احتجاجات إيران: ليست أكثر من «خطوة إصلاحية»

الصورة: Channel 4 News

رضا غنيم
نشر في 2018/01/03

أمام نحو 10 آلاف من مؤيديه، وقف الرئيس الإيراني حسن روحاني، خلال ترشحه لولاية ثانية في إبريل 2017، يتحدث بخطاب جديد: «نريد حرية الصحافة، نريد حرية الفكر، نريد حرية تكوين الجمعيات، نريد القضاء على البطالة والفساد»، لكن هذا كله يبدو الآن كأثر شاحب من الماضي.

الاحتجاجات المستمرة في إيران من نهايات ديسمبر 2016، رغم أنها كانت مفاجئة للمجتمع الدولي والعربي، لكن مؤشراتها بدأت قبل ذلك بنحو عام، حينما سلّط الطامحون للرئاسة الإيرانية الضوء على الأزمة الاقتصادية التي تشهدها طهران، ونتج عنها مزيد من البطالة والفساد.

استغل معارضو روحاني فشله في تحقيق نمو اقتصادي للهجوم عليه. يقول إبراهيم رئيسي، أبرز منافسيه في الانتخابات الماضية: «روحاني راهن بأكثر مما يجب على التقارب مع الغرب، دون تحقيق أي إنجاز لتحسين الإنتاج وتوفير فرص عمل».

إيران: تظاهرات غير مُسيّسة

خرج مئات المحجتين في مدينة مشهد، ثاني أكبر مدن إيران من حيث عدد السكان، يتظاهرون ضد تفشِّي البطالة والفساد في البلاد. تظاهرات غير مُسيّسة امتدت إلى مدن أخرى في اليوم التالي، رفضًا لارتفاع الأسعار، هتف المتظاهرون فيها لأول مرة: «الموت لروحاني، الموت للديكتاتور».

فقد المئات من المنتمين إلى الطبقة المتوسطة في مشهد أموالهم بعد إفلاس شركات مملوكة لشخصيات مُحافظة.

يشعر الإيرانيون بخيبة أمل كبيرة إزاء عدم تحسن الاقتصاد، بعد مرور نحو عامين على الاتفاق النووي مع الدول الغربية والولايات المتحدة الأمريكية، ورفع العقوبات عن طهران. وفي أكتوبر 2016، قدّرت وزارة العمل عدد العاطلين في طهران بنحو سبعة ملايين شخص، 25% منهم خريجي جامعات.

الفساد من بين أسباب المظاهرات، واحتلت إيران المركز 131 في مؤشر الفساد عام 2016، حسب منظمة الشفافية العالمية.

إفلاس البنوك كسبب للتظاهر

جانب من التظاهرات في إيران

ثَمّة سبب آخر أشار إليه المحللون السياسين، دفع الإيرانيين إلى الخروج في التظاهرات التي قادتها الطبقة الفقيرة، إذ فقد المئات من المنتمين إلى الطبقة المتوسطة في مدينة مشهد أموالهم بعد إفلاس شركات إقراض مملوكة لشخصيات مُحافظة، وفق تصريحات المحلل الإيرانى «مجتبى موسوي» لوكالة الأنباء الفرنسية.

ففي يوليو 2017، تظاهر المئات من سكان مدينة مشهد أمام البنك المركزي الإيراني، للمطالبة بأموالهم وودائعهم بعد إفلاس بعض البنوك بسبب سياسات الرئيس الأسبق أحمدي نجاد.

وفق تقارير صحفية، حظى نجاد بدعم المرشد الأعلى للثورة الإيرانية وأجهزة الدولة لتوسيع سياسات الدعم، من أجل شراء سكوت الطبقات الشعبية محدودة الدخل بعد ارتفاع معدلات التضخم والبطالة، وتدخل البنك المركزي للحفاظ على سعر الريال الإيراني مستقرًا أمام الدولار رغم تراجع قيمته الحقيقية.

في المقابل، استخدم النظام الإيراني عنفًا مفرطًا تجاه التظاهرات، فاعتقل ما يقرب من 200 شخص، بحسب التصريحات الرسمية، وأكثر من 300 وفق تقارير المعارضة، بجانب مقتل أكثر من 10 متظاهرين.

أظهرت مقاطع فيديو بثها إيرانيون على مواقع التواصل الاجتماعي متظاهرين يُضرمون النيران في سيارات شرطة، والأمن يرد برصاص حي.

