حيلة بسيطة نفذتها فتاة مصرية تدعى سارة أبو الخير، تدفقت بعدها سيول من التفاعل معها على شبكات التواصل الاجتماعية.
قصة سردتها على إنستغرام، بدأت باقتراحها على وكالة «ناسا» للفضاء، استخدام نيران الصواريخ لإقامة حفل شواء، لتعرض صورًا لمحادثات بينها وبين وكالة الفضاء التي وافقت على الفكرة.
الأمر تطور لتعرض صورًا أخرى لمحادثات بينها وبين وسائل إعلام وشركات إنتاج مثل «نتفليكس»، والطباخ الشهير «غوردن رامسي»، والإعلامية الأمريكية «إيلين ديجينيريس»، يتحدثون معها عن المشاركة في حفل الشواء هذا.
قبل أن تكشف الفتاة بنفسها عن حقيقة الأمر، وأنها لا تعدو مزحة ضمن تجربة اجتماعية تُجريها لتختبر كيف تسهم وسائل التواصل الاجتماعي في نشر الأخبار الكاذبة.
الأمر الذي أثار إعجابي بشكل شخصي، أكثر من فكرة حفل الشواء الذي لم أكن لأتحمس له بنفس القدر لأكتب عنه.
لماذا نميل إلى تصديق الأخبار المزيفة؟
بمجرد انتشار أي خبر، قبل النظر إلى مصدره، ستجد دائمًا فريقًا يتداوله بسرعة البرق دون أن ينتظر التأكيد، وفريقًا آخر ربما سيُكذِّبه فور سماعه، أو في أضعف الإيمان سينتظر الخبر اليقين.
في 2017، عقدت «جمعية علم النفس الأمريكية» مؤتمرًا عرضت فيه كثيرًا من الأبحاث حول تداول «الأخبار المزيفة»، ولماذا يميل الناس إلى تصديق تلك الأخبار أو تكذيبها.
«مارك وايتمور»، الأستاذ المساعد بجامعة كينت الأمريكية، يرى أنها «حاجة العقل لاستقبال المعلومات التي تتفق مع الآراء ووجهات النظر الشخصية». وهو ما اتفق معه فيه «ناثان هيفليك»، المحاضر بجامعة لينكولن في بريطانيا، متحدثًا عن «الواقعية الساذجة»، التي تجعل الناس يظنون أنهم مفكرون، ولذلك يصدقون كل ما يتفق مع ما يرونه ويسمعونه من أخبار.
في حالة أبو الخير، لم ينخدع الناس بانتشار خبر مزيف يتفق مع توجهاتهم الشخصية، لكنها قصة لطيفة يحب الناس أن تحدث من دون شك، ولفتاة عادية ليست مشهورة حقًّا. أيضًا، فكرتها لم تكن شيئًا في الفيزياء يصعب على الغالبية فهمه، بل مجرد حفل شواء. أستطيع المراهنة بسهولة على أن كثيرين بإمكانهم تقديم أفكار أكثر إبداعًا من ذلك إلى ناسا. وبالطبع، يحبون أن يحدث لهم ما حدث لها في القصة المفبركة. هذا فقط ما أرادته التوقعات، لذلك لم يشكك كثيرون في أمرها.
لماذا كانت التجربة مثيرة؟ لأن بعضهم يجني أموالًا طائلة من وراء سيكولوجية الجماهير.
قد يعجبك أيضًا: كيف يمكن للإنترنت أن يُحدث ثورة حقيقية في حياتنا؟
في 2015، أعلنت فتاة أسترالية اسمها «بيلي غيبسون»، أنها مريضة بسرطان في المخ، وأن الأطباء أخبروها بأنها ستعيش لأربعة أشهر فقط، قبل أن تتمكن من معالجة نفسها بالغذاء الصحي وبعض الوصفات الطبيعية.
هذا الأمر كان للترويج لكتاب وتطبيق هاتفي، وعدت بأن تمنح المنظمات الخيرية جزءًا من أرباحه، قبل أن تظهر حقيقة الأمر، وأنها لم تكن مريضة بالسرطان من الأساس، ولم تتبرع بشيء، وربحت نصف مليون دولار تقريبًا.
سذاجة قصة غيبسون لم تمنع كثيرين من تصديقها. من منا لا يحب الاستماع لقصة شفاء أحدهم من السرطان؟ ربما تمادى بعضهم في تصديق تلك القصة تحديدًا، لكن يظل لديهم الدافع النفسي إلى التصديق.
في العام نفسه، وقعت جريمة قتل صادمة في الولايات المتحدة، بعد أن طلبت فتاة تدعى «جيبسي بلانتشارد» من صديقها قتل أمها طعنًا، ثم هربا معًا.
جيبسي كانت مريضة بسرطان في الدم، تعاني من ضمور في العضلات، ومشكلات في الجهاز التنفسي، إضافة إلى قائمة طويلة من الأمراض، وتتغذى بواسطة أنبوب.
