«بعد السجال الذي تم بين النائب محمد المطير وصفاء الهاشم، ونوعية الحوار ومستواه، حان الوقت لإعادة النظر في دور المرأة السياسي، ومراجعة مسيرتها البرلمانية وتجربتها المتواضعة، والبحث لها عن دور أكثر فاعلية وإنتاجًا ونفعًا للمجتمع».
هذا ما صرح به النائب السابق مبارك الدويلة على تويتر، فامتلأ حسابه بالتعليقات من المتابعين، حول اختزال تجربة المرأة السياسية في سجال صفاء الهاشم، بينما يتقاذف النواب الرجال بالنعل والشتائم والإشارة بأصابع اليد.
ليس الدويلة وحده المختزِل للتجربة السياسية للمرأة في العدد الصغير من النائبات والوزيرات، فالنقاشات تدور بشكل كبير بين أوساط المهتمين بالسياسة حول عدم تقديم النساء السياسيات لأي إضافة حقيقية للمشهد السياسي. هذه النقاشات منطقية وتشير إلى نقاط يجب أن تتحول لإعادة قراءة التواجد السياسي للمرأة ومراجعة الأسس التي يقوم عليها.
«السستم عطلان»: بنية النظام السياسي
تأسس النظام السياسي في الكويت على دستور قُصد منه أن يكون مؤقتًا، بحيث يعدل بعد خمسة سنوات من إصداره، كانت غاية ذلك التجربة ومعرفة المثالب وتصحيحها، لكن الدستور استمر ستين عامًا دون أن يتغير، حتى بعد تطور المتطلبات السياسية والاجتماعية والاقتصادية للدولة، وظهور مثالب ومشكلات تحتاج الكويت لتجاوزها، أهمها ما أنتج من نظام سياسي وبرلماني على أساس هذا الدستور، الذي تبين عدم قدرته على مواكبة العالم الحديث وتطور المجتمع المتطلع لتقدم ديمقراطيته، فاستمرت الدولة منذ استقلالها حتى الآن تسير على نظام برلماني أعرج عجوز غير قادر على التطور.
فكيف تأثر الحضور السياسي للمرأة في هذه البنية الضعيفة للنظام؟
منذ عشرات السنوات والاستقطابات والتنازعات حول قضايا سياسية تتعلق بإدارة الدولة تتسيد العمل السياسي، ومنذ إقرار حقوق المرأة السياسية في 2005، دخلت النساء في الدوامة نفسها، طرح قضايا أو اقتراح قوانين غير شعبوية أو ليس لها صدى عالٍ عند الناس غير ممكن إقرارها، بخاصة مع عدم وجود تنظيمات حزبية يمكنها التضامن لإقرار القوانين بحسب برامجها وتوجهاتها.
النائب في البرلمان غير المنظم يحتاج خلق تحالفات مع بقية النواب لتُقر مقترحاته، هذه التحالفات تُبنى على أسس العرض والطلب، أي تقديم خدمات أو وعود مقابل التحالف والتضامن للتصويت حول مقترح ما، صعوبة التحالفات بالنسبة للنائبات تكمن في نقطتين مهمتين:
أولًا عدم الخبرة، قلة خبرة النساء في العمل البرلماني تصعب عملية خلق التحالفات، قلة الخبرة هذه وجدت بسبب تهميش المرأة من السياسة لسنوات طويلة منذ تأسيس الدولة، والنقطة الثانية التي ترتبط بالنقطة الأولى هي التهميش المباشر للنائبات مما يصعب التحالفات بشكل أكبر، وعدم القدرة على التعاون مع بقية النواب لإقرار مقترحات بقوانين أو غيرها مما يتطلبه العمل السياسي البرلماني، التهميش المباشر إما لأسباب رفض مشاركة النساء في العمل البرلماني بخاصة لدى النواب أصحاب التوجهات الإسلامية، أو رفض الاحتكاك بالزميلات النائبات لاعتبارات اجتماعية منغلقة.
من أمثلة ذلك ما حدث مع النائبتين جنان بوشهري حين اجتمع النواب في ديوان حمد المطر للعمل على التنسيق في ما بينهم، ولم تُدع بوشهري بل تلقت اتصالًا من المطر للاكتفاء بالأخذ برأيها هاتفيًا، وعدم حضورها التجمع النيابي الذي يحصل فيه النقاش والتنسيق والتنظيم، هذا المثال من أوضح الأمثلة على التهميش المباشر للنساء، الذي يُنتج عدم القدرة على الإنجاز وعدم القدرة على تطوير الخبرات السياسية.
