ألم تسمع عن «فورتنايت» قبل ذلك؟ إنها لعبة تخطى عدد لاعبيها 125 مليونًا، غالبيتهم من الأطفال والمراهقين وحتى الشباب. يلعبها عدد منهم لمدة عشرة ساعات أو عشرين أسبوعيًّا.
عشرات الملايين يتابعون البث المباشر للاعبي فورتنايت على موقع تويتش أو يوتيوب. رياضيون، مغنون، أيقونات ثقافية كبيرة، كلهم جربوا اللعبة وأبدوا إعجابهم بها. غير أن إطلاق الموسم الخامس منها في منتصف يوليو 2018، تسبب في عاصفة في عالم ألعاب الفيديو.
كثيرٌ منا له تجارب مع ألعاب التصويب، سواء كانت من منظور الشخص الأول، مثل «Call of Duty»، أو منظور الشخص الثالث، مثل «Gears of War». أما «Fortnite»، فتقع في الصنف الأخير، ويأخذ «الأفاتار» الخاص بك مساحة بارزة على الشاشة.
هدف اللعبة بسيط: لديك حياة واحدة، وكي تفوز عليك أن تصارع من أجل البقاء. لكن أن تصمد وسط عنف فورتنايت وفوضاها ، فهذا ليس سهلًا. إذ هناك 99 لاعبًا آخرين يطمحون إلى أن يكونوا آخر لاعب على قيد الحياة، ولديهم الأسلحة اللازمة لتحقيق ذلك.
تنتمي اللعبة إلى نوع جديد نسبيًّا ومستوحى من كتب وأفلام، مثل «The Hunger Games»، والفيلم الياباني الشهير «Battle Royale».
مثل الألعاب الأخرى التي تنتمي إلى ذلك النوع، تقع معارك فورتنايت في جزيرة كبيرة، ويتقلص الحيز الآمن من الجزيرة باستمرار. إذا كنت خارج الحيز ستقل نقاط حياتك إلى أن تنتهي اللعبة وتخسرها، وهكذا يجد اللاعبون أنفسهم مجبرين على التوجه إلى الحيز الآمن ومواجهة بعضهم بدل الاختباء الدائم.
لم تتوقف فورتنايت عن تحطيم الأرقام القياسية منذ إطلاقها في سبتمبر 2017. ففي فبراير 2018 سجلت دخول 3.4 ملايين لاعب للمنصة في نفس الوقت، إضافةً إلى أنها تستند إلى قاعدة لاعبين ضخمة تجاوزت كل الألعاب الأخرى.
الوفرة: وصفة فورتنايت للنجاح
هناك عدد من الأسباب التي تجعل لعبة «Fortnite: Battle Royale» ذات شعبية عريضة، وقد تكون أهمها إتاحتها لأكبر عدد ممكن من الناس، وفي مختلف الأجهزة.
تتيح فورتنايت لمن يستعمل هاتف آيفون، أن يلعب مع من يستعمل جهاز كمبيوتر أو بلايستيشن، وهذا ابتكار نادر في عالم ألعاب الفيديو.
صدرت اللعبة مجانًا على كثير من منصات الألعاب، وقفزت شعبيتها في يناير 2018 عندما أضيفت مناطق جديدة داخل اللعبة. في مارس صدرت اللعبة لأنظمة «iOS»، وبعدها على أندرويد، فبلغت أوج نجاحها، وحققت أعلى المبيعات في 13 بلدًا، وجنت ما يفوق 1.5 مليون دولار في أسبوعها الأول فقط.
إتاحة اللعبة على أجهزة متنوعة، من كمبيوتر وبلايستيشن إلى إكسبوكس والهواتف الذكية، أدى دورًا كبيرًا في شعبيتها، لكن ما زاد من ذلك هو منصة اللعب المشتركة التي تتيح لك اللعب مع أصدقائك الذين يستعملون مختلف الأجهزة والمنصات.
كان هذا ابتكارًا نادرًا في عالم ألعاب الفيديو، وقد زاد من تعقيده صعوبة صناعة ألعاب تتوافق مع كل جهاز على حدة، دعك من قابلية اللعب مع أصدقائك الذين يستعملون أجهزة مختلفة. لكن فورتنايت تتيح لمن يستعمل هاتف آيفون، على سبيل المثال، أن يلعب مع أصدقائه الذين يستعملون جهاز كمبيوتر أو بلايستيشن.
في الوقت نفسه، هذا النظام ليس مثاليًّا بالطبع. إذ من المستحيل مثلًا اللعب بجهاز بلايستيشن مع صديق على إكسبوكس. غير أن المدير التنفيذي لفورتنايت، «تيم سويني»، يقول إن هذه الإمكانية وشيكة الحصول، ولا يمكن تجنبها لأهميتها بالنسبة إلى مجال صناعة الألعاب.
منصات اللعب المشترك مكسب كبير لمحبي ألعاب الفيديو، ويبدو أنها أسهمت بشكل كبير في تعزيز شعبية فورتنايت.
هل فورتنايت سرقة لفكرة «Pubg»؟
في عالم الألعاب، كل ما هو جديد يُستوحَى مما سبقه.
