في 28 أغسطس 2018، وقف الرئيس الإيراني حسن روحاني، «رجل الصبر والهدوء» كما وصفته جريدة «آرمان» الإصلاحية، أمام البرلمان في جلسة استماع طلبها غالبية النواب، لمعرفة كيف تدير الحكومة شؤون البلاد في ظل الظروف الاقتصادية السيئة التي تمر بها إيران.
لكن روحاني هذه المرة لم يكن هادئًا كعادته، بل ظهر كأنه مستعد لمواجهة نيران الهجوم على شخصه وحكومته. حضر الجلسة بصحبة عدد كبير من وزرائه، ليستجوبه النواب عن قضايا مهمة ورئيسية، وأمامه ساعة واحدة للرد على كل تلك الأسئلة بشكل مقنع.
جرى استجواب روحاني بشأن معالجة الحكومة لتهريب البضائع والعملات، واستمرار العقوبات المصرفية على إيران، وارتفاع معدلات البطالة، وأزمة التضخم، وبطء النمو الاقتصادي، وانهيار العملة الوطنية.
روحاني أمام البرلمان: فرصة ذهبية ضائعة
في 10 أغسطس، أرسل علي لاريجاني رئيس البرلمان رسالة إلى روحاني بتوقيع نحو 80 نائبًا لحضور جلسة الاستجواب. لكن روحاني رد على الرسالة قائلًا: «من أجل تجنب الخلافات بين السلطات، واحترامًا للمؤسسات، سأحضر إلى البرلمان في الوقت المناسب، وأجيب عن كل الأسئلة».
وفقًا للوائح البرلمانية، يجب على رئيس الحكومة أن يحضر إلى البرلمان للاستجواب خلال مدة أقصاها 30 يومًا من تاريخ أول دعوة لاستجوابه.
قبل أن يجيب روحاني عن التساؤلات التي طرحها النواب، أكد أن إيران تواجه «مشكلات» وليس «أزمات».
عندما استدعى البرلمان روحاني انقسمت الآراء، فهناك من رأى أن استدعاءه يخفي دوافع سياسية تهدف إلى إضعاف الرئيس في وقت حرج، فيما رأى آخرون، من بينهم المحسوبون على التيار الإصلاحي وأنصار روحاني، أنها فرصة ذهبية للرئيس، يستطيع من خلالها أن يكسب ثقة الشعب مرة أخرى، وأن يعرض كل خطط الحكومة لمواجهة الأزمات الحالية.
فضَّل روحاني أن يبدأ جلسة استجوابه بتأكيد وحدة المؤسسات الإيرانية، وعدم وجود خلافات بين البرلمان والحكومة، لكن هذا زاد الشكوك حول وجود نية للتخلص منه.
بداية غير موفقة، وإجابات غير مقنعة
في حديثه لـ«منشور»، يوضح المحلل الاقتصادي الإيراني محمود جامساز إن هذه الجملة دمرت أي فرصة لروحاني أمام البرلمان والشعب: «كيف لا يرى أننا في أزمة؟ انهارت العملة الوطنية قبل قرار ترامب بالانسحاب، وهناك عجز في السلع الأساسية، والسوق المالية على وشك الانهيار، ليقول بكل بساطة إننا لا نعاني أزمة».
انتهت جلسة الاستجواب بتصويت أغلبية النواب على عدم الاقتناع بأربعة أجوبة، وصوَّتوا بالإيجاب على إجابة واحدة فقط، تتعلق بشأن العقوبات على القطاع المصرفي.
بعد انتهاء الجلسة، أعلن المتحدث باسم البرلمان أنه وفقًا للقوانين الداخلية للمجلس، فإنه في حالة عدم اقتناع النواب بأجوبة الرئيس، يُحال الأمر إلى الهيئة القضائية، التي تفحص الأسئلة والإجابات وخطط الحكومة، وترفع تقريرها إلى المرشد الأعلى، ثم يُعاد تقديم التقرير إلى البرلمان، ويكون من المتوقَّع عزل الرئيس.
لكن هذه الخطوة ليست مطروحة الآن.
حجب الثقة عن الوزراء
لم تنجح خطط مسعود كرباسيان، وزير الاقتصاد الإيراني، في إنقاذ العملة الوطنية من الانهيار، فاستدعاه البرلمان للاستجواب بعد أن ظل في منصبه عامًا واحدًا فقط.
