بعدما انتهت تقريبًا المعارك في غالبية مناطق سوريا لصالح الأسد، تخوض جميع أطراف النزاع مناوراتها الأخيرة في درب معركة ممكنة ومصيرية في محافظة إدلب، المعقل الأخير الذي ما زالت تسيطر عليه المعارضة.
يسعى بعضهم إلى تجنب المعركة وتشكيل حاجز سلمي يمنع مأساة جديدة للسوريين، في وقت تسعى فيه أطراف أخرى إلى الضرب من جديد بسلاح الموت والترهيب، ما قد يدفع إلى موجة نزوح جديدة لمئات الآلاف من السوريين القاطنين في المدينة التي تعد أهم معاقل المعارضة السورية وآخرها، والملجأ الذي قصده أبناء المناطق الذين رفضوا البقاء في المدن التي سيطر عليها نظام الأسد.
بحثًا عن تسوية
يقول الحقوقي فراس حاج يحيى، لـ«منشور»، إنه في إطار بحثها عن أفضل المخارج، فإن تركيا تفضل تجنب معركة كبرى في إدلب يخوضها نظام الأسد مدعومًا بالقوى الدولية المتمثلة في روسيا وإيران ضد قوى المعارضة القريبة منها، فتطلب مهلة معينة لتحقيق بعض مآرب روسيا الحليف الأكبر للنظام في سوريا، ومنها حل جبهة النصرة، وتحقيق تسوية عسكرية وسياسية في المناطق، تتوافق مع الرؤية الروسية، ولا تشكل عبئًا جديدًا على تركيا التي تخشى من زيادة معدلات اللجوء إلى أراضيها، في وقت تسعى فيه إلى تأمين مصالحها ومناطق نفوذها في المنطقة.
يضيف يحيى أن هذا يجري في ظل ما تتعرض له أنقرة من ضغوط أمريكية على اقتصادها، ما يؤثر سلبًا في قدرتها على استيعاب موجات جديدة من اللجوء، الأمر الذي يجعلها أقرب إلى التنسيق مع روسيا لإيجاد مخرج سلمي للمحافظة السورية.
تختلف محافظة إدلب عن غيرها لأنها آخر معاقل المعارضة، وهناك أكثر من 80 ألف مقاتل في فصائل متعددة يسيطرون على المدينة وريفها.
من جانبه، يؤكد الصحفي السوري محمد كناص، أن روسيا هي الأخرى، تبحث عن تسوية سياسية مناسبة لها، تؤمِّن سلطتها على المدينة، دون خوض معركة تنهكها وتستنزف اقتصادها الذي يعيش أزمات داخلية كبرى، مشيرًا إلى تقارير تحكي عن فقدان الروبل الروسي أكثر من 10% من قيمته السوقية، والأمر ذاته ينطبق على إيران التي تعيش دوامة كبرى من الانهيار الاقتصادي، وما يترتب عليه من أزمات داخلية.
يؤكد كناص أن فكرة معركة في إدلب قد تعني عودة المهجَّرين إلى محافظاتهم الأخرى، ما يتنافى مع رغبة نظام الأسد بالتغير الديمغرافي الذي نفذه بمساعدة إيرانية، حين أقدم على تهجير المدنيين من مناطقهم بحسب انتماءاتهم الدينية، إضافة إلى تصريحات أمريكية في الآونة الأخيرة عن رفض أي حل للأزمة السورية خارج إطار خارطة جنيف، ما يعني رفضًا أمريكيًّا مسبَقا لأي حل روسي. وهذا قد يعيد خلط الأوراق وزعزعة الخطط الروسية، ما يدفع روسيا إلى إعادة حساباتها قبل التفكير في أي معركة في إدلب.
تختلف محافظة إدلب عن غيرها من المناطق التي خاض النظام فيها معاركه الأشهر الماضية، مستعيدًا إياها. فإضافةً إلى أنها آخر معاقل المعارضة، ما يعني استبسالًا متوقَّعًا من مقاتليها في أي معركة قد تحدث، فإن أكثر من 80 ألف مقاتل في فصائل متعددة يسيطرون على المدينة وريفها، وعلى رأسهم فصائل «الجبهة الوطنية للتحرير»، وهي تجمُّع لعدة فصائل من الجيش الحر، وفصائل هيئة تحرير الشام التي تعد جبهة النصرة مكونها الرئيسي.
يشير كناص إلى أن ما يعزز منع وقوع معركة في المدينة هو دفع الأتراك بمزيد من التعزيزات لنقاط المراقبة في الداخل السوري، إضافة إلى اجتماعات متواترة مع الأهالي تؤكد استبعاد عمل عسكري في المدينة، وأن تركيا لن تقبل بتطبيقه.
لكن في المقابل، تقول تقارير إن روسيا حشدت ما يقرب من 10 بوارج حربية استعدادًا لدعم الأسد في حملته ضد إدلب من جهة، ومن جهة أخرى لمنع الولايات المتحدة من التدخل في حال استخدم الأسد أسلحة كيميائية.
