وفقًا لمجلة «ديسكفر»، مضى نحو مئة عام منذ ألَّف كتبه وأوراقه البحثية الرائدة في مجال العقل البشري، محاولًا البحث والتنظير في عالم الأحلام والثقافة وتنمية الطفولة والغريزة الجنسية والصحة العقلية. ورغم أن بعض نظرياته ثبت بطلانها، فبعضٌ من أفكار فرويد الأصيلة ظلت صامدة ولها صدًى إلى يومنا هذا.
أفكار فرويد هي مرشدنا للتجول بين ثنايا أفكارنا، حتى أن جميع المثقفين والمتعلمين، ممَّن يعانون من فكرة فهم النفس والدوافع البشرية، ما زالوا يرونها مجدية ومقبولة بطريقة أو أخرى.
يروي فرويد، الذي ولد في السادس من مايو عام 1856، قصةً يأبي كثير منا سماعها، وهي عجزنا عن معرفة أنفسنا بطريقة كاملة، وجهلنا بما يُحركنا أو بالسبب الذي يجعلنا نفعل ما نفعله، ويقول ما مفاده إن أفكارنا الواعية ليست إلا خيطًا رفيعًا يحوم بين تلافيف عقولنا.
أعدَّ الكاتب الصحفي «بليك فليتوود» قائمة بأفكار فرويد التي لا تزال صالحة حتى اليوم، ونشرها على موقع «ألتر نت».
1. اللاوعي، أو: كيف لا تحدث الأشياء مصادفةً
لا يزال التعمق في اللاوعي خطوة شديدة الأهمية تجاه معرفةٍ أصدق بالسلوك البشري.
اكتشف فرويد أن ما مِن شيء يُسمى حادثة أو صدفة، واكتشف كيف أن المشاعر والأفكار والدوافع والأمنيات والأحداث، التي قد تبدو عشوائية، تحمل معانٍ خفية. يشير الكاتب إلى زلات اللسان التي يسميها علماء النفس «زلَّة فرويدية»، والتي تدلنا على أهمية المعاني الباطنة للأشياء التي نقولها ونفعلها.
بمعنًى آخر، لو حدث ونسيت مفتاحك في شقة من تحب «بالصدفة»، فأغلب الظن أنك، دون وعي، تركتها بهدف الرجوع إلى شقته ثانيةً، رغبةً في رؤيته.
بدايةً من الأحلام والزلَّات الفرويدية وحتى التداعي الحر، لا يزال التعمق في اللاوعي بغرض تحرير الرغبات، أو الصدمات، أو الدوافع المنسية المحرمة، خطوةً شديدة الأهمية تجاه معرفة أصدق بالسلوك البشري.
2. الغريزة الجنسية: نقطة الضعف، والقوة
حتى لو حاول جميعنا إنكار الأمر، فالجنس هو دافعنا الأول والقاسم المشترك بين البشر في رأي فرويد، إلا أن شعورنا الشديد بالخجل والاشمئزاز من تلك المبادئ الداروينية البدائية، التي أدت إلى تقدم الإنسان على سائر المخلوقات الحية، جعلنا نبذل وقتًا هائلًا في إنكار هذا «الجانب المظلم» من حيواتنا. فحتى أكثر الأشخاص حكمةً وتزمتًا يعاني بشدة من محاولات هزم شهوته وشهيته الجنسية.
رغبة واحدة تسببت في فضائح هزت عرش الفاتيكان والكنائس الأصولية وكثير من المشاهير، هي الرغبة الجنسية. راقب فرويد هذا النضال الشهواني في كلٍّ من الرجال والنساء في فيينا خلال العصر الفيكتوري، فاستطاع بسهولة استنتاج نظرياته من هنا.
اقرأ أيضًا: لماذا يعزف جيل الألفية عن ممارسة الجنس؟
3. كل جزء من جسم الإنسان مثير جنسيًّا
عَلِم فرويد أن البشر كائنات جنسية منذ البداية، ورأى في انجذاب الرضيع إلى ثدي أمه انعكاسًا لرغبة جنسية مضمرة، فقال إنه «ليس باستطاعة أحد أن لا يربط بين تعبير وجه الرضيع وقد نال كفايته من صدر أمه، وهو مستلقٍ على ظهره ووجنتاه حمراوان وعلى شفتيه ابتسامة راضية، وبين التعبير الذي يرتسم على وجه الشخص إثر إشباع رغبته الجنسية».
عرف الرجل أيضًا أن الإثارة الجنسية لا تقتصر على الأعضاء التناسلية فقط، بل من الممكن تحقيق المتعة باستثارة أجزاء أخرى في الجسم، لذا فالمتعة الجنسية ليست محددة بالاتصال الجنسي المتعارَف عليه بين الذكر والأنثى، رغم أنه حتى يومنا هذا ما زال الناس يواجهون صعوبة في تقبل هذه الفكرة.
قد يهمك أيضًا: لماذا تشعر المرأة العربية بالعار عند التفكير في الحب أو الجنس؟
4. التفكير أحد أشكال التمنِّي
اكتشف فرويد أن عملية التفكير، التي تتضمن التمني والتخيل، مُرضية في حد ذاتها. ولاحظ المعالجون والمحللون النفسيون أن التخيل يكون أحيانًا أكثر إشباعًا، عقليًّا وجسديًّا، من تحقيق الفعل نفسه. ومن هنا استفاد علماء الأعصاب من نظرية فرويد التي تشرح محاولات الإنسان في تخيل الأشياء قبل تحقيقها، وليس غريبًا أن لا ترتقي متعة تحقيق الأشياء إلى متعة تخيلها وإضفاء تفاصيلنا الخاصة عليها.
