يبدو أن المرأة العربية عمومًا، والسعودية تحديدًا، تحاول كسر كثير من القيود التي تفرضها عليها مجتمعاتها بطرق غير متوقعة، حتى أنها باتت تلفت أنظار العالم إليها.
رها محرَّق شابة سعودية اختارت واحدة من الرياضات غير المشهورة في العالم العربي لتحترفها، هي رياضة تسلق الجبال، ولم تكتفِ باختيار هذه الرياضة الصعبة، بل قررت أن تحقق فيها أرقامًا قياسية، كأن تصير أصغر عربية تتسلق جبل إيفرست، لتضمن بقاء اسمها محفورًا دائمًا في تاريخ هذه الرياضة، كما جاء في مقال على موقع «يور ميدل إيست آي».
الاقتراب من الموت لتحقيق الحلم
من بين القمم الجبلية الكثيرة المنتشرة في الكرة الأرضية، اختار محترفو التسلق سبع قمم فقط هي الأعلى في كل قارة، وضموها إلى قائمة واحدة اسمها «قمم الجبال السبع»؛ تُمثِّل التحدي الأهم لعشاق تسلق الجبال في أنحاء العالم، وقررت رها أن تكتب اسمها في قائمة من نجحوا في هذا التحدي.
من كان يمكن أن يصدق أن امرأة سعودية ستقف على أعلى قمة في العالم؟
في عام 2015، وعلى ارتفاع أكثر من خمسة آلاف متر، كانت محرَّق على وشك تحقيق الحلم بتسلق قمة جبل دينالي في آلاسكا الأمريكية، لتصير المرأة السعودية الأولى التي تنجح في تسلق هذه القمة، لكن حالة الطقس كان لها رأي آخر، فقد أصبحت التحرك مستحيلًا بسبب العواصف القوية والانخفاض العنيف في درجات الحرارة.
تروي الفتاة أنها كانت قريبة من الموت، واحتاجت بعد عودتها إلى عام كامل للتعافي بدنيًّا ونفسيًّا ممَّا عاشته، خصوصًا أنها بقيت محتجزةً مع فريقها لمدة أسبوع تقريبًا على الجبل، وهو ما زاد من حالة الخوف المرضي لديها من الأماكن المغلقة، بالإضافة إلى إصابتها بقرحة في المعدة وفقدانها كل أظفار قدميها.
كان هذا واحدًا من أصعب التحديات التي واجهت رها محرَّق، لكنها خاضت مع ذلك كثيرًا من المواجهات مع نفسها والمجتمع حتى تحقق حلمها بتسلق أعلى قمم العالم، حتى نجحت في تسلق الجبل في 2017.
قمم الجبال السبع
«من كان يمكن أن يصدق أن امرأة سعودية ستقف على أعلى قمة في العالم؟»، هكذا تتساءل رها محرَّق، إيمانًا منها بالإنجاز الذي استطاعت أن تحققه.
حاليًّا، تبحث رها عن الدعم المطلوب لإعادة تسلق جبل دينالي بنجاح، وإذا حدث هذا فلن تكون فقط قد تسلقت قمة صعبة، بل انتهت من تسلُّق «قمم الجبال السبع» الأعلى في العالم بالفعل، لأنها اعتلت خلال الأعوام الماضية قمم كليمنغارو في تنزانيا، وإفرست في التيبت، وفينسون في القارة القطبية الجنوبية، وإلبروس في روسيا، وبونتشاك غايا في إندونيسيا، وأكونكاغوا في الأرجنتين.
خلال كل هذه المغامرات كانت الفتاة السعودية تفكر: هل كانت الأمور لتصبح أسهل لو كانت مختلفة عمَّا هي عليه؟ أو لو لم تكن من السعودية؟ ولكن رغبتها في تحقيق هدفها كانت أقوى من رغبتها في التوقف.
اقرأ أيضًا: أولوياتي: وصفة شخصية لحياة سعيدة تُغلِّب القلب على العقل
ملاحقة الحلم أم الخضوع للتقاليد؟
لماذا يجب أن نحيا حياتنا بناءً على ما يراه المجتمع؟
عملت محرَّق منذ تخرجها عام 2008 حتى 2011 بمجال تصميم الغرافيك في دبي، لتفاجأ بأهلها يطلبون منها أن تعود إلى السعودية وتستقر في انتظار الزوج المناسب، لكن الالتزام بالتقاليد المجتمعية لم يكن الأمر الذي تجيده، وهو ما تعلق عليه متسائلة: «لماذا يجب أن نحيا حياتنا بناءً على ما يراه المجتمع؟».
عادت رها إلى السعودية عام 2011 لتجد الوضع هناك شديد الصعوبة مقارنةً بدبي، فبعد أن كانت تمارس الرياضة بحرية وتلعب الإسكواش والكرة الطائرة، وجدت هذه الأنشطة محدودة للغاية، وشعرت بأنها تخسر لياقتها بالعيش في المملكة.
