هذا الموضوع ضمن ملف «الهوية الجنسية»، لقراءة موضوعات أخرى في الملف اضغط هنا.
يعتبر الحديث عن المثلية الجنسية في الخليج من المحظورات، ورغم كل ما يدل على وجودها في هذه البقعة الجغرافية، فإن حالة نكران عامة تسيطر على قاطنيها.
ما المثلية؟
المثلية هي رغبة الإنسان الجنسية، ذكرًا أو أنثى، فيمن يماثله نوعًا، وهو المصطلح الأصدق لوصف الحالة، رغم أن مصطلح «الشذوذ» هو الأكثر تداولًا، ويمثل وجهة النظر الرافضة لوجود رغبة تختلف عن الجنس «المغاير»، ويعني الرغبة الطبيعية فيمن يُغاير نوعك.
شيء من التاريخ
ليست المثلية الجنسية أمرًا غريبًا على العرب، إذ يزخر التاريخ، خصوصًا في العهدين الأندلسي والعباسي، بحضور الغلمان، وتداول الكثير من الأشعار التي تتغزل فيهم، بالإضافة إلى الأحداث التي يذكرها المؤرخون عن عشق بعض أمراء المؤمنين للمُرْد (جمع أمرَد؛ الرجل الذي لا شعر في وجهه).
ويقول الباحث حسن عباس عن المثلية الجنسية في التراث العربي: «عُرِفَ كثير من الخلفاء، أمراء المؤمنين، بممارسة اللواط؛ وأشهرهم في العصر الأموي الخليفة الوليد بن يزيد بن عبد الملك، وفي العصر العباسي صارت ظاهرة شبه عامة، فيروي الطبري في تاريخه أن الخليفة الأمين طلب الخصيان وابتاعهم، وغالى فيهم، وصيَّرهم لخلوته في ليله ونهاره، ورفض النساء الحرائر والإماء، حتى إن والدته حاولت ثنيه عن عادته؛ فأتت له بفتيات يشبهن الغلمان، لكنها لم تنجح في مسعاها».
وامتدح أبو نواس اللواط في شعره قائلًا:
صلى الله على لوط وشيعته ... أبا عبيدة قل بالله آمينا
لأنت عندي بلا شك زعيمهم ... منذ احتلمت ومذ جاوزت ستينا
ومن طرائف التراث العربي بخصوص تغزُّل الرجال في الرجال، أن قاضيًا كان يعظ، فأقبلت عليه جماعة من المُرْد، فقال للمتحلقين حوله: «إن العدو قد كثر»، ثم طلب منهم التأمين على دعائه: «اللهم امنحنا أكتافهم، اللهم اقلبهم على وجوههم، وولِّنا أدبارهم، وأرنا عوراتهم، وسلط رماحنا عليهم»، فردد الناس دعاءه دون أن يعرفوا قصده.
في الوقت عينه، ذمَّ بعض العرب هذه الممارسة، كالشاعر ابن الوردي الذي قال:
مَن قال بالمرد فاحذر أن تصاحبه ... فإنْ فعلت فثق بالعار والنارِ
بضاعة ما اشتراها غير بائعها ... بئس البضاعة والمبتاع والشاري
يا قوم صار اللواط اليوم مشتهرًا ... وشائعًا ذائعًا من غير إنكارِ
ويظهر في البيتين الأخيرين أن اللواط كان متفشيًا في العصر المملوكي.
المثلية في الخليج
العلاقات السحاقية في مدارس البنات تمثل 46%من الممارسات المُصنَّفة كقضايا أُدينت فيها الفتاة.
تعدُّ منطقة الخليج الأكثر تحفظًا تجاه المسائل الجنسية، خصوصا المثلية، غالبًا بسبب الإرث الديني والاجتماعي، حتى إن المؤيدين لحقوق المثليين يُبدون آراءهم بخجل، خشية ما قد يواجهونه من هجوم.
