يبدو المشهد في أمريكا اليوم غريبًا بشدة؛ هجوم إعلامي غير مسبوق على الرئيس المنتخب، ومظاهرات عارمة تملأ الشوارع في مختلف المدن، وصدامات بين الرئيس ومعظم مؤسسات الدولة، وأحاديث عن عدم إكمال دونالد ترامب فترته.
تبدو الأجواء الحالية في أمريكا متشابهة إلى حدٍّ كبير مع ما حدث في مصر عام 2012، ويتكرر ما تبع وصول الرئيس الأسبق محمد مرسي إلى قصر الاتحادية الرئاسي؛ من ارتباك وتشوُّش في المشهد السياسي المصري، مع ما يجري لترامب في أمريكا، وثمة قواسم مشتركة مثيرة للتأمل بين الرجلين.
القادمون من الخلف
مرسي، الذي لم يكن يحتل منصبًا رئيسيًّا في صفوف جماعة الإخوان المسلمين، جاء مرشحًا في اللحظات الأخيرة بديلًا للمرشح الأصلي للإخوان، خيرت الشاطر؛ الذي لم يستوفِ شروط الترشح، أما ترامب فلم يكن اسمًا مطروحًا على ساحة الحزب الجمهوري، بل مجرد رجل أعمال تقدم للترشح عن الحزب بين آخرين أكثر شهرة وخبرة سياسية، لكن الزوبعة التي أثارتها تصريحاته دفعته إلى المقدمة.
فوز مرسي بالجولة الأولى فاجأ الجميع، فقد كان هناك من هو أشهر منه وأخبَر بالسياسة؛ مثل عمرو موسى وحمدين صباحي، وحتى العسكري المتقاعد أحمد شفيق الذي فاز عليه مرسي في الجولة الثانية، إلى جانب صاحب الثِقَل في جماعة الإخوان نفسها؛ عبد المنعم أبو الفتوح.
كذلك كان ترامب، كسب الجولة التمهيدية للحزب الجمهوري على غير انتظار، ثم أشارت كل الترجيحات إلى فوز منافسته هيلاري كلينتون، لكنه حقق المفاجأة المدهشة وفاز.
واجه الرئيسان مرسي وترامب مظاهرات ضدهما منذ انتخابهما.
الرجلان كانا غريبَيْن على مؤسسات الدولة ولم يسبق لأي منهما تولي أي منصب تنفيذي حكومي، والرجلان ينتميان لخلفية فكرية يمينية محافظة يلعب الدين دورًا فيها؛ ترامب الجمهوري الذي يلجأ للدين بكثافة لاستمالة قواعده، ومرسي القادم من جماعة الإخوان، أبرز حركة دينية في المشهد السياسي المصري والعربي عمومًا.
اقرأ أيضًا: أنا عربي، والكثير مِنَّا سعداء بفوز ترامب
امنحوه فرصة
واجه الرجلان مظاهرات ضدهما منذ انتخابهما؛ فلم يهدأ الشارع المصري بعد فوز مرسي إلا قليلًا، وسرعان ما خرجت مظاهرة ضده بعد 100 يوم من انتخابه، لكن القشة التي قصمت ظهره كانت إعلانه الدستوري، الذي أدى إلى تظاهر قطاعات واسعة من الجماهير ضده، واعترض عليه عدد كبير من موظفي الدولة الرسميين.
الشارع الأمريكي لم يهدأ كذلك منذ فوز ترامب، لكن القشة التي يبدو أنها لا تزال تؤلم ظهر البعير الأمريكي كانت قرار الرئيس منع مواطني سبع دول عربية وإسلامية من دخول الولايات المتحدة، وهو ما أدى إلى تظاهرات كبيرة ضده صاحبتها اعتراضات من كثير من موظفي الدولة، ثم أوقف القضاء العمل بقرار ترامب، ما دفعه لمهاجمة القضاء في تدوينة على موقع تويتر.
The opinion of this so-called judge, which essentially takes law-enforcement away from our country, is ridiculous and will be overturned!
