افرد ظهرك: اهتم بوضعية جسمك تستقم قامتك.. وحياتك

الصورة: evitaochel

ميرنا محمد
نشر في 2017/01/22

بالتأكيد حدث أن كنت مستمتعًا بمشاهدة التلفاز أو مستغرقًا في العمل أمام شاشة الكمبيوتر، حين قاطعك صوت أحد والديك إما ناصحًا أو محذرًا من وضعية جلوسك وأضرارها: «افرد ظهرك»، وحتمًا أدركت بعد عدة مرات أنه من الأفضل التوقف عن الشكوى من أي ألم تشعر به في جسمك؛ تجنبًا لسماع الجملة الشهيرة «ألم أقل لك؟ كل ذلك بسبب كثرة جلوسك أمام التلفاز (أو الكمبيوتر)».

قد تتقبل تعليقاتهما وتتبع نصائحهما، أو قد تمل من كثرة النصائح فتختار تجاهلها، وفي هذه الحالة لدينا خبر سيئ: والداك على حق، وذلك وفقًا لمقال نشره موقع نيويورك تايمز، يتحدث عن تأثير وضعية جسمك أثناء الجلوس، ليس فقط على صحتك البدنية؛ ولكن على صحة حياتك العاطفية والاجتماعية.

تقدم إليك كاتبة المقال، «جين برودي» (Jane Brody)، وهي كاتبة في مجال العلوم والتغذية، نصيحة قبل أن تكمل القراءة: إذا كنت تقرأ من شاشة اللاب توب؛ ضعه على سطح مناسب (لا، ليس على حجرك، ستجد نفسك تجلس مسترخيًا). أحضر كرسيًّا مريحًا واجلس عليه مستقيمًا، ثم اجعل الشاشة في مستوى نظرك دون أن تحني رأسك لأي اتجاه، الآن صرت مستعدًا لمتابعة الموضوع.

وضعيات الجلوس الخاطئة قد تسبب آلام الظهر والرقبة، وتعب العضلات، وقصور التنفس، والتهاب المفاصل، ومشاكل الهضم.

تدرك الكاتبة أهمية الجلوس بطريقة صحيحة، فقد اكتسبت خبرة في هذا الموضوع بالطريقة الصعبة؛ كونها قصيرة القامة ومعرضة دائمًا لآلام الظهر؛ وهو ما جعلها خبيرة في معرفة وضعيات الجلوس، والطرق المُثلى لتقليل الضغط على العمود الفقري إلى الحد الأدنى.

حين اشترت سيارتها؛ اختارتها على أساس شعورها بالراحة خلال جلوسها خلف عجلة القيادة، فما يهمها هو أن يكون ظهرها مدعومًا، وأن ترى الطريق بسهولة دون أن تحجب عجلة القيادة جزءًا من رؤيتها، بالإضافة إلى وصولها إلى الدواسات دون جهد، وهذه بداية جيدة لتعلم أن شكل السيارة أو نوعها لن يغنيانك شيئًا طالما أن قيادتها غير مريحة لجسمك.

لِمَ عليك أن تهتم بوضعية الجلوس؟

رجل جالس يستعمل اللاب توب
الصورة: Startup Stock Photos

قد تؤثر وضعيات الجسم الخاطئة تأثيرًا سلبيًّا على جميع أعضاء جسمك؛ مسببةً آلامًا في الظهر والرقبة، وتعبًا في العضلات، وقصورًا في التنفس، والتهابًا في المفاصل، ومشاكل في الهضم.

ويشير الدكتور «رينيه كاليه» (Rene Cailliet)، الرائد في مجال أمراض الجهاز العضلي الهيكلي، إلى أن الانحناء إلى الأمام أو الجلوس باسترخاء يقلل نحو 30% من سعة الرئة؛ وهو ما يخفض كمية الأكسجين التي تصل إلى أنسجة الجسم، بما في ذلك أنسجة المخ. بالإضافة إلى ذلك، فإن الجلوس باسترخاء أو في وضعية مقوسة يشكل ضغطًا على الأعضاء الباطنية؛ الأمر الذي يعيق الحركة الدودية الأساسية لعملية الهضم، ويؤثر سلبًا على وظيفة الأمعاء.

