لماذا تأثر ريال مدريد برحيل رونالدو؟

الصورة: Getty/Harold Cunningham - UEFA

محمد عادل محمد
نشر في 2018/12/15

المشهد متكرر: حين يتعلق الأمر برحیل نجم الفریق عكس رغبة الجماهير، يستمر المشجعون في ترديد عبارات مفادها أن الفريق لن يتأثر برحيل اللاعب، ومن السهل البرهنة على ذلك عن طريق سرد كثير من القصص والمواقف التي حدثت من قبل مع النادي، وتتلخص في أن لاعبين كانوا نجومًا وأساطير رحلوا، واستمر الفريق في تحقيق الانتصارات وحصد البطولات.

الأمر برمته حدث في قصة رحيل كريستيانو رونالدو عن ریال مدرید. وبدلًا من الاعتراف بقيمة رونالدو، وبعدها البدء في العمل على تعویض رحیله، آمن «فلورنتینو بیریز» رئيس النادي بتلك النظریة وصدقها. لم ينفذ أي تحرك حقيقي لاستقطاب نجم یعوض رحیل الهداف التاريخي للنادي الأوسع شهرة في العالم.

ما جدوى دفع أموال كثیرة للتعاقد مع لاعب يعوض رحيل رونالدو، إذا كان الفريق حقق الانتصارات خلال غیابه في كثير من المباريات آخر موسمين تحت قيادة زين الدين زیدان؟

هذا ما لم یصرح به بیریز علنًا، لكن كل قراراته والطريقة التي أدار بها «الميركاتو الصيفي» تدل على ذلك.

كيف تتجاوز غياب رونالدو؟

بعد رحيل رونالدو، كان على الإدارة تقليل الآثار التي ستظهر على تشكيلة الفريق بغيابه غير المعتاد، ومن أجل حفظ اتزان الفریق، عن طريق التعاقد مع لاعب بقيمة فنية واقتصادية يمكنها أن تصل إلى مستوى النجم البرتغالي.

هذا یعني أن الحل لیس موجودًا داخل الفریق كما یرى بیریز، وهو ما ظهر خلال وجود رونالدو، إذ لم يقدم أيٌّ من لاعبي الهجوم موسمًا كاملًا بمستوى ثابت وأداء یضعه في موضع خلیفة كريستيانو، ویتحمل عبء قیادة الهجوم.

كل لاعبي الهجوم الآن ينطبق عليهم هذا الكلام، وخصوصًا «غاريث بيل» الذي حاز النصيب الأكبر من الثقة في قدرته على قيادة هجوم الفريق دون رونالدو، وأنه قادر على أن يصبح نجم الفريق الأول من الناحیة الفنیة والتسویقیة، ويمكنه أن يصير واجهة الفریق الإعلامية كما كان البرتغالي.

رغم فشل بيل في تحقيق الآمال التي كانت معقودة عليه، فإن جزءًا كبيرًا من الفشل تتحمله إدارة الفريق في اتخاذها بعض القرارات التي كانت مؤثرة.

مواصفات النجم المطلوب لمدريد

إذا أردنا تعويض رحيل رونالدو كما كان يجب، فمعايير الاختيار يمكن أن تتحدد وفق المعطيات الواضحة، وليس عشوائيًّا. لذلك، فالنجم المطلوب ذو مواصفات واضحة وفقًا للتحديات المسبقة، والاختيار ينحصر بین اسمين: هازارد نجم تشيلسي، ونيمار نجم باريس سان جيرمان واللاعب الأغلى في العالم. ولو نظرنا إلى الأمر بعين بيريز، فهما أكثر لاعبين مناسبين لأسباب عدة.

يتطلب الأمر أن یكون اللاعب ذا قيمة فنية عالية وبمستوى يتخطى لاعبي خط الهجوم الفريق في الوقت الحالي. والأهم، أن یكون كما ذكرنا قادرًا على أن یصبح واجهة الفریق، نجمًا يتمتع بقيمة تجارية تسويقية تضاهي قيمة رونالدو، التي وصل إليها بفضل كبير من ریال مدرید، الذي أضاف قيمة تسویقیة إضافية إلى القيمة التي امتلكها كريستيانو قبل قدومه.

