خلال حكم الشاه، كان الإيرانيون مستاؤون من المحسوبية والجماعات والأُسَر التي تحيط به وتستحوذ على أمور السياسة والاقتصاد، وعندما اندلعت الثورة وأتى الخميني حاول أن لا يكرر الأمر نفسه، وادّعى النظام الجديد أن العلاقات الأسرية والشخصية انتهت، لكن يبدو أن هذا لا ينطبق على عائلة لاريجاني.
«الإخوة لاريجاني يعيشون كالآلهة ونحن لا نجد ثمن الخبز»، كان هذا واحدًا من ضمن الشعارات التي رفعها المتظاهرون في إيران في موجة الاحتجاجات التي عمت البلاد في 28 ديسمبر 2017، لكن مَن الإخوة لاريجاني؟
آية الله العظمى هاشم آملي لاريجاني هو الأب الكبير، كان من أشهر رجال الدين أيام الشاه، ومثل كثيرين، هرب من إيران إلى مدينة النجف في العراق لتعرضه للاضطهاد من النظام، لكنه رغم هروبه ظل يتمتع بعلاقات قوية برجال الدين في مدينة قم الإيرانية.
بعد اندلاع الثورة عادت عائلة لاريجاني إلى إيران، وأصبح أبناء هاشم، الأشقاء الخمس «لاريجاني»، المحرك الأساسي للسياسة الداخلية والخارجية لإيران في عهد خامنئي.
لم يلعب الأشقاء أي دور في الثورة الإيرانية، لكنهم بذلوا مجهودًا كبيرًا في التقرب إلى رجال الدين المسيطرين على الحكم، والدخول في الدائرة الآمنة التي تحيط بخامنئي الآن، وأشهر هؤلاء الخمسة علي وصادق لاريجاني.
علي لاريجاني: اللاعب الأساسي في سياسة إيران الخارجية
اكتسب علي لاريجاني ثقة المرشد الأعلى خامنئي فجعله مستشاره الخاص، وأصبح المحرك الأساسي لسياسة إيران في سوريا، وعن طريقه دعمت إيران بشار الأسد.
وُلد علي لاريجاني عام 1957 في مدينة النجف العراقية، ودرس الرياضيات ثم أكمل دراسته في الفلسفة، وعاد إلى إيران بعد الثورة ليخدم في الحرس الثوري.
تزوج ابنة أحد آهم آيات الله العظمى في إيران، سيد مطهري، في عام 1992 أصبح وزيرًا للثقافة والإرشاد الإسلامي، ويصف بعض الإيرانيين تلك الفترة بأنها أسوء أيام الثقافة في بلادهم، إذ مُنع نشر كتب المثقفين، خصوصًا الإصلاحيين، وكذلك مُنعوا من الظهور في وسائل الإعلام الإيرانية.
وفي 1994 عينه خامنئي رئيسًا لهيئة الإذاعة والتلفزيون، إحدى أهم المؤسسات الحكومية في إيران، فلم يخيب أمل خامنئي فيه، واستطاع بكل سهولة أن يحول تلك الهيئة إلى منبر لرجال التيار المحافظ من جانب، ومن جانب آخر استعملها لتشويه سمعة الإسلاميين والمعارضين بمختلف انتماءاتهم السياسية.
خلال تلك السنوات اكتسب علي لاريجاني ثقة المرشد الأعلى، فجعله مستشاره الخاص لأمور السياسة الخارجية.
رضا عباسي، أستاذ العلوم السياسية في جامعة الإمام الخميني، يوضح لـ«منشور» أن «علي لاريجاني هو المحرك الأساسي لسياسة إيران في سوريا خاصة، فدعم إيران لبشار جاء بتأييد من علي، وحتى علاقة إيران بتركيا من يحركها في الأساس حتى الآن هو علي لاريجاني».
في عام 2005، سيأخذ علي لاريجاني دورًا أكبر من مجرد السيطرة على الإعلام، إذن سيعين رئيسًا للمجلس الأعلى للأمن القومي، ورئيسًا للفريق النووي المفاوض.
تبنّى لاريجاني لهجة العداء للغرب، واستراتيجية مبنية على عدم تنازل إيران عن أيٍّ من ملفاتها النووية مقابل الفتات الذي تقدمه الدول الأوروبية، وفقًا لتأكيد الصحفي الإيراني «سيماك تاغ زاده»، لذلك لم يتوصل الفريق المفاوض في عهد إلى نتيجة ملموسة. وفي 2008، ترك علي كل تلك المناصب ليتفرغ لرئاسة البرلمان حتى الآن.
يحكي سيماك لـ«منشور» أنه «كان هناك صحفي إيراني مستقل يعمل على ملفات الفساد في العاصمة طهران، واستطاع التأكد من تورط علي لاريجاني ورجال من الحرس الثوري في الاستيلاء على المباني الأثرية في المدينة لتحويلها إلى مراكز تجارية كبيرة، لكن الأمر سرعان ما انتهى بعدما تلقى الصحفي الشاب تهديدات، وهو الآن هارب منذ أكثر من خمس سنوات».
صادق لاريجاني: الأخ الأكثر إثارةً للجدل
ولد صادق لاريجاني عام 1960، وهو الوحيد بين أشقائه الذي درس العلوم الشرعية في مدينة قم، وفي عام 1980، عُيِّن محاضرًا للدروس الدينية للحرس الثوري.
