«كريستين فورد»، 51 عامًا، أستاذة في مجال علم النفس بجامعة بالو ألتو في كاليفورنيا، تدخل إلى قاعة محكمة، وأمام مجلس الشيوخ الأمريكي تحكي قصة محاولة الاعتداء عليها منذ 36 عامًا، عندما كانت في سن السادسة عشر: «تلمَّسني بريت وحاول خلع ملابسي. كان سكرانًا، واعتقدت أنه سيغتصبني. حاولت الصراخ من أجل المساعدة، وعندما فعلتُ ذلك، وضع بريت يده على فمي لمنعي من الصراخ. هذا ما أرعبني أكثر من أي شيء آخر، وكان له التأثير الدائم في حياتي. كان من الصعب عليَّ أن ألتقط أنفاسي».
بريت هذا الذي تحكي عنه كريستين، هو القاضي «بريت كافانو»، الذي يشغل منصبًا في محكمة الاستئناف بالولايات المتحدة لدائرة كولومبيا. الأهم أنه مرشح الرئيس الأميركي دونالد ترامب، لشغل مقعد في المحكمة العليا الأمريكية، أحد أرفع الهيئات وأكثرها تأثيرًا في السياسة الأمريكية، وتضم تسعة قضاة يلعبون دورًا حيويًّا في التعامل مع قضايا خلافية، مثل الإجهاض وتحديات السياسة الأمريكية.
بريت كافانو، المدَّعى عليه، والذي يبلغ من العمر 53 عامًا، كان عصبيًّا بعض الشيء في جلسة الاستماع التالية بتاريخ 26 سبتمبر 2018. مصرًّا على تأكيد أن هذا الأمر يتعارض مع عقيدته الدينية. إلا أنه في نفس الوقت، أكد أن موضوع الادعاءات يستحق أيضًا أن يُسمع، لأن الإجراءات القانونية أساس حكم القانون الأمريكي.
«غيَّر اعتداء بريت حياتي جذريًّا. لفترة طويلة جدًّا، كنت خائفة من قول التفاصيل لأي أحد. لم أُرد أن أخبر والدي بأني، في الخامسة عشرة من عمري، كنت في منزل لا آباء فيه، وأشرب البيرة مع الفتيان. أقنعتُ نفسي بحجة أن بريت لم يغتصبني، لذلك يجب أن أكون قادرة على المضي قدمًا والتظاهر بأن شيئًا لم يحدث» - كريستين فورد
«إنها مؤامرة ضدي»
بعد تقاعد القاضي «أنطوني كينيدي» من منصبه في المحكمة العليا للولايات المتحدة، والذي شغله من عام 1988 إلى 2018، قرر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ترشح القاضي بريت كافانو في التاسع من يوليو 2018. وخلال عملية التأكد والمناقشة حول أحقية كافانو للمنصب، ظهرت كريستين فورد.
الأمر في رأي كافانو مؤامرة لا غير، وقد وصف هذه الاتهامات بأنها غير حقيقية وزائفة، ولا تعدو أن تكون سُعارًا للإطاحة به.
في شهادتها، توضح كريستين كيف قررت إخبار مجلس الشيوخ الأمريكي بهذه المزاعم، بعد إعلان ترشيح كافانو، ولماذا.
شعور الواجب هو الذي حفز كريستين للتواصل سريًّا مع صحيفة «The Washington Post» بعد أن علمت أن وصول كافانو للمنصب الجديد شبه مؤكد.
في بداية يوليو، عندما لاح اسم كافانو وإمكانية ترشحه المبدئي لمنصب المحكمة العليا، كانت مشاعرها متضاربة حول ما إذا كان عليها التحدث أم لا. في البداية، تواصلت مع صحيفة «The Washington Post»، وفي الوقت نفسه لجأت إلى «آنا إيشو»، العضوة في الكونغرس والممثلة لدائرة كاليفورنيا، فكانت أول المستمعين لها والمصدقين لقصتها.
في التاسع من يوليو، تلقت كريستين مكالمة من مكتب آنا إيشو بعد ترشيح كافانو الفعلي. لاحقًا، قررت إرسال خطاب من خلال مكتب إيشو إلى السيناتور «ديان فينستين»، أحد أعضاء مجلس الشيوخ، لتصف ما حدث. أرسلت أيضًا رسالةً تحمل اسمها إلى مكتب فينستين، في 30 يوليو، لكن مع طلب الحفاظ على سرية الرسالة. حتى وقتها كانت عملية تأكيد حصول كافانو للمنصب لا تزال جارية.