التحليق بعيدًا عن المجتمع
عندما سمعت رها محرَّق برياضة تسلق الجبال لأول مرة، قررت أنها ما تبحث عنه وما سيحقق شغفها بالسفر والمغامرة معًا، لكن أحدًا من أصدقائها لم يأخذ رغبتها بجدية، وأخبرها أحدهم أنها لا تستطيع أن تأخذ قرارًا بتسلق الجبال بين يوم وليلة.
كل هذا لم يثنها عن قرارها، وردت على كل منتقديها بأن «هذا أمر مهم بالنسبة إليَّ، وأريد أن أفعله لنفسي، ولن يملي عليَّ أحد ما أفعله أو لا أفعله».
تساءل بعض الناس ببساطة: «لِمَ لا تكوني مثل بقية الفتيات وحسب؟».
كانت مشكلة رها الوحيدة هي عدم معرفتها بأي شيء عن تسلق الجبال حينئذ، لكنها هذا لم يُثنها كذلك.
تنسب محرَّق إلى أسرتها فضل عدم محاولة منعها عن تحقيق ما تريد رغم الاعتراض في البداية. أقنعت رها والدها عن طريق تذكيره بما علَّمها في طفولتها، فأرسلت إليه تقول: «أنت من علمتني عدم التراجع، كما علمتني الثقة بنفسي وملاحقة أحلامي، فكيف تطلب مني الآن أن أتخلى عمَّا ربيتني عليه؟»، وبعد أشهر من المحاولات كانت مستعدة أخيرًا لتسلق قمة كليمنغارو.
إضافةً إلى أسرتها، كان على رها أن تواجه المجتمع، الذي قد يكون تجاوُز تقاليده وكسر بعض عاداته تحديًا لا يقل عن تسلق الجبل. رفض بعض الناس محاولاتها، آخرون قالوا إنها جلبت العار لعائلتها، بينما تساءلت فئة منهم: «لِمَ لا تكون مثل بقية الفتيات وحسب؟».
قد يهمك أيضًا: كيف تحيا المرأة السعودية تحت ولاية الرجل؟
كليمنغارو وإفرست في عامين فقط
أهم إنجاز بالنسبة لرها محرَّق هو تسلقها قمة جبل إفرست عام 2013.
بعد كثير من التدريبات الشاقة، كانت رها محرَّق مستعدة لبدء تسلق أولى القمم السبعة، فاتجهت إلى كليمنغارو في ديسمبر 2011، وقررت صعودها بتمويل ذاتي.
قضت رها شهرين تتدرب، لكن الإعداد البدني لم يكن كافيًا، بل كانت هناك مشكلة أخرى بالنسبة لفتاة قادمة من المملكة العربية السعودية التي تتميز بدرجات الحرارة المرتفعة، هي أن القمم الجبلية تكون شديدة البرودة، وهو ما جعلها تعاني انخفاض درجة حرارة جسمها بفارق كبير عمَّا اعتادته.
مع اقترابها من قمة كليمنغارو، انخفضت درجة الحرارة إلى حد تجميد الماء في عينيها، فأصبحت تُبصر بصعوبة، واحتاجت إلى مساعدة أعضاء فريقها حتى وصلت أخيرًا إلى القمة، وتسلل ضوء الشمس لإذابة الثلج على عينيها.
أيقنت الفتاة بعد اعتلاء قمة كليمنغارو أن هذه لن تكون تجربتها الأخيرة، وخلال الاثني عشر شهرًا التالية تسلقت ثماني قمم أخرى، إلا أن أهم إنجاز بالنسبة إليها كان تسلقها قمة إفرست عام 2013، لتصبح أول امرأة سعودية وأصغر متسلقة عربية تصل إلى هذه القمة بين النساء والرجال على السواء.
إلهام المرأة العربية
«تسلق الجبال أمر سهل، لكن تغيير الأذهان هو الصعب حقًّا»، هكذا تقول محرَّق.
تتمنى رها أن تكون رحلتها ملهِمة لفتيات أخريات في الدول العربية، كي يعِدن اكتشاف أنفسهن ويؤمنَّ بأحلامهن، كما تؤمن هي أن التغيير يحدث لكن ببطء.
قد يعجبك أيضًا: 7 أسئلة تشرح أثر التحولات الثقافية في المجتمع
تعمل الفتاة حاليًّا على تأليف كتاب، ليس عن تسلق الجبال فقط، بل عن نجاحها كامرأة سعودية في تحقيق حلمها. تريد رها أن تترك ميراثًا يوضح كيف يمكن للأحلام أن تصير واقعًا إذا كانت لدينا الشجاعة الكافية لملاحقتها، وتتمنى أن تعيش طويلًا لترى جيلًا كاملًا ليس فيه «أول امرأة» تفعل أي شيء، لأن المرأة العربية ستكون قد حققت كل الإنجازات الممكنة بالفعل.
ربما يكون ما حققته رها محرَّق ملهمًا بالفعل، ولكن إلى أي مدى سينجح في التأثير في الآخرين، خصوصًا في مجتمعات منغلقة وغير مؤمنة بحرية المرأة؟
إن تسلق الجبال أمر سهل، بحسب رها، لكن تغيير الأذهان هو الصعب حقًّا.