استطاع صادق لاريجاني أن يكون الأخ المفضل والأقرب من عائلة لاريجاني إلى خامنئي، فعينه في 2001 عضوًا في مجلس صيانة الدستور، رغم معارضة كثير من رجال الدين لافتقار صادق للمؤهلات العلمية والدينية التي تجعله جديرًا بهذا المنصب.
يؤكد رضا عباسي أن خامنئي اعتمد على صادق لاريجاني في كثير من الأمور المتعلقة بقمع المعارضين، فقد عينه رئيسًا للهيئة القضائية بعد أشهر من اندلاع أحداث 2009 (الحركة الخضراء)، ليصبح أصغر رئيس للهيئة القضائية، ولعب دورًا مهمًّا في قمع المتظاهرين والتنكيل بالمعتقلين، بالتصديق على الأحكام السيئة التي صدرت في حقهم آنذاك.
أصبح صادق أداة خامنئي في القضاء للتنكيل بالمعارضين والصحفيين، ونظرًا لانتهاك القضاء الإيراني كثيرًا من حقوق الإنسان، فرض الاتحاد الأوروبي عام 2012 عقوبات على صادق شخصيًّا، وهو ما فعلته أمريكا كذلك في 2018، إذ فرضت عقوبات جديدة عليه لمساعدته الأمن في قمع المظاهرات الأخيرة، وتعذيب المعتقلين وتعريضهم لعقوبات قاسية.
يروي الصحفي الإيراني علي (اسم مستعار) أنه في 2010 كان يغطي بعض الاحتجاجات في مناطق الأهواز اعتراضًا على تلوث الهواء: «خلال الاشتباكات ألقى الأمن القبض علي، وعُرضت على المحكمة واتُّهمت بمحاولة تشوية سمعة إيران والتصوير دون تصريح، وعندما تواصلت مع المحامي الخاص بي قال إن الأمر ميؤوس منه لأن رئيس القضاء بشخصه أصدر تعليمات بمعاقبة كل من كان موجودًا في المظاهرات، حتى الصحفيين، بعقوبات صارمة، وقد كان، فقد حُكم عليّ بالسجن لخمس سنوات».
هجوم أحمدي نجاد
لا حصر لأعمال عائلة لاريجاني التجارية، لا يوجد أى مشروع استثماري لا يشتركان فيه، ولا يمكن لأحد محاسبتهم لأنهم يحظون بحماية رأس النظام.
منذ أن منع خامنئي أحمدي نجاد من الترشح للرئاسة مرة أخرى، خصص نجاد كل وقته للعداء مع عائلة لاريجاني، خصوصًا صادق، واتهمهم بالفساد والتربح من مناصبهم، لكن الصدمة الأكبر كانت اتهامه زهراء صادق لاريجاني بالتجسس لصالح السفارة البريطانية في إيران.
صادق لاريجاني اتهم نجاد بالجنون، وبأنه يحاول لفت الأنظار إليه مرة أخرى بتشوية سمعة إيران، وبرهن صادق على براءة ابنته متسائلًا: «كيف يمكن لزهراء أن تسرب معلومات بتلك الحساسية دون أن يعلم جهاز حماية المعلومات السرية في الحرس الثورى عنها شيئًا؟».
بعض المسؤولين الإيرانيين طالبوا المرشد بالتحقيق مع زهراء لكنه لم يستجب، وبعد شهر خرج وزير الاستخبارات محمود علوي ليؤكد أنه لا يوجد أحد من عائلة لاريجاني قيد الاعتقال، دون أن يقدم شرحًا لما حدث.
الصحفي الإيرانى سيماك يوضح أن «عددًا من الإيرانيين يصدقون تلك الشائعة، نظرًا لتورط عائلة لاريجاني في كثير من الأمور مع السفارة البريطانية، وقد كثر الحديث عن علاقتهم بالإنجليز، لكن لا أحد يعلم حتى الآن حقيقة الأمور».
يرى سيماك أن اتهامات نجاد بتورط العائلة في الفساد «حقيقية، ويعلمها أغلب الإيرانيين، فالأعمال التجارية لعائلة لاريجاني لا حصر لها ولا عدد، ولا يوجد أي مشروع استثماري في إيران ليسوا شركاء فيه، لكن لا يستطيع أحد محاسبتهم، فهم فوق القانون ويحظون بحماية رأس النظام».
ازداد نفوذ عائلة لاريجاني لدرجة أن هناك توقعات كثيرة بأن منصب المرشد العام للثورة الإيرانية، حال وفاة خامئني، سيذهب إلى أحد أفرادها. لم تستطع أي عائلة في إيران أن تستحوذ على مناصب وتمتلك قوة مثلما فعلت عائلة لاريجاني.
ومثل أي عائلة تصل إلى هذا القدر من النفوذ والسلطة، أصبح مصير أفرادها مرتبطًا بمصير النظام ارتباطًا وثيقًا، وأصبح الناس يذكرونهم في احتجاجاتهم ضد النظام، وهو ما يضطر عائلة لاريجاني إلى حماية النظام حتى النهاية بكل قدراتها.