بعدها بأيام، وجدت كريستين أن نسخة مُنقحة من الرسالة تسربت للعلن، دون موافقتها أو اسمها، فقررت أنه لو أن قصتها ستُحكَى على الملأ، فمن الواجب أن تقصها بنفسها.
شعور الواجب هو الذي حفز كريستين للتواصل سريًّا مع صحيفة «The Washington Post»، والمكتب الممثل لإيشو، ومكتب السيناتور فينستين. كان هذا الشعور دائمًا هناك، لكن مخاوفها من عواقب الكلام بدأت تزداد. خلال أغسطس 2018، علمت من الصحافة أن وصول كافانو للمنصب الجديد شبه مؤكد.
مع اقتراب موعد جلسة الاستماع واجهت كريستين خيارًا رهيبًا: هل تشارك الحقائق مع مجلس الشيوخ وتضع نفسها وعائلتها تحت دائرة الضوء، أم عليها أن تحافظ على خصوصيتهم وتسمح لمجلس الشيوخ باتخاذ قراره بشأن ترشيح كافانو، دون معرفة الحقيقة الكاملة حول سلوكه في الماضي؟
اقرأ أيضًا: «صيد المتحرشين»: هل تمتلك النساء حق الشكوى حقًّا؟
«مسؤوليتي قول الحقيقة»
يعود تاريخ ادعاء كريستين إلى أكثر من 36 عامًا مضت، إلى حفلة تقول إنها أقيمت خلال فترة المدرسة الثانوية. لكن بريت يرد على هذا باستدعاء شخصيته وقتها، إذ يقول إنه قضى معظم وقته في المدرسة الثانوية مُركزًا على الدراسة والرياضة والكنيسة والخدمة.
يعترف بريت بأنه كان يشرب البيرة بصحبة أصدقائه، عادةً في عطلات نهاية الأسبوع. وفي بعض الأحيان، يسرف في الشراب، وقال أنه فعل عددًا من الأشياء التي يزعم أنه ليس فخورًا بها الآن. لكن ليس من بينها ما تدعيه فورد.
«رسم حلفاء كافانو صورته منذ البداية بطلًا لحقوق المرأة وتمكينها. كنت أعتقد أنني لو تقدمت وتحدثت عما حدث لي، سيغرق صوتي في أصوات مؤيديه. وبحلول وقت جلسات التأكيد، استسلمت لأن أبقى هادئة وأترك اللجنة ومجلس الشيوخ يتخذان قرارهما دون معرفة ما فعله السيد كافانو. لكن ليست مسؤوليتي تحديد ما إذا كان كافانو يستحق المنصب في المحكمة العليا أم لا. مسؤوليتي هي قول الحقيقة» - كريستين فورد
ينفي كافانو بشكل واضح، أنه اعتدى على فورد بأي شكل، وبأي طريقة كانت. لكن استراتيجية دفاعه على ما يبدو، ليست نفي حدوث الواقعة أصلًا، وإنما الزعم بأن فورد ربما تكون قد أخطأت في معرفة الشخص الذي اعتدى عليها. كافانو يؤكد أكثر من مرة أنه لا يشكك في مصداقية فورد، ولا أنها تعرضت بالفعل لاعتداء جنسي من شخص ما، في مكان أو وقت ما، لكنه يعود سريعًا ليقول إنه ليس هذا المعتدي.
ثقب في ذاكرة الضحايا
هل يعيد التاريخ نفسه بشكل هزلي إلى هذا الحد؟ هل هي نفس استراتيجية الدفاع دائمًا؟
في عام 1991، حدث أن جلست أستاذة القانون «آنيتا هيل»، أمام مجلس الشيوخ الأمريكي قائلة: «تحدث عن أشياء شاهدها في أفلام إباحية، تشمل نساء يمارسن الجنس مع حيوانات، وأفلامًا عن الجنس الجماعي، ومشاهد اغتصاب».
كانت تتحدث عن مرشح المحكمة العليا وقتها، «كلارنس توماس»، متهمةً إياه بإنه تحرش بها جنسيًّا خلال عمله مشرفًا عليها.
استمرت جلسة الاستماع ثلاثة أيام. وعلى هيل، انهالت الأسئلة التي تبرز التناقضات في قصتها. لم يكن هدف مجلس الشيوخ إثبات أن توماس بريء من تهمته، بل كان الهدف إثبات أن ذاكرة هيل مشوشة ومضطربة.