عدم وجود أحزاب تنظم العمل السياسي له الأثر الأكبر على قدرة النساء على الإنجاز، وجود الأحزاب قادر على صقل الخبرات وتدريب الكوادر النسائية ودفعها نحو العمل السياسي الاحترافي، إضافة إلى القدرة على تمرير قوانين ومقترحات دون الحاجة لصنع تحالفات مع أشخاص لا يرغبون بوجود النساء من الأصل.
لكن هل هذا فقط لب المشكلة؟ هل النظام السياسي وحده الذي يمنع النائبات من التقدم في العمل السياسي؟
«يطلع من بطنك دود ياكلك»
قلة خبرة السياسيات والتهميش عاملان مهمان بطبيعة الحال، لكن لبعض النائبات خلفية سياسية جيدة، إذ أن العمل السياسي لا يقتصر على الترشح والتصويت في انتخابات مجلس الأمة، فقد شاركت بعض النائبات في التشكيلات الحكومية مثل جنان بوشهري ومعصومة مبارك وذكرى الرشيدي، وأخريات كان لهن عمل سياسي في الانتخابات الجامعية والتيارات السياسية، مثل أسيل العوضي ورولا دشتي، ما شكل لديهن خبرة جيدة إلى حد ما في العمل السياسي.
إذا ما تجاوزنا صعوبات العمل السياسي التي ذكرناها سابقًا حول بنية النظام، هل اهتمت النائبات بما يتعلق بحقوق المرأة بشكل كافٍ؟ هل ساهمن في توسيع رقعة المشاركة النسائية في العمل السياسي؟ ما الذي قدمنه للنساء في الكويت؟
النائبة السابقة صفاء الهاشم تعنصرت ضد النساء المهاجرات في الكويت، وطالبت بحرمانهن من حقوقهن في الولادة في المستشفيات الحكومية، أو على الأقل تصعيب هذه العمليات، ورغم تصريحات بعض النائبات واقتراحهن لقوانين تخص المرأة، فإنها لم تكن ذات أثر فعلي.
يشير هذا إلى خلل في اهتمامات النائبات الجاد بحق الأقلية النسائية، (والأقلية تطلق على الشريحة الأقل قوة وحضورًا في الإدارة السياسية والاقتصادية والمجتمعية لا العدد)، بالطبع لا يجب أن تحصر اهتمامات النائبات بالقضايا النسائية دونًا عن القضايا الأخرى المهمة، لكن بسبب قلة تمثيل النساء واعتبارهن أقلية، كان من الواجب أن تكون حقوق المرأة من أولويات السياسيات والعمل الفاعل لمصالحها، بخاصة مع ابتعاد النواب الرجال عن هذه القضايا إلى حد ما.
أعداد الناخبات من النساء في الكويت يفوق أعداد الرجال في كل الدوائر الانتخابية، ما عدا الدائرة الخامسة التي تتساوى فيها أعداد الذكور بالإناث بنسبة 50% ورغم ذلك يصل إلى المجلس عدد أكبر من الرجال وأحيانًا يخلو المجلس من النساء، ربما يدل ذلك على قلة الثقة بالمرأة السياسية وأدائها، بسبب ما قد يعتبره البعض انحدارًا في الأداء السابق لبعض النائبات، وبسبب عوامل أخرى سنذكرها لاحقًا.
لكن يُطرح هنا سؤال مهم، هل من العادل أن نحكم على النساء جميعًا بسبب عدد صغير من النساء وصلن إلى البرلمان؟
خلال أكثر من ستين عامًا فشل العديد من النواب الرجال في الإنجاز والقدرة على محاربة الفساد وتنمية الدولة ومحاسبة الفاسدين والمخطئين، ومازالت الدولة في طريقها إلى الانهيار، ولم ولن يكون من العادل أن يُحكم على الرجال جميعًا بفشلهم في العمل السياسي، بل إننا نطلق على سيئي الإدارة أنهم إداريون فاشلون وسياسيون فاسدون، لا رجال فاسدين ولا رجال فاشلين.