كانت المظاهرات ضبابية في الأيام الأولى، لكن سرعان ما جرى تَسْيِيسها، وخرجت هتافات تطالب بالإفراج عن السجناء السياسيين.

هدد الحرس الثوري باستخدام القبضة الحديدية ضد المحتجين، فيما حذر وزير الداخلية من أن المتظاهرين الذين يدمرون الممتلكات العامة ويعرقلون النظام ويخرقون القانون سيتحملون مسؤولية سلوكهم ويدفعون الثمن.

وعكس سياسة حكومته، أقر الرئيس روحاني بحق المحتجين في التظاهر السلمي: «الأجهزة الحكومية ينبغي أن تؤمِّن لمواطنيها مساحة للنقد. نحن بلد حر، ولهذا فإن للناس أيضًا حقًّا في التعبير عن الرأي»، لكنه عاد ليحذر المتظاهرين من ممارسة أي أعمال عنف.

الرؤية كانت ضبابية في الأيام الأولى للمظاهرات، لم تكن هناك حركات معارضة، شباب فقط يعانون البطالة خرج ليطالب بحقوقهم، لكن سرعان ما جرى تَسْيِيس المظاهرات، لتخرج هتافات تطالب بالإفراج عن السجناء السياسيين.

أمريكا تغير المعادلة؟

الصورة: Gage Skidmore

أعلن ترامب أن الإيرانيين قُمعوا على مدار سنوات، وأنهم متعطشون للطعام والحرية وحقوق الإنسان، ودعا إلى التغيير.

«التظاهرات التي نظمها المئات ربما تكون مقدمة لثورة تطيح بالنظام». هكذا يقول المعارض الإيراني علي رضا نوري زادة، مدير مركز الدراسات العربية الإيرانية في لندن، موضحًا أن الإيرانيين عانوا لسنوات من البطالة، وتحكُّم الحرس الثوري في الاقتصاد، وتقييد الحريات، وجاء موعد التغيير.

المظاهرات استدعت إلى الذاكرة احتجاجات الإصلاح في طهران عام 2009، المعروفة بـ«الثورة الخضراء»، حين عارض الآلاف نتائج الانتخابات التي أدت إلى فوز أحمدي نجاد واتهموا النظام بتزويرها، لكنها انتهت إلى لا شيء.

«الأمر الآن مختلف تمامًا»، يشرح زادة لـ«منشور» أن «أمريكا قد تكون عامل الحسم. في 2009، لم تهتم إدارة باراك أوباما بما يحدث في إيران، ولم تُدِن الاعتقالات. اليوم، دونالد ترامب مهتم أكثر بالأزمة، وندّد بقتل المتظاهرين، وقد يكون عاملًا حاسمًا في تغيير موازين القوى».

الرئيس الأمريكي دونالد ترامب غَرّد مع اندلاع الاحتجاجات في طهران بأن «إيران تفشل على جميع المستويات، على الرغم من الصفقة الهائلة التي أبرمتها إدارة أوباما معها»، مضيفا: «الشعب الإيراني العظيم قُمع على مدار سنوات طويلة، وهو متعطش للطعام والحرية، بالإضافة إلى حقوق الإنسان، فقد سُرقت الثروة الإيرانية. حان وقت التغيير».

ودعت وزارة الخارجية الأمريكية دول العالم إلى دعم الشعب الإيراني لنَيْل حقوقه الأساسية والقضاء على ما أسماه «الفساد» في البلاد. ووصفت المتحدثة باسم الوزارة، «هيذر نويرت»، إيران بأنها «دولة مارقة مستنزَفة اقتصاديًّا، تقوم صادراتها الرئيسية على العنف وسفك الدماء والفوضى».

وفي مقابل النظرة المتفائلة للدور الأمريكي، هناك وجهة نظرى أخرى ترى أن التصريحات الأمريكية المؤيدة للاحتجاجات الإيرانية قد يستخدمها النظام الإيراني للتدليل على وجود عامل خارجي في اندلاع الاحتجاجات، وللنّيْل من شرعية المطالب المرفوعة، مستغلًا في ذلك تاريخًا طويلًا من العداء بين الولايات المتحدة والجمهورية الإسلامية الإيرانية.

ماذا تبقى من «إصلاحية» روحاني؟

حسن روحاني - الصورة: kremlin.ru

يرى المحلل الإيراني علي زادة أن روحاني كان أفضل الاختيارات في انتخابات 2017، لكنه لم ينفذ وعوده الانتخابية.