هذا ما صنع معادلة صعبة في السنوات الأخيرة، جعلت النادي الملكي دائمًا ما يكون ضمن أعلى الأندية قيمةً اقتصادية في العالم، ونجمه الأول رونالدو صاحب أعلى دخل لاعب كرة قدم في العالم، قبل تجديد عقد ميسي مع برشلونة براتب خيالي.

الأمر معقد، مواصفات اللاعب أقرب ما تكون إلى «Superhero» بالنسبة إلى جماهير مدريد.

سياسة النادي في التعاقدات خلال الفترة الأخيرة تهدف لتقليل التعاقدات بقدر الإمكان، من أجل توفير المال لتجديد الاستاد.

يجب على اللاعب الجديد أيضًا أن يتمتع بكاريزما إعلامية تجعله یشغل حيزًا كبيرًا من حدیث الصحافة والإعلام، ما یساعده على شغل مكانة رونالدو، ويحل محله بجانب ميسي في المقارنات، إذا استطاع التألق مع الفريق وقیادته بشكل مستمر للفوز وحصد البطولات.

لماذا هازارد، ولماذا ليس نيمار؟

وضع النجم البلجيكي إدين هازارد إدارة الفريق الملكي في موقف محرج، بعد تصريحاته بأن اللعب لريال مدريد كان حلم طفولة بالنسبة إليه. أظهر اللاعب بشكل غير مباشر أن عدم انضمامه إلى النادي كان من جانب إدارة الريال، وهذا يعني أن مدريد أضاع فرصة ذهبية في التعاقد مع نجم «البلوز» في الصيف.

ظهرت تصريحات هازارد في وقت يعاني فيه مدريد سلسلة سلبية من النتائج، إذ لم يسجل سوى هدف واحد في خمس مباريات، وفشل في الفوز في أربعة لقاءات منها ثلاثة في الدوري.

في ظل الأزمة التي يعاني منها الفريق، وتتطلب عدة حلول للعودة إلى المسار الصحيح وإنقاذ ما يمكن إنقاذه، لن يكون الحل كما فعلت الإدارة بالاكتفاء بإقالة «جولين لوبيتيغي» وتصعيد «سانتياغو سولاري»، بل يتطلب الوضع عدة قرارات واستخدام كل الحلول المتاحة، وبالطبع أحد تلك الحلول استقطاب النجم البلجيكي في الشتاء.

رغم تصريحات هازارد التي تقربه من النادي الملكي، فإن الأمور لا تُدار بتلك الكيفية عندما يتعلق الأمر بسياسة النادي في التعاقدات خلال الفترة الأخيرة، التي تهدف إلى التقليل من ميزانية التعاقدات بقدر الإمكان وعدم المغامرة بدفع مبالغ ضخمة لاستقطاب لاعبين أو وضع عقود ورواتب، حتى يتوفر للنادي ميزانية تنفيذ مشروعه الضخم بتجديد ملعب «سانتياغو برنابيو». 

ربما يكون ترتب على هذا عدة قرارات حاسمة، منها رفض تجديد عقد رونالدو براتب يُرضيه، وعدم المغامرة بدفع الشرط الجزائي في عقد نيمار مع برشلونة. ومن ثَم، ولنفس السبب، لم تظهر الجدية على إدارة الملكي في التعاقد مع هازارد.

رغم كثرة التكهنات حول انتقال نيمار إلى النادي الإسباني، يبدو الأمر أقرب إلى المستحيل، بسبب تمسك إدارة باريس باللاعب واعتباره شيئًا ثمينًا حصلوا عليه بما يشبه المعجزة، ولا يمكن بعد كل هذا التفريط فيه وتركه للريال. إضافة إلى أن البرازيلي لا يمانع في الاستمرار مع الفرنسيين لِمَا يتمتع به من امتيازات في الفريق، أهمها الراتب الخيالي الذي يتقاضاه (46 مليون دولار أمريكي في العام تقريبًا).

