«مصطفى»، اسم يطلقه الكويتيون على كل من يذاكر باجتهاد. هذا الاسم، الذي يوحي بأنه مصري، يُطلَق حتى على الكويتي الذي يجتهد في دراسته، فإذا كنت طالبًا «دحيحًا» سيناديك الجميع «مصطفى» أو «المصري». من أين جاءت هذه الأسطورة؟ وما أسبابها؟
لو نظرنا إلى نتائج أوائل الثانوية العامة في الأعوام الدراسية منذ 2014 حتى 2017 كحد أدنى، سنجد اكتساحًا مصريًّا للمراكز الأولى. ففي العام الدراسي 2014-2015، نشرت صحيفة «القدس العربي» ما اعتبرته «مفارقة غريبة» تحت مانشيت «أوائل الثانوية العامة في الكويت ليسوا كويتيين»، بعد أن اكتسح المصريون المراكز الأولى في القسمين العلمي والأدبي، ولم يخترق ذلك الاكتساح سوى طالب سوري وطالبتين من عديمي الجنسية (البدون).
وفي 2015-2016، نشرت جريدة «التحرير» المصرية عنوانًا يقول: «للعام الثاني على التوالي.. العشرة الأوائل في الثانوية العامة في الكويت مصريون»، في استغراب واضح لهذا الاكتساح. ولم يكن العام الدراسي 2016-2017 مختلفًا، إذ حلّ المصريون أيضًا في المراكز الأولى في النتائج النهائية للثانوية العامة.
لكنك حين تتابع النتائج المعلَنة قد تستغرب وجود قائمة «الأوائل على الكويتيين»، وهي قائمه استحدثتها وزارة التربية للطلبة الكويتيين المتفوقين بهدف تشجيعهم، فصارت هناك قائمتان للنتائج، واحدة للأوائل على مستوى دولة الكويت ككُل، والأخرى للأوائل الكويتيين فقط، لكن ما سبب ذلك الاكتساح؟
هل المصري فعلًا أذكى طفل في العالم؟
في الكويت، الدافع للدراسة لدى المصريين أقوى منه عند الكويتيين، فالمغترب يخضع لضغط أعلى وتحدٍّ أكبر.
«لا فارق بين الطالب الكويتي والمصري في مستويات الذكاء. معي طلبة كويتيون من الأوائل على المدرسة وبنسب عالية جدًّا»، هكذا يقول الطالب المصري مدحت مدحت محمد فاضل، الذي يدرس في الصف الحادي عشر بمدرسة عبد الله العسعوسي.
أما أيمن الشطي، المُعلِّم الكويتي السابق، فيشرح لـ«منشور» أن «السؤال الصحيح الذي يجب أن نطرحه قبل كل شيء هو: لماذا المصريون بالذات دونًا عن بقية الجاليات؟». يرى الشطي أن هذا يعود إلى عدد أفراد أعداد الجالية المصرية في الكويت، التي تضم أكبر عدد بعد الكويتيين أنفسهم، تليها الجنسيات الآسيوية التي لا تدرس في المدارس الحكومية، ثم بقية الجاليات العربية، ومن هنا تصبح كفة المصريين أرجح.
وفقًا للشطي، السلوك التربوي للطالب أهم أسباب هذا التفوق، فالدافع للدراسة لدى المصريين أقوى منه عند الكويتيين، لأن المغترب يخضع لضغط أعلى وتحدٍّ أكبر، خصوصًا في دولة ريعية (تعتمد على النفط) كالكويت، فالرفاه الذي يعيشه الكويتيون يقلل من الحافز الدراسي.
في حديثه لـ«منشور»، يوضح الطالب مدحت، الحاصل على نسبة 99.8%، أن اجتهاد الطالب المصري يرجع إلى سبب اقتصادي، إذ أنه «في مصر يجب أن تحصل على شهادة عالية حتى تتمكن من العيش في مستوى عالٍ، أما في الكويت، فيمكن للمواطن أن يفعل ذلك بشهادة بسيطة».
يؤكد ذلك الطالب المصري عمار ثروت السروجي: «أصدقائي الكويتيون يخبرونني أن آباءهم أو أعمامهم سيضمنون لهم وظيفة بعد التخرج، في سلك الشرطة مثلًا، على عكسنا كطلبة مصريين، فهناك هدف يجب أن نسعى إليه».
تذكُر ماجدة العبدلي، الموجهة الفنية في وزارة التربية الكويتية، أن إثبات الذات دافع أساسي لتفوق الطالب المصري، لأنه يتعامل مع الشهادة كأمر مصيري، أما الطالب الكويتي فهو، حتى لو لم يحصل على نسبة عالية، باستطاعته استكمال الدراسة داخليًّا أو خارجيًّا، أو الحصول على فرصة عمل.
كذلك، ترى العبدلي أن الأسرة المصرية المغتربة تجعل من التحصيل العلمي أولوية، وهذا مختلف عن الأسرة الكويتية، إضافةً إلى أن أغلبية الطلبة المصريين يعمل ذووهم في السلك التعليمي، وهذا يساعد كثيرًا في ارتفاع معدل التحصيل العلمي.