لكن ما اكتشفه العالم بعد ذلك، أن الأم خدعت الآخرين منذ أن كانت جيبسي في عُمر الثلاثة أشهر. وفعلت ذلك لتحصل على التبرعات ومنزل مجاني ورحلات طيران مجانية، وحتى زيارة إلى ديزني لاند، وكثير من الأرباح على مدار السنوات.
جيبسي لم تكن تعاني من أي مرض على الإطلاق. الأم اختلقت القصة وجعلتها تسير على كرسي متحرك، وحليقة الرأس لسنوات كأنه سقط جراء العلاج الكيماوي، لتكون لها بمثابة «Cash Cow» (البقرة الحلوب) التي تدر أموالًا على صاحبها.
مال الناس لتصديق رواية الأم بدلًا من طبيبها الذي دَوَّن ملاحظاته عن صحة جيبسي.
على عكس الشائع: الصحفي ليس أول من يعلم دائمًا. وبالطبع مع الأخبار القادمة إليك من خارج مصر، تحتاج إلى أن تتحرى الدقة.
على صفحتك الشخصية في فيسبوك أو تويتر، صادفك من قبل بعض الأصدقاء نشروا خبرًا ما من مواقع إلكترونية تكتب مواد ساخرة أو ناقدة بنمط الأخبار، مثل «الحدود» أو «The Onion» أو غيرهما، على أنه خبر حقيقي.
بتحليل بسيط لما حدث، ستجد أن هذا الصديق ربما لم يقرأ الخبر من الأساس، فقط نشره بسبب عنوانه الذي يسخر من شيء أو إنسان لا يحبه صديقك حقًّا، ولذلك مال لتصديق الخبر.
الأمر لا يتوقف فقط عند القارئ، بل يتأثر به بعض الصحفيين في كثير من الأوقات، وهو أحد الأخطاء التي لا تغتفر.
على مدار سنوات عملتُ بها في مجال الصحافة الإلكترونية، رأيت كيف تطورت تلك المهنة في السنوات الأخيرة، وخصوصًا مع انتشار وسائل التواصل الاجتماعي.
بالتأكيد لا أمتلك المصادر في كل مكان. فعلى عكس الشائع: الصحفي ليس أول من يعلم دائمًا. وبالطبع مع الأخبار القادمة إليك من خارج مصر، تحتاج إلى أن تتحرى الدقة قبل النقل، وهي العملية التي باتت جزء أصيلًا من المهنة.
وكالة أنباء عالمية بحجم «رويترز» وقعت في خطأ كبير، ونقلت خبرًا مزيفًا عن إعفاء القنصل السعودي، وهو أمر شائك جدًّا في الحقيقة، ربما جعل بعضهم ينفر من الأخبار التي تنقلها الوكالة العريقة في قضية جمال خاشقجي بأكملها.
في أوج الأزمة بين مصر والجزائر في 2009، مال الصحفيون المصريون في جرائد ومواقع إلكترونية كبيرة إلى تصديق خبر عن مصدر يدعى «سيفون سبورت»، تمنى فيه الرئيس الفرنسي الأسبق «ساركوزي»، تأهل منتخب مصر خوفًا من الفوضى التي قد يصنعها الجزائريون في بلاده.
لماذا أدرك العالم خطورة الأخبار المزيفة؟
ولا بد من أنك بدأت في الاستماع لمصطلح «Fake News» كثيرًا منذ أن تولى دونالد ترامب رئاسة الولايات المتحدة، وللمفارقة، فإن نجاحه في الانتخابات اعتمد بشكل أساسي عليها.
قد يهمك أيضًا: هجوم وتصيُّد أخطاء: حرب تكسير العظام بين ترامب والإعلام
لن يتوقف الناس عن تصديق ما يتفق مع آرائهم الشخصية.
لعل أبرز الطرق كانت فضيحة فيسبوك مطلع 2018، بتسريب الشركة بيانات المستخدمين، والتي استخدمتها شركة «كامبريدج أناليتيكا» لاحقًا من أجل استهداف الناخبين بحملات إعلانية للتأثير في أصواتهم لصالح ترامب، وأيضًا للتصويت إلى صالح بريكسيت (خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي).
لا أريد أن أذهب بعيدًا في نظرياتي الشخصية. لكن بالتأكيد شعور الرجل الأبيض بالخطورة من شيء ما، يجعل العالم يسير في اتجاه الحد من الأخبار المزيفة واتخاذ إجراءات فعالة ضدها.
الأخبار المزيفة استخدمها الرجل الأبيض في القرن التاسع عشر بالولايات المتحدة للتخلص من السكان الأصليين، لكنها ربما انقلبت عليه الآن، وجلبت إليه مصدرًا للإحراج أمام العالم.
نحن نتفق معه فقط على كراهيتنا للأخبار المزيفة، ونريد أن تكون كل القصص التي نتعاطف معها حقيقية 100%، ولا ريب فيها. لكن وفقا لدراسات علم النفس: الناس لن يتوقفوا عن تصديق ما يتفق مع آرائهم الشخصية.