ينشُد نظام بشار الأسد، مدعومًا بالسياسة الدولية الروسية، إلى كسب رهان ملف عودة اللاجئين السوريين في الأشهر المقبلة، فتتحرك روسيا عبر وزارة خارجيتها لإنشاء مقر تنسيقي لتسهيل عودة اللاجئين، بالتعاون مع حكومة الأسد في دمشق، بينما يعلن النظام السوري عن تشكيل هيئة تنسيق لعودة المهجَّرين إلى مدنهم وقراهم التي فروا منها نتيجة الحرب التي بدأت قبل سبع سنوات.
وتحاول روسيا إجبار الدول الكبرى (المعنية بملف سوريا، لا سيما مسألة اللاجئين) على تقبل النظام السوري كطرف أساسي في الحل بالنسبة إلى القضايا العالقة في الأزمة السورية. إذ يعد ملف المهجرين السوريين من أكثر الملفات المتأزمة على أروقة القضية السورية، خصوصًا أن مئات الآلاف من اللاجئين وصلوا إلى دول أوروبا، ناهيك بالملايين المقيمين في الدول المحيطة بسورية، مثل لبنان والأردن وتركيا، حيث يزيد عدد اللاجئين السوريين عن 7.1 مليون لاجئ في آخر إحصائيات المفوضية العليا لشؤون اللاجئين.
على الرغم من المحاولات الروسية الساعية لإعادة اللاجئين في أقرب وقت ممكن، فإن نحو 1800 لاجئ فقط عادوا إلى سوريا منذ بداية 2018، بحسب مفوضية اللاجئين التي أكدت أن 17 ألف لاجئ فقط عادوا منذ بداية 2016، ما يؤكد أن كثيرًا من المعوقات تحيط باللاجئين الساعين إلى العودة، خصوصًا في ما يتعلق بالضمانات التي تسمح لهم بالعودة، لا سيما مسألة الأمن وعدم الملاحقة أو الاعتقال التعسفي والمحاكمات الميدانية وغيرها من التصرفات العدوانية الممنهجة التي كانت سببًا في لجوء كثير منهم، إضافة إلى الحرب الدائرة التي أدت إلى دمار مدنهم وقراهم.
انعدام الثقة
لا يعتقد وليد الأغا، الصحفي السوري اللاجئ في تركيا والمعارض لنظام الأسد، أن هناك ثقة في تصريحات النظام أو روسيا حول تأمين سلس لعودة اللاجئين. ويؤكد لـ«منشور» عدم اعتقاده بوجود حل قريب يرضي مختلف فئات اللاجئين السوريين. يوضح الأغا الذي خرج من سوريا قبل شهرين بعد إخلاء الغوطة الشرقية في ريف دمشق، التي كان يعمل فيها صحفيًّا لعدة جهات إعلامية، أن المخاوف الأساسية من النظام تتعلق بأمن وسلامة العائدين، إذ لا يستطيع أحد ضمانها لهم، خصوصًا أن الضامن الروسي شريك النظام في قتله السوريين، بحسب وجهة نظر شريحة كبيرة من السوريين الذين اضطرهم قصف الطيران الروسي إلى الهروب من بيوتهم المدمرة.
يعدد الأغا الأسباب التي تدفعه إلى عدم القبول بالحياة تحت حكم النظام مجددًا ، مشيرًا إلى أنها سياسية بالدرجة الأولى، من ناحية عدم تقبله وتأقلمه مع نظام يقتل شعبه، إضافةً إلى مخاوفة المتعلقة بسلامته الشخصية كصحفي معارض للنظام، باعتباره ناشطًا صحفيًّا ضد حكم الأسد منذ بداية الثورة حتى خروجه من سوريا، مؤكدًا أن أي اتفاق بين الدول سيؤدي إلى عودة سلبية للاجئين، بمعنى أن دولًا معينة ستُولي مصالحها الأهمية الأولية على حساب سلامة اللاجئين العائدين منها إلى المجهول في بلادهم.
قد يعجبك: لماذا يسير الأسد مطمئنًّا؟
طروحات دولية ناقصة
تحمل الأردن عبئًا لا بأس به في ملف اللاجئين، فتؤكد أنها لن تجبر السوريين على العودة، إلا في حالة إيجاد حل مناسب وبيئة مستقرة لعودة طوعية لهم.
في الأثناء، ترتفع وتيرة المحادثات الروسية مع الدول المعنية بمسألة اللاجئين السوريين، لاسيما الدول المحيطة بسوريا، إذ تؤكد ضرورة إنشاء مراكز لتسجيل الراغبين في عودة اللاجئين إلى بلادهم، إلا أن هذه التفاهمات تأتي ناقصة دومًا، نتيجة رغبة بعض هذه الدول في إنهاء كامل للملف، بكل حيثياته الأمنية والضمانية، خصوصًا في ما يتعلق بمصالح اللاجئين وعدم التعرض لهم في مناطق سيطرة النظام السوري.