— Donald J. Trump (@realDonaldTrump) February 4, 2017
اتهم أنصار مرسي معارضيه بأنهم كانوا يتربصون به منذ وصوله للرئاسة، وأكدوا أنه لم ينَلْ فرصته كاملة في الحكم، وشددوا على أنه ينبغي أن يرحل بالصندوق كما جاء به، وألحُّوا في الانتظار أربع سنوات كاملة للحكم على الرجل، ودعَوا إلى «منحه فرصة».
للغرابة، هذا هو ما يقوله مؤيدو ترامب الآن؛ إذ يطالبون بمنحه فرصة ثم الحُكم عليه بعدها، ويتهمون المتظاهرين ضده بأنهم عملاء ومخربون، لا يريدون لأمريكا أن «تعود عظيمة من جديد»، كما كان المتظاهرون ضد مرسي يُتَّهمون بأنهم لا يريدون «نهضة» مصر.
اقرأ أيضًا: صعود ترامب: هل عاد هتلر من جديد؟
حرب الجواسيس
ترددت اتهامات لمحمد مرسي خلال عام حكمه بأنه عميل لجهات خارجية، وتنوعت قائمة الاتهامات لتبدأ بعمالته لأمريكا حتى تخابره مع قطر وحركة حماس الفلسطينية، وقد حوكم الرجل بعد عزله بهاتين التهمتين، وبرأته المحكمة من التخابر مع قطر، فيما أدانته محكمة أخرى بالتخابر مع حماس وعاقبته بالسجن المؤبد، لكن محكمة النقض ألغت الحكم وأعادت محاكمته من جديد.
ترامب أيضًا متهم بكونه عميلًا لروسيا، وهي أقاويل ترددت حتى خلال حملته الانتخابية؛ إذ اتهمت مؤسسات أمنية أمريكية روسيا بأنها وراء اختراقات عناوين بريد إلكتروني خاصة بالحزب الديمقراطي وحملة هيلاري كلينتون، كما كشفت تحقيقات حكومية أن حملة ترامب تواصلت مع الاستخبارات الروسية، ويُضاف إلى ذلك تعدد تصريحات ترامب الإيجابية عن روسيا ورئيسها فلاديمير بوتين، لدرجة وُصفت بالغزل.
وبعد فوز ترامب عادت الاتهامات وزادت حدتها ومصداقيتها، إلى درجة تسببت في استقالة مستشار الأمن القومي لترامب بعد اتهامه بتسريب معلومات لروسيا، وهو ما يمهد الطريق لفتح تحقيقات معه بخصوص علاقة ترامب بروسيا، وإذا ثبتت التهم بأن ترامب «عميل»؛ سيفتح ذلك الباب واسعًا أمام عزله.
قد يعجبك أيضًا: كيف يمكن عزل الرئيس الأمريكي؟
«مؤامرة» الدولة العميقة
السلاح الذي أسقط مرسي كان حملة «تمرد»، عندما جمعت ملايين التوقيعات لإزاحة الرئيس. وفي أمريكا، تجرى حملة مماثلة لعزل الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب، يُقارب عدد الموقعين على مطالبها نحو مليون شخص لحظة كتابة هذا الموضوع.
ومع أن الحملتين لا تستندان إلى أساس دستوري أو قانوني؛ فليس في الدستور المصري ولا الأمريكي ما يدعو إلى عزل الرئيس إذا جُمع ضده عدد معين من التوقيعات، لكن «تمرد» شكَّلت ورقة ضغط استفاد منها الراغبون في إسقاط مرسي؛ فتحرَّك الجيش المصري منحازًا للمتظاهرين ضد الرئيس ومعارضيه؛ ما أدى في النهاية إلى عزله عن منصبه.
بدأ مؤيدو ترامب استخدام عبارة «الدولة العميقة» في إشارة للقوى التي تحاول عرقلة عمله.
في أمريكا، لا يبدو أن حملة التوقيعات ضد ترامب ستُحدث تغييرًا في المشهد السياسي؛ لأن الجيش ليس متورطًا في السياسة والاقتصاد الداخلي كما هو حال الجنرالات في مصر، لذلك ربما لا يكون للقوات المسلحة الأمريكية دور في عزل ترامب، مع أن عددًا من المؤسسات الأمنية قد تذمَّر من تحركاته بالفعل؛ مثل وكالة الاستخبارات المركزية (CIA).
