في عام 2008، أعلنت مجلة «فوربس» أن صافي ربح «الداعية» عمرو خالد بلغ 2.5 مليون دولار خلال العام السابق فقط، وجاء بعده الداعية الكويتي طارق السويدان بدخل صافٍ بلغ مليون دولار، ثم السعودي عائض القرني بـ533 ألف دولار، وفي المرتبة الرابعة جاء المصري عمر عبد الكافي بـ373 ألف دولار، وأخيرًا السعودي سلمان العودة بـ267 ألف دولار.
خلال تقريرها، أكدت المجلة أن مصادر دخل الدعاة تأتي بالدرجة الأولى من الإنتاج التليفزيوني والبرامج التي تبثها عديد من المحطات في العالم العربي ويتابعها ملايين المشاهدين، الذين يتوقف كثير منهم أحيانًا، خصوصًا عندما تطول الفواصل الإعلانية، ليتساءل: إلى أين تذهب كل تلك الأموال التي تُراكمها متابعتهم؟ وهل ينظر هؤلاء الدعاة للمادة بالطريقة نفسها التي يدعون إليها في برامجهم؟
كيف تجري الأمور في سوق البرامج الدينية؟
حين صدر تقرير«فوربس»، لم يكن بعض الدعاة، مثل معز مسعود ومصطفى حسني وأحمد الشقيري، قد أصبحوا بالشهرة التي وصلوا إليها لاحقًا، حتى باتوا منافسين للأسماء التي ذكرناها.
يقول مصدر مقرب من شركة «O3»، المسؤولة عن العمليات الإنتاجية لشبكة «mbc»، في حديث لـ«منشور» إن أحمد الشقيري لا يتقاضى أجرًا عن برامجه لأنه ينتجها بنفسه، وبالتالي يحصل على نسبة كبيرة من الحصيلة المالية الضخمة التي يجنيها البرنامج نتيجة بيعه للفضائيات أو كأرباح من الإعلانات على موقع يوتيوب.
يقدم الشقيري خلال رمضان 2017 برنامج «القمرة 2» على شاشة «mbc»، ويشرف على برامج «صمتًا 4» و«صُنَّاع الأمل» و«وتر» و«ألبوم» و«بصمة أمل» على نفس القناة.
اقرأ أيضًا: ضريح «الإمام الرضا» في إيران موضع اشتباك آخر للدين والبيزنس
يشير المصدر إلى أن عمرو خالد حصل على مليون جنيه (55 ألف دولار) مقابل برنامجه «نبي الرحمة والتسامح»، الذي يعرض على «mbc»، وينافسه آخرون مثل معز مسعود، الذي كان يتقاضى نفس الأجر تقريبًا، لكنه اتجه مؤخرًا إلى الإنتاج بنفسه عن طريق مؤسسته «أكاميديا»، التي تبيع برامجه للفضائيات.
الأمر نفسه ينطبق على الداعية اليمني الحبيب علي الجفري، الذي يقدم في رمضان الحالي برنامج «الإنسانية قبل التدين». قال الجفري إنه لا يتقاضى أجرًا عن ظهوره في الحلقات الحوارية، وأكد ذلك الإعلامي خيري رمضان، إلا أن الداعية يمتلك مؤسسة «طابة»، وهي المسؤولة عن إنتاج كل حلقاته ومحاضراته وبيعها.
الدعاة الذين يتعاملون مع الفضائيات الخاصة يعملون وفقًا لمعادلة: مكسب يساوي مكسب.
أما خالد الجندي فقد ترك قناة «صدى البلد» المصرية، التي كان يتقاضى منها 150 ألف جنيه شهريًّا (8300 دولار)، لينتقل إلى العملاق الفضائي الجديد، مجموعة قنوات «dmc»، التي أكدت مصادر أن ميزانيتها وصلت إلى مليار جنيه مصري (55 مليون دولار)، وهي حاليًا المنافس الأقوى لـ«mbc» من حيث العمليات الإنتاجية، وفي القلب من تلك العمليات أجور العاملين.
المصادر توضح أن الجندي يتقاضى أجرًا يقترب من ضعف راتبه في «صدى البلد»، نظير برنامجه «لعلهم يفقهون». وقد سبق أن أعلن عائض القرني أن أجور الدعاة في الفضائيات السعودية تتراوح بين 30 إلى 70 ألف ريال سعودي (8 إلى 177 ألف دولار) عن كل 30 حلقة.
