هل يمكن لدماغ الإنسان تجاوز المستحيل؟

دارين المعجل
نشر في 2016/12/21

أريدُكَ أن تتخيَّل إمكانية أن تصبح غير مرئيٍّ، أو أن تقضي عطلة الصيف على سطح كوكب المريخ.

قد تبدو هذه السيناريوهات مستحيلة، ولكن لماذا مستحيلة؟ ما مدى ثقتنا بأنَّ معرفتنا الحالية كاملة، قبل أن نصف هذا السيناريو بأنه «مستحيل»؟

للإجابة عن هذه الأسئلة، علينا أن نفهم أولًا الأصل اللغوي لكلمة «مستحيل». كلمة (impossible) مشتقة من اللغة اللاتينية من (in) و(possibilis)، التي تعني «لا» و«أن تكون قادرًا». القدرة هي مجموعة الوسائل والمهارات اللازمة لفعل شيء ما. ونظرًا لأنَّ القدرة مكتَسَبة وقابلة للتمديد، فإننا نتوقّع حدود الاستحالة كذلك. لقد أدركتُ أنَّ حدَّ الاستحالة هو مقياس نسبيّ. إنَّه نتاج الاعتراف الشخصي بالمجهول، والانفتاح، وقوة الخيال، والشجاعة.

الدماغ البشري يُفضِّل المألوف

التفكير
حقوق الصورة: Craig Sunter

أعتقد أنَّ كلمة «مستحيل» استُخدِمت كرد فعل خوفًا من المجهول. إنَّ قبول الحد الواسع للإمكانية يأخذنا خارج منطقة الراحة الخاصة بنا وما هو مألوف لدينا الآن. إنَّه يجبرنا على الدخول في المجهول، وهي المنطقة التي يخشاها دماغنا إلى حد كبير. الدماغ البشري يحب المعلومات المألوفة التي يفهمها. عندما كنا نتعلّم حقيقة علمية معينة باعتبارها مؤكَّدة وقطعية الثبوت لفترة طويلة من الزمن، كنا نطوِّر معتقدات داخلية تشكِّل نموذجنا الخاص بشأن كيف يفترض أن تكون الأمور. الدماغ يختار الطريق السهل، لذلك يستخدم التجارب النموذجية السابقة كمصفاة لتحديد أيِّ الأفكار والخبرات الجديدة قابلة للاستيعاب ومألوفة، ليقبلها.

لقد أصبحت فلسفةُ عصرٍ ما، سخافةَ العصر الذي يليه، وأصبحت حماقةُ الأمس حكمةَ الغد.

في معظم الحالات، الخوف من المجهول هو ما يمنعنا من إجراء تغييرات إيجابية، ويُعيقنا عن التقدم عبر الخطوط «المحرمة» لاكتشاف معارف جديدة. كانت معظم الاكتشافات العظيمة الماضية نتاج التفكير بشكل مختلف، وتجاهُل حدود ما هو ممكن. وهو ما ظهر في كثير من القصص عبر تاريخ العلم، حين تمَّ تجاهل بعض الإنجازات العلمية الكبيرة التي نستخدمها اليوم، في وقت سابق، ووصفها بأنها مستحيلة وسخيفة. سأذكر مثالين فقط: رؤية جول فيرن  (Jules Verne) المستقبلية لباريس، واختراع روبرت غودارد (Robert Goddard) الصواريخ الحديثة.

اقرأ أيضًا: مسلسل «Westworld» يثير التساؤل: هل نعيش في واقع افتراضي؟

التحوُّل في حدود الاستحالة

روبرت غودارد
دكتور روبرت غودارد في جامعة كلارك - حقوق الصورة: وكالة ناسا

في عام 1863، ألَّف جول فيرن، وهو كاتب قصص خيال علمي فرنسي، رواية بعنوان «باريس في القرن العشرين»، توقّع من خلالها مجموعة من التقنيات التي كان يتصوَّر أن باريس ستستخدمها عام 1960، ووصف بدقة جهاز الفاكس، والإنترنت، والقطارات السريعة.

في تلك الأيام، اعتُبرت هذه التقنيات «مستحيلة»؛ إذ كانت القوانين الأساسية للفيزياء لا تزال غير معروفة. ومن المفارقات أننا اليوم نستخدم هذه التقنيات بصورة يومية، لدرجة أنَّ حدود الاستحالة تغيَّرت إلى استحالة تخيُّل حياتنا دونها.

قال الطبيب الكندي وأحد أشهر أساتذة الطب، السير ويليام أوسلر، ذات مرة: «لقد أصبحت فلسفة عصرٍ ما هي سخافة العصر الذي يليه، وأصبحت حماقة الأمس حكمة الغد».

مثال آخر على التحوُّل في حدود الاستحالة، قصة اختراع روبرت غودارد.

كان غودارد فيزيائيًَا أمريكيًَا، واخترع أول صاروخ يعمل بالوقود السائل، ونجح وفريقه في إطﻻقه عام 1926. لكن للأسف، كانت فكرته الإبداعية موضع انتقاد شديد وسخرية، حتى أطلق عليها بعض العلماء البارزين في ذلك الوقت «حماقة غودارد».

كما تعرضت الفكرة لهجوم شديد وقاسٍ، إذ ذكرت صحيفة «نيويورك تايمز»: «يبدو أنَّ غودارد يفتقر إلى المعرفة الأساسية التي يتلقاها التلاميذ كل يوم في المدرسة الثانوية». وفي وقت لاحق، خرج اختراع غودارد إلى النور بعد أن دعمه أدولف هتلر، الذي اعتمد على هذه التكنولوجيا لتدمير لندن في أثناء الحرب العالمية الثانية.

