعدام المساواة بين الجنسين، فهو يؤكد أنماطًا اجتماعية تضع المرأة في مرتبة أدنى من الرجل وتؤكد تفوقه الذهني عليها، ويصبح هذا أكثر استفزازًا عندما يستعرض الرجل عضلاته في موضوعات تكون المرأة أكثر علمًا بها.
قد يهمك أيضًا: هل يحدد ماكياج المرأة مدى قبولها اجتماعيًّا؟
المشكلة ليست في المرأة
يرى المقال ضرورة أن تعي المرأة احتمال وقوعها ضحيةً لهذا السلوك الذكوري، فأسوأ ما في الأمر أنه يتضمن افتراضًا ضمنيًّا أن المتلقي لا يدري شيئًا عن موضوع الحديث، لذا لا ينبغي أن تشكِّك المرأة في معلوماتها، وعليها أن تعي أن المشكلة ليست فيها.
بالإضافة إلى ذلك، ينصح المقال النساء بألا يجعلن هذا الأسلوب يرهبهن، وإلا فسيعززن الانطباع بأنهن في حاجة إلى تلك الدروس.
اقرأ أيضًا: فاليري سولانيس: الراديكالية الساحرة التي أرادت عالمًا دون رجال
ليس المطلوب من كل طرف إلا بعض الاحترام لمعتقدات ومعلومات الطرف الآخر الذي يتحدث معه، وإدراك أن رأيه صواب يحتمل الخطأ، ولا فارق في هذا بين رجل وامرأة.