عقب جلسة استمرت لساعات، صوَّت النواب على حجب الثقة عن الوزير وإقالته، في أقوى ضربة وُجِّهت إلى إدارة روحاني منذ بداية أزمة الاتفاق النووي.
لم يُجدِ دفاع كرباسيان عن نفسه، ولا حتى عندما وضَّح للنواب أن جزءًا من المشكلات الاقتصادية يأتي من الخارج، وليس للحكومة يد فيه.
اتهم التيار المحافظ وزير الاقتصاد بالتقصير وعدم امتلاك خطط للخروج من النفق. أما التيار الإصلاحي فكان له رأي آخر، إذ أكد حسام الدين آشنا، أحد مستشاري روحاني، أن البرلمان أقال واحدًا ممن كانوا يحاربون الفساد بكل صدق.
لم يكن كرباسيان الأول، فقد سبقه وزير العمل في 8 أغسطس 2018. ومن المتوقَّع أن يستدعي البرلمان وزراء آخرين للاستجواب خلال الفترة القادمة، وربما ينتهي الأمر بحجب الثقة.
الأزمة الاقتصادية الإيرانية
منذ إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب انسحابه من الصفقة النووية مع إيران في مايو 2018، وتوقيعه على إعادة فرض العقوبات على طهران، والتهديد بعقوبات أشد إيلامًا لجعل النظام الإيراني يتراجع عن برنامجه الصاروخي، وتدخلاته في الشرق الأوسط على حد تعبير ترامب، بدأ الاقتصاد الإيراني يفقد توازنه، ما ينذر بعودة الوضع إلى ما كان عليه قبل الاتفاق النووي.
قبل انسحاب ترامب بفترة، بدأ الريال الإيراني يتراجع أمام الدولار الأمريكي تحسبًا لقرار البيت الأبيض، وسحب الإيرانيون أموالهم للخروج بها من البلاد. وبعد الانسحاب، وحتى قبل دخول المرحلة الأولى من العقوبات حيز التنفيذ في السادس من أغسطس، كانت الحكومة الإيرانية في حالة تخبط، ولا تتخذ أي خطوات جدية للتعامل مع الأزمة المتوقعة.
شددت إدارة روحاني سيطرتها على الأسواق المالية لمنع الأمور من التدهور، لكن النتيجة كانت عكسية، فانخفضت قيمة الريال أكثر.
يرى جامساز أن روحاني وإدارته ما زالوا يعقدون الآمال على الدول الأوروبية لإنقاذ الاتفاق النووي: «تباطأت الحكومة في وضع خطة صارمة لمواجهة الآثار المترتبة على انسحاب ترامب، ما جعل الأمور تتفاقم».
كانت سوق العملات الأجنبية الأسرع في التأثر بقرار الانسحاب، فحتى نهاية يوليو 2018، كان الريال الإيراني قد خسر أكثر من 60% من قيمته أمام الدولار.
زادت الأمور تعقيدًا واستمر انهيار الريال، خصوصًا بعد تنفيذ العقوبات الأولية، التي من ضمنها منع حصول طهران على الدولار الأمريكي، ما أثر في كل أوجه الحياة الإيرانية.
حينها أدركت الحكومة أنه لا بد من وضع خطة واضحة لمنع الأمور من التدهور أكثر، وضمان عدم رجوع وضع الاقتصاد الإيراني إلى ما قبل الاتفاق، فبدأت إدارة روحاني تشديد سيطرتها على الأسواق المالية، وحظر تبادل أي عملات خارج النظام المصرفى. لكن النتيجة كانت عكسية، فانخفضت قيمة الريال أكثر.
زادت الضغوط على روحاني بهدف تغيير فريقه الاقتصادي والاستعانة بآخرين أكثر خبرة، لكنه لم يستمع، وكل ما فعله كان إقالة محافظ البنك المركزي المتهم في قضية فساد مالي، وتعيين عبد الناصر همَّتي محافظًا جديدًا.
همتي واحد من أهم اقتصاديي إيران، ويتمتع بخبرة كبيرة في مجاله، ومهمته ثقيلة للغاية، والتوقيت صعب، فكان لا بد من أن يتخذ إجراءات سريعة، فأعلن عن حزمة من السياسات المالية الجديدة. لكن هل استطاعت تلك السياسات معالجة الأمور ولو قليلًا؟
جامساز يشرح سياسات البنك المركزي الإيراني الجديدة: «أعاد عبد الناصر همتي عمل مكاتب الصرافة، وفتح المجال أمام أسواق الصرف الثانوية، وحاول أن يجعل سعر الدولار متقاربًا في كل الأسواق».
