يعتقد بعض الناس أن العنصرية صارت ماضيًا، وأن المجتمعات المتقدمة تخلصت منها إلى الأبد، ويرى آخرون أن هذا ليس صحيحًا، إلا أنه لا يحدث عادةً أن يتهم أحد الأطفال ذوو الخمسة أعوام بالعنصرية، إذ يُفترض أنها ظاهرة لا تنشأ إلا مع التقدم في العمر، لكن ماذا لو عرفت أن الأطفال قد يكونون عنصريين كذلك؟
عرض مقال منشور على موقع «Vox» نتائج مجموعة دراسات أثبتت أن التفرقة على أساس اللون قد تأخذ أشكالًا غير متوقعة، وقد تظهر في سن مبكرة جدًّا، بعد أن بحثت في التصورات التي يحملها أطفال الحضانة البيض عن زملائهم السود.
الأطفال السود ليسوا «أطفالًا بما يكفي»
يتعاطف المجتمع الأمريكي مع الأطفال، لكن هذا التعاطف يختلف بحسب العرق الذي ينتمي إليه الطفل، طبقًا للدراسة التي أجراها مركز «جورج تاون» للقانون، المعني بدراسات الفقر وعدم المساواة.
ينظر الأمريكيون إلى الفتيات الصغيرات ذوات الأصول الإفريقية، من سن أربع سنوات إلى 14 عامًا، باعتبارهن أقل براءةً وأكثر نضجًا من عمرهن الحقيقي، حسبما أظهر استطلاع رأي شمل 325 مواطنًا.
شرحت إحدى المشاركات في تحرير هذا التقرير أن «هذه هي الصورة النمطية للمرأة السوداء، التي يتصورها الناس صاخبة وعنيفة ومثيرة جنسيًّا، ويمكن متابعة هذه الصورة منذ عهد العبودية حتى اليوم».
يمارَس عنف أكثر ضد الفتيات السود في سجون الأحداث، بسبب الاعتقاد بأنهن أقل براءةً من البيض.
بحسب المقال، كان المشاركون أكثر اقتناعًا بأن الفتيات ذوات الأصول الإفريقية أقل حاجةً إلى التغذية والحماية والدعم والراحة، لأنهن أكثر استقلالية ولديهن معرفة أكبر بشؤون الكبار والجنس. تؤذي هذه المفاهيم المغلوطة الأطفال، لأنها تمحو براءتهم وتحول أخطاءهم الطفولية إلى جرائم متعمدة يرتكبها أفراد ناضجون، ممَّا يؤدي إلى المبالغة في عقاب الأطفال السود قياسًا بالبيض.
يشير المقال كذلك إلى تقرير أصدره مركز دراسات التعددية والسياسة الاجتماعية عام 2015، وضَّح أن الفتيات السود يتعرضن للطرد من المدارس بنسبة تفوق زميلاتهن البيض بستة أضعاف، وأظهرت التحقيقات الفيدرالية تلقي الطلاب السود عقوبات أشد قسوةً من أقرانهم البيض في المدارس، حتى إن اشتركا معًا في الفعل الذي استدعى العقاب.
تصوُّر الفتيات السود أقل براءةً من البيض وأكثر شبهًا بالكبار يؤثر في المنظومة القضائية الخاصة بسجون الأحداث، حسب التقرير الأخير لمركز «جورج تاون»، فتزيد الممارسات العقابية ضدهن، ويُستخدم المزيد من العنف معهن.
قبل هذا التقرير، وجدت دراسة أجريت عام 2014 أن المجتمع يعتبر الصبيان السود، ابتداءً من عمر العاشرة، أكبر من عمرهم الحقيقي وأقل براءةً من أقرانهم.
وعكس ما يحدث في أغلب المجتمعات، حيث يجزم الناس ببراءة الأطفال واحتياجهم إلى الحماية، يحكم المجتمع الأمريكي على الصبيان السود باعتبارهم مسؤولين عن أفعالهم، مع أن أعمارهم لم تتجاوز السن نفسه الذي يُعتبر فيه الصبيان البيض في مرحلة البراءة.
