تكوّمات الجثث: الجزء الثاني من شهادة شفيق الغبرا على غزو العراق للكويت

التصميم: شذى عبد العال - منشور

شفيق الغبرا
نشر في 2020/08/03

نُشر هذا المقال باللغة الإنجليزية بعنوان «شاهد عيان على الاحتلال العراقي للكويت» في مجلة «دراسات فلسطينية» ديسمبر 1990، ونعيد نشره في «منشور» على ثلاثة أجزاء لأول مرة باللغة العربية لأهمية هذه الشهادة، وذلك بترجمة الزميل محمد جمال.

رابط الجزء الأول.


بعد الاحتلال، حاول ضباط الجيش الكويتي السابقين ورجال الأمن حراسة مراكز الشرطة المهجورة، بلباس مدني وأسلحة مخبأة. لكن هذا الوضع لم يستمر طويلًا. 

في اليوم الرابع، ذهبت إلى مركز الشرطة في حي والديّ لأرى إن كان الشباب الكويتيون لا يزالون هناك، لكني فوجئت برؤية وحدات من الجيش العراقي الشعبي قد تمركزت في مراكز الشرطة في جميع أنحاء الكويت خلال الليلة السابقة.

نظرًا لسمعة الجيش الشعبي العراقي المعروف بانعدام الانضباط وسوء السلوك، رأينا في وجودهم علامة سيئة. وبالحديث معهم بات واضحًا أنهم خائفون من أهل الحي.

تشكلت لجان من الشباب الكويتيين ومن القوى السياسية الكويتية المعارضة (سواء من المجموعات العلمانية العربية أو من التشكيلات الإسلامية، سنية وشيعية) لتنسيق مئات المتطوعين وتوزيعهم على المخابز والمستشفيات وجمع القمامة.

للحد من المشاكل، أجرى في البداية ممثلون عن أهالي الحي اتفاقًا غير رسمي مع الجيش الشعبي. من ناحية، لن يتجول أفراد الجيش في أرجاء الحي مسلحين، ومن ناحية يوفر السكان الطعام والضروريات لهم من متجر الحي. ولفترة مضى ذلك الاتفاق على ما يرام، وعندما كان جندي عراقي مسلح يظهر في السوق، كان الشباب الكويتيون يطلبون منه بأدب أن يعود للمركز ويترك سلاحه قبل أن يأتي مرة أخرى. وإن حاول جندي عراقي شراء أي شيء من المتجر، يرفض الصراف أمواله ويخبره: «أنتم ضيوف في بلادنا حتى تعودوا لبيوتكم».

لكن توقعاتنا أنهم سيذهبون عنا قريبًا وأن صدام حسين سيرضخ للضغوط الدولية وينسحب من الكويت خابت. ظل الجنود وتزايدوا وتكاثروا. في الأسبوعين الثاني والثالث، أرسل العراق ما يزيد عن 100 ألف جندي من الجيش الشعبي، مما فاقم الوضع في ظل الاحتلال. عمدوا إلى تحويل عدد من المدارس لقواعد عسكرية للأمن والشرطة والجيش، ثم انتقلوا لبعض البيوت. وبالتدريج، كانوا يستولون على كل شيء.

في الوقت ذاته، أصاب الاحتلال البلد كلها بشلل تام؛ توقف جمع القمامة والعيادات والمخابز والبنوك ومحطات الإطفاء والمتاجر والشرطة والأمن والوكالات الحكومية عن العمل. فقط ظلت خدمات الكهرباء والمياه وبعض المشافي تعمل بأقل طاقم ممكن دون انقطاع. تدخل المهندسون والتقنيون الفلسطينيون للمحافظة على تشغيل محطات الكهرباء والمياه، في مناوبات عمل مرهقة طويلة، معوضين غياب العمالة الأجنبية التي غادرت البلد.

