بعد عمر طويل: ماذا سترى عند الموت؟

الصورة: Alex Proimos

أندرو محسن
نشر في 2017/03/31

كمُّ التجارب التي نوَدُّ أن نمر بها في حياتنا كبير، ولكن مهما حاولنا ستبقى بعض الأشياء عصية على التجربة، إما لعدم توافر الإمكانيات المادية أو لنقص الوقت، لكن ماذا عن الموت؟

كل البشر إلى زوال، جميعنا سنموت، لكن لم يرجع أحد من الموت ليخبرنا بمذاق التجربة، ويحاول مقال على موقع «The Atlantic» إجابة السؤال الذي حير الكثيرين: كيف يبدو الموت؟

الموت ثقب أسود

ما هي الرعاية التلطيفية؟

تذكر كاتبة المقال «جيني دير» أنها، خلال مرور والدتها بمراحل سرطان الثدي المتأخرة، تحدثت مع أكثر من طبيب ومعالج ممَّن تعاملوا مع أمها، وكان من النادر أن يكلمها أحدهم عن مظاهر الاحتضار.

يشعر الإنسان في أسبوعيه الأخيرين قبل الوفاة، كما توضح أستاذة التمريض «مارغريت كامبل»، بإعياء شديد أو حالة من اللاوعي، ممَّا يعوقه عن إخبارنا بما يشعر به، لهذا فإن ما يصلنا عن تجربة لحظات الموت الأخيرة لا يعدو أن يكون مشاعر أو ملاحظات الأشخاص المحيطين بالشخص المتوَفَّى، وليس تجربته الشخصية.

الموت يشبه الثقب الأسود: نعرف تأثيره لكن لا نرى ما بداخله.

لكن بعض الدراسات بدأت أخيرًا في محاولة رفع الستار عن هذه المعضلة، فعلى الرغم من التقدم الضخم في مجالات الطب، إلا أننا لا نعرف الشكل الحقيقي للأيام أو الساعات الأخيرة قبل الموت بصورة كاملة.

تحدثت كاتبة المقال إلى خبير الرعاية التلطيفية الأمريكي «جيمس هالنبيك». والرعاية التلطيفية تخصص غير مشهور في الدول العربية، ويركز على التأهيل النفسي والجسدي للمصابين بأمراض مستعصية أو مميتة.

يشبِّه هالنبيك الوفاة بـالثقوب السوداء، التي تجذب الأجسام القريبة منها في الفضاء بقوة كبيرة، ولهذا فإن ما نقدر على معرفته هو تأثيرها فقط، أما ما داخلها فمن الصعب، وربما المستحيل، مشاهدته.

قد يعجبك أيضًا: كيف عبَّرنا عن أنفسنا للكائنات الفضائية؟

مراحل الموت

مراحل الموت

حتى قرابة مئة عام مضت كان الموت يحدث سريعًا في الأغلب، ومع تطوُّر الطب طال متوسط عمر الإنسان، وبالتالي أمكن رصد علامات قرب النهاية بوضوح أكبر.

في كتابه «وجهات نظر عن الرعاية التلطيفية»، يذكر هالنبيك أن الناس يفقدون حواسهم ورغباتهم تدريجيًّا قبل الوفاة بترتيب معين: في البداية تزول الشهية للأكل والشرب، ثم يأتي فقدان الرغبة في الكلام، ثم البصر، وآخر ما يخسرونه يكون السمع ثم اللمس.

يُضحِّي الدماغ ببعض المناطق حتى تستمر حياة باقي الجسم أثناء الاحتضار.

مع عدم قدرة الناس قُرب النهاية على السعال أو البلع بسبب شدة الضعف، يصدرون حشرجة من حلوقهم تُعرف بـ«حشرجة الموت»، وتبدو للسامع وكأنها أنَّات ألم، ولكنها طبقًا للأطباء ليست مؤلمة.

يتفاوت حجم الألم الذي يصاحب الاحتضار، وتقول كاتبة المقال إن البعض لا يستطيعون الهروب من الألم، بينما يتقدم آخرون في السن ويذبلون تدريجيًّا حتى الموت دون الشعور بألم حقيقي. ولا يعني الإصابة بمرضٍ ما أن الألم حتمي، فبعض الأمراض، بما فيها أنواع من السرطان، تستطيع الأدوية تخفيف آلامها، وإذا كان الدواء قوي التأثير ويُتناول بانتظام، يمكن أن يموت هؤلاء دون ألم يذكر.

اقرأ أيضًا: لماذا علينا أن نعيد تعريف «الشفاء» من السرطان؟

«يبدأ الدماغ في التضحية ببعض المناطق الأقل أهمية حتى تستمر حياة باقي الجسم أثناء الاحتضار »، هذا ما يخبرنا به «ديفيد هوفدا»، مدير مركز «UCLA» لأبحاث جِراح المخ. ويقارن هوفدا ما يحدث في هذه الأثناء بما يقع عندما يتقدم البشر في العُمر ويفقدون بعض المهارات، مثل القدرة على التخطيط المعقد أو المهارات الحركية، والأهم من هذا القدرة على السيطرة على بعض ردود الأفعال.

مع تغير الدماغ واتجاهه إلى الموت، تحدث إثارة لكثير من المناطق داخل المخ، وأحدها هو نظام الرؤية، ولهذا يُبصر بعض المقبلين على الموت نورًا، بحسب هوفدا.