أعلن البنك المركزي تثبيت السعر الحكومي للدولار، وهو برنامج لدعم العملة الصعبة تقدمه الحكومة إلى مستوردي البضائع الأساسية والأدوية، يكون سعر صرف الدولار 42 ألف ريال، وأعلنت وزارة الصناعة القوائم التي تستحق الدعم الحكومي.
دافع همتي عن سياساته الجديدة قائلًا إنه يهدف إلى إحداث التوازن في الأسواق المالية، واحتواء التضخم، وتغطية 95% من احتياجات السوق من العملة الصعبة.
يرى جامساز أن هدف مسؤولي البنك المركزي توحيد سعر صرف الدولار في الأسواق الثانوية (مكاتب الصرافة) ليصل إلى مئة ألف ريال مقابل الدولار الواحد، وفي الأسواق الحرة بقيمة 105 آلاف ريال.
لكن، يبدو أنه حتى الآن لم يتحقق الاستقرار في الأسواق المالية الإيرانية، وما زال سعر صرف الدولار أمام الريال في تذبذب، ما دفع روحاني إلى اتهام عناصر داخلية «لم يُسمِّها» بأنها المتسببة في عدم استقرار سوق العملات الأجنبية، وأن البلاد تمر بحالة حرب اقتصادية ولا وقت للخلافات الداخلية، وأنه من أجل احترام الشعب الإيراني ومبادئ الثورة، يجب أن تتحد جميع المؤسسات السياسية وتساعد بعضها.
ألمح روحاني إلى أنه سيكشف، في الوقت المناسب، دور بعض المؤسسات في الاضطرابات الأخيرة التي شهدتها أسواق العملات الأجنبية.
هل العقوبات الأمريكية المشكلة الوحيدة للاقتصاد الإيراني؟
قبل انسحاب ترامب من الصفقة النووية، وبالتحديد نهاية 2017، شهدت غالبية المدن الإيرانية مظاهرات للمطالبة بتحسين الوضع الاقتصادي، وأعلن المتظاهرون يأسهم من الاتفاق النووي الذي لم يعد بالمنفعة عليهم.
انتهز التيار المحافظ تلك الفرصة لشن الهجوم على روحاني، وعلى الاتفاق النووي الذي طالما عارضوه، بينما تساءل آخرون عن جدوى هذا الاتفاق الذي كثيرًا ما قال عنه روحاني إنه باب الأمل الجديد للإيرانيين.
اتهم روحاني الحرس الثوري بالاستحواذ على أكثر من ثلثي الاقتصاد الإيراني وعدم السماح للشركات الحكومية أو الخاصة بالاستثمار.
قبل أن يتولى روحاني الرئاسة، كانت إيران تخضع لعقوبات مشددة من الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي، بجانب عقوبات أمريكا، فيما انتُقِد محمود أحمدي نجاد، الذي كان يدير البلاد حينها، بأن سياساته الاقتصادية ستزيد الأمور تعقيدًا.
في 2013، تولى روحاني إدارة البلاد، معلنًا أنه يمتلك الحل الوحيد، وهو المفاوضات النووية مع المجتمع الدولي. وبالفعل نجح في إبرام أكبر صفقة عرفتها إيران منذ تأسيس الجمهورية الإسلامية.
ارتفع سقف طموحات الإيرانيين، وانتظروا تدفق الاستثمارات الأجنبية وفرص العمل، لكن لم يحدث شيء، فاتهموا روحاني بأنه أضاع سنوات من بعد الاتفاق هباءً، بينما دافع الرئيس عن نفسه بالتقارير التي أظهرت نموًّا اقتصاديًّا طفيفًا إلى حد ما، وتوفير نحو 700 ألف فرصة عمل جديدة، لكنه في نفس الوقت أعلن أن هناك ما يعوق استكمال التنمية الاقتصادية.
طالب روحاني صراحةً بخروج مؤسسات الحرس الثوري من الاقتصاد الإيراني، مبررًا ذلك بأن الشركات الأجنبية تخشى التعامل مع هذه المؤسسات التي أُدرِجت ضمن قوائم العقوبات تارة، وتارة أخرى ضمن قوائم الإرهاب.
اتهم روحاني، على استيحاء، الحرس الثوري بالاستحواذ على أكثر من ثلثي الاقتصاد الإيراني وعدم السماح للشركات الحكومية أو الخاصة بالاستثمار. حينها أمر المرشد الأعلى الجيش، وليس الحرس الثوري (الذي التزم الصمت)، بالحد من أنشطته الاقتصادية.