اقرأ أيضًا: أن تكون «بايسكشوال» في مجتمع عربي
تحليل مسألة المثلية الجنسية في الخليج يبدأ بالاعتراف بانتشارها في المنطقة، وهو ما يرفضه الكثيرون، معللين الأمر بأنها حالات قليلة شاذة تضخمها وسائل الإعلام، رغم أن الواقع مختلف عن ذلك تمامًا؛ فهناك حالات عديدة للتحرش الجنسي بين طلاب المدارس التى يُفصل فيها الذكور عن الإناث.
واستشهدت دراسة عن التحرش الجنسي المثلي في أوساط المراهقين والمراهقات داخل السعودية، أجراها الدكتور عبد الله يوسف، أستاذ علم الاجتماع، وشارك بها في ندوة جمعية النهضة النسائية الخيرية عام 2006، بإحصائية لوزارة التربية والتعليم في المملكة، أشارت إلى أن العلاقات السحاقية في مدارس البنات تمثل 46% من الممارسات التي تُصنَّف كقضايا أُدينت فيها الفتاة.
كما سجلت إدارات الشرطة شكاوى العمالة المهاجرة، خصوصا الفلبينيين، من تحرش واعتداء ومحاولات اغتصاب نفَّذها ذكور مثليون من مواطني المملكة.
أما حالات المعاشرة بالرضا فتدور خلف الأبواب المغلقة ولا يمكن تسجيلها أو إحصاؤها، فيما سُجِّلت حالات طلاق للضرر، لزوجات اكتشفن علاقات مثلية لأزواجهن.
ومن أمثلة التحفظ في مناقشة هذه القضايا، حادثة وقعت في معرض الكويت الدولي للكتاب، إذ عُرض كتاب يتحدث عن المثلية في الإسلام وعدم وجود عقوبة صريحة بشأنها، بعنوان «حقيقة اللواط في الإسلام» لفرحات عثمان، إصدار دار «إفريقيا الشرق»، فأثار مستخدمو مواقع التواصل الاجتماعي ضجة كبيرة بشأنه؛ ما أدى لسحبه من المعرض.
دول الخليج ليست بيئة صحية للتعبير عن التوجه الجنسي، لكن المطلوب عدم تعذيبهم وانتهاك حقوقهم الإنسانية على الأقل.
من جانب آخر، يتعرض المثليون والمتحولون جنسيًّا إلى العديد من الانتهاكات في دول الخليج؛ كالحرمان من التعبير عن الهوية، ومضايقات الأفراد والأمن.
فقد نشرت منظمة هيومن رايتس ووتش، المهتمة بانتهاكات حقوق الإنسان في العالم، تقريرًا عن انتهاكات الشرطة الكويتية بعد إقرار المادة 198 من قانون الجزاء، الذي يجرِّم التشبه بالجنس الآخر، تقول فيه: «تصف متحولات حالات من الضرب والتعذيب والمنع من النوم والحبس الانفرادي والمعاملة المهينة والمذلة والاعتداء الجنسي والبدني، من قبل الشرطة في أثناء فترة الاحتجاز، أما الاعتداءات الجنسية على أيديهم التي صرحت بها المتحولات فمتنوعة، وتتضمن التحرش من خلال اللمس إلى الاغتصاب أو ممارسة الجنس دون رضى، مع التهديد بالاحتجاز إذا رفضن ذلك».
قد يهمك أيضًا: الأبعاد السياسية لاستهداف المثليين في مصر
ورغم أن القوانين تحاول إظهار المجتمع الكويتي في صورة من يكافح المثلية والمتشبهين بالجنس الآخر ويحاربهما بالحبس، فإن الاعتداءات الجنسية التي تقع تثبت وجود رغبات مثلية، لكنها تمارَس هنا بقصد الإهانة والإرغام، رغم أنها جرائم تعذيب، استغلالًا لما لأفراد الشرطة من سلطة.
