قد يعتقد أصحاب العمل أن غرفةً مليئةً بالموظفين المبتسمين علامةٌ على مكتب منتج وناجح، لكن الأبحاث تظهر أن إرغام الموظفين على الظهور بصورة أكثر رضًا وبهجة ممَّا يشعرون به فعلًا ربما يحمل عواقب سلبية كثيرة، تبدأ من الإنهاك العاطفي حتى الانسحاب.
تعاني النساء على وجه الخصوص من التوقع الدائم بإظهارهن السعادة في مكان العمل، إذ وضَّحت دراسة أن احتمال ترقية النساء إلى مناصب إدارية تقل إذا كُنَّ مبتهجات أكثر من اللازم.
عرض مقال منشور على موقع «كوارتز» نتائج هذه الدراسة، مع دراسات أخرى أظهرت أنه يمكن لبعض التجهم في العمل أن يؤدي إلى إنتاجية أعلى وأخطاء أقل، ومهارات تواصل أفضل.
لماذا يهتم مديرك بسعادتك فجأة؟
إذا بدا لك أن مدراءك في العمل أصبحوا مهتمين مؤخرًا بسعادتك أنت وزملائك، فهناك احتمال كبير بأن ذلك صحيح، إذ صار الهوس الحديث بإيجابية مكان العمل ظاهرة شائعة، وذلك وفقًا لما ذكره عالم الاجتماع والاقتصاد الإنجليزي «ويليام ديفيز» في كتابه «صناعة السعادة».
في هذا السياق، يُعد رفع مستويات رضا الموظفين أمر مربح لكلٍّ من العمال والمدراء، لكن ديفيز يفسر كيف أن استراتيجيات السعادة التي تنتهجها الشركات يمكن أن تأتي سريعًا بنتائج عكسية.
يقول ديفيز إن «حجَّة تعزيز السعادة في العمل طالما تمحورت حول الإنتاجية في المقام الأول، فسعى أصحاب العمل إلى اتباع طرق مختلفة لتعزيز معنويات الموظفين، أو إرشادهم بشأن كيفية التصرف بإيجابية. ويتجلى هذا بوضوح في الولايات المتحدة، حيث أصبح التفاؤل والإيمان بالذات التزامات أخلاقية، لكن الأمر لا يقتصر على أمريكا فقط».
محاربة المشاعر السلبية أو قمعها لن يجعلنا أكثر سعادة.
قد تشمل طرق تعزيز السعادة هذه كل شيء، بدءًا من منح الهدايا للموظفين، وانتهاءً بتصنُّع موظفي الكافيتيريا البهجة خلال مرورهم على الموظفين، لكن المؤكد بحسب المقال أن هذه الطرق ستفشل في تحقيق السعادة وإحداث فرق على المدى البعيد. وتؤدي هذه الجهود المبذولة بحسن نية إلى إلغاء الفوارق المهمة بين العمل والحياة الخاصة.
تزييف السعادة يسبب الاكتئاب
يشير المقال كذلك إلى أن تزييف السعادة لفترات طويلة ربما يؤدي إلى مشاكل صحية جسدية وعاطفية، من الاكتئاب إلى أمراض القلب والأوعية الدموية، وقد تحدثت أستاذة علم النفس «سوزان ديفيد» باستفاضة عن مخاطر تزييف السعادة كل صباح، لأن محاربة المشاعر السلبية أو قمعها لن يجعلنا أكثر سعادة.
تقول ديفيد إن «الأشخاص الذين يركزون على السعادة يصبحون أقل سعادةً مع مرور الوقت، وأنا لست ضد السعادة، لكن سعادتنا لا تأتي كهدف، بل كنتيجة ثانوية للانخراط الصادق مع أنفسنا».
خلصت دراسة أخرى نُشرت عام 2011 إلى أن تزييف الابتسامة في العمل قد يجعل مزاجك أسوأ، ويجعلك تنسحب من عملك، وأشارت الدراسة إلى أن النتائج بالنسبة للنساء اللواتي يحاولن قمع مشاعرهن السلبية تكون أسوأ من مثيلاتها عند الرجال، وربما يعود هذا إلى المعايير الثقافية المفروضة عليهن، في رأي الباحثين.
التقطيب في الحياة والشعور الجيد
مع أن هناك دراسات كثيرة تربط بين التفاؤل والإبداع، اكتشف الباحثون أن الغضب يدفع الناس إلى التفكير خارج الصندوق.
توجد أسباب كثيرة لاعتناق التجهم لذاته بحسب المقال، إذ تشير الدراسات إلى أنه في حين تجعلنا الإيجابية أكثر إنتاجية، فإن للسخط والانزعاج فوائد كثيرة كذلك.
من ناحية، يبدو أن الشعور السيئ الطفيف يجعل الناس أكثر انتباهًا واهتمامًا بالتفاصيل، فتشير بعض الدراسات إلى ازدياد مهارات التواصل والتفكير النقدي عند انخفاض معدل السعادة، ويقول أستاذ علم النفس «جوزيف فورغاس» إن العلاقة بين الانزعاج والانتباه تقوم على أُسُس تطورية: «المزاج السلبي يعمل كإشارة إنذار خفيفة، تخبرنا أننا نواجه وضعًا جديدًا غير مألوف، ومن المحتمل أن يكون إشكاليًّا، لذا فإن أسلوب تفكير أكثر انتباهًا وتركيزًا ينتج دون وعي منا».
بعبارة أخرى: يمكن للمزاج السلبي الخفيف أن يجعلنا أكثر تيقظًا وانتباهًا للتفاصيل، ويشير فورغاس إلى أنه يجب فهم تعريفه لـ«المزاج السلبي الطفيف» على أنه «تغيرات المزاج اليومية الطبيعية التي نشعر بها جميعًا عدة مرات في الحياة اليومية».
خلصت دراسة فورغاس إلى أن الغضب يعزز المعالجة التحليلية، وأن احتمالية تمييز الأشخاص الغاضبين بين الحجج القوية والضعيفة تكون أكثر من احتمالية الأشخاص ذوي المزاج المحايد. ويقول مؤلفو الدراسة إن هذا قد يعود إلى تعزيز الانزعاج أو التهيج لطريقة تحليلية وفعالة لمعالجة المعلومات. ومع أن هناك دراسات كثيرة تربط بين التفاؤل والإبداع، اكتشف الباحثون أن الغضب يدفع الناس إلى التفكير خارج الصندوق.
يبدو أن الأمر عكس ما يخبرك مديرك إذًا، خصوصًا بالنسبة للنساء، لأن «السعادة الإجبارية» تضر الصحة النفسية، وربما يفيدك أكثر منها بعض الغضب.