في مقابلته مع جريدة «إيران»، قال أمير حاتمي وزير الدفاع: «استمعنا إلى طلب المرشد، وسنسحب استثماراتنا التي لا ترتبط بأهداف عسكرية»، لكنه لم يفسر معنى جملته الأخيرة.
هدد ترامب بأنه لن يستمر في تلك الصفقة المشينة مع إيران ما دام لم يحدث تفاوض لإبرام اتفاق جديد. لكن المؤسسة السياسية الإيرانية وقتها لم تأخذ تهديد ترامب على محمل الجد، وبدلًا من الاستعداد لتلك التهديدات، راهنت على الاتحاد الأوروبي.
خلال السنوات الماضية، ظل الاقتصاد الإيراني منعزلًا ولم يطور أدواته ليجعل نفسه بيئة استثمارية آمنة حتى أمام المستثمرين الإيرانيين، الذين كانوا يخشون سيطرة المؤسسات العسكرية وعدم وجود قضاء يحمي استثماراتهم، ففضَّلوا الاستثمار في الخارج.
يُلقي روحاني باللوم على الحرس الثوري، لكنه أيضًا مُدان بالتقصير، إذ لم يتحذ إجراءات حازمة ضد الفساد منذ تولى الرئاسة، بل إن هناك عددًا من المسؤولين في إدارته تلقوا اتهامات بالفساد. ويطول الاتهام التيار الإصلاحي أيضًا، الذي انشغل بالاستحواذ على الوزارات والبرلمان ولم يقدم أي خطوة جادة نحو إصلاحات حقيقية في الاقتصاد ومحاربة الفساد.
إيران: مؤسسات مالية فاسدة
يُثار دائمًا حديث عن وجود فساد في القطاع المالي الإيراني، وأنه سبب انكماش الاقتصاد. هناك مثال واضح على هذا الفساد يتمثل في ما يُسمى «مؤسسات الائتمان والقروض»، وهي واحدة من أهم مشكلات تنظيم البيئة الاقتصادية الإيرانية.
ظهرت تلك المؤسسات على استحياء بعد الثورة بسنوات قليلة. ولكي تلفت انتباه الإيرانيين وتصبح بديلًا عن البنوك، قدمت فائدة أعلى من أي بنك في إيران وبشكل ثابت، وأعلنت تقديم القروض المالية بتسهيلات كبيرة.
لكن العصر الذهبي لتلك المؤسسات كان في عهد أحمدي نجاد، وبلغت ذروتها في 2016 و2017.
تنقسم هذه المؤسسات إلى نوعين:
- قانونية، تقدم عائدات قليلة وتخضع لإشراف البنك المركزي
- غير قانونية، تقدم عائدات مرتفعة جدًّا وقروضًا كبيرة، ولا يوجد عليها رقابة، وتدار بواسطة رجال دين وعسكريين، وأيضًّا رجال دولة
كانت مؤسسات الائتمان والقروض السبب الأبرز في تدمير الاقتصاد الإيراني.
بالعودة إلى مظاهرات ديسمبر 2017 التي خرجت من مدينة مشهد، نرى أن مطلبها الأساسي كان الاحتجاج على إعلان واحدة من تلك المؤسسات إفلاسها دون دفع تعويضات للمواطنين الذين وضعوا كل أموالهم فيها. وبما أن عملها خارج عن القانون ولا يوجد من يراقبها، فالقانون لا يحمي المغفلين.
في 20 يوليو 2018، نشرت جريدة «شرق» الإصلاحية تقريرًا تشير فيه إلى تورط مسؤولين كبار أشارت إليهم بالأحرف الأولى من أسمائهم، في مؤسسة «ثامن الحجج». تعرَّف المتابعون على واحد منهم، هو وزير الخارجية الأسبق «منوجهر متكي»، الذى اتُّهِم بالحصول على قرض من تلك المؤسسة بقيمة 124 مليار ريال.
نفى متَّكي، وزعم أن الاتهام ما هو إلا حرب نفسية. وأشار تقرير الجريدة إلى تورط عدد كبير من العسكريين والإعلاميين ممن حصلوا على قروض كبيرة دون ضمانات من مؤسسة «ثامن الحجج»، ما أدى إلى إعلانها الإفلاس وضياع أموال المودعين البالغ عددهم نحو مليون شخص.