صار العمل التطوعي أكثر من ضروري لملء الفراغ الذي تركه العمال الأجانب خلفهم. تشكلت لجان من الشباب الكويتيين ومن القوى السياسية الكويتية المعارضة (سواء من المجموعات العلمانية العربية أو من التشكيلات الإسلامية، سنية وشيعية) لتنسيق مئات المتطوعين وتوزيعهم على المخابز والمستشفيات وجمع القمامة في أحيائهم.

في متاجر الطعام (الجمعيات التعاونية) عمل الشباب الكويتيون لأول مرة في الإنتاج وتقطيع اللحم ودفع عربات الزبائن. تولت المجموعات الإسلامية (الذين كانوا قد فازوا باكتساح في انتخابات مجالس إدارات التعاونيات) توزيع الطعام على العديد من أحياء الكويت، بمعاونة تجار وأساتذة جامعة ومتطوعين كثر.

على سبيل المثال الذي يتكرر عبر المدينة، فتح طبيب إحدى العيادات بعد الغزو بيومين، وبالاشتراك مع أطباء آخرين شكلوا لجنة طبية ترى حاجات أهل الحي العلاجية. خاطر كثيرون لنقل الإمدادات الطبية بعيدًا عن أنظار الجيش العراقي.

بعد الغزو بأيام، بدأت المقاومة السياسية على يد القوى السياسية الكويتية الكبرى، بما فيها مسؤولي حكومة وقادة سياسيين ووزراء سابقين وحركات إسلامية وحركات معارضة قومية وطنية. وُزعت المنشورات وخطابات الأخبار بين الأحياء، عبر شبكات الفاكس وماكينات تصوير المستندات وأجهزة الكمبيوتر. عملت اللجان الشعبية في كل مكان، وصارت ساحات الديوانية الكويتية التقليدية محل لقاء النشطاء والمنظمين، وانتقل الناس من ديوانية لأخرى لنشر خبر حدوث اجتماع أو تجمع في مسجد أو ما إلى ذلك. 

شكل آخر من أشكال المقاومة ذو أهمية سياسية متجذرة، كان إيواء الأجانب (أمريكيين وأوروبيين). وكان الإعدام جزاء من يُقبض عليه بمثل هذا الفعل، لكن الناس خاطروا بحيواتهم وفعلوها، وإن قرر أحدهم ممن يخبئ أجانب عنده السفر، كان يعهد بصديق قريب له محل ثقة بمتابعة مهمته.

على حوائط المدينة ظهرت الشعارات: «تحيا الكويت»، «يحيا جابر أمير الكويت»، «يسقط صدام حسين»، «أرواحنا فداء الكويت». في حين ساعد شباب الكويت في إزالة أسماء الشوارع والأحياء لتعسير حركة العراقيين وبحثهم عن الأفراد. 

في ذروة الحملة المناهضة للاحتلال (من أغسطس إلى منتصف سبتمبر)، كانت هناك عدة تظاهرات نسائية، فتح الجيش على إحداها النار، ما أدى إلى عدة وفيات وإصابات. وفي الثاني من كل شهر جديد، في منتصف الليل بالضبط، كان الكويتيون من كل الأعمار يخرجون لأسطح المنازل رافعين أعلام الكويت ومرددين بصوت واحد يكسر سكون الليل: «الله أكبر، تحيا الكويت». تلك كانت لحظات مؤثرة، بكى فيها كثيرون بينما يغنون النشيد الوطني. عندما كان الجنود في أقسام الشرطة يسمعون ذلك، كانوا يطلقون الرصاص في الهواء عشوائيًا لإرغام الناس على النزول.

في ما يخص المقاومة العسكرية؛ صادر مدنيون كويتيون ذات مرة دبابة عراقية من جنود ضلوا طريقهم في مناطق سلوى وبيان. الدائري الرابع بأكمله، واحد من شرايين حياة الكويت الرئيسية، استُخدم لنصب الكمائن للمركبات العراقية طوال أغسطس وبعض من سبتمبر.