اقرأ أيضًا: عنصرية «علاء الدين»: المشكلة أكبر من ممثل بني البشرة
نتائج عنصرية مقززة
يشير المقال إلى سلسلة من الدراسات أُجريت عام 2017 لبحث إدراك الأشخاص لأجسام السود والبيض باستخدام اختبارات بصرية مختلفة، وتشابهت النتائج مع التقارير السابقة، فإذا رأى المشاركون صورة لشخص أسود البشرة، يظنون أنه أضخم حجمًا وأكثر خطورةً وأقدر على إيذائهم ممَّا هو عليه حقًّا، ومن ثَمَّ يبررون استخدام العنف ضده.
تؤدي الرؤى المغلوطة عن ذوي البشرة السوداء إلى حوادث مثل إطلاق النار على الطفل «تامير رايس»، الذي كان يلهو بلعبة على شكل مسدس.
يربط كثير من الناس كذلك بين القدرات الخارقة أو السحرية وذوي البشرة السوداء، ويعتقدون أن السود أقل إحساسًا بالألم. ولا يقتصر الأمر على كل هذا فحسب، بل يمتد ليشمل أسماء الأشخاص كذلك، لا صورهم فقط، فحين يسمعون أسماء ترتبط بالسود، مثل «تريفون» و«ديشون»، يتكون لديهم انطباع فوري بأن الشخص صاحب الاسم ضخم البنيان وأكثر عنفًا من أصحاب الأسماء الأخرى.
أدهشت تلك النتائج الباحثين أنفسهم، إذ تُظهِر انحياز كثير من الأمريكيين ضد ذوي البشرة السوداء، والربط بينهم وبين الصفات السلبية مثل السلوك الإجرامي والعنف، إلى حدِّ أن قال أحد الباحثين: «لم تكن نتائج أبحاثي في أي وقت مضى مقززةً إلى هذه الدرجة».
قد يهمك أيضًا: أين قصص الحب بين البيض والسود في هوليوود؟
كيف تهدد العنصرية حياة السود؟
من الحوادث التي تُبرِز تأثير هذه الرؤى المغلوطة عن ذوي البشرة السوداء، حادثة إطلاق ضباط الشرطة النار على الطفل «تامير رايس»، الذي كان يبلغ من العمر 12 عامًا، وقتلته الشرطة بينما كان يلهو بلعبة على شكل مسدس في أحد المنتزهات.
ظن الضباط أن الطفل عمره 20 سنة، ويُظهر هذا مدى تأثرهم بالصور النمطية المنتشرة. وبناءً على ظنهم، قرروا استخدام القوة فورًا متسببين في مقتله.
أظهرت الإحصائيات أن عدد السود الذين قتلتهم الشرطة الأمريكية أكثر من ضعف القتلى البيض، وفي عام 2016 وحده، قتلت الشرطة قرابة 6.66 شخص من كل مليون أمريكي ذي أصول إفريقية، مقابل 2.9 من كل مليون شخص أبيض، وبذلك يتضح تأثير العِرق في موقف الشرطي من المشتبه بهم.
ربما يفسر الفقر والبطالة وبعض المتغيرات الاجتماعية الأخرى هذه الأرقام، لكن المؤكد، بحسب المقال، أن التمييز العنصري يدخل كذلك في المعادلة. وتؤدي كل العوامل مجتمعةً إلى مزيد من العنف والجريمة في المجتمعات السوداء، ومزيد من الوجود الكثيف لرجال الشرطة، ومزيد من الصرامة في محاولة حفظ النظام.
لا يقف تأثير العنصرية عند نظام العدالة الجنائية بطبيعة الحال، بل يشمل جوانب أخرى كذلك، مثل عروض العمل السيئة التي يحصل عليها الأمريكيين السود، ويشير المقال في هذا السياق إلى تجربة أرسل فيها الباحثون سِيَرًا ذاتية متطابقة إلى بعض جهات العمل، كان بعضها يحمل أسماء «سوداء» تقليدية وأخرى تحمل أسماء «بيضاء»، فلاحظوا أن السير الذاتية البيضاء تُقبل بنسبة 50% أكثر من السوداء.
أوضحت دراسة أخرى أن الأجر الذي يتقاضاه السود الحاصلون على الماجستير أو الدكتوراه يعادل بالكاد ما يحصل عليه البيض الحاصلون على درجة البكالوريوس.
تستمر إذًا سلسلة الفروقات العنصرية التي يفرضها المجتمع الأمريكي على مواطنيه ذوي الأصول الإفريقية في مختلف نواحي الحياة، وكأن عصر العبودية لم ينتهِ.