هذا النص مُترجم إلى العربية عن مقال لـعُمَر كامل* بعنوان: I’m Arab and Many of Us Are Glad That Trump Won. نقله إلى العربية: أسامة يوسف.
*عمر كامل هو مُصوِّر وموسيقي ومنتج فيديو مصري، وناشط في حملة «ﻻ للمحاكمات العسكرية للمدنيين».
ليس الأمر أننا نرى دونالد ترامب (Donald Trump) بطريقةٍ مختلفة؛ فهو شخصٌ مغرورٌ، وعنصري، ومُعادٍ للمرأة، وفي عالمٍ آخر أكثر منطقية، لم يكن له أن يتقلد أي منصبٍ ذي سلطة، مثله مثل هيلاري كلينتون (Hillary Clinton).
أردنا لبيرني ساندرز أن يفوز، وكنّا سعداء للغاية بمقدار الدعم الذي استطاع أن يحصل عليه، ذلك قبل أن يقوم بيرني بشيئين في غاية السوء.
لقد تابعنا حملات الانتخابات الرئاسية لعام 2016 من مسافةٍ تقترب إلى الحد الذي يسمح به الإنترنت. في البداية، أردنا لبيرني ساندرز (Bernie Sanders) أن يفوز، وكنّا سعداء للغاية بمقدار الدعم الذي استطاع أن يحصل عليه، ذلك قبل أن يقوم بيرني بشيئين في غاية السوء؛ أولهما تصريحه بأنه موافقٌ على قائمة أوباما السوداء واستخدامه لطائراتٍ بلا طيار في عمليات القصف الجوي، والأمر الثاني كان إعلانه أنه سيدعم كلينتون إذا لم يستطع الحصول على ترشيح الحزب. وبينما استمر البعض في تأييد بيرني، كان ذلك نهاية الأمر بالنسبة لنا، أو بالنسبة لي. ربما كان بإمكان بيرني حينها أن يدّعي أنه «أفضل»، لكنه لم يعد بإمكانه بالتأكيد أن يدّعي بأنه «جيّد».
شاهدنا أيضًا المؤسسة السياسية وهي تنبذ بيرني بينما تصدّر كلينتون أمام الاشتراكيين. بل أننا شاهدنا أناسٌ مثل جون أوليفر (John Oliver) وفريق عمل برنامج (Saturday Night Live) بأكمله وهم يهاجمون ترامب بقسوةٍ، في محاولةٍ لتمهيد طريق كلينتون نحو الفوز. بل أن أوليفر قد أخذ على عاتقه مهاجمة مرشحين ثانويين والسخرية منهم، مثل ستاين (Jill Stein) وجونسون (Gary Johnson)، دون المساس بكلينتون. لقد شاهدنا الذين يزعمون أنهم ديمقراطيين وليبراليين وهم يصنعون من كلينتون بطلة. لقد شاهدنا كل هؤلاء الأشخاص وهم يتنحون بعيدًا ويتظاهرون بأن كلينتون أحد الأخيار، وذلك لأنهم شعروا بأنهم مُرغمين على «اختيار الأقل شرًا». لقد كان ذلك مُثيرًا للاشمئزاز.
معظم الأمريكيين هم ترامب، لكن العديد منهم يحبون أن يروا أن شخصياتهم أقرب إلى ما تدّعي كلينتون.
يختلط الأمر بالتأكيد ببعض التشاؤم، بالإضافة إلى قدرٍ ما من التهكم؛ فالكثير منا يشعر بأنه إن لم تكن أمريكا تستطيع أن تنتقي الخيار الأفضل، فهي تستحق الأسوأ. هنالك أيضًا رغبة في مواجهة الحقيقة القاسية بدلًا من زُخرف النفاق؛ فمعظم الأمريكيين هم ترامب، لكن العديد منهم يحبون أن يروا أن شخصياتهم أقرب إلى ما تدّعي كلينتون، كذبًا، أن تكونه؛ ليبرالية، وديمقراطية، ويسارية، وإنسانية، وخيريّة، وطيّبة.
هنالك قليلون ممن واجهوا الحقائق بأمانة، واعترفوا بأن كلينتون، على كافة الأصعدة، مجرمةٌ ومتلاعبة، تتفق مع أسوأ منتهكي حقوق الإنسان على سطح الأرض (السعودية وإسرائيل، على سبيل المثال)، وتعتمد على دعمهم الاقتصادي والسياسي. هؤﻻء أدركوا أنها حينما تعلن عن سيرها على خُطى أوباما، فهي تعدنا بأن تقتل أربعة آلاف باكستاني بريء، قصفًا بطائراتٍ دون طيار، في محاولاتٍ غير شرعية للقضاء على «إرهابيين» لم تتم محاكمتهم بعد. يَعون أن كلينتون امرأةٌ ترى في مادلين أولبرايت (Madeline Albright) مثلًا أعلى، وأن هنري كيسنجر (Henry Kissinger) رمزٌ بالنسبة لها، ويعرفون أنها امرأة بدأت حياتها السياسية في الحزب الجمهوري قبل أن تبدل ميولها وتتصرف كما لو أنها ديمقراطية، على الأغلب لأنها أدركت أنها لكونها امرأة، فالحزب الديمقراطي هو الأنسب لها كي تحلّق بعيدًا وتحقق طموحاتها. إنها كاذبة؛ تدّعي بأنها كانت تتفادى نيران القناصة في بلدٍ ما، في حين كانت تُستقبل بالورود.