أما الطالب أحمد طارق رسلان فيعتقد أن السبب هو قبول الجامعات المصرية للطلبة، إذ أن «معدلات 99% أو 98% هي فقط التي من الممكن أن تدخلك كلية جيدة، أما أقل من ذلك، كنسبة 95% مثلًا، فلن تذهب بك سوى إلى كلية التجارة».
أيمن الشطي يوضح أن بعض المدرسين يتعاطفون مع الطالب المصري بسبب اغترابه، وحاجته لصنع الفارق التعليمي في مجتمع يشعر فيه بالتمايز والمعاملة غير العادلة أحيانًا: «تعاطف، لا تواطؤ كما قد يذهب بعض من يلمز، فالمسألة ليست نظرية مؤامرة».
وبحسبه، فالتفوق في الثانوية العامة «يحتاج إلى معدل تراكمي، يجب أن يحصل الطالب على معدل معين منذ الصف العاشر حتى الثاني عشر. العمل هنا على النفَس الطويل، ونحن في شخصياتنا ككويتيين قصيرو النفس، مستعجلون دائمًا، لا نملك مهارة العمل للمدى البعيد، وهذا يعود إلى الرفاهية التي يعيش فيها المجتمع. هذا لا يعني أننا سيئون، لكنها من سلبيات الرفاهية، فالتربية تفتقد هذه المهارة، إلا في حالات استثنائية يشذ فيها بعض الكويتيين شذوذًا إيجابيًّا عن هذه القاعدة، ويتفوقون على أقرانهم».
يتطرق الشطي إلى أن أعداد الكويتيين في المدارس الخاصة كبيرة، والتعليم في هذا القطاع أصعب من الحكومي، وبالتالي يقل عدد الكويتيين الذين يحرزون مراكز متقدمة في الترتيب العام: «لننتبه إلى أن هناك مئات المصريين في المدارس الحكومية، الأوائل منهم عشرة ونيف، هذا عدد قليل مقارنةً بعددهم بالكامل. وهكذا، ليس كل الطلبة المصريين من المتفوقين».
أما العبدلي فتختم حديثها بأن «النتائج النهائية تغيب عنها المصداقية لأسباب كثيرة، نحاول أن نبعدها عن صحة البيئة التعليمية في الكويت، لكنها موجودة بالفعل ولا يمكن إخفاؤها، مثل انتشار الغش وتسريب الامتحانات. غير ذلك، الطالب الكويتي أقدر على الحصول على المادة العلمية عن طريق مدرسين خصوصيين وطرق أخرى، فيقل اعتماده على نفسه، وهذا بسبب البيئة المرفهة».
اقرأ أيضًا: كيف يستفيد الأطفال من تسامح آبائهم مع الفشل؟
نلاحظ أن هناك إجماعًا على أن رفاهية البيئة الكويتية تؤثر سلبًا في جهد الطالب الكويتي في التعليم، بينما البيئة المصرية تساعد الطالب المصري على الاجتهاد، بسبب سوء الأحوال الاقتصادية، وهذا مما يجب النظر فيه لتحسين الناتج التعليمي في الكويت.
لكن هناك مشكلات أخرى يعاني منها الطالب المصري تجعله يبذل ضعف الجهد الدراسي، أهمها «التنسيق».
التنسيق: مدمر أحلام الطلبة المصريين
يخضع الطلاب المصريون في الكويت لنظام تنسيق خاص حين يعودون إلى مصر للالتحاق بإحدى الكليات، يقوم على معادلة مجموعهم النهائي وحذف درجات بعض المواد، بالتالي تقل نسبة المجموع، فلا يتمكنون من الالتحاق بكليات القمة في مصر، حتى الحاصلين على نسبة أكثر من 99%، عكس أقرانهم المتخرجين في الثانوية العامة المصرية.
مثالٌ على ذلك، تذكر بعض التقارير أن الطلبة المصريين خريجي الكويت يجب أن يكون مجموعهم 99.6% لدخول كلية الطب، بينما يلتحق زملاؤهم خريجي الثانوية المصرية بالكلية ذاتها بمعدلات أقل.
قد يهمك أيضًا: العلم والتعليم كأداتي سيطرة على الإنسان
يشعر الطلبة المغتربون بالظلم بسبب استنزاف طاقتهم وحياتهم، وقد يشكل ذلك عقبة كبيرة أمام تحقيق أحلامهم، خصوصًا أن نظام الدراسة في الكويت تراكمي على ثلاث سنوات، عكس النظام المصري، الذي يأخذ درجات السنة الأخيرة فقط.
ليست القضية مفاضلةً بين الطالب الكويتي والمصري، بل بين البيئة والظروف التي تهيأت لكليهما، ودرجة الضغط النفسي الذي يخضع له الطالب بشكل قد لا ينصفه.