قد تتأثر حين تعلم أن هذه الأضرار الصحية ستترك انطباعًا سيئًا في مواقف يكون الانطباع الأول فيها هو الأهم؛ مثل التقدم إلى وظيفة.

وعندما تميل أجسامنا عن الوضع الرأسي؛ تضطر عضلات معينة إلى بذل مجهود أكبر من عضلات أخرى للحفاظ على توازن الجسم ومنعه من السقوط بفعل الجاذبية الأرضية. قد ينتج عن ذلك تعب شديد وعدم راحة، يبقيان حتى بعد رجوع الجسم إلى الوضع الرأسي مرة أخرى.

ويؤدي تكرار هذه الوضعيات أو طول مدتها إلى تدريب عضلات الجسم وأوتاره على أن تنكمش أو تتمدد، كما أن هذه الأوضاع تضع ضغطًا على العظام والمفاصل؛ من شأنه أن يشوه شكلها بشكل شبه دائم. هذا بالضبط ما يحدث عند ارتداء الكعب العالي لفترات طويلة؛ إذ تنكمش أوتار الكعب وعضلات الساق الخلفية.

كذلك، فإن الاستمرار في الجلوس باسترخاء لفترات طويلة قد يجعل المظهر المتدلي والمتراخي يلازمك، ثم يتطور ذلك إلى تقوس الكتف والظهر بشكل دائم (تحدُّب)، في حالة استمرار هذا الوضع أثناء الوقوف والمشي.

واثق الخطى يمشي ملكًا

معالج بدني يشرح طريقة المشي الصحيحة

إذا لم تتأثر بهذه الأضرار الصحية من مبدأ أن «العمر واحد» و«لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا»، فقد تتأثر حين تعلم أن هذا المظهر يترك انطباعًا سيئًا في مواقف يكون الانطباع الأول فيها هو الأهم؛ مثل التقدم إلى وظيفة جديدة، أو التعرف على أشخاص جدد واكتساب صداقات، وذلك بالطبع لأن هيئتك قد توحي بأنك كسول ولا مبالي، أو زومبي.

كما أن هذا التراخي يؤثر في حالتك النفسية والمزاجية؛ فقد ذكرت الكاتبة دراسة أخرى أجريت في جامعة سان فرانسيسكو على 110 طلاب، قُسِّموا إلى مجموعتين، طُلِبَ من أعضاء الأولى أن يمشوا متثاقلين بأجسام متدلية، ومن أفراد الثانية أن يتقافزوا ويتواثبوا طَوَال الطريق، وأظهرت النتيجة أن طلاب المجموعة الثانية ظلوا يتمتعون بحيوية وطاقة أكبر بكثير طيلة اليوم.

اقرأ أيضًا: ما لا تعرفه عن تحكم الجهاز المناعي في سلوكك الاجتماعي

كل الظروف ضدنا

شباب جلوس ينظرون في هواتفهم
مصدر الصورة: flickr - Garry Knight

أشارت الكاتبة إلى عدة أسباب تدفعنا فيها أجسامنا نحو التعب رغمًا عنا؛ أولها هو أن الراحة والجلوس أصبحا سمة العصر، إذ يقضي البشر معظم يومهم جالسين، خصوصًا في الدول متقدمة حيث تُنجَز نحو 75% من الأنشطة والأعمال أثناء الجلوس.

يجلس معظم الناس في السيارة طَوَال طريقهم إلى العمل أو إلى المنزل، وبمجرد وصولهم إلى وجهتهم يجلسون ليستريحوا. ويذكر تقرير ورد في مجلة العلاجات اليدوية والفسيولوجية أنه كلما جلس الشخص (أو وقف) لفترة طويلة دون حركة أو تغير في وضعية الجسم؛ كان أكثر عرضة للإصابة بألم في الظهر .

حمل حقائب الظهر الثقيلة من أكثر العادات إرهاقًا، خصوصًا الحقائب المدرسية التي يرتديها الأطفال والمراهقون.