بعض الأحياء الكويتية، مثل كيفان، كانت تحت سيطرة الكويتيين المسلحين، لكن هذه المعاقل سقطت في الشهر الأول. جدير بالذكر أن المقاومة الكويتية كانت فعالة إلى حد كبير في الشهر الأول، إذ أوقعت من 5 إلى 20 عراقيًا في اليوم. وقعت عشرات المركبات العراقية في الكمائن واحترقت. استطاعت المقاومة المواصلة للشهر الثاني والثالث، بالاعتماد على السيارات المفخخة. من أكثر العمليات نجاحًا كانت التفجير عند مدخل فندق هيلتون، حيث أقام أغلب المسؤولين العراقيين.

من هنا يمكن اعتبار بداية الاحتلال هي شهور التعاضد المتفائل بين أهل الكويت. هذا التفاؤل انتعش بإدراك حجم الضغط العالمي على العراق، مع الشعور بأن الحياة تحت الاحتلال يمكن تنظيمها بوسائل العصيان المدني.

سيطرة عراقية

آثار الدمار على قصر السيف

في الأسبوع الثالث للاحتلال، شن العراقيون هجمة وحشية عنيفة على المجتمع الكويتي. دخلت القوات الخاصة العراقية المدينة وتولت مقاليد نقاط التفتيش من الجيش. في الوقت ذاته اتخذت المخابرات ومجموعات مشابهة من المدارس مقرات لهم. ارتفعت وتيرة الاعتقالات الجماعية لشباب الكويت عند نقاط التفتيش، وتعرضوا للتعذيب على أوسع نطاق. كان من طرق التعذيب خلال الاستجواب الضرب المبرح والصعق بالكهرباء وغمر السجناء في المياه الساخنة.

في إحدى الحالات توفي شاب عمره 20 عامًا نتيجة لربطه من يد واحدة في مروحة السقف من الثامنة صباحًا حتى الرابعة مساءً. عرفت بتلك الحادثة من مواطن عراقي مقيم، كان ابن عمه هو الضابط المسؤول عن التعذيب. أخبرني أن ابن عمه لم يكن سعيدًا بالتعذيب، سألته غاضبًا: «لماذا إذًا لا يتوقف؟»، أجاب: «لأن بقية الضباط يراقبون، وإن قيل عنه في تقرير إنه رقيق سيفقد عمله، وربما حياته». 

أن يجدوا معك منشورًا يندد بالاحتلال كان سببًا كافيًا لاعتقالك. أفراد المقاومة الكويتية المسلحة كانوا يعدمون فور القبض عليهم. وبدءًا من سبتمبر، كان يُعدم من واحد إلى خمسة كويتيين على الأقل أمام بيوتهم، أمام أعين عائلاتهم، يوميًا.

عبد الله الدارمي، الذي كان مالكًا لوكالة سفريات، أُعدم لدوره في المقاومة. وفي حالة أخرى أعدموا رجلًا مسنًا يعمل مديرًا لإحدى الجمعيات التعاونية، لرفضه تعليق صورة لصدام في التعاونية. قبضوا على ستة أطباء كويتيين من المستشفيات وأعدموهم بتهم تتراوح بين إخفاء معدات طبية ثمينة وتقديم رعاية صحية لأفراد المقاومة الكويتية.

وحدث مع شيخ فلسطيني من الخليل عاش في الكويت لثلاثين عامًا أن قُتل في نقطة تفتيش بعدما قال للضابط: «جئتم باسم القومية العربية، لكنكم تسيئون معاملتنا. النظام السابق لم يعاملنا بهذا الشكل»، فقال له الضابط: «إذًا لا يعجبك الوضع؟»، فأجاب الرجل: «نعم»، فأطلق عليه الرصاص.