لكن «القوى الأكبر» في الولايات المتحدة قد تكون صاحبة اليد العُليا في إزاحة ترامب من منصبه، وهذه القوى هي ما يُسمَّى في مصر «الدولة العميقة» التي اشتكى منها مرسي.
مؤخرًا، بدأ مؤيدو ترامب استخدام عبارة «الدولة العميقة» في إشارة للقوى التي تحاول عرقلة عمل الرئيس، وتتمثل في تحالفات لمؤسسات مالية وشركات تصنيع أسلحة ومراكز أبحاث تتضامن معها، وتدعم السياسيين لتنفيذ أجندات هذه القوى الرأسمالية التي تقود الاقتصاد الأمريكي.
الآن، إذا شكَّل ترامب تهديدًا لهذه القوى كما يبدو أنه يفعل حاليًا؛ بهجومه على مشروع تصنيع الطائرة (F-35) باهظة الثمن، وعلى شركتي «لوكهيد مارتن» (Lockheed Martin) و«بوينغ» (Boeing)، وكذلك إذا لم يحقق أي تطورات اقتصادية من التي تريدها هذه القوى، أو حاول التعرض لها ولنفوذها الممتد، بما فيها وكالة الاستخبارات المركزية (CIA) ومكتب التحقيقات الفيدرالي (FBI)، فإن التخلي عنه قد لا يكون بتلك الصعوبة.
قد يهمك أيضًا: ربما يصبح العالم أكثر سلامًا تحت حكم المجانين
عدلي منصور الأمريكي
ينصُّ الدستور المصري على عزل الرئيس إذا حاكمه مجلس الشعب، لكن لأن مجلس الشعب كان مُنحلًّا وقت التظاهرات ضدَّه، فقد عزله الجيش وعيَّن رئيس المحكمة الدستورية عدلي منصور، الذي تولى الحكم رئيسًا مؤقتًا في الفترة من الرابع من يوليو 2013 إلى الثامن من يونيو 2014، حتى أُجريت انتخابات رئاسية جديدة فاز فيها الرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي.
اتُّهم عدلي منصور خلال رئاسته بأنه كان بلا شخصية ولا بصمة في الحكم، وانتشرت أقاويل مفادها أن وزير الدفاع وقتها، المشير عبد الفتاح السيسي، كان يتحكم في قراراته.
على الناحية الأخرى، ينظم الدستور الأمريكي إجراءات عزل الرئيس على أن يحل محله نائبه، وهو حاليًا «مايك بنس» (Mike Pence)، اليميني الذي يصفه البعض بأنه عديم الشخصية وبلا مواقف واضحة خارج الإطار التقليدي لليمين الأمريكي، ولم يكن يومًا خطيبًا مفوهًا أو سياسيًّا بارزًا، وهو ما دعا ترامب لاختياره كي يسايره ويؤيده أمام الناس، ولا يمثل تهديدًا فعليًّا له في أثناء الانتخابات.
في حال عزل ترامب وتعيين «بنس» رئيسًا، فمن المتوقع أن يلتزم بخط الحزب الجمهوري، ربما أكثر من ترامب، ويستجيب لنفوذ القوى اللاعبة في السياسة الأمريكية على نحو يُرضيها.
كانت مصر في 2013 خارجةً لتُوِّها من ثورة قبل عامين فقط، وكان طبيعيًّا ألا تكون الأوضاع السياسية فيها مستقرة، ورغم ذلك أثَّرت إزاحة مرسي من الحكم على المنطقة، وأدخلت البلاد في مرحلة من عدم الاستقرار والعنف لا تزال آثارها مستمرة إلى اليوم.
تُرى، هل سيُزاح الرئيس الأمريكي عن السلطة فعلًا؟ وإذا حدث، فما تأثير ذلك على دولة عظمى هي الأكثر نفوذًا في العالم مثل الولايات المتحدة؟ وما الذي سيعنيه ذلك لأمريكا، إمبراطورية العصر و«قائدة العالم الحر»؟