يسألها السيناتور: «حدث أن أدليتِ في شهادتك اليوم بأنه كان لديك شاهدان، لكن في حديثك مع مكتب التحقيقات الفيدرالي (FBI) كان هناك شاهد واحد». يسألها سيناتور آخر: «إلى أي مدى شهادتك يُعتمَد عليها بخصوص واقعة حدثت من عشر سنوات؟». اقترحت اللجنة أن هيل ربما تتخيل أشياء، وأضافت لجنة الدفاع عن توماس: «مقتنعون بأن ما تقوله هيل ضرب من الخيال».
يقترح سيناتور آخر أنه ربما خلطت بين حياتها الواقعية ومشهد من فيلم ما. ويسألها هل شاهدت فيلم «The Exorcist» من قبل؟
نجح الأمر. فبنهاية جلسة الاستماع كان التوجه العام رفض شهادة هيل، ثم تولى كلارنس توماس منصبه الجديد في المحكمة العليا.
نحن لسنا مجلس الشيوخ لنقرر صحة وقوع الحادثة من عدمها. لكن هناك نمطًا حقيقيًّا يظهر أمامنا.
هل ينطبع مشهد الاعتداء في ذاكرة الضحية ويمكن استرجاعه وكأنه فيلم مصوّر؟
ركزت أسئلة جلسات الاستماع وغالبية وسائل الإعلام، في عامي 1991 و2018، على ذاكرة المدعيات ومحاولة إيجاد الثغرات فيها لإضعاف مصداقية القصة، وزادت حدة الانتقادات باعتراف فورد بأنها لا تتذكر تفاصيل مهمة، مثل تاريخ الحفلة أو المنزل الذي حدث فيه الاعتداء، ولا تتذكر أيضًا ما الذي دفعها للذهاب إلى هناك، ولا كيف عادت إلى منزلها.
أيضًا أشارت فورد إلى طبيبها النفسي عام 2012، موضحة أنه وقت الاعتداء عليها، كان هناك أربعة أشخاص في الغرفة. لكن في جلسة الاستماع قالت إنهما كانا اثنين، ما أدى إلى تساؤل لجنة الدفاع عن كافانو حول إن كان يمكن الثقة بذاكرة فورد من الأساس، وكيف يمكن الاعتماد على ذكرى واقعة حدثت في الثمانينيات.
يُنتظر من الضحية أن تتذكر كل تفاصيل الاعتداء عليها. ماذا كانت ترتدي، وكم كانت الساعة، وعنوان المكان الذي حدثت فيه الواقعة، وعدد الأشخاص الذين كانوا موجودين وقتها بالتحديد. هل ينطبع مشهد الاعتداء في ذاكرة الضحية ويمكن استرجاعه وكأنه فيلم مصوّر؟ تطرح جلسات الاستماع لكريستين وآنيتا هيل ضمنيًّا، سؤال: «إذا كانت الضحية لا تتذكر كل تفصيلة حول الاعتداء عليها، كيف يمكن أن تكون متأكدة من أنها تعرضت لاعتداء من الأساس؟».
لحسن الحظ وسوئه في الوقت ذاته، لا تعمل الذاكرة بهذه الطريقة: الذاكرة البشرية خطَّاءة ومضطربة. نحن عرضة لأن ننسى مهما يكن وضوح التجربة التي مررنا بها.
قد يهمك أيضًا: حكايات مَن تعرضن للاغتصاب على سبيل الرأفة
قد تفكر في أنه في حالة تعرض أحدهم لاعتداء أو تحرش، فإن التجربة تكون شديدة الوطأة، وتُحفَر التفاصيل في الذاكرة، إذ يُمكن استرجاعها متى أراد الشخص. في الحقيقة، العكس تمامًا هو ما يحدث.
«ماري كوس»، البروفيسورة بجامعة أريزونا والباحثة في الاعتداءات الجنسية، توضح لقناة «Vox» أن المُعتَدى عليه يميل في لحظات الاعتداء إلى تحديد تركيزه بشدة، فتسقط أجزاء من ذكرى الحدث، إذ يرى دماغ المعتدى عليه أن هذه الأجزاء هامشية والتركيز يجب أن يتمحور حول النجاة والبقاء على قيد الحياة.
عام 2014، نشر الباحثان «جيمس هابر» و«ديفيد ليساك» مقالًا في مجلة «تايم» الأمريكية، يجيبان فيه عن سؤال: «لماذا تكون ذاكرة ضحايا الاغتصاب والصدمات النفسية غير مكتملة وممزقة الأوصال؟».