في لقاء صحفي مع ممثلي شركة «Bluehole Studio»، التي تقف وراء لعبة «PlayerUnknown’s Battleground»، أو ما يُعرف اختصارًا بـ«Pubg»، أعلن المدير التنفيذي ونائب رئيس الشركة، «شانغ هان كيم»، أنه يشعر بالقلق من أن فورتنايت «تقلد تجربة اللعب التي تشتهر بها Pubg». غير ذلك، واجهت اللعبة انتقادات لاذعة من محبي Pubg. فما مدى صحة تلك الادعاءات؟
تبدأ لعبة فورتنايت بالقفز من حافلة بنفسجية طائرة، لتفتح مظلتك وتهبط على الجزيرة. على الجزيرة مناطق مختلفة، وستجد في محيطك كثيرًا من الموارد، مثل الأسلحة والمتفجرات والأدوية والدروع، وكذلك الأدوات الخام، مثل الخشب والحجارة والحديد. غير أنك لا تملك في البداية سوى مِعوَل تستخدمه للتنقيب عن الموارد ومحاولة النجاة. هكذا تكاد تكون اللعبة مطابقة لـ«Pubg» في عدد من النواحي.
لكن هناك اختلافات في العمق، إذ إن فورتنايت ليست مجرد لعبة تجد فيها الأسلحة والأدوية، بل تضم عنصر البناء كذلك. هكذا تستطيع التنقيب عن مختلف المواد التي تحتاجها لاحقًا. ومثل لعبة «Minecraft»، يمكنك تحطيم كل ما يحيط بك بضربات معولك، سواء كان حائطًا أو شجرة أو أي شيء تراه أمامك. هناك تشابهات، نعم، لكن هذه الجزئية تجعل اللعبتين مختلفتين تمامًا.
بطريقة ساخرة، يؤكد اللاعب واليوتيوبر الشهير «PewDiePie»، صاحب القناة الأعلى اشتراكًا على يوتيوب، أن فورتنايت مسروقة من «Pubg»، لكن هذه اللعبة مسروقة من «H1Z1»، التي هي بدورها مسروقة من «DayZ»، التي هي بدورها مسروقة من «Dota2»، إلى آخر السلسلة. ولا يَخفَى أن تعليقه يحوي قدرًا هائلًا من الحقيقة. ففي عالم الألعاب، كل ما هو جديد يُستوحَى مما سبقه.
قد يهمك أيضًا: كيف تحولت ألعاب الفيديو إلى إدمان؟
إدمان فورتنايت: عندما يتجاوز الهوس حدوده
في بداية يونيو 2018، نشرت عدة مواقع قصة فتاة تبلغ تسع سنوات، تتلقى علاجًا لإدمانها فورتنايت، ما أدى إلى انتشار حصص من برامج تلفزيونية تقدم للآباء نصائح وتوجيهات في حال ما إذا كان أطفالهم يعانون من حالة مشابهة، وأشار عدد منها إلى فورتنايت تحديدًا. فما قول علم النفس بخصوص ذلك؟
في عام 2018، اعترفت «منظمة الصحة العالمية» باضطراب ألعاب الفيديو، وتزامن ذلك مع ظهور مقالات تزعم أن اضطراب ألعاب الفيديو قابل للعلاج لدى الخدمة الوطنية الصحية في بريطانيا.
لكن المشكلة ليست كما تبدو. فوفقًا للطبيب النفسي ومدير البحث العلمي في معهد أوكسفورد للإنترنت، البروفيسور «آندرو برزيبليسكي»، ليس إدمان ألعاب الفيديو شيئًا راسخًا في علم النفس حاليًّا. هناك ما يسمى اضطراب ألعاب الإنترنت، لكنه مجرد مقترح، ويحتاج إلى مزيد من الدراسة.
ما يجعل فورتنايت شعبية للغاية، ليس أنها تحتوي على ميكانزمات إدمانية، بل لأنها مجانية، ويمكنك أن تلعبها في أي مكان.
هكذا لا يمكنك أن تتجه إلى الطبيب النفسي وتقول إنك تعاني من اضطراب ألعاب الفيديو وترغب في العلاج.
يشرح برزيبيلسكي أن «العاملين في مجال الصحافة يسيئون فهم التفاصيل الأساسية لما يحصل الآن»، وإدراج منظمة الصحة العالمية ألعاب الفيديو ضمن مسببات الاضطراب، يعني أننا دخلنا في مرحلة من البحث تسهم فيها منظمات الصحة في أمريكا والاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة، بالمعلومات والدراسات خلال العامين المقبلين.
يؤكد برزيبيلسكي كذلك أهمية اللغة. فعندما يتحدث الناس عن إدمان الألعاب، يستعملون هذا المصطلح في معناه العام. لكن الإدمان يشير إلى أن هنا شيئًا ما يجعل الأداة نفسها إدمانية. يقول البروفيسور: إن ما يجعل فورتنايت شعبية للغاية، ليس أنها تحتوي على ميكانزمات إدمانية مثل شراء علب الجوائز العشوائية. بل لأن اللعبة مجانية، ولست بحاجة إلى وحدة تحكُّم حتى تلعبها، إذ يمكنك أن تلعبها في أي مكان على هاتفك.
وفقًا له، ليس هناك شيء مميز بخصوص اللعبة، من وجهة نظر عالم نفس، حتى نقلق بشأنه.
اقرأ أيضًا: تاريخ ألعاب الفيديو: كيف تطورت وحدات التحكم عبر التاريخ؟
سؤال المليون دولار: إلى متى فورتنايت؟
هل سيستمر نجاح فورتنايت، أم أنها ستعاني من نفس مصير لعبة «Pokemon Go» التي تلاشت شعبيتها بعد أقل من عام على إطلاقها؟
يعتقد «بييرس هاردينغ رولز»، رئيس قسم الألعاب في شركة البحث والدراسات «IHS Markit»، أن شعبية فورتنايت ستستمر في التزايد لبعض الوقت، خصوصًا أن اللعبة لم تدخل الصين بعد. غير أن مصير اللعبة النهائي يعتمد على جمهورها من المراهقين. ومع استمرار مطوري اللعبة في تحديثها وتحسينها بين كل حين وآخر، يمكننا أن نتوقع أن فورتنايت لن تموت في أي وقت قريب.