قد يعجبك أيضًا: صباح الصمود: لماذا يسير الأسد مطمئنًّا؟
حذرٌ رغم الضمانات
لا يجد الحقوقي السوري فراس حاج يحيى، أي مسوغ للقبول بالضمانات التي يروِّج لها أطراف الصراع، أو يؤكدها من هم حلفاء للمعارضة، إذ يرى أن هذه الضمانات ترددت في كثير من المناطق التي دخلها نظام الأسد بعد ذلك، مؤكدًا أن المدينة قد تكون أمام المذبحة الأكبر في العصر الحديث بسبب وجود أكثر من ثلاثة ملايين مواطن فيها، مشيرًا إلى أن الخيار الوحيد أمام المعارضة في ذلك الوقت، هو القتال، بسبب موقع إدلب التي تعد منطقة مغلقة من جميع الأطراف، ما يجعل الخروج الآمن منها صعبًا.
يشير الحاج يحيى إلى أن النظام يستفز المعارضة يوميًّا بتصريحات حليفته روسيا عن توقع هجوم كيماوي، مدعيةً أن المعارضة تدبره للمدنيين، إضافة إلى التعزيزات العسكرية التي يرسلها النظام إلى محيط المحافظة، والأخبار التي تتناقلها وسائل إعلام قريبة منه، عن التحضير لمعركة كبرى في المدينة، لتخليصها من يد المعارضة.
يؤكد يحيى أن ذلك يدفع إلى قلق كبير من استخدام النظام لأسلحة محرمة دوليًّا، في سبيل كسر شوكة المعارضة في إدلب، ما يؤدي إلى استعداد الفصائلة المقاتلة في سبيل المعركة التي قد لا تحدث من مبدأ أن الاستعداد للحرب قد يمنع وقوعها.
ماذا لو حدثت المعركة؟
لعل أخطر ما يمكن توقعه هو موجات النزوح التي تهدد مئات الآلاف من السوريين في مدينة إدلب، إذ تشير تقارير أولية إلى توقع نزوح أكثر من 700 ألف مدني عن المدينة في حال وقوع المعركة. في حين تؤكد المعارضة وجود أكثر من ثلاثة ملايين مدني في المدينة وريفها، ما يعني إمكانية وقوع أكبر عملية نزوح في العصر الحديث، ناهيك بإمكانية عودة اللاجئين إلى مدنهم، ما يعني رجوعهم إلى سلطة النظام دون ضمانات قانونية تحميهم من الاعتقال.
قد يهمك أيضًا: خطة الأسد وروسيا لكسب معركة عودة اللاجئين
سيكون شهر سبتمبر 2018 موعدًا لحسم إمكانية حدوث معركة إدلب من عدمها.
يقول الصحفي محمد كناص إن سيناريوهات ما بعد المعركة غير واضحة، فكل الخيارات موجودة. لعل أبرزها تحول المعارضة السورية بشكل كامل إلى معارضة شتات بعد أن كان جزء كبير منها على الأرض، في حين أن خسارة إدلب تعني خسارة المعارضة آخر معاقلها على الأرض، مؤكدًا أن الوجود على الأرض يضمن للمعارضة قوة ستفقدها في حال تحولها إلى معارضة منفى ولجوء.
في حين أن قيادة المعارضة في المدينة، تؤكد مرارًا الاستعداد للقتال حتى النهاية، وتتوعد النظام في ظل استعدادات كثيرة ومحاولات لتوحيد الصفوف في مواجهة معركة ممكنة قد تبدأ قريبًا.
سبتمبر شهر الحسم
تشير تقارير كثيرة إلى أن شهر سبتمبر 2018، سيكون موعدًا لحسم إمكانية حدوث معركة من عدمها، في ظل مؤشرات كثيرة تقول إن النظام قد أجَّل المعركة لحسم بعض الملفات المتعلقة بمن يشارك فيها والآلية التي ستكون عليها والأطراف المستفيدة منها، ناهيك بالمحادثات الروسية التركية والإيرانية التي أسهمت إلى حد بعيد في تأجيل المعركة، وقد تكون عاملًا أساسيًّا في إلغائها إذا نجحت تركيا في حل «هيئة تحرير الشام» (جبهة النصرة سابقًا)، إضافة إلى إيجاد روسيا لتسوية مناسبة تسعى إليها مع فصائل المعارضة السورية في إدلب.
في المقابل، قد تذهب كل محاولات تأجيل معركة إدلب سُدى، وبخاصة أنها الخانة الأخيرة للمعارضة المسلحة، وبحسمها يكون الأسد أعاد سيطرته على غالبية المناطق السورية، وخرج من الحرب منتصرًا، وهو في السابق نجح في إهمال كل الضغوط والتدخلات الدولية لمنع معارك حلب ودرعا، دون أن يكون هناك أي رد فعل دولي جاد ضده.