ليست دول الخليج بيئة صحية للتعبير عن التوجه الجنسي عمومًا، ويقول بعض المهتمين بالقضية هناك إنها غير جاهزة للاعتراف بحقوق المثليين بعد، لكن المطلوب عدم تعذيبهم وانتهاك حقوقهم الإنسانية على الأقل.
هل المثلية حرية شخصية؟
الإرث الاجتماعي والديني الذي يحمله الخليجيون يرفض قبول المثلية والمثليين، بحجة عامة هي مخالفتها لتعاليم الشريعة الإسلامية، التي يدين بها السواد الأعظم من المواطنين، إضافة لما يسمونه «الآداب العامة».
«الآداب العامة» مصطلح عام وغير واضح، تستخدمه بعض المجتمعات لتجريم بعض الأفعال الشخصية.
فهل المثلية حرية شخصية للأفراد فعلًا، ومن حقهم ممارستها والتعبير عنها؟
الحرية الشخصية مصطلح يطلق على التصرفات والألفاظ التي يعبِّر من خلالها الفرد عن نفسه، ويفعل ما يشاء، ما دام لا يؤذي حقوق الآخرين وحرياتهم. هذه التصرفات لا تُحَدُّ بأُطر دينية أو اجتماعية، كونها متعلقة بقناعات الفرد الشخصية ومنظومته الأخلاقية وعقيدته.
مع ذلك، تميل بعض المجتمعات إلى وضع حد لهذه الحرية، وهو ما يُطلق عليه «الآداب العامة»، ومن خلالها، رغم عمومية المصطلح وعدم وضوحه، تُجرَّم بعض الأفعال، ويهاجمها الأفراد، الأمر الذي يناقض فكرة الحرية الشخصية تمامًا.
قد يعجبك أيضًا: 14 علامة تخبرك أنك تعيش في «مجتمع فاشي»
الكتل السياسية اليمينية والدينية، والمنتمون لمنظومات فكرية محافظة عمومًا، لا يرون أهمية لحرية شخصية يخالف الفرد على أساسها دين الغالبية ومنظومتهم الأخلاقية، ولا يقبلونها إذا أضرتهم معنويًّا، قائلين إن مخالفة الدين تسهم في زيادة فساد المجتمع، وهو ما يجب الوقوف أمامه فورًا والحيلولة دون وقوعه.
إسباغًا لذلك على المثلية، فإن الممارسة الجنسية مع من يماثلك نوعًا أو يخالفك، بالرضا، هي فعل شخصي شديد الخصوصية، كونها تصرفات لا تؤذي حقوق الآخرين وحرياتهم، وتعود للقناعات الشخصية والميول ومنظومة الفرد الأخلاقية. لكن وفق منطق المحافظين واليمينين، تفسد المثلية المجتمع وتنشر الرذيلة المنافية للدين، وهو أمر غير مقبول لديهم، فلا أحد حر في تهديد المجتمع، حتى لو كان ذلك على سريره الخاص.
إن رفض المحافظين لا يخلو من اعتراف بكون الممارسات التي يعارضونها، كالمثلية وغيرها، حرية شخصية، إلا إنهم يرفضون الحرية الشخصية نفسها إذا ما عارضت قيم المجتمع العامة واختلفت عنه.
العلم الحديث والدراسات التي تناولت المثلية أكدت أنها نتيجة كيميائية طبيعية تحدث للجنين في أثناء تكوينه، وبالتالي لا يمكن وصف ممارسة الفعل الطبيعي بأنه حرية شخصية، بل هو حق وليس اختيارًا. رغم ذلك، وفي ظل هذا الوضع الضاغط، المطلوب اعتبارها كذلك على الأقل، وكفالة الحرية للخليجيين، وإيقاف الممارسات اللا إنسانية بحق أي آدمي، أيًّا كان توجهه الجنسي أو الفكري.