ففي ظل ترحيب من لبنان التي سلمت ملف العائدين إلى حزب الله اللبناني، المعروف بمساندته لنظام الأسد، بفكرة إعادة اللاجئين، يبدو أن خطة تركيا، المعنية بأكثر من مليوني لاجئ في أراضيها، لكسب معركة إعادة اللاجئين المقيمين فيها، ستتمحور حول توسيع مناطق درع الفرات الذي يعد أماكن آمنة تركية، تخضع للجيش التركي بالتعاون مع فصائل من الجيش السوري الحر، المعارض للنظام.
في الوقت ذاته، تخشى تركيا من معارك جديدة للنظام السوري في شمال سوريا، لاسيما مدينة إدلب وريفها، الأمر الذي قد يؤدي إلى موجة نزوح جديدة للسوريين المقيمن هناك، وهو ما ترفضه أنقرة.
أما بالنسبة إلى الأردن التي تحمل عبئًا لابأس به في ملف اللاجئين، فتؤكد عبر وزير خارجيتها أيمن الصفدي، أن بلاده لن تجبر السوريين على العودة، إلا في حالة إيجاد حل مناسب وبيئة مستقرة لعودة طوعية لهم، تمنحهم الأمن والكرامة والاستقرار. في حين تشير المفوضية العليا لشؤون اللاجئين إلى عدم وجود أي تنسيق حالي مع الدول المعنية باللاجئين السوريين على إعادتهم إلى سوريا في الوقت الراهن.
إلى أين سيعودون؟
الضمانات الروسية لعودة اللاجئين لا قمية لها في الوقت الحاضر، خصوصًا أن الأسد سيسعى للتشفي من العائدين إلى سوريا من معارضيه.
يستبعد طالب غنوم، اللاجئ السوري إلى السويد، إمكانية عودة اللاجئين السوريين في الوقت الحالي، مشيرًا إلى أن السؤال الذي ستبادر لذهن كثيرين منهم عند طرح هذه الفكرة: «إلى أين سنعود؟».
يؤكد غنوم أن كثيرًا منهم فقدوا منازلهم و أماكن عملهم ودمرت مدنهم وقراهم، وعليه، فإن أي طرح لفكرة عودة اللاجئين يتوجب معه التأكيد على ضمانات اقتصادية بتأمين عمل ومسكن للعائدين، ناهيك بضمان الأمن وعدم التعرض لهم من النظام السوري، وهو ما لا تستطيع روسيا أو أي دولة أخرى ضمانه من نظام الأسد في رأيه.
يقارن غنوم ملف اللاجئين بملف المعتقلين الذين لم تستطع أي دولة، ومن ضمنهم روسيا، التأثير في نظام الأسد لإخراجهم قبل أن تخرج وثائق موتهم من المعتقلات. من جهة أخرى يؤكد طالب، وهو لاجئ صحفي، أن رحيل الأسد لن يكون حلًّا لعودة اللاجئين، منوهًا بأن النظام الشمولي في سوريا لا يتوقف عند الأسد كشخص، بل هو منظومة قمعية قائمة على الاستبداد وسرقة حرية السوريين وتحويل سوريا إلى معتقل كبير لكل السوريين.
قد يهمك أيضًا: هل يحاول الأسد التخلص من ملف المعتقلين؟
تؤكد المعارضة السورية أن ضمانات عودة اللاجئين السوريين لا قمية لها في الوقت الحاضر، خصوصًا أن نظام الأسد سيسعى للتشفي من العائدين إلى سوريا من معارضيه، إذ تعتقد المعارضة أن هروب رياض الترك من سوريا ووصوله إلى فرنسا قبل أيام، وهو أكبر المعارضين السوريين لنظام الأسد، واعتقل أيام حافظ الأسد لمدة 18 عاما، أكبر دليل على عدم الثقة في وعود النظام، الذي قد ينقلب على السوريين بعد عودتهم، خصوصًا أنهم يرون أن الضامن الوحيد له من بين اللاعبين الدولين، داعم للنظام في أساس الأمر، وشريك له في تشريد السوريين وقتلهم خلال السنوات الماضية.
تشدد المعارضة أيضًا على أن فكرة دعم النظام لعودة اللاجئين، ما هي إلا مماطلة جديدة ومحاولة لكسب ثقة المجتمع الدولي، قبل رفض جميع المقترحات بأمن السوريين داخل بلادهم، الأمر الذي سيعرِّض العملية الخاصة بانتقال السلطة إلى الانهيار، وما يترتب عليها من تهديد لحياة الملايين من السوريين العائدين إلى بلادهم.