إذا كنت تفكر في اﻻنتحار، توجَّه إلى شخص مُقرَّب واطلب منه المساعدة، أو يمكنك زيارة هذا الموقع.
تُعدّ التشريعات الجزائية في أغلب الدول العربية متقاربة؛ لما لها من مرجعية تاريخية مشتركة سواء كانت إرثًا ثقافيًا أو استعماريًا، ولذلك فإن كثيرًا منها قد تناول بعض الموضوعات بشكل متشابه، مع وجود بعض الاختلافات لأسباب تتعلق بوضع كل دولة، فما رأي القوانين العربية في مسألة اﻻنتحار؟ وكيف تعاقب السلطة القضائية المُحرِّضين على إنهاء الحياة أو المساعِدين في اﻻنتحار؟ وهل مِن دولة تعاقب مَن يحاول اﻻنتحار؟
تناولت التشريعات الجزائية العربية موضوع الانتحار بشكل متقارب؛ فأغلبها لم تجرم الانتحار نفسه ولا الشروع فيه ولكنها جرَّمت التحريض عليه والمساعدة فيه.
يُعرَّف التحريض قانونًا بأنه «حمْل شخص آخر ومحاولة حثه بأي طريقة كانت على الإقدام على الجريمة». ويُعدّ التحريض على الانتحار هو النوع الوحيد من التحريض المجرَّم على فعل ليس مجرمًا، ويكون التحريض بأية طريقة مثل الكتابة أو التلقين، أما توفير وسائل الانتحار فهي ترقى لأن تكون مساعدة تتعدى التحريض.
المُحرِّض مُدان لكن المُنتحر ليس كذلك
القانون المصري لا يعاقب على الانتحار لكنه يجرِّم التحريض والمساعدة دون الفعل ذاته، وكذلك القانون الكويتي الممثل بالمادة (١٥٨) من قانون الجزاء: «كل مَن حرض أو ساعد أو اتفق على الانتحار وانتحر يعاقب بالحبس لمدة لا تجاوز ٣ سنوات وغرامة لا تجاوز ٣ آلاف روبية (وهي العملة المتداولة في بعض القوانين) أو بإحدى هاتين العقوبتين».
يُعاقَب بالاعتقال ١٠ سنوات على الأكثر من قتل إنسانًا قصدًا بعامل الإشفاق بناءً على إلحاحه بالطلب.
والمِثل في القانون السوري، إلا أنه أخذ بظرف التخفيف من مسؤولية القاتل في حالة الإشفاق في المادة رقم (٥٢٨) من قانون العقوبات؛ إذ «يُعاقَب بالاعتقال ١٠ سنوات على الأكثر من قتل إنسانًا قصدًا بعامل الإشفاق بناءً على إلحاحه بالطلب»، وبخاصة في حالات المرض المستعصي؛ فقد وجد المُشرِّع السوري هنا أن دافع القتل إنساني إشفاقًا على طالب الموت فخفف العقوبة.
وتنص الفقرة (٣) من المادة (٤٠٨) من قانون العقوبات العراقي بشكل صريح على عدم تجريم الشروع في الانتحار بأنه «لا عقاب على من شرع في الانتحار»، لكن المُشرِّع العراقي في المادة رقم (٤٠٨) الفقرة (١) فرض عقوبة السجن مدة لا تزيد على ٧ سنوات لكل من حرض على الانتحار أو ساعد فيه.
ويشترط القانون في بعض الأحيان وقوع الانتحار وقتل النفس حتى تتم معاقبة المحرض والمساعد كما في القانون الكويتي والسوري والعراقي، وفصّل القانون السوري هذا الأمر؛ إذ يعاقب المحرض والمساعد حتى لو لم يقع الانتحار لكن نجم عنه إيذاء أو عجز دائم، وذلك في المادة (٥٣٩) من قانون العقوبات.
الشروع في الانتحار لا يعاقب عليه إلا إذا كان عسكريًا وفعل ذلك للهروب من خدمته العسكرية.
وشدد القانون العراقي العقوبة على المحرض والمساعد إذا كان المنتحر قاصرًا لم يُتم الثامنة عشرة من عمره أو ناقص الإدراك والإرادة، أما إذا كان فاقدًا لهما، فيعاقب المحرض والمساعد بعقوبة القتل العمد أو الشروع فيه.
أما في القانون الأردني فإن الشروع في الانتحار لا يعاقب عليه إلا إذا كان عسكريًا وفعل ذلك للهروب من خدمته العسكرية.