حظيت المؤسسة بشهرة كبيرة بعد أن أشاد بها محمود بهمني، محافظ البنك المركزي في عهد أحمدي نجاد. لكن المدهش أنها، بفروعها المنتشرة في غالبية المدن الإيرانية، لا تتمتع بوضع قانوني.
يرى الخبير الاقتصادي مهدي أحمدي أن تلك المؤسسات كانت السبب الأبرز في تدمير الاقتصاد الإيراني: «لقد أنهت فرص استثمار الإيرانيين أموالهم في مشروعات تنموية، فالمودعون فضَّلوا العائد الأعلى بمجهود أقل، وفي النهاية ذهبت كل الأموال إلى المنتفعين من الفساد». لتجعل تلك المؤسسات كل الموارد المالية للإيرانيين خارج سيطرة البنك المركزي.
ابتلعت هذه المؤسسات غالبية السيولة المالية في إيران، واستثمرت أموال المودعين في مجال واحد فقط: العقارات. وعندما انهار هذا المجال في إيران، انهارت تلك المؤسسات بالتبعية، وأحدثت أضرارًا في مجالات أخرى كان يمكن الاستثمار فيها، وزيادة النمو الاقتصادي الداخلي بعيدًا عن الاستثمارات الأجنبية.
محاكم ثورية للفساد
كان يجب على روحاني وإدارته الاعتراف بكمية الفساد التي تحيط بالمؤسسات، وتعطل أي إصلاحات حقيقية. وبالفعل أقدمت الحكومة على تقديم مشروع قانون لمحاربة الفساد وجرائم غسل الأموال التي زاد انتشارها منذ عهد أحمدي نجاد. لكن حتى الآن لم يوافق البرلمان على تلك القوانين، ما يزيد الشكوك حول الخوف من أن تكشف تلك القوانين تورط مسؤولين كبار.
في رأي بعض الإيرانيين، كان على القيادات السياسية، وبخاصة المحسوبة على التيار المحافظ، أن تُظهِر للشعب أنها لا تعطل عمل الرئيس، وأنه عندما طلب المساعدة من المؤسسات لمواجهة الوضع الحالي، استجابت كلها، بحيث لا يكون لديه أي ذريعة.
يؤكد روحاني أن قضايا الفساد الاقتصادي يجب أن تعالَج في بيئة هادئة، وأن الاعتقال والسجن ليسا الحل الوحيد.
لكن ما حدث كان نصف حل، فقد أعلن المدعي العام الإيراني، محمد جعفر منتظري، أن أي مسؤول في الدولة ينتظر الاستدعاء للتحقيق معه إذا اشتُبِه فيه بتهمة الفساد، مؤكدًا أنه لن يستثني أحدًا، بدايةً من المديرين المحليين مرورًا بنواب البرلمان وصولًا إلى الوزراء: «لا حصانة لأحد، وقوانين محاربة الفساد ستُطبَّق على جميع المواطنين».
فى 12 أغسطس، طلب آية الله صادق لاريجاني، رئيس القضاء، من المرشد الأعلى التصديق على إنشاء محاكم لقضايا الفساد الاقتصادي في أسرع وقت، فوافق خامنئي، وشدد على أن يكون العقاب سريعًا وعادلًا.
قد يهمك أيضًا: الإخوة لاريجاني: الأسرة الأقوى في إيران
بعد الحديث عن المحاكم والعقوبات السريعة على الفاسدين، انطلقت حملة اعتقالات لعدد من المسؤولين بتهم الفساد. لكن يبدو أن هذا لم يلقَ استحسان بعضهم، فالصحفي الإيراني «نيما» (اسم مستعار) يوضح لـ«منشور» أن «كل تلك الأمور مُبالَغ فيها، مجرد ستار كي يستطيع المسؤولين الكبار الهروب من المسؤولية، ويبرئ التيار المحافظ ذمته أمام الشعب».
يرى روحاني، الذي طالب بمحاربة الفساد، أن الأمور لا تُعالَج بهذه الطريقة، بل يجب أن تتم في بيئة هادئة، وأن الاعتقال والسجن ليسا الحل الوحيد.
«كل تلك الصراعات لا تعنينا نحن الإيرانيين. كل فريق يريد أن يثبت أنه على صواب، بينما نريد من يخلصنا من هذا الكابوس، نريد حياة طبيعية كباقي الشعوب». هكذا يعلق الطبيب الإيراني «آرش» (35 عامًا).