«من طلب العلا سهر الليالي»، و«من لم يذق مُرَّ التعلم ساعة، تجرَّع ذل الجهل طول حياته»، وغيرها من العبارات سمعناها من معلمينا وأولياء أمورنا خلال مراحل تعليمنا المختلفة، أقوال مأثورة ربطت بين تحقيق الهدف المنشود بتحصيل العلم وبلوغ أرفع المراتب من ناحية، بتحمل الصعاب والجهد الشاق ومرارة تلقِّي العلم من ناحية أخرى، لكن رغم كل ذلك لم يستطع كثير منا التخلي عن حلم تلقي التعليم بطريقة سهلة سحرية تجنبنا سهر الليالي.
حاولت عقول مبدعي الأعمال الفنية والأدبية الاقتراب من حلم التعلم بطريقة سهلة وسريعة بطريقة خارقة، لكن هل إذا نجح الإنسان يومًا ما في التوصل إلى تلك الطريقة التي تصب العلم في رأسه صبًّا، سيكون بذلك حقق إنجازًا يُسطَّر في تاريخ العلم، أم أنه سيكون قد أضاع فرصة عظيمة للاستفادة عند بذل الجهد وتحمل الصعاب خلال عملية تعلمه؟
يجيب عن هذه التساؤلات تقرير أعده موقع «Medium»، ويسرد فوائد عدة لـ«مرارة التعلم».
المعلم ليس ساحرًا
الجهد المبذول في التعلم يقوي الروابط بين الخلايا العصبية في المخ، ما يعني إضافة مزيد من الحيوية إلى العقل.
يخسر الإنسان خلال محاولة تسهيل عملية التعلم قيمة في غاية الأهمية، هي دوام ما تعلمه وثبوته في ذهنه، وهو الخطأ الذي يقع فيه الآباء حين يستدعون معلمين لأبنائهم آملين أن يصبُّوا العلم صبًّا في رؤوسهم بكل سهولة.
حين يتعمد الإنسان التعلم بشكل سريع لا بد من أن يتوقع ألا تستمر المعلومة التي تعلمها في رأسه إلى ما بعد أداء الاختبار، وهي المشكلة التي تظهر لدى كثير من أنظمة التعليم العربية، التي تبرمج الطالب على تركيز اهتمامه لحفظ كم كبير من المعلومات في فترة قصيرة.
يلجأ الطالب في تلك الحالة إلى أقصر الطرق وأسرعها لإدخال هذا الكم من المعلومات إلى رأسه. وأثبتت دراسات نفسية ينقلها التقرير أنه عندما يتبع الطالب هذا النوع من طرق التعلم السريع، يتخيل أن المادة العلمية أصبحت مضمونة وفي جيبه، ما يؤدي به إلى الثقة المبالغ فيها، وحينها يغتر بنفسه ويتخيل أن مستواه العلمي أعلى بكثير مما هو عليه في حقيقة الأمر.
عند بدء تجربة تعلم جديدة، سواء كانت في أحد المعاهد التعليمية أو في عمل جديد أو في صالة الألعاب الرياضية، فإن مستوى الاستمتاع لديك ينخفض إلى أدنى مستوياته، إذ تبدأ في مواجهة الضغوط والتحديات والمنافسة مع الذات، إلا أنك ستشعر بنوع آخر من السعادة بعد أن تمر بالتجربة وتنظر خلفك. حينها ستبتهج بما نجحت في اجتيازه، وستشعر بالفخر لاستطاعتك تحمل هذا الكم من الصعوبات.
توضح الباحثة «كارول دويك»، في دراستها النفسية عن الكيفية الصحيحة لمدح الطفل، أن هناك فارقًا بين مدح ذكاء الطفل ومدح المجهود الذي يبذله في التعلم، فمدح الذكاء يبعث برسالة ضمنية إلى الطفل بأن لديه مهارة ثابتة لن يخسرها، ما يسمح له بمزيد من الكسل والتواكل على أن لديه كنزًا لا يفنى يسمى الذكاء، وهو بالطبع ما سيودي به إلى نتائج غير طيبة، بعكس الآباء الذين يمدحون الجهد الذي يبذله أبناؤهم، فهم في الواقع يحفزونهم على خوض التحديات وتحمل ما قد يلاقونه في طريق التعلم من مشاق.
اقرأ أيضًا: ليس كل الإجابات في المدرسة: الجهل كوسيلة للتعليم
ميزة أخرى لتحمُّل مواجهة تحديات التعلم هي تطوير قدرات المخ، وينقل التقرير عن البروفيسور «كورت فيشر» أن عقل الإنسان يتميز بالمرونة حتى في مراحل العمر المتقدمة.
يمكن لعقلك أن يتكيف مع بيئة التعلم التي توضع فيها، فالجهد المبذول في التعلم يقوي الروابط بين الخلايا العصبية في المخ، ما يعني إضافة مزيد من الحيوية إلى العقل، لذلك قال آينشتاين إن «التعلم خبرة، وما عدا ذلك مجرد معلومات»، في إشارة إلى أن التعلم لا بد من أن يأخذ وقته الكافي كي يصبح تجربة ناضجة، وليس مجرد معلومات تُقحم في العقل.
كيف تتعامل مع رفض عقلك ألم التعلم؟
أخضِع كل ما تتعلمه للبحث، ولا تتعامل مع ما تقرأه كمُسلمَّات، بل استمر في البحث وتحقيق المعلومات بجهد شخصي، فهو جزء أصيل من عملية التعلم.
