تمتاز الجمهورية الإسلامية الإيرانية بطبيعة حكم وثقافة خاصة أقرب إلى الانغلاق، فضلًا عن رفض كل ما هو غربي بوجه عام. ومع تعاظم دور تكنولوجيا الاتصالات في عالمنا، وتغلغل استخدامات وتطبيقات الإنترنت في تفاصيل الحياة، كان لا بد من أن يطول استخدام شبكات التواصل الاجتماعي نصيبًا من العداء الإيراني للغرب.
عرض موقع «Motherboard» تقريرًا استعرض كيف اضطرت السلطات الإيرانية إلى التعامل مع موقع التواصل الاجتماعي الشهير إنستغرام بشكل مختلف، في ما يتعلق بالرقابة على محتواه، خصوصًا أن الرقابة على الإنترنت تعتبر أمرًا روتينيًّا في هذا البلد، إلا أنها لجأت في السنوات الأخيرة إلى ما يُعرف بـ«الفلترة الذكية» للمواقع.
هل هذه الفلترة ذكية حقًّا؟
الهدف الأساسي من إنشاء بروتوكول «HTTPS» هو التحقق من زوار الموقع وحماية الخصوصية من التنصُّت وهجمات القراصنة.
عمد المسؤولون الإيرانيون إلى حظر مواقع التواصل الاجتماعي الأمريكية الشهيرة، مثل فيسبوك وتويتر ويوتيوب، لمدة سنوات، لكنهم خلال الأعوام الأربع الأخيرة لجؤوا إلى الفلترة الذكية، التي تعني حظر صفحات بعينها داخل تلك المواقع وليس الموقع بأكمله، ويعتبر إنستغرام آخر موقع غربي لم يطُله الحظر، وربما يرجع الفضل في ذلك إلى الفلترة الذكية.
«فريدريك جاكوبس»، الباحث في مجال الأمن الإلكتروني، أعلن أن إنستغرام كان يفتقر إلى ما يُعرف اختصارًا بـ«HTTPS»، أو «بروتوكول نقل النص التشعبي الآمن»، وهو ما سمح لإيران ليس فقط بفلترة الجزء غير المرغوب فيه فقط من محتوى الموقع، بل أتاح لها أيضًا إمكانية معرفة زوار صفحات بعينها.
قد يهمك أيضًا: صور إنستغرام المعدلة تهدد صحتنا النفسية
الـ«HTTPS» عبارة عن القواعد الحاكمة لتبادل البيانات وتنظيم عملية ربط جهازين أو أكثر، ويمكن تطبيق تلك القواعد عبر أجهزة مادية أو برمجيات، وتشبه بروتوكولات الاتصالات هذه خوارزميات البرمجة.
الهدف الأساسي من إنشاء هذا البروتوكول هو التحقق من زوار الموقع وحماية الخصوصية خلال عملية تبادل البيانات، وتوفير اتصالات مشفرة وشبكات خادم ويب آمنة، لضمان الحماية من التنصُّت وهجمات القراصنة.
كلمة السر: HTTPS
لم يطُل الحظر كثيرًا من صفحات النشطاء السياسيين والمعارضين للنظام على إنستغرام، وهو ما أثار الدهشة، خصوصًا بعد حظر بعض صفحات الموضة والمشاهير.
الفلترة الذكية لمحتوى إنستغرام تطبَّق بواسطة تقنية اسمها «حزمة التفتيش العميقة» (DPI)، يمكن عبرها مراقبة زوار المواقع أو الصفحات المختلفة ورصد حركة مرورهم غير المشفرة، واستخدمت السلطات الإيرانية تلك التقنية في التعامل مع إنستغرام، لأن الموقع كان يفتقر إلى التشفير بواسطة الـ«HTTPS».
لاحظ خبراء الأمن الإلكتروني أن سلطات الرقابة في إيران اهتمت بحظر صفحات مشاهير غربيين، من بينهم مغني البوب الكندي جاستن بيبر، والمغنية الأمريكية مادونا، فضلًا عن الصفحات التي تحتوي على صور لنساء مثيرات، وأخيرًا شمل الحظر بعض صفحات الماركات الغربية الشهيرة في مجال الموضة.
اقرأ أيضًا: حرب مجلس «الفضاء الافتراضي» في إيران: حجب وتشويه وإنترنت حلال
الغريب أن الحظر لم يطُل كثيرًا من صفحات النشطاء السياسيين والمعارضين للنظام، وهو ما أثار الدهشة، خصوصًا في ظل حظر بعض صفحات الموضة ومشاهير الفن، ما أثار الحيرة حول المعايير التي يتم الحظر على أساسها.
لاحظ جاكوبس في الفترة الأخيرة أن شركة إنستغرام وسَّعت من استخدامها لتشفير صفحاتها باللجوء إلى الـ«HTTPS»، بعدها لم يعد من السهل على السلطات الإيرانية حظر الصفحات.
هل تعترف إيران بهزيمتها؟
بعد لجوء إنستغرام إلى «HTTPS»، اكتشف خبيرا الأمن الإلكتروني، «فريدريك جاكوبس» والإيرانية «ماهسا أليمارداني»، رفع الحظر عن الصفحات التي كانت مغلقة قبل تفعيل الـ«HTTPS»، الذي جعل الرقابة الإيرانية على الموقع لا جدوى لها، وهو ما يؤكد أهمية الـ«HTTPS»، الذي أصبح بمثابة درع لم تدرك مواقع مثل فيسبوك وتويتر أهميته بالنسبة إليها.
لم يتبقَّ أمام سلطات الرقابة الإيرانية ما يمكن عمله حيال إنستغرام سوى حيلة واحدة، هي حظر صور بعينها، وذلك لأن رفع الصور على الموقع يتم من خلال قنوات غير مشفرة، حسبما أفاد جاكوبس، وهو بالفعل ما تم في عدد من الحسابات، التي وجد متابعوها أنه غير مسموح لهم سوى بمشاهدة عدد محدود من الصور.
لم يدلِ «إنستغرام» بتعليق رسمي على ما ذكره خبراء الأمن الإلكتروني، لكن من المعروف أن الشركة ظلت لفترة تؤكد سعيها نحو توسيع استخدام الـ«HTTPS»، لكن من غير الواضح لماذا استغرقت كل هذا الوقت.
تدرك الحكومة الإيرانية أن سياستها لمراقبة المواقع أصبحت عديمة النفع، إذ فقدت السيطرة على الشبكات التي طالما حاولت التحكم بها ومراقبتها، وكانت تظن أن «الفلترة الذكية» هي عصاها السحرية لتحقيق ذلك، لكن في ما يبدو أن ذلك ليس صحيحًا، على الأقل حتى الآن.