الضوء في نهاية النفق

ضوء من فوهة بئر
الصورة: Becca Swift

خلال غيابهم عن الوعي، يرى الناجون من السكتة القلبية ضوءًا في نهاية نفق.

تشير الدراسات الحديثة إلى أن رهافة الحواس لدى البعض تتفق مع ما توصل إليه العلم عن استجابة الدماغ للاقتراب من الموت.

قد يهمك أيضًا: ماذا لو قابلت الله؟

«جايمو بورجاغين»، عالمة الأعصاب في جامعة ميشيغان الأمريكية، كانت أحد أوائل من تبنوا هذه الفكرة، بعد أن لاحظت شيئًا غريبًا في أدمغة الحيوانات خلال تجاربها. فقبل موت الحيوانات مباشرة، لاحظت بورجاغين ارتفاعًا كبيرًا في كيمياء المخ. ما كان معروفًا من قبل هو استمرار أعصاب المخ في العمل بعد الموت لفترة معينة، ولكن الجديد هنا هو أن الأعصاب كانت تفرز مادة كيميائية مختلفة وبكمية كبيرة.

تخبرنا عالمة الأعصاب أن الناجين من السكتة القلبية يحكون عن تجربة فريدة في فترة غيابهم عن الوعي، إذ يرون ضوءًا في نهاية نفق ويؤكدون أنه كان يبدو حقيقيًّا للغاية، وترى بورجاغين أن المادة الكيميائية التي يفرزها المخ لها دور في تفسير ما يشاهده هؤلاء.

أجرت جايمو بورجاغين مع فريقها اختبارًا، فخدَّرت ثمانية فئران ثم أوقفت قلوبهم، وفجأة «تزامن العمل في كل المناطق داخل الدماغ، وشاهدنا ارتفاعًا في ذبذبات بعض الموجات، بالإضافة إلى انسجام النشاط الكهربائي لأجزاء الدماغ»، بحسب ما قالت.

عندما يركز الإنسان بشدة، أو يحاول أن يتذكر كلمات أو يتعرف على وجه رآه قبل ذلك، ترتفع هذه الذبذبات والأنشطة الكهربية، ولهذا تُستخدم في قياس الوعي لدى الأشخاص المستيقظين، ففكرت بورجاغين أنها يجب أن ترتفع كذلك في دماغ الشخص الذي يموت.

أحلام الاحتضار

تجربة أحلام الاحتضار

تذكر كاتبة المقال أن والدتها كانت شاردة معظم الوقت في أسابيعها الأخيرة، وكانت أحيانًا ترفع ذراعيها وتقطف أشياء من الهواء بأصابعها، وعندما كانت ابنتها تمسك بيديها وتسألها عما تفعله، كانت تجيب مبتسمةً بأنها تضع بعض الأشياء بعيدًا.

الأحلام تقلل من شعور المرضى بالخوف قبل الوفاة.

هذه الحالة من نصف اليقظة ونصف الحلم منتشرة بين من يوشكون على الوفاة. في دار «بفالو» لرعاية المسنين بولاية نيويورك، أجرى الدكتور «كريستوفر كير» بعض الأبحاث عن أحلام المحتضرين، وخلال إحدى تجاربه، أكد 88% من المرضى أنهم شاهدوا حلمًا واحدًا على الأقل يختلف عن الأحلام التقليدية. هذه الأحلام تختلف في شيء واحد، أنها تبدو أكثر وضوحًا وأقرب إلى الواقع.

قد يعجبك أيضًا: فيلم «Dreams»: هلاوس المخرج الياباني «أكيرا كوروساوا»

يذكر الباحثون في «جريدة الرعاية التلطيفية» أن الأحلام التي يراها المحتضرون تقود أصحابها إلى اليقظة، حتى إنهم يتعاملون معها على أنها حقيقة، لكن ما الذي يرونه في هذه الأحلام «الواقعية»؟

يحلم 72% من المرضى قرب الوفاة بأنهم يلتقون أشخاصًا ماتوا بالفعل، بينما يرى 59% أنهم يستعدون للسفر، فيما يشاهد 28% أحلامًا تحكي تجربة مهمة حدثت لهم في الماضي.

بالنسبة إلى معظم هؤلاء فإن الأحلام تكون حقيقية، وتذهب الأبحاث إلى أن هذه الأحلام تقلل من شعورهم بالخوف.

مع اقتراب ساعة الوفاة، وبعد أن يفقد المريض رغبته في الطعام والشراب ثم قدرته على الإبصار، يدخل في حالة من السُبات. يرى هالينبك أن هذا السبات ليس غيبوبة أو فقدانًا للوعي كما يظن البعض، بل يكون حالة من الحلم، لكن تبقى هذه اللحظة بعينها، لحظة دخول الشخص في حالة الحلم، عصيَّةً على التحديد بدقة.

الأمر يشبه هطول المطر، لا أحد يمكنه تحديد لحظة البدء بالضبط، ولكن في النهاية تستمر الأمطار في الهطول وتزداد شدتها، ولا ندرك ذلك إلا عندما نبتل تمامًا.

إن محاولة فك ألغاز الاقتراب من الموت مستمرة بالتأكيد، لكشف الغموض الذي يحيط بهذه المرحلة الأخيرة في حياة الإنسان، ولكن هل سيساعدنا ذلك على التعامل بشكل مختلف مع تجربة الموت؟

مواضيع مشابهة