لحظة، كيف تحولت الدعوة إلى بيزنس؟
يوضح الخبير الإعلامي المصري ياسر عبد العزيز لـ«منشور» أن الفضائيات الخاصة هدفها الأساسي هو الربح، وإلا فكيف تستمر؟
مَن يتعاملون مع الفضائيات الخاصة من ضيوف ومقدمي برامج يعملون وفقًا لمعادلة: مكسب يساوي مكسب، بمعنى أنه إذا كان البرنامج الذي سيقدمه الإعلامي أو الفنان أو الداعية سيجلب للقناة مشاهدات تُسهم في جذب المعلنين لدفع الآلاف أو الملايين، فمن حقه أن يحصل على نسبة من هذه الأرباح.
يميل المشاهدون إلى متابعة البرامج الدينية أكثر من التوك شو.
أصبح إنتاج البرامج الدينية بشكلها الحديث يُكلِّف الملايين، فأغلب الدعاة المعاصرين يسافرون إلى دول مختلفة لتصوير حلقات برامجهم، وقد فرضت تكنيكات الإخراج والتصوير نفسها على صُنَّاع هذه البرامج بحسب عبد العزيز، الذي يشير إلى أن مظهر الداعية أمام الكاميرا صار مكلفًا، بل يتجاوز أحيانًا ما يُنفق لتجهيز مقدمي برامج التوك شو.
هذه الأموال لا تضيع هباءً، إذ تشير دراسات متعددة إلى أن البرامج الدينية تلقى شعبية كبيرة عند الجمهور العربي، وأن الغالبية العظمى تتابعها، ممَّا جعل الاستثمار فيها أمرًا مفضلًا لكثيرين.
الباحثة المصرية هنادي رشدي سلطان أعدت كتابا بعنوان «البعد الاقتصادي للسياسة الإعلامية»، لفتت فيه إلى أن نسبة تفضيل المشاهدين للبرامج الدينية بلغت 59% من عينة بحث ميداني أجرته، متفوقةً على البرامج الحوارية التي تفضلها نسبة 57%. ومن الطبيعي أن تنعكس نسب المشاهدة على الإعلانات، ممَّا يجعل من تلك البرامج استثمارًا مربحًا.
يقول أشرف الكردي، منتج برامج عمرو خالد والذي أنتج سابقًا للحبيب علي الجفري ومعز مسعود، إنه جنى أرباحًا كبيرة من البرامج الدينية، خصوصًا تلك التي قدمها عمرو خالد.
عليكم بالزُّهد.. ليس علينا حرج
يعيش معز مسعود حياة النجوم بشكل حرفي بعد اتجاهه إلى الإنتاج السينمائي.
هذا النجاح الإنتاجي أثر في الحياة الشخصية لشيوخ الدعوة، فلم تعد صورتهم كالتي اعتدناها قديمًا من تواضع وزهد، بل صاروا يعيشون حياة «النجوم» ويحرصون على مظهرهم بشكل مبالغ فيه، خصوصًا أنهم دائمو السفر والتنقل بين عواصم العالم.
يحرص هؤلاء، كبقية البشر، على متع الدنيا، يقيمون في أرقى الفنادق، ويهتمون بمظهرهم، فعمرو خالد مثلًا سبق له أن أجرى عملية زرع شعر، وكذلك الداعية مصطفى حسني، والأخير أثار أزمة حين ارتدى تي شيرت ماركة «Philipp Pleinn» يصل ثمنه إلى 20 ألف جنيه مصري (1100 دولار).
قد يهمك أيضًا: «دين الرأسمالية»: كيف يعيد المال تشكيل معتقداتنا؟
أما معز مسعود فيعيش حياة النجوم بشكل حرفي، لِم لا وقد اتجه إلى السينما بمشاركته في إنتاج فيلم «اشتباك»، الذي اختاره مهرجان «كان» السينمائي ضمن أفضل 10 أفلام في 2017، وكان طريفًا أن نشاهد الداعية الديني على السجادة الحمراء في فرنسا.
اقرأ أيضًا: 70 سنة «كان»: 7 أسئلة تشرح تفاصيل أهم مهرجان سينمائي في العالم
خالد الجندي، الذي بدأ حياته خطيبًا في مسجد شعبي بحي السيدة زينب القاهري، قال في حوار صحفي عام 2006 إنه يمتلك ثلاث سيارات، كما كان يعتزم شراء سيارة مرسيدس إضافية، وقد دافع باستماتة عن حقه وغيره في تقاضي أجر مقابل الفتوى.
الدعاة أصحاب رسالة مثل الفنانين وكل قادة الرأي، يبيعون هذه الرسالة للإعلام ويكسبون المال وبجانبه الشهرة، لكن التحدي هو: هل صاحب الرسالة صادق بنسبة 100% في ما يقول؟ وماذا سيكون رأيه عندما يتعلق الأمر بحياته الشخصية؟