5. «الحكاية علامة شفاء الراوي»
قال فرويد في إحدى محاضراته إن الحكي يجعلنا أخَف، وسواء كان العلاج النفسي على طريقة فرويد أو أي نوع آخر من العلاج بالحكي، فقد ثبت أن الكلام يساعد على تخفيف الأعراض العاطفية وتقليل القلق، وتحرير العقل من قيوده.
يمكن للتأمل والعلاج المختصر أن يؤثر فعلًا في تخفيف الأعراض، إلا أن العلاج بالحكي يشمل أداة مهمة هي العلاقة العلاجية التي تنشأ بين المريض والمعالِج، إذ ينخرط الشخص بكل جوارحه في العلاج، وليس في مجموعة من الأعراض أو التشخيصات فقط، وهو ما يؤدي إلى تغيير أعمق وأبقى.
قد يعجبك أيضًا: كلنا نُصاب بالمرض النفسي مرة أو أكثر في حياتنا
6. آليات الدفاع
يُعد مصطلح «آليات الدفاع» جزءًا لا يتجزأ من فهمنا البديهي لسلوك الإنسان، لذا أصبحنا ننظر إليه باعتباره أمرًا مسلَّمًا به، وقد أنشأ فرويد هذه النظرية وطورها بمساعدة ابنته «آنا فرويد».
آليات الدفاع هي استراتيجيات نفسية يأتي بها العقل الباطن بغرض التلاعب بالأفكار، أو الإنكار، أو تشويه الواقع، وذلك لحماية نفسه من مشاعر القلق والدوافع غير المقبولة. ومن بين جميع أنواع آليات الدفاع التي صاغها فرويد، ومنها القمع والتبرير والإسقاط، يًعد الإنكار أشهرها.
الإنكار هو رفض صريح لإدراك أن شيئًا ما قد حدث بالفعل، أو يحدث حاليًّا، أو حتى الاعتراف به. ويمكن للإنكار أن يكون شخصيًّا، مثل إنكار الإدمان أو إنكار تجربة حياتية مؤلمة، لكن بإمكانه كذلك أن يتخذ شكلًا أكثر عمومًا، مثل إنكار ظاهرة علمية أو اجتماعية أو ثقافية، كإنكار حدوث التغير المناخي، أو إنكار حدوث مذابح الهولوكوست.
7. مقاومة التغيير
تقاوم عقولنا وسلوكياتنا التغيير بطبيعة الحال، فكل ما هو جديد مخيفٌ وغير مرحَّبٍ به، حتى لو كان تغييرًا إلى الأفضل. استنتج التحليل النفسي وجود مبدأ المقاومة وكان محقًّا بشأنه، واستطاع أيضًا أن يجد الأدوات اللازمة ليهزم قدرته العنيدة على عرقلة حياة كلٍّ من الفرد والمجموعة.
اقرأ أيضًا: نبوءة «نهاية الكتاب المطبوع» تفضح خوفنا من التغيير
8. الماضي يؤثر في الحاضر
قد يبدو هذا بديهيًّا لنا حاليًّا، لكن منذ أكثر من مئة سنة سابقة، حين توصل فرويد لهذه الحقيقة، كانت لحظة كشف حقيقية بالنسبة له. واليوم، تساهم كثير من نظريات فرويد (بشأن تنمية الطفولة وآثار ما اختبره الإنسان في سنواته المبكرة على سلوكه الحالي) في مساعدة وعلاج المرضى ممَّن يتورطون في أنماط سلوكية مكررة ومعادة تسيطر على حياتهم.
9. التنمية
رأى فرويد أننا الأعداء الحقيقيين لأنفسنا، وأن الحضارة الإنسانية مهددة إذا لم يتغير سلوك بعضنا تجاه بعض.
تستمر التنمية البشرية طَوَال دورة حياة الشخص، فالحياة الناجحة تعتمد على التكيف وتطويع ما نواجهه من تغير في حياتنا وكل ما حولنا باستمرار. ورغم أن كل مرحلة جديدة تمثل تحديًا لنا، فهي توفر لنا الفرص أيضًا لإعادة تقييم أهدافنا وقيمنا الشخصية.
10. الميل نحو العنف عائق الحضارة الأول
بينما تردَّدت أصداء الحرب العالمية الأولى وانتشرت معاداة السامية في أوروبا، قال فرويد في كتابه «قلق في الحضارة» عام 1929 إن «الإنسان ذئب لأخيه الإنسان. مَن سيكون شجاعًا بما يكفي للتشكيك في هذه الحقيقة المؤكدة؟».
رأى فرويد أننا الأعداء الحقيقيين لأنفسنا، وأن الحضارة الإنسانية مهددة إذا لم يتغير سلوك بعضنا تجاه بعض. هاجمه النازيون أولًا، ثم الشيوعيون بعد ذلك، لكن فرويد لم ينحَز رغم ذلك لأمريكا، التي رأى في ثقافتها هوسًا مَرضيًّا بالمادة. وربما كان هذا الموقف واحدًا فقط بين استبصارات كثيرة أثبتت أهميتها لعالمنا اليوم، بالضبط كما كانت عندما كتبها فرويد لأول مرة.