يحمل تاريخ العلم الكثير من القصص التي تكشف وجود عدد كبير من الاختراعات الإبداعية، وُصِفت في البداية بأنها سخيفة ومستحيلة. وهذا يقودني إلى أن أتساءل: لماذا تُواجَه الأفكار الجديدة والمبتكرة دائمًا بالرفض في البداية؟

اقرأ أيضًا: اللي نعرفه أحسن من اللي مانعرفه: كيف يعادي البشر الابتكار؟

الإبداع يتجلى عند تجاهل الحدود

سلفادور دالي
سلفادور دالي، رسام إسباني وأحد أعلام المدرسة السريالية - تصوير: Philippe Halsman

رفضُ الأفكار الجديدة وغير المألوفة في كثير من الأحيان يكون نتاج عقول لديها نمط من التفكير، يستخدم التجارب السابقة المشابهة كأساس لحل المشاكل الجديدة. ويمكن لهذه العقول أن تعمل أحيانًا وفق درجة عالية من اليقين، بناءً على الفعالية التي أثبتتها التجارب السابقة.

ومع ذلك، فإنَّ الجمود الناتج عن هذه الأفكار عادة ما يؤدي إلى انحراف العقول بعيدًا عن ابتكار أفكار إبداعية. ولهذا السبب، ستفشل هذه العقول في كثير من الأحيان عندما تُعرَض عليها مشكلة جديدة. المنطق وراء ذلك هو: إذا كنت تفكر دائمًا بالطريقة نفسها، فسوف تصل دائمًا إلى النتائج نفسها. من ناحية أخرى، فإنَّ الفكرة الإبداعية، نتاج عقل يستخدم نمط تفكير يتعامل مع المشاكل بالعديد من الطرق، من أجل التوصل إلى حلول كثيرة مختلفة ومبتكرة، ويتجاوز ما تمَّ تعلمه أو مكابدته.

الفارق بين آراء تشارلز داروين (Charles Darwin) وجون غولد (John Gould) بشأن أصل الأنواع، مثال جيِّد على نمطين عقليين مختلفين. كان غولد أحد علماء الطيور الأكثر تميُّزًا في إنجلترا وقتها، ورأى أنَّ عينات طائر الحسون المختلفة التي جمعها داروين من مواقع عديدة، متطابقة مع زوج الطيور الذي أُنقِذ على سفينة نوح، وأعرب عن إيمانه العميق بثبات واستمرار الأنواع وقوة الخالق. من ناحية أخرى، يؤمن داروين بعدم استقرار الأنواع وأهمية التنوّع من أجل البقاء، الأمر الذي أدّى لاحقًا إلى نظريته الشهيرة «الانتقاء الطبيعي» (Natural Selection).

لقد تعلمتُ أنَّ تعويد النفس على الفشل شرط مهم للتفكير الإبداعي.

ومن المفارقات أنَّه لم يحدث قطّ أن بحث غولد عن الاختلافات بين الأنواع حسب الموقع. لقد استندت أفكاره إلى طريقة تفكيره، وهذا هو السبب في أنَّه برع بوصفه عالِم طبيعة وصفيٍّ، وليس كعالِم أحياء نظرية، في حين تناول داروين المشكلة بشكل مختلف ونظر في وجاهة إمكانيات أخرى.

في هذه الحالة، لم يرَ غولد، الشخص الذي لديه خبرة كبيرة، إمكانية تطوُّر الأنواع إلى مختلف الأشكال والنماذج، في حين أنَّ داروين، الأقل خبرة الذي لم يتمكَّن حتى من التعرّف على طائر مثل الحسون، أنتج الفكرة التي غيَّرت الطريقة التي نفكر بها تجاه العالم.

اقرأ كذلك: دع معتقداتك جانبًا، علينا أن نفكر جديًّا بشأن نظرية التطور

الموهبة الحقيقية هي المرونة

القفز بالمظلات
الخوف من المجهول هو ما يمنعنا من إجراء تغييرات إيجابية

لقد تعلمتُ أنَّ الطريقة التي نفكر بها، وكيف يتشكل العقل البشري، ليست موهبة فطرية أو مجرد نتاج نموذجنا الوراثي ؛ إنَّها عملية تفاعلية بين جيناتنا والبيئة من حولنا. تأثير الثقافة والاقتصاد والتغذية والتعليم والرعاية الأبويَّة والتحفيز والممارسة، كلها أصبحت من بين العوامل التراكمية التي إما تُبرز  وإما تدمِّر تطوير قدراتنا المحتملة. إن مرونة واستجابة الجسم للتكيُّف مع البيئة المحيطة بنا، هي الموهبة الحقيقية التي يجب أن نستفيد منها. لقد تعلمتُ أيضًا أنَّ تعويد النفس على الفشل شرط مهم للتفكير الإبداعي. تجنُّب الفشل مثل سجن نفسك وراء الخطوط الممنوعة للاستحالة، تلك الخطوط التي ستعيقنا عن التفوق والإبداع، وسوف تكبح العبقرية الحقيقية الكامنة فينا.

اﻵن أريدك أن تحاول التفكير في هذه الأسئلة:

1. هل يمكننا الرؤية مثل «سوبرمان»، الذي يرى باستخدام الأشعة السينية؟ (نعم / لا / ربما)

لمعرفة الإجابة، شاهد الفيديو أدناه (باللغة الإنجليزية):

2. هل يمكننا ربط الضوء مثل العُقد؟ (نعم/ لا / ربما)

لمعرفة الإجابة، زُر هذا الرابط (باللغة الإنجليزية).

3. هل يمكننا خلق ذاكرة اصطناعية أو تعديل ذاكرتنا؟ (نعم/ لا/ ربما)

لمعرفة الإجابة، شاهد الفيديو أدناه (باللغة الإنجليزية):

مواضيع مشابهة