يمكن تشبيه العقل بالآلة أو الأجزاء الصلبة في جهاز الكمبيوتر، أما الذهن فهو البرامج التي تُثبَّت عليه ويعمل وفقًا لها. أداء كلٍّ منهما مرتبط بالآخر، إذ تعمل البرامج (الذهن) وفقًا للأداء الذي تعمل به الأجزاء الصلبة (العقل وما يحتويه من خلايا عصبية).
تكمن المشكلة في برمجة أذهاننا بكثير من الأفكار والمعتقدات حول ربط التعلم بالألم، وعقولنا بطبيعتها كسولة، فنجدها تختار بفطرتها الطرق الأسهل والأسرع للتعلم، وهو ما يوقعنا في فخ الهروب من ألم التعلم وخسارة ما له من فوائد.
الحل في إيجاد طريقة مُثلى للتعامل مع مخاوف العقل، والتوفيق بينها وبين الألم الذي لا بد من تحمله، وهذه بعض الطرق لتحقيق ذلك:
- أعد التفكير في نظرتك إلى ألم التعلم، فهو مؤشر على أنك بصدد معرفة شيء جديد، لكن خلايا مخك ضعيفة، والألم مؤشر على أنها تطور قوتها، تمامًا كما يحدث لعضلات الجسد عند التمرين
- ركز على الأهداف طويلة المدى، ولا تتخيل أنك ستتعلم كل شيء بين عشية وضحاها. أنت لا تسعى إلى أن تكسر رقمًا قياسيًّا في عدد الكتب التي يمكنك قراءتها في الأسبوع، بل إلى اكتساب مهارات وأفكار جديدة تحتاج مزيدًا من الوقت والصبر
- جهز نفسك للتعامل مع أشد الطرق وعورة، فتجربة التعلم لا يمكن التنبؤ بمنعطفاتها، فقد تتخيل أن طريقك سيكون مفروشًا بالورد قبل أن تصطدم بالواقع، لذا، فلا داعي للقلق، وتعلم كيف تستمتع برحلة التعلم
- عند التعرض للإرهاق فكِّر في أخذ قسط من الراحة يساعدك على مواصلة العمل، لتجنب التوقف بشكل نهائي وخسارة المكاسب المنتظَرة في نهاية الطريق
- أخضِع كل ما تتعلمه للبحث، ولا تتعامل مع ما تقرأه كمُسلَّمات، بل استمر في البحث وتحقيق المعلومات بجهد شخصي، إذ إن ذلك جزء أصيل من عملية التعلم الجاد وتمرين العقل
- الإتقان لن يأتي سوى بالتمرين والإصرار على إعادة المحاولة بهدف تطوير الأداء، فلا مفر من اجتياز رحلة التعلم كاملة لمن أراد الحصول على فوائده كاملة، وإن كانت هناك بعض الطرق لتسريع تلك الرحلة، فمن المستحيل إغفالها بشكل كامل
قد يعجبك أيضًا: هل يفتح لنا تعلم لغة جديدة تصورًا آخر عن الزمن؟
تمارين «عضلة» المخ
لا تحبس نفسك في مكان واحد، فإن تعذر عليك السفر لبلدان أجنبية، يمكنك توسيع مداركك بزيارة أماكن جديدة ولو داخل بلدك.
يقول المحارب الأمريكي «ويليام كروفورد»: «أن تصبح طالبًا، هذا أمر يسير، لكن التعلم يتطلب عملًا جادًّا»، وهناك عدة طرق لتمرين عقلك ليصبح أهلًا لممارسة العمل الجاد الذي تتطلبه تجربة التعلم:
- تعلم شيئًا جديدًا، فأي نشاط يتضمن تعلم مهارة أو اكتساب معلومة جديدة يضيء منطقة جديدة في عقلك، أو بمعنى أصح: ينشط تلك المنطقة، فحتى لو كان عملك في مجال روتيني جاد، لا مانع من اكتساب مهارات فنية، موسيقية أو تشكيلية أو غير ذلك، لاكتشاف ذاتك من جديد
- مارس نشاطًا بدنيًّا، فالجسد والعقل كيان واحد مترابط، فتنشيط الجسم سيعود بفائدة مماثلة على العقل
- انتقل إلى أماكن جديدة ولا تحبس نفسك في نطاق مكاني واحد، ولو تعذر عليك السفر إلى بلدان أجنبية، يمكنك توسيع مداركك بزيارة أماكن جديدة ولو داخل بلدك، وسترى ما لهذا من أثر على توسيع مجال رؤيتك للأمور وتقبُّل الناس بشكل أفضل
- تتبع مستوى تعلمك، فمتابعة ارتفاع وانخفاض مستواك يتيح لك فائدة أكبر من تجربة التعلم وإدراك مسببات ومواطن المتعة والألم الذي يتخلل تلك العملية.
نحن لا نحتاج إلى حلول سحرية لتعليمنا المهارات والعلوم في غمضة عين، فما يأتي بسهولة يضيع بسهولة، إنما نحتاج إلى تغيير نظرتنا إلى الألم اللحظي المصاحب لعملية التعلم، ومزيد من التركيز على الغاية الأسمى منه، التي عند تحقيقها سيطغى شعور السعادة على كل الألم الذي تحملناه.