أكثر الفصائل العراقية رعبًا كانت المخابرات و«فصيلة الطوارئ» من قوات الشرطة، التي كان يرأسها ضابط قيل إنه يتلقى أوامره مباشرة من صدام حسين. كلا الفصيلتين ركزت أعمالها في بداية الاحتلال على ما يخص السجناء والسجينات الذين اعتقلوا بعد سقوط الكويت، لكن مع نهاية أغسطس صار وجودهم مكثفًا في المناطق الكويتية، بعد أن اتخذوا لأنفسهم مقرات من المدارس. أول ما رأيناهم كانوا في ملابس مدنية، يمشون في الشوارع برفقة قوات الجيش، وبسرعة صار من الواضح أن هؤلاء كانوا الأسوأ على الإطلاق، وأنهم مفوضين بالقتل.

في أسبوع الاحتلال الخامس وزع العراقيون نشرة تعليمات تقول: «أي بيت توجد في حوزته أعلام كويتية أو صور للأمير أو منشورات أو أسلحة، سيُحرق. أي هجوم على الجيش العراقي من أي بيت، سيؤدي لإحراقه وإحراق كل البيوت المحيطة به بالكامل». وعندما وُجد أربعة جنود عراقيين ميتين في مدرسة الرضوى، أحرقت القوات العراقية 18 بيتًا محيطًا بها، تعود ملكيتها لأرامل وعائلات كويتية محدودة الدخل.

في تلك الفترة صار العمل التطوعي هدفًا للقوات العراقية. أُجبر المتطوعون على مغادرة المستشفيات، وقال لهم العراقيون إنهم إن أرادوا التطوع فلينضموا للجبهة في مواجهة الولايات المتحدة. وفي نهاية سبتمبر صارت التعاونيات تحت السيطرة العراقية. وفي أكتوبر، اختفى الطعام من على الأرفف، وأُرسل كثير من المخزون إلى بغداد. وبالتدريج تحولت روح التفاؤل عند الناس إلى حالة من اليأس، نتيجة تأخر القرار الدولي بتحرير الكويت.

في سبتمبر، تعاظمت المأساة التي شكلتها نقاط التفتيش. صار الجنود متوترين بأصابع لا تنزاح من على الأزندة. ذات مرة، عندما قدمت بطاقة هويتي لأحد الجنود، فوجئ أني كويتي. عندما ضغط علي وضحت له أني كويتي من أصل فلسطيني.

بعد عدة اجتماعات شاركتُ فيها، قرر أساتذة الجامعة المقاطعة وعدم العمل تحت الدكتاتورية والنهب.

سألني جندي آخر إن كنت أحب الكويت، سألته إن كان يحب البصرة وبغداد، وعندما أجاب بنعم، قلت له: «أحب الكويت بالطريقة ذاتها، ولهذا أرغب في أن تغادروها بسلام». عندها، حاضرَنا الجنود لخمس دقائق عن الإمبريالية الأمريكية.

في مرة أخرى، مررت وزوجتي بنقطة تفتيش خالية في شارع دمشق، وقررنا المتابعة إلى أن سمعنا الصياح. يبدو أن الجندي كان يبحث عن عذر للشجار، خاصة عندما رأى في هويتي أني أستاذ جامعي، عندها فتح باب سيارتي الخلفي وشرع في التفتيش، ولِحظِّنا السيئ وجد كتيبًا كان في السيارة منذ شهور، تحوي صفحاته بعض الصور للأمير ورئيس الوزراء ولي العهد.

في غضب عارم ابتعد عن السيارة، وصوب إلي سلاحه وكان على وشك الإطلاق، عندها صرخت زوجتي: «ألا تستطيع القراءة؟ الكتيب عن برامج الأطفال». ظل في مكانه بسلاح مصوب إلينا، بينما يقرأ في الكتيب. عرفت أن الخطر قد مضى. أعاد لي الكتيب وأمرني بتمزيقه، وبعد قليل من التردد أخذت الصور من الكتيب دون تمزيقها. وعندما أمرني بإشعال النار فيها قلت له ليس معي ثقاب، فأخذ الصور مني وألقاها على الأرض وأمرني: «أذهب فورًا، في المرة القادمة سأطلق النار».