ذكر الباحثان أن الخوف الحاد يؤثر في «الحصين»، وهو جزء من الدماغ يلعب دورًا محوريًا في دمج المعلومات من الذاكرة قصيرة المدى، مع الذاكرة طويلة الأمد. يُشفِّر الحصين التجارب من الذاكرة قصيرة المدى، لتخزينها في صورة ذكريات طويلة المدى.
ذكر الباحثان أن الخوف تحديدًا يُضعف قدرة الحصين على تشفير «المعلومات السياقية» وتخزينها، مثل تصميم الغرفة التي حدث فيها الاعتداء. الخوف يُضعف أيضًا من إمكانية المعتدى عليه حفظ المعلومات ذات التسلسل الزمني وقت الاعتداء. قد تتذكر الضحية بالتفصيل ما كان يحدث قبل إدراكها أنها تتعرض للهجوم وبعده، بما في ذلك السياق وتسلسل الأحداث. مع ذلك، فالراجح أن تكون ذكرياتها متجزئة وغير مكتملة بالنسبة إلى كثير مما يحدث بعد ذلك.
لذلك عندما طلبت السيناتور «إيمي كلوبوشار» من كريستين أن تخبر اللجنة باللحظات والأحداث التي لا تنساها أبدًا، أجابت كريستين بهدوء وبجمل متقطعة: «السُّلم، غرفة المعيشة، غرفة النوم، السرير في الجانب الأيمن من الغرفة، الحمام... والضحك، ضحك صاخب. المحاولات المتعددة للهروب».
يزداد موقف كافانو سوءًا، بعدما تقرر وقف التصويت على ترشيحه حتى يتوصل مجلس الشيوخ لقرار فاصل وحاسم في القضية. يحاول كافانو إثبات براءته، يقدم سجل مواعيده في الصيف الذي وقع فيه الاعتداء حسب كلام كريستين، ويبرر الاحتفاظ به بأنه يحذو حذو أبيه فقط. يتمسك بأنه أب لفتاتين، وبتأييد البيت الأبيض له، وبحجة أن هذه المرأة لا تملك شيئًا.
لكن اتهامًا آخر يُلقى في وجه كافانو. «ديبورا راميريز» قالت في مقابلة مع صحيفة «نيويوركر»، إنها كانت وكافانو زميلين في جامعة ييل، وفي حفلة أقيمت في العام الدراسي 1983-1984، كشف كافانو عن قضيبه في وجهها وأجبرها على لمسه. لكن اللجنة القضائية لم تطلب منها أن تُدلي بشهادتها.
بينما كان كافانو يجهز دفاعه، وجد أنه ما زال يواجه مزيدًا من الاتهامات بسوء السلوك الجنسي من نساء أخريات. الاتهام الثالث الذي أتى هذه المرة من موكلة المحامي «مايكل أفيناتي»، وهو نفسه الذي مثَّل «ستورمى دانييلز»، الممثلة الإباحية التي قالت إنها كانت على علاقة غرامية مع دونالد ترامب.
«جولي سوتنيك»، موكلة أفيناتي، أفادت عن طريق محاميها بأنه في الثمانينيات، شاهدت القاضي كافانو وصديقه «مارك جادج»، يلمسان النساء بطريقة غير لائقة، ويجعلا الفتيات المراهقات سكيراتٍ حتى الثمالة، ومشوشات بالمخدرات حتى يشاركن في اغتصاب جماعي. تقول سوتنيك: «كان كل فتى ينتظر دوره أمام الغرفة». لكن كافانو يرد بأنه لا يعرف سوتنيك من الأساس، ولم يحدث أن قابلها.
يبدو أن هناك حقل ألغام للاعتداءات التي ارتكبها كافانو في شبابه. بدأت فورد بتفجير أول لغم، ما دفع بقية الضحايا إلى أن يحكين قصصهن.
اتهام ثالث يأتي من رسالة مجهولة أُرسِلت إلى السيناتور «كوري غاردنر»، تقول كاتبة الرسالة إن ابنتها شاهدت كافانو يدفع بصديقتها التي كان يواعدها وقتها، وهو في حالة سُكر، نحو جدار بطريقة عدوانية وجنسية، بعد مغادرتهما حانة ذات ليلة في عام 1998. وأضافت أن ابنتها وشهودًا آخرين صُدموا مما فعله كافانو. وفي يوم 21 سبتمبر، اتصلت صديقتها التي اعتدى عليها كافانو، متسائلةً عما ما يجب فعله. لكن الصديقة والابنة قررا عدم الكشف عن هويتهما.