على مدار حملتها الانتخابية، كان مؤيدو كلينتون يغضون البصر عن فشلها؛ فلسببٍ ما، كانوا خائفين مما «قد» يفعله ترامب وهو رئيس، أكثر مما فعلته كلينتون بالفعل.
لهذا كله، نعم، لم نكن متحمسين لفوز كلينتون بالرئاسة. لم يكن ليتغير أي شيء. كانت أمريكا ستظل ترى نفسها على أنها ديمقراطية تقدُّمية، صوتت لرئيسٍ أسود، قبل أن تأتي بامرأة للمنصب نفسه. كان الشيطان ليواصل ارتداءه قناعًا يبقي على صورته اللطيفة.
نحن لا نرى ترامب أفضل من كلينتون بأي شكلٍ من الأشكال، لكننا نرى أن فوز ترامب سيجبر الولايات المتحدة على اﻻعتراف بما أصبحت عليه.
نحن لا نرى ترامب أفضل من كلينتون بأي شكلٍ من الأشكال، لكننا نرى أن فوز ترامب سيجبر الولايات المتحدة على اﻻعتراف بما أصبحت عليه، وسيسمح للعديد من الدول حول العالم أن يتصرفوا وفقًا لذلك بعد أن كُشف عن الوجه الحقيقي لها.
ارتدى كينيدي (JFK) قناعًا جيدًا، لكن خلف هذا القناع كان رجلًا كاذبًا وعاهرًا رَفَع حظر الأسلحة على إسرائيل، سامحًا للولايات المتحدة بأن تمدها بالأسلحة التي استخدمتها ضد الفلسطينيين؛ فـ«العلاقة الخاصة» بين إسرائيل والولايات المتحدة قد بدأت في عهد كينيدي، لكن ابتسامته وجاذبيته كانا يجعلان الناس، وحتى العرب، يتذكرونه بإعجاب. كذلك كان بيل كلينتون (Bill Clinton)، المُبتسم الجذّاب الذي وقَّع على قرار استخدام القوة العسكرية ضد أمريكيين على أراضٍ أمريكية في واكو (Waco)، ودفع الفلسطينيين كي يوقِّعوا اتفاقية أوسلو، قبل أن يزعم في جلسات اتهامه أن كلمة (is) غامضة؛ لتبرير إجاباته المُضللة. بيل كلينتون الذي أتذكره شخصٌ كاذبٌ ومغرور وقاتل وعديم الجاذبية إطلاقًا.
الأخير في هذه القائمة من الأشخاص الذين يُفترض أنهم أخيار هو باراك أوباما (Barack Obama)، شخصٌ فخور ببشرته السمراء، لكنه أقرب لما يصفهم مالكوم إكس (Malcolm X) بـ«زنجيٌ المنزل» (House Nigger). فهو لم يوقف آلة الحرب، ولم يغلق معتقل غوانتانامو، بل إن استخدام الطائرات بلا طيارين في القصف قد تزايد على نحوٍ ضخم في عهد أوباما، لكنه «يؤدي» بشكلٍ جميل؛ يبكي حينما يتم إطلاق النار في إحدى المدارس، ويسخر من نفسه في فقرةٍ كوميدية يقف فيها رجلٌ بجواره ليترجم غضبه، ويرقص ويغني مقاطع الراب ليسعدك، ويبدو كشخصٍ مرحٍ، خفيف الظل، وأبٍ عظيم.
بالنسبة لعشرات الآلاف من الباكستانيين، فأوباما ليس إلا مُجرمًا ذي دمٍ باردٍ. وبالنسبة للمصريين، فهو مجرد رئيس أمريكي آخر، في طابورٍ طويل من الرؤساء الآخرين الذين دعموا الديكتاتوريات العسكرية.
لكن بالنسبة لعشرات الآلاف من الباكستانيين، فأوباما ليس إلا مُجرمًا ذي دمٍ باردٍ. وبالنسبة للمصريين، فهو مجرد رئيس أمريكي آخر، في طابورٍ طويل من الرؤساء الآخرين الذين دعموا الديكتاتوريات العسكرية، بإمدادها بالأموال والأسلحة التي تحتاجها. أما بالنسبة لسكان اليمن (أكثر الدول العربية فقرًا)، فهو الرجل الذي ساعد السعودية (أكثر الدول فاشيةً على الأرض) بإمدادها بأكثر من 100 مليار دولار من الأسلحة، استخدمتها السعودية في تدمير اليمن. بالنسبة للملايين من سكان العالم، أوباما هو مجرد قنبلة رُسم عليها بالمصادفة وجهٌ باسم.
لكن في هذه اللحظة، أخيرًا، بدلًا من أن نُعاني من التظاهر بالتقدم تحت قيادة امرأة في منصب الرئيس، صوَّت الأمريكيون لترامب.
عظيم.
اكشفوا الستار عن العنصرية.. أظهِروا الغطرسة.. واتركوا الأكاذيب والقسوة عاريةً أمامنا دون قناع.
واجهوا أنفسكم، وانظروا إليها، حينها ربما، ربما، قد تتغير الأمور.