لا يُنظر إلى جنس السياسي حين يكون رجلًا بل ينظر لعمله (أو هُوياته الأخرى كعرقه ومذهبه) لكن إذا ما كانت السياسية امرأة، فينظر إلى جنسها، واعتبارها مثالًا للنساء جميعًا، إن نجحت فالنساء ناجحات وإن فشلت فالنساء فاشلات. إنّ خطأ رجل لا ينسحب على كل الرجال فلماذا تنسحب أخطاء امرأة على كل النساء؟
كيف إذن نقيم التجربة السياسية للمرأة؟ وهل يقتصر العمل السياسي على الوصول لمقعد البرلمان؟
التجربة والعراقيل
السؤال نفسه يحتاج لإعادة صياغة، لماذا أسميناها تجربة؟ هل هي مسألة مؤقتة تحتاج لتقييم وإذا ما فشلت توقف؟ هل هي استثناء على قاعدة العمل السياسي؟ حين تُعاد صياغة السؤال نكون قد وضعنا المرأة في سياقها السياسي الصحيح، اللغة مهمة في التعبير عن مركز وأهمية التواجد في الساحة.
لتقييم ما سمي بالتجربة، يجب أن يكون هناك حضور نسائي كبير لمعرفة الأبعاد والثغرات، الحضور النسائي الحالي أقل من أقل حالاته المفترضة، مع العدد الكبير من النساء في الكويت، في هذه الحالة فهناك صعوبة شديدة في تقييم العمل السياسي للنساء.
إذن، ما الذي يمنع النساء من المشاركة بشكل أكبر في العمل السياسي؟ هناك عوامل عدة اجتماعية وسياسية واقتصادية تعرقل دخول المرأة بشكل أكبر في الساحة السياسية، فرغم تطور المجتمع في تقبله لتواجد المرأة في هذا المجال، فإن العراقيل الاجتماعية مازالت كبيرة، هناك شرائح اجتماعية ترى أن هذا عمل رجالي لا تصلح المرأة للعمل به، وترفض هذه الشرائح أيضًا العمل المختلط مع الرجال بخاصة حين تكون المرأة محط اهتمام وسائل الإعلام.
وقد تُضفى على ذلك صبغة دينية مثل فتوى عميد كلية الشريعة السابق وعضو لجنة الإفتاء الدكتور محمد الطبطبائي، بوجوب طاعة الزوج إذا طلب من زوجته التصويت لمرشح معين، ويكون طلاقها صحيحًا إذا وقع بسبب تصويتها لمرشح لا يرغب به الزوج.
من الموانع الاجتماعية أيضًا هو خوف العائلة من تعرض النساء المشاركات في العمل السياسي للسب والقذف، الذي سيعتبرونه إهانةً لشرف العائلة وأمرًا غير محتمل في المحيط الاجتماعي لهم، ومع قدرة الرجال على منع النساء من اتخاذ القرارات المستقلة في هذا الشأن، فتحجيم مشاركتهن واردة بشكل كبير، دون أن نغفل هنا عن الشرائح الأخرى الأكثر انفتاحًا ودعمًا للنساء العاملات في هذا المجال، إلا أنها ليست بالانتشار الكافي.
أضف إلى ذلك أن البنية الاجتماعية والتربوية للمجتمع لا تعطي المساحة والمشاركة الكافية للفتيات في الدخول في المناقشات أو تعلم الحوار وإبداء الرأي في الأمور العامة، تربية المجتمع للفتيات تختلف عن تربية الأولاد، وهو ما يخلق فروقات في تكوين الشخصية المبادِرة والحاضرة والمبدية للرأي في الشأن العام، بخاصة مع وجود مساحات يتعلم منها الأولاد طرق الحوار العام وما يدور في المشهد السياسي مثل «الديوانيات» وانعدام مثل هذه المساحة لدى الفتيات.
أما بالنسبة للعوامل السياسية فتحتاج الدولة والسياسيون إلى إدخال المرأة بشكل أكبر في الشأن السياسي، فالخطاب الذي يوجهه المرشح الرجل في ندواته الرجالية يختلف عن الخطاب الذي يوجهه للنساء في الندوات النسائية، يتناول العديد من المرشحين الرجال قضايا الدولة وإدارتها وصراعاتها وأقطابها والشؤون الاقتصادية والأزمات في الندوات الرجالية، بينما في الندوات النسائية فيكون الخطاب خاصًا بقضايا المرأة، مثل تجنيس أبناء الكويتيات والوظائف وغيرها، هذا الخطاب المختلف يعبر عن عدم اعتبار النساء جزءًا من إدارة الدولة، ويعتبِر المرأة لا شأن لها بالإدارة العامة والقضايا الكبرى، وأن اهتمامها محصور بشأنها الخاص.
