تستمر صدمة الحرب لفترة طويلة بعد نهاية القتال على أرض المعركة، إلى حدٍّ تصبح معه العودة إلى نمط الحياة الطبيعية غايةً في الصعوبة، نظرًا لأن العائدين من الحرب غالبًا ما ينشأ لديهم خَدَر عاطفي يمنع اندماجهم في مسار الحياة اليومي ويستدعي خضوعهم للعلاج.
هناك استراتيجيات علاجية عديدة لمواجهة اضطراب ما بعد الصدمة، ومساعدة المصابين به على استعادة علاقة سوية مع الواقع، وتمكينهم من تخطي التجارب العنيفة التي مروا بها، ومن بين العلاجات التي يُتوقع دخولها حيز الاستخدام مستقبلًا العلاج بواسطة «الإكستاسي».
بالرغم من أن تاريخ صنع مخدر الإكستاسي يعود إلى قرن من الزمن، فإن استخدامه الفعلي من طرف الأطباء النفسيين كعقار يوصف لأغراض طبية لم يبدأ سوى في سبعينيات القرن العشرين، وهو ما تزامن مع صعود نجم هذه المادة في الملاهي والأندية باعتبارها وسيلة لتحقيق النشوة، الأمر الذي أكسبها سمعة سيئة ودفع السلطات إلى تصنيفها تحت خانة المواد الخاضعة للرقابة، وإيقاف البحث الرسمي في إمكانية استخدامها طبيًّا.
لكن مقالًا منشورًا على موقع «Vice» يشير إلى أن الشروع في استخدام عقار الإكستاسي كوسيلة لعلاج مرضى اضطراب ما بعد الصدمة قد يصبح متاحًا في السنوات القليلة القادمة، ما قد يؤدي إلى توسيع دائرة الأدوية المستعملة لعلاج اضطرابات نفسية أخرى مثل الاكتئاب والإدمان، ويفتح الباب لدراسة فوائدها الطبية بصورة قانونية ورسمية.
إكستاسي: علاج للأمراض النفسية
في البداية، لم يحاول جيمس طلب العلاج حتى بعد مرور عام ونصف على عودته إلى الولايات المتحدة، نظرًا إلى أنه كان يفتقر إلى تلك الندوب الجسدية البارزة التي تنتشر بين المصابين بهذا الاضطراب، لكن حدة الأعراض تفاقمت تدريجيًّا، إلى أن صار حتى انطلاق الألعاب النارية كفيلًا باستحضار صور الجثث التي عاينها في ساحة المعركة أمامه.
سعى جيمس بعدها إلى طلب العلاج عن طريق البرامج التي يقدمها الجيش، لكن محاولاته فشلت ولم تساعده تلك العلاجات على تخطي أعراض الاضطراب بشكل نهائي، إلى أن اكتشف التجارب على مخدر الإكستاسي التي تدعمها «الرابطة متعددة الاختصاصات المعنية بالدراسات على المواد المخدرة» (MAPS).
هدف هذه المجموعة الحصول على موافقة وكالة «إدراة الغذاء والدواء» الأمريكية على وصفة طبية للإكستاسي بحلول عام 2021، وهو ما قد يتحقق قريبًا، خصوصًا أن نتائج الدراسات الحالية واعدة، إذ توصلت دراسة تجريبية على هذا المخدر إلى أن 83% من المشاركين لم يعودوا يستوفون المعايير التي تضعهم تحت تصنيف المصابين باضطراب ما بعد الصدمة، بعد متابعتهم بروتوكول العلاج.
قد يهمك أيضًا: الرجل الذي اكتشف سر لذة القِنَّب وقدراته العلاجية
كذلك، وجدت متابعة طويلة الأمد امتدت من 17 إلى 74 شهرًا، على المشاركين في إحدى الدراسات الأولى على هذه المادة، أن اثنين فقط من أصل 19 من المشاركين لم يتعافوا بعد تلقي العلاج وعادوا إلى حالتهم الأولى، دون أن تُلحق مشاركتهم في التجربة أي ضرر بهم.
خلال هذه الاختبارات، عقد فريق من الأطباء النفسيين عشرات الجلسات مع كل مريض، وفي ثلاث منها أُعطي المشاركون عقار الإكستاسي، بينما ركزت جلسات أخرى على فحص وإعداد ودمج التجارب المحفزة لأعراض الاضطراب في حياة المريض اليومية.
يقول الطبيب النفسي «ويل فان درفير» إن تعاطي المريض للدواء ثلاث مرات فقط على مدى فترة العلاج بأكملها أقل بكثير من المعدل الذي توصف به الأدوية التقليدية لعلاج مثل هذه الاضطرابات، والتي قد تصل في نهاية المطاف إلى سنوات طويلة، وتُسهم في تخدير المريض وقمع أعراض الاضطرابات النفسية التي يشعر بها دون منحه فرصة لمواجهة مصادرها.
الإكستاسي: حَجْر على استخدام المخدرات كبدائل علاجية
مع أن الوصمة السلبية لا تزال ترافق استخدام مواد مثل الإكستاسي كبدائل علاجية للأدوية المنتشرة في الأسواق حاليًّا، إلا أن هذا ربما يتغير عما قريب، وذلك في إطار تطبيق جديد مررته إدارة الغذاء والدواء يسمح بإجراء اختبارات سريرية على المواد المصنفة في القائمة الأولى من المواد المخدرة.
موافقة إدارة الغذاء والدواء على الاستخدام الطبي للإكستاسي سيجعل استعماله لأغراض طبية قانونيًّا.
لكن حتى لو وافقت إدارة الغذاء والدواء على استخدام الإكستاسي كدواء طبي، سيظل غير قانوني ما دام مُدرجًا في قائمة المواد محظورة الاستعمال على نطاق واسع من طرف إدراة مكافحة المخدرات.
مع هذا، يمكن لأي شخص أو مجموعة تقديم التماس إلى إدارة المخدرات لإعادة جدولة هذه المادة، وهذا سيترتب عليه فتح تحقيق يجمع المعلومات من إدارة الغذاء والدواء وباقي الوكالات الحكومية للبت في مجريات الموضوع.
يعني هذا أن موافقة إدارة الغذاء والدواء على الاستخدام الطبي لهذه المادة قد يجبر إدارة مكافحة المخدرات على نقل الإكستاسي إلى القائمة الثانية للمواد المخدرة، وهو ما سيجعل استخدامه لأغراض طبية قانونيًّا، ويمكِّن الأطباء من وصفه للمرضى.
سيتبع هذا القرار تعديلات على مستوى القوانين في عدد من الولايات الأمريكية بالطبع، لأن هذه المادة وغيرها مثل «السيلوسيبين» و«LSD»، التي ستستفيد من سماح إدراة الغذاء والدواء بوصف الإكستاسي كدواء طبي، سيكون تخفيف القيود عليها ضروريًّا ومطلوبًا.
قد يعجبك أيضًا: المخدرات عوضًا عن أدوية الاكتئاب
لو نجح الإكستاسي في فرض نفسه على إدارة الغذاء والدواء، فإن علاج الاضطرابات النفسية سيكون، في المستقبل القريب، محكومًا بمدى استعداد الإدارات الحكومية للموافقة على إدراج المواد المخدرة في خانة الأدوية المحتملة وليس المواد المحظورة، فهل يتغير هذا التصنيف؟