حاول العراقيون أن يجعلوا البلد يبدو طبيعيًا، عبر إجبار الناس على العودة لأعمالهم، على الأقل في المناطق العامة والقطاع البنكي، إذ حسبوا أنهم سيتحكمون في الأمور. عُين عراقيون في كل المراكز الإدارية والإشرافية، في كل الوزارات والهيئات الحكومية والبنوك. ونُشر مرسوم يأمر الجميع بالعودة إلى وظائفهم مع الأول من سبتمبر، أما من يمتنعون فسوف «يطردون من العمل وتتخذ إجراءات قانونية ضدهم»، ويخسرون معاشهم التقاعدي وحقوقهم القانونية. كان على الجميع، وفق القرار العراقي، التوقيع في قوائم بمجرد عودتهم للعمل، ما عُرف فورًا أنه طريقة عراقية للتحكم ووسيلة للضغط.

كنوع من العصيان المدني، رفض الكويتيون الانصياع؛ هكذا صار المجتمع الكويتي في إضراب شامل. عين الجيش مدير جامعة عراقيًا وعمداء لكل الكليات من العراق، ومورس ضغط هائل عبر المكالمات التلفونية والتهديدات المباشرة لتنفيذ افتتاح رمزي للجامعة في موعد أقصاه 16 سبتمبر. بعد عدة اجتماعات شاركتُ فيها، قرر أساتذة الجامعة مشاركة المقاطعة وعدم العمل تحت الدكتاتورية والنهب. عمَّ مثل هذا الرفض جميع أنحاء البلد، المقاطعة كانت شاملة. ولم يقدر العراقيون على إيجاد مواطنين محليين موافقين على التعاون وتنفيذ خططهم.

مثلما ذُكر من قبل، كانت ممارسات النهب من البداية صفة أساسية للاحتلال، لكنها تزايدت بكثافة في الشهر الثاني. كل ما له قيمة جرى تفكيكه وحملته الشاحنات، نُهبت أجهزة أساسية من المستشفيات، كما المنشآت الحكومية والمصانع والمراكز العلمية والميناء والمكتبات، ونُهبت المنطقة الساحلية المحيطة بمدينة الكويت بالكامل، حيث عاش الكويتيين والفلسطينيين والأجانب. غادرت الكويت كل ليلة قوافل الشاحنات متولية صوب العراق، وملأت أسواق بغداد المنتجات الكويتية بما فيها زجاجات البيبسي المكتوب عليها «أبقِ الكويت نظيفة».

نُهبت الجامعة أيضًا. ذهب بعضنا لتفقدها ووجدنا مساكن الطلاب في حالة فوضى؛ الأثاث مقلوب والحواشي مقطوعة والخزانات مكسورة بأعقاب الكلاشنيكوف، وصور العائلات مقطوعة. حتى الكتب مُزقت. جمع الطلاب أنفسهم، ومعظمهم من الفلسطينيين، في واحد من المباني الخمسة واستطاعوا حمايته، فقط ليستيقظوا في الليل فزعين على اقتحام الجنود غرفهم سائلين إياهم الطعام وأجهزة الراديو. 

عندما ذهبتُ مع زوجتي لاستعادة أثاثنا ومكتبتنا الخاصة من سكن الجامعة، قبل موعد الافتتاح النهائي وقبل إعلان المقاطعة، كنت على يقين أنهم سيصادرون كل ما هو متوفر في الشقة الجامعية بعد أن يعلموا بمقاطعتي ومقاطعة الزملاء. كان علينا أن نجيب أسئلة رئيس الجامعة العراقي الجديد واثنين من عمدائه أمام فوهات الأسلحة، مفسرين لماذا نأخذ متعلقاتنا، ومثبتين أننا نملكها.