بالإضافة إلى ذلك، يقضي معظم الناس يومهم في استخدام الأجهزة الإلكترونية، سواء للتسلية أو العمل. ينتج عن ذلك ما يسمى رقبة المراسلة (Text Neck)، وهو مصطلح أطلقه «دين فيشمان» (Dean Fishman)، أخصائي تقويم العظام، على إصابة شائعة الحدوث، تنتج عن الضغط الناشئ عن ساعات من إمالة الرأس إلى الأمام والأسفل أثناء استخدام الأجهزة الإلكترونية، وهو ما يؤدي إلى كبس عضلات مؤخرة الرقبة وأعلى الظهر.

تؤكد الدراسة أن الأشخاص الذين ينحنون إلى الأمام أثناء الجلوس قد يميلون إلى إطباق فكوكهم وضغط عضلات وجههم؛ مسببين لأنفسهم صداعًا ومتلازمة المفصل الصدغي الفكي (Temporomandibular Joint Disorders).

أطفال يحملون حقائب ثقيلة
الصورة: woodleywonderworks

ويعد حمل حقائب الظهر الثقيلة من أكثر العادات إرهاقًا، خصوصًا الحقائب المدرسية التي يرتديها الأطفال والمراهقون الذين ما زالوا في طور نمو العظام؛ إذ يجبرهم وزن الحقائب الثقيل على الانحناء إلى الأمام؛ الأمر الذي قد يكون له نفس تأثير الجلوس بتراخي على العظام. لذلك، تنصح الكاتبة باستخدام الحقائب القابلة للجر، حتى وإن لم تكن رائجة في عالم الموضة.

قد يعجبك أيضًا: تحكُّم الوالدين يجعل الأطفال أكثر ميلًا إلى جلد الذات والعجز عن التأقلم

بالإضافة إلى الوضعيات السابقة، هناك أوضاع أخرى حذرت منها هيئة الخدمات الصحية البريطانية:

  1.  الوقوف وكل من الظهر وأسفل الظهر والحوض على مستوى رأسي واحد، لأن العمود الفقري العادي به ثلاثة انحناءات طبيعية؛ في الرقبة والصدر وأسفل الظهر.
  2.  الوقوف دافعًا صدرك إلى الأمام والمؤخرة إلى الخلف (وضعية البطة)، لأن ذلك يزيد من تقوس الفقرات القطنية.
  3.  تحميل ثقلك على رجل واحدة، إذ يضع ذلك ضغطًا على جانب واحد من أسفل الظهر والفخذ.
  4.  ميل الرأس إلى الوراء ورفع الذقن أثناء النظر إلى شاشة الكمبيوتر أو التلفاز، بدلًا من خفض مستوى الشاشة أو رفع المقعد لتكون في مستوى النظر.
  5.  سند الهاتف على الأذن باستخدام الكتف بدلًا من الاستعانة بسماعات رأس أو بلوتوث.

وبحسب كلام «نِك سينفيلد» (Nick Sinfield)، أخصائي العلاج الطبيعي البريطاني، فإن تحسين وضعية الجسم يتطلب جهدًا كبيرًا، وأحيانًا تمارين قوية ومرونة لتصحيح الاضطرابات العضلية. على سبيل المثال، تساعد التمارين التي تقوي عضلات الجذع (منطقة الصدر والبطن والظهر) والمؤخرة، وتمارين مد الظهر، على تصحيح الاضطرابات العضلية الناتجة عن الجلوس باسترخاء.

ربما بات علينا أن نتخذ قرارات أكثر جدية بشأن العادات التي قد تضر أجسامنا وتفسد هيئتنا. علينا ألا نتكاسل أو نؤجل ذلك، فما أن نؤجل تنفيذ قرار حتى يضيع إلى الأبد. فقط حاول أن تجد وضعيات ملائمة لجسمك، ولا تجلس أو تقف بطريقة خاطئة، ولا تُثقل نفسك بأحمال ثقيلة، وإن اضطررت إلى ذلك فحاول تغيير وضعية جسمك من حين لآخر؛ كي لا تستمر على وضع واحد لفترات طويلة.

تذكر أن عواقب تلك الوضعيات الخاطئة لن تختفي إلا بعد أداء عدة تمارين مؤلمة، أو، بدلًا من ذلك، استمع إلى كلام والديك من البداية، فهما دائمًا على حق.

مواضيع مشابهة