وقد يكون المُنتحِر مُجرِمًا
تدور فلسفة المشرِّع بشأن عدم تجريم الانتحار والشروع فيه حول أمرين؛ فالمنتحر قد انتهت حياته ولذلك تسقط عنه أية عقوبة قانونية، أما من يشرع في الانتحار فهو فاقد للأمل يائس من الحياة لأي سبب كان، سواء كان ضغطًا اجتماعيًا أو اقتصاديًا أو نفسيًا، فلا يرى المُشرِّع هنا أنه من المنطقي معاقبته على يأسه بما يزيد منه، بل تجب مساعدته، كما أنه عدّ الموت وسيلة نجاة؛ فلا فائدة من معاقبته بعقوبة أخرى.
قد يهمك أيضًا: بين المنح والسحب.. هل الجنسية حق المواطن أم الدولة؟
إلا أن تشريعات عربية أخرى اتخذت منحى آخر في هذا الشأن؛ فعاقبت على الشروع في الانتحار، مثل القانون العماني الذي ينص على أنه «يعاقب بالحبس مدة لا تجاوز ستة أشهر وبالغرامة التي لا تزيد عن ثلاثة آلاف ريال عماني أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من شرع في الانتحار بأن أتى فعلًا من الأفعال التي تؤدي إلى الوفاة عادةً».
كل من شرع في الانتحار بأن أتى فعلاً من الأفعال التي قد تؤدي إلى وفاته يعاقب بالحبس مدة لا تجاوز سنة واحدة أو بغرامة.
والأمر كذلك في القانون القطري؛ إذ تنص المادة (١٥٧) من قانون العقوبات القطري على أن «كل من شرع في الانتحار بأن أتى فعلاً من الأفعال التي قد تؤدي إلى وفاته يعاقب بالحبس مدة لا تجاوز سنة واحدة أو بغرامة لا تزيد عن ألف ريال أو بالعقوبتين معًا»، والقانون السوداني أيضًا يرى الأمر بالطريقة نفسها، فهو ينص في مادته رقم (١٣٣) على أن «من يشرع في الانتحار بمحاولة قتل نفسه بأي وسيلة يعاقب بالسجن مدة لا تجاوز سنة أو بالغرامة أو بالعقوبتين معًا».
ما الذي يمكن للدولة فعله؟
وسط اهتمام التشريعات العربية بما يخص الانتحار ووضع نصوص قانونية له، ما دور الدولة وما الذي تقدمه لمن لديه ميول انتحارية أو سوابق في الشروع في الانتحار؟ هل هناك مراكز متخصصة لمساعدة من تنتابه هذه الرغبات؟
الظروف السياسية والإقليمية والاقتصادية التي تعيشها الدول العربية على الدوام لم تتح مجالاً للاهتمام بهذه القضية.
في الواقع ليس هناك اهتمام عربي كاف بهذا الشأن من قبل الأجهزة الرسمية للدولة، وربما كان السبب هو أن معدلات الانتحار في الوطن العربي لم ترقَ، من وجهة النظر الرسمية، إلى أن تكون ظاهرة تحوز اهتمامَ الدولة، أو أن الظروف السياسية والإقليمية والاقتصادية التي تعيشها الدول العربية على الدوام لم تتح مجالاً للاهتمام بهذه القضية.
اقرأ أيضًا: أستطيع أن أفهم «فيرجينيا وولف»
ومع ذلك، تجد في القاهرة من الشباب الناشطين اجتماعيًا من يتطوع للحد من هذه الحالات، وذلك في مركز «الصديق المقرب» القائم على شباب متطوعين يستمعون للذين لديهم ميول انتحارية عبر خط تليفوني متخصص لذلك ويحاولون مساعدتهم.
وعلى هذا نتمنى تفعيلاً أكبر لدور الدولة في معالجة الأمر والتدخل لمساعدة من لديه هذا النوع من الميول، وذلك عن طريق توفير مراكز للصحة النفسية وخطوط هاتفية مباشرة لحالات الطوارئ، بالإضافة إلى الحملات التوعوية للمحيطين بمن يفكر في الانتحار ليؤدوا دورهم في مساعدته. ومن المهم أيضًا إجراء البحوث والدراسات حول أسباب الانتحار والوصول إلى المعدلات الحقيقية لعدد المنتحرين ومن لديهم ميول انتحارية مما سيسهم في معالجة المسألة التي قد تؤثر في المجتمع والدولة.
هذا الموضوع جزء من ملف منشور عن الانتحار، لقراءة موضوعات أخرى في الملف، اضغط هنا.