على المستوى المؤسسي، سُرقت السيارات وأجهزة الكمبيوتر من حرم جامعة الكويت في منطقة الشويخ، ودُمرت ملفات الأقسام، وسُرقت مكتبة القانون الجديدة، مع تمزيق الكتب الإنجليزية، ونثروا الحبر على صفحات الكتب.

حدث نهب وتدمير مماثل في حرم الجامعة بالخالدية. كان للنهب أنواع؛ بعضه كان بتنسيق الإدارة المحلية العراقية، وبعضه كان بأوامر من بغداد (مثلًا، كل حافلات وزارة النقل الكويتية ووزارة التعليم نُقلت إلى بغداد). بعض المسروقات كان للجنود والضباط العراقيين المسؤولين على الأرض (مثلًا، كل محتويات قصر بيان المستخدمة للمؤتمرات نهبها ضباط عراقيون بالتعاون مع ضباط أعلى منهم رتبة).

ساد الاعتقاد أن عائلات الجنود في القرى العراقية أو في بغداد انتظرت من أبنائهم العودة إلى البيت محملين بالمسروقات المنهوبة، مثل أجهزة الراديو والفيديو والساعات والذهب وما إلى ذلك.

اتصفت فترة الاحتلال بوفرة القرارات الجديدة. في الجزء الأخير من أغسطس، كان على الكويتيين استخراج لوحات سيارات جديدة أو المخاطرة بالتعرض للعقاب وعدم القدرة على التنقل. بالطبع سيضطر البعض لذلك، بينما سينجح البعض الآخر في التوقف عن استخدام سيارته. ثم صدر قرار جديد يجبر غير الكويتيين على فعل نفس الشيء، وإلا لن يُسمح لهم بأخذ سياراتهم خارج البلد. وصدر قرار في أكتوبر يحتم على الكويتيين تغيير بطاقات هويتهم لبطاقات عراقية قبل 25 نوفمبر. وقد قاوم الكويتيون هذه الإجراءات وراهنوا على سرعة نهاية محنتهم. وفي الوقت ذاته كان على غير الكويتيين أن يقدموا على هويات جديدة وإلا تعرضوا للترحيل. 

مثل تلك الإجراءات تضمنت أحيانًا الانتظار في الطوابير لفترات تصل إلى 16 ساعة، ناهيك بالتعرض للإهانة في المقابلات الشخصية. وفي النصف الثاني من أكتوبر انتشرت شائعة مفادها أن الكويت ستصبح محل إقامة للأكراد بعد ترحيل الكويتيين لمكان قريب من البصرة، وخاف الجميع من إجبارهم على التجنيد في الجيش العراقي.

في 22 أكتوبر، بدأت إدارة علي حسن المجيد في إجراء إحصاء. أراد العراقيون معرفة كم عدد من تبقوا في الكويت، ورغبوا في حصر ممتلكات من رحلوا. وعندما حاول الكويتيون والفلسطينيون بيع أدوات تعود لشركاتهم خوفًا من تعرضها للسرقة، أخبرتهم القيادة العسكرية المحلية أنها تمتلك الآن ما كان ما يعود للشريك الغائب، فأثار هذا رعب الجميع.

ضربة أخرى مؤلمة جاءت مع الإعلان العراقي في نهاية أكتوبر بحظر الدينار الكويتي، وتحويل الدينار العراقي إلى العملة الرسمية في الكويت. كان هذا يعني هبوط قيمة حسابات الأفراد البنكية بين عشية وضحاها إلى 1 على 12 من قيمتها الأصلية. وعلاوة على ذلك، كان أقصى مبلغ سُمح بسحبه من البنوك 250 دينارًا في الأسبوع، ما يعني خسارة كاملة.

مواضيع مشابهة