إدماج النساء يبدأ بإدخالهن في القضايا السياسية العامة، لا يعني هذا أن طرح قضايا المرأة في الندوات السياسية أمر معيب، بل هو مرغوب، لكن ماذا عن القضايا الكبرى وإدارة الدولة؟ فإغفالها يحصر المرأة في قضايا محددة دون الأخرى ولا يشملها في الشأن السياسي الأكبر.
هناك نماذج لمرشحين تناولوا قضايا الدولة وإدارتها في ندواتهم النسائية، لكن الشكل العام للخطاب لدى أغلبية المرشحين يحصر اهتمامات المرأة في القضايا الخاصة.
أما بالنسبة للدولة، فقلة تواجد النساء في المراكز القيادية يؤدي إلى قلة دخولها للمعترك السياسي ونقص خبرتها وتمثيلها.
وفي ما يخص العوامل الاقتصادية ففوز المرشحين في الانتخابات يحتاج إلى الكثير من الأموال، لما تكلفه الحملات الانتخابية من مبالغ عالية، هذه المبالغ متوفرة لدى الرجال بشكل أكبر بكثير من وجودها لدى النساء، بسبب هيمنة الرجل على المجال التجاري، الذي من خلاله يمول معظم المرشحين حملاتهم.
هل نجحت النساء في العمل السياسي؟
العمل السياسي لا يقتصر على الوصول إلى البرلمان، فنشاط النساء في المجتمع المدني قوي، هذا غير العمل في الانتخابات الطلابية والوصول إلى مجالس إدارات الجمعيات التعاونية وغيرها.
تقييم أداء المرأة في العمل السياسي لا يجب أن يقتصر على عدد النساء الذي لا يتجاوز أصابع اليدين ممن وصلن للبرلمان، ويجب ألا ننسى الناخبات اللاتي تطور اشتراكهن بشكل أكبر بخاصة الشابات منهن، ومن أمثلة ذلك دعواتهن على مواقع التواصل لمقاطعة نتائج الفرعيات، احتجاجًا من الكثير من الناخبات على عدم إشراكهن فيها، أو على عدم الرضى عن نتائجها أو ممارستها من الأساس، ما يوحي بتطور في استقلالية الرأي لديهن.
أما تقييم أداء النائبات فهو أمر نسبي بحسب توجه الشخص الذي يقيم هذا الأداء، قد يُعجب بطرح نائبة وآخرون لا يعجبون به، كحال تقييم أي نائب من الرجال.
في هذه المرحلة بعد 18 عامًا من إقرار حقوق المرأة السياسية، من الأجدى العمل على التطوير لا الوقوف عند سؤال النجاح والفشل، تواجد المرأة بشكل أكبر في المجال السياسي من شأنه تغيير المشهد بشكل جيد، فالاعتبارات الاجتماعية والاقتصادية التي ذكرناها سابقًا قد تستخدم بعضها لصالحها، فعدم تواجد النساء في الديوانيات قد يخفض من الضغط الاجتماعي الذي أدى للكثير من مظاهر الفساد والواسطات لدى الرجال، وعدم القدرة المادية بالقدرة نفسها لدى الرجل قد تستخدمها النساء لتمثيل الطبقات الوسطى.
الطريق مازال طويلًا لتواجد المرأة في الساحة السياسية بشكل أكبر، لا تحتاج لأن تثبت نفسها، فلا شيء يدعو لإثبات الحق في التواجد، إنما ما تحتاجه هو تطوير العملية السياسية باعتبار المرأة العضو المجتمعي الجديد في هذا المجال الذي لم يفسد بعد كما سابقيه.
يريد المناهضون لحقوق المرأة إعادتها للبيت والمطبخ، بينما الرجل والمرأة على حد سواء مكانهما الحقيقي في البيت والمطبخ والمطبخ السياسي وكل مجال يجدانه مناسبًا لهما، ومهما وَجدت المساواة مقاومةً فإن التطور البشري سيُرغم الجميع على قبول ذلك.