هذا لا يلغي فكرة انتقال نيمار إلى مدريد في المستقبل، وهذا ما يجعل التعاقد مع البلجيكي هازارد أكثر واقعية.

إدارة مدريد: فشل بعد فشل

المنافسة التي كانت بین میسي ورونالدو مثَّلت حافزًا كبيرًا دفعهما إلى التألق بشكل مستمر، وكانت تنتقل إلى الفریقين والدوري كله.

بعد فشل الإدارة في تعويض رحيل رونالدو في الميركاتو، ظهر فشلها مجددًا في قرار سيؤثر بدوره في المستوى الفني للفريق: الاستقرار على أن يكون القائد سیرجیو راموس الواجهة الأولى للنادي بعد رحيل رونالدو، ما ترتب علیه اختیاره لیكون أول مسددي ركلات الجزاء، رغم وجود كل هؤلاء النجوم في خطَّي الهجوم والوسط.

يمكن اعتبار غاریث بیل الأحق بتسديد ركلات الجزاء لأسباب عدة، منها ثقة الجماهیر الكبیرة، التي تؤمن في قدرة اللاعب على قيادة الفریق.

ظهر الويلزي في بداية الموسم بمستوى طيب أكد التكهنات، قبل أن یتراجع مستوى الفريق (وبيل بالتبعية) ويدخل في مرحلة سلبية وعقم تهديفي.

تسدید بیل ركلات الجزاء مهم له من الناحیة النفسیة، ويحفزه ليستمر في التألق والتسجيل مع الفریق، كي يصير الهداف الأول، ويحجز مكانًا بين هدافي «الليغا»، الأمر الذي سيضعه في نفس المكان الذي شغله رونالدو: قائد هجوم الفريق وهدافه ومنافس ميسي.

المنافسة التي كانت بین میسي ورونالدو مثَّلت حافزًا كبيرًا لكليهما، يدفعهما إلى التألق والتسجيل بشكل مستمر، وهذه هي أهمية تلك المنافسة، التي تنتقل حدتها إلى الفریقين والدوري كله. وربما يكون الحديث عن أن مستوى الدوري الإسباني هذا الموسم (2018-2019) أقل من المواسم السابقة بسبب تلك الميزة المهمة.

من الرائع صنع تحدٍّ كبير كهذا لغاريث بيل، سيكون مهمًّا بالنسبة إليه والفريق، ودافعًا للتألق والتسجيل بشكل مستمر. حتى لو فشل بيل في التحدي، على الأقل سيكون أفضل من منح هذه الميزة للاعب مدافع، ولو راموس. ما جدوى أن يسجل مدافع 10 أهداف بنهایة الموسم؟ لا شيء بالطبع، بينما سُحبت فرصة مهمة لتسجیل الأهداف من ركلات الجزاء من لاعبي خط الهجوم، المطالبين أصلًا بالتسجيل.

العودة إلى المسار الصحيح

النادي يمكنه تخطي الفترة الراهنة إذا وضعت الإدارة أولويات الفريق الفنية في المرتبة الأولى، وألا تتأثر قرارات النادي بتطلعات الإدارة الاقتصادية ومشروعاتها، التي تؤثر بدورها في شكل الفریق داخل الملعب.

تتخذ الجماهیر النتائج عامل التقييم الأساسي، وترى الفوز وحصد البطولات المعيار الأول لتقييم نجاح الفريق، ولیس أي مشروع اقتصادي ربحي مثل تجدید ملعب «سانتیاغو برنابیو»، الذي تضعه الإدارة أولوية قبل اتخاذ أي قرار.


هذا الموضوع اقترحه أحد قُراء «منشور» وعمل مع محرري الموقع على تطويره، وأنت كذلك يمكنك المشاركة بأفكارك معنا عبر هذه الصفحة.

مواضيع مشابهة