من داخل إيران، تحدث أحد النشطاء السياسيين المنتمين إلى مجموعة إصلاحية لـ«منشور» عن أن المتظاهرين لم يطالبوا بإسقاط روحاني، لكن مع مرور الوقت وتعامل النظام الوحشي، بات إسقاط نظام الحكم مطلبًا.

أضاف الناشط، الذي رفض كشف هويته خشية الاعتقال: «لم نتوقع أن الإصلاحي روحاني يتعامل بوحشية، كنا نعتبره رمزًا لنا، وسيقف في وجه قمع الحرس الثوري. قدم خطابًا معتدلًا، وشعرنا أن التحرر سيكون معه».

المحلل الإيراني علي زادة يقول إن روحاني كان «أفضل الاختيارات» في انتخابات 2017، تحدث عن الانفتاح والتقارب مع الغرب، عكس منافسه «المنغلق» إبراهيم رئيسي، لكن الرجل الإصلاحي لم ينفذ وعوده الانتخابية.

فاز روحاني بولاية رئاسية ثانية في مايو 2017 بـ23.5 مليون صوت، بنسبة 57% من إجمالي الناخبين، في مفاجأة للمحللين والمجتمع الدولي، بعدما واجه اعتراضات من المرشد والحرس الثوري، وكذلك أجهزة الدولة الداعمة لمنافسه رئيسي.

هل نشهد «ربيعًا إيرانيًّا»؟

معارضون وحقوقيون في إيران يعتبرون أن ما يحدث «ثورة مُكملة للربيع العربي»، من بينهم الناشطة الحاصلة على جائزة نوبل للسلام شيرين عبادي: «نشهد بداية حركة احتجاجية كبيرة قد تتخطى بكثير الموجة الخضراء عام 2009، ولن أُفاجأ لو تحولت إلى شيء أكبر».

توضح عبادي، في مقابلة لصحيفة «لا ريبوبليكا» الإيطالية، أن «هناك أزمة اقتصادية في غاية الخطورة، والفساد في جميع أنحاء البلاد بلغ مستويات مروعة. هناك أيضًا نفقات عسكرية عالية جدًّا، ولم يعد الناس يتقبلون رؤية هذه المبالغ الطائلة من الأموال تُنفَق في تلك الأوجُه».

أي توقعات حاسمة بخصوص مصير الاحتجاجات الإيرانية قد تكون متعجلة بعض الشيء.

رؤية عبادي للأحداث يرفضها واحد من مُنظِّري التيار الإصلاحي ومؤيدي روحاني، هو «صادق زيبا كلام»، أستاذ العلوم السياسية في جامعة طهران، الذي يقول لـ«منشور»: «أؤيد المظاهرات التي خرجت مطالبةً بالإصلاح، روحاني فشل في تحقيق وعوده، لكني لا أزال أؤيد استمراره، فهو أفضل من المتشددين».

في رأي زيبا كلام، تبدو فكرة الإطاحة بالنظام شبه مستحيلة: «المئات يتظاهرون، لكن كيف يُسقطون نظامًا تشكّل قبل 37 عامًا ويتحكم في كل شيء؟ هناك مبالغة في الحديث عن أن ما يحدث في إيران استمرارٌ للربيع العربي. الأمر مختلف تمامًا، فالبلاد التي شهدت ثورات مثل مصر وتونس كان المحتجون فيها بالملايين، وفي طهران مئات فقط».

لماذا نزل ملايين إلى الشوارع في مصر وتونس؟
نعرف هذا من علامات قيام الثورات

أيُّ توقعات حاسمة لمصير الاحتجاجات الإيرانية قد تكون متعجلة بعض الشيء، فحتى الآن لا تزال الاحتجاجات مستمرة رغم مجابهتها بالقوة، وتزداد تجذُّرًا في شعاراتها بالوقت. وصحيحٌ أن النظام الإيراني يمتلك خبرة طويلة في تحجيم أي احتجاجات ضده، إلا أن مجرد استمرار المظاهرات هذه المدة، وبهذا الانتشار في مدن إيرانية مختلفة، يعني على الأقل أن الأزمة حقيقية، وقد يكون لها تبعاتها على المدى المتوسط والبعيد، حتى لو نجح النظام في إخمادها مؤقتًا.

مواضيع مشابهة