ترامب يدافع
عندما يهاجم رئيس الولايات المتحدة امرأة تقول إنها تعرضت للاعتداء، هل هذا يُشجع الناجيات من الاعتداء أن يتحدثوا عن قصصهم لتجاوزها؟
يقف دونالد ترامب أمام حشد في ميسيسبي، بعد مرور أسبوع على جلسات الاستماع لكريستين وكافانو، ويقول مدافعًا عن سمعة كافانو، ومتحدثًا عنه وعن أي رجل سبق واتهم بالأمر نفسه، إن «الرجال هم الضحايا الفعليون»، مشيرًا إلى أن منهج «مذنب حتى تثبت براءته» أمر خطير على الأمة بأكملها.
بل إن الأمر يصل إلى حد السخرية من كريستين نفسها، قائلًا إن شهادتها لا تشكل أي أهمية، لأنها لا تتذكر عددًا من التفاصيل، عدا أن كافانو اعتدى عليها. يرى ترامب أن أعضاء مجلس الشيوخ المؤيدين للاتهامات التي ألقتها الضحايا واحدة تلو الأخرى، يدمرون حياة الناس، وهم الطرف الفاسد في هذه القصة، لأن «حياة الرجل كافانو انهارت».
يسترسل ترامب في دفاعه أمام حشد كبير: «فكِّري في ابنك وزوجك. حدث واتُّهِمتُ بأشياء باطلة، وعندما أقول إنها لم تحدث لا أحد يصدقني».
عندما يخرج رئيس الولايات المتحدة ويهاجم امرأة تقول إنها تعرضت للاعتداء بعد مرور ثلاثة عقود من وقوع الحادثة، هل هذا يُشجع الناجين والناجيات من الاعتداء أن يتحدثوا عن قصصهم لتجاوزها؟ لا يبدو أن ترامب يرى خارج إطار الاتهامات التي اتُّهم بها سابقًا، واتهم بها كافانو كذلك.
في نهاية جلسة الاستماع الخاصة بكافانو، وجه السيناتور «جون كينيدي» الأسئلة الأخيرة له، قائلًا: «هل تؤمن بالله؟»، فأجب بأنه مؤمن، تابع كينيدي: «أريدك أن تنظر في عيني. هل ادعاءات دكتور فورد حقيقية؟ رد كافانو بأن «هذه الادعاءات ليست دقيقة بالنسبة إليَّ. لم أفعل هذا قط. لم أفعل هذا معها ولا مع أي شخص آخر».
سأله حول صحة ادعاءات «ديبورا راميريز»، فأجاب: «هذه الادعاءات ليست صحيحة». «هل توجد نسبة شك في قدراتك الذهنية؟»، كافانو: «صفر».
السؤال الأخير: «هل تقسم بالله؟».
«أقسم بالله»، أجاب كافانو.
ونتيجة هذا كله؟
حصل كافانو على تأكيد لترشيح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وهي المحطة الأخيرة في طريقه إلى المحكمة العليا. بدايةً من هذه اللحظة، سيخدم كافانو في واحدة من أرفع الهيئات الحكومية الأمريكية، مدى الحياة. وهي النتيجة التي ستجعل سيطرة اليمين على المحكمة العليا الأمريكية تتمد لعدة أجيال في ما يبدو.
في أجواء احتفالية، ظهر ترامب وبجواره كافانو، بعد تأكيد وصوله إلى المنصب. وسط التصفيق والاحتفاء، بدأ ترامب حديثه بالاعتذار نيابةً عن الأمة الأمريكية كلها، للقاضي بريت كافانو وعائلته، الذين، حسب قوله، تعرضوا لحملة ممنهجة من الظلم، واعتذر تحديدًا عن كل «المعاناة والظلم التي شهدتموها في الفترة الماضية»، واصفًا بريت كافانو بأنه واحد من أولئك الذين يخدمون أوطانهم بكرامة وشرف، وأنه يستحق تقييمًا عادلًا.
لم يقتصر حديث ترامب على هذا، بل وصف جلسات الاستماع واتهامات كريستين فورد بأنها حملة سياسية ممنهجة من الاستهداف والتدمير الشخصي، مبنية على الخدع والأكاذيب.
كان هذا متوقعًا، فالغالبية العظمى من الجناح الجهوري سرعان ما أخذت جانب كافانو، الذي سيكون بالطبع ممثلًا لسياساتهم في المحكمة العليا.
انتصار جديد لترامب إذًا. مرشحه ضَمِنَ مقعدًا في المحكمة العليا، وحزبه ضَمِنَ ممثلًا لسياساته. بينما يبدو الحزب الديمقراطي، وجناح اليسار بشكل عام، في واحدة من أضعف حالاتهم.