ما أصل صورنا النمطية عن أن الأولاد أكثر ذكاءً من البنات؟ ومتى يبدأ الاعتقاد في هذه الصور بالرسوخ عند الجنسين؟
أظهرت أبحاث أجراها المتخصصان في الفلسفة وعلم النفس «أندري سيمبين» و«سارة جين ليزلي»، ونشرا تقريرًا عنها في جريدة «النيويورك تايمز»، أن الفتيات يبدأن بالنظر إلى جنسهن على أنه أقل ذكاءً من الذكور منذ بلوغهن سن السادسة.
وجد الباحثان أن الفتيات الصغيرات في عمر السادسة يبدأن بالاعتقاد أن بعض الأنشطة «غير مخصصة لهن» ببساطة، لكونهن غير ذكيات بما فيه الكفاية، وأشار البحث كذلك إلى أن الأطفال الأمريكيين يلتقطون القوالب النمطية الثقافية الخاصة بالذكاء في سن مبكرة، ولسوء الحظ فإن هذه القوالب تشير إلى أن البنات لَسْنَ ذكيات مثل الأولاد.
الأبطال العباقرة ذكور فقط
يدعونا سيمبين وليزلي إلى التفكير في أي شخصية تتميز بالذكاء من كِتاب أو مسلسل تليفزيوني رائج،وسنجد أننا سنفكر تلقائيًّا في شخصيات ذكور، مثل «شيرلوك هولمز»، أو «مستر سبوك» من سلسلة أفلام «Star Trek»، أو «شيلدون كوبر» من مسلسل «The Big Bang Theory»، أو غيرهم من الرجال.
هناك بعض الاستثناءات بالطبع، مثل «هيرميون جرانجر» من سلسلة هاري بوتر، و«ليزا سيمبسون» من مسلسل «The Simpsons»، لكن مع ذلك، غالبًا ما تعزز القوالب النمطية الثقافية لدينا فكرة أن الموهبة الفكرية ميزة خاصة بالذكور.
اقرأ أيضًا: أبرز الأفلام التي تناولت حياة وقضايا المرأة العربية
هل يعزِّز الآباء والمدرسون الصور النمطية؟
قد تتسبب القوالب النمطية في آثار دائمة، فتوجه اهتمام البنات بعيدًا عن أمور يرونها خاصةً بالأذكياء.
تشير أدلة كثيرة إلى أنه حتى لو لم يُقِرَّ الوالدان صراحةً بهذه الصورة النمطية، فإنها تؤثر على آمالهم فيما يتعلق بأطفالهم.
يورد الباحثان نتائج تقرير نُشر عام 2014، وجد أن الآباء الأمريكيين استخدموا غوغل للبحث عن جملة «هل ابني عبقري؟» ضعف بحثهم عن «هل ابنتي عبقرية؟»، في حين كانت أسئلتهم المتعلقة بالمظهر الجسدي أكثر شيوعًا بالنسبة للبنات، فقد بحثوا مثلًا عن جملة «هل تعاني ابنتي من السمنة؟» أكثر بنسبة 70% من بحثهم باستخدام السؤال نفسه عن أبنائهم.
من المدهش أن الأرقام تُناقض تمامًا معدلات البحث هذه، إذ تنتشر السمنة بين الرجال في الولايات المتحدة أكثر من النساء، وتميل الفتيات إلى التفوق في الدراسة أكثر من الأولاد، رغم كل افتراضات الآباء والمدرسين عن المواهب الطبيعية والذكاء الفطري للأولاد.
الأولاد أذكياء، البنات لِطَاف
في بحثهم الأخير، درس سيمبين وليزلي 400 طفل تراوحت أعمارهم بين خمسة وسبعة أعوام، اختاراهم من بين قاطني محيط جامعة إلينوي من أبناء الطبقة المتوسطة الأمريكية.
في واحدة من التجارب، حكى الباحثان قصة لـ96 طفلًا (نصفهم إناث ونصفهم ذكور)، وكانت القصة عن شخص «ذكي للغاية» وآخر «لطيف للغاية»، دون تحديد جنس أيٍّ منهما. بعد ذلك، عُرضت أربع صور على الأطفال: رجلان وامرأتان، وطُلب منهم توقع الأشخاص الذين كانوا في القصة.
ربط كلٌّ من الأولاد والبنات الذكاء بنوعهم الخاص، فتوقع الأولاد أن يكون الشخص الذكي رجلًا، في حين توقعت البنات أن يكون امرأة. لكن هذا الربط استمر حتى سن الخامسة فقط، وابتداءً من السادسة، اختار كثير من الفتيات شخصية الرجل ليكون الشخص الذكي في القصة كما فعل الأولاد، وقلت احتمالية ربط الفتيات للذكاء بجنسهن بدرجة كبيرة.
جاءت هذه الاستجابات للصور النمطية من أطفال بيض وملونين على حدِّ سواء، ولم يظهر أي اختلاف في النتائج بسبب مستوى تعليم الوالدين أو الدخل.
قد يعجبك أيضًا: هل اختلاف سلوك الرجال والنساء بيولوجي أم ثقافي فحسب؟
هل الفتيات أكثر اجتهادًا من الأولاد؟
في تجربة أخرى، طلب الباحثان من الأطفال أن يتوقعوا مَن مِن ضمن أربعة من زملائهم (ولدين وبنتين) سيحصل على أفضل الدرجات في المدرسة، فاختارت الفتيات بنات مثلهن. بعبارة أخرى، كانت البنات المشاركات في الدراسة يدركن أن أداء البنات في المدرسة أفضل من الأولاد، لكن هذا لم يغير من أفكارهن عن ذكاء الأولاد.
يشير الباحثان إلى أن هذه القوالب النمطية قد تؤدي إلى آثار دائمة، فهي تبدأ، بمجرد استيعابهن لها، بتوجيه اهتمامهن إلى أمور بعيدة عن تلك الأشياء التي يرونها «غير مخصصة لهن»، ممَّا يؤثر بعد ذلك في اختياراتهن المستقبلية.
ربما يعود ضَعف تمثيل النساء في المهن التي يُعتقد أنها تتطلب ذكاءً خاصًّا إلى مرحلة الطفولة.
في جزء آخر من البحث، عرضت ليزلي وسيمبين على 64 طفلًا تتراوح أعمارهم بين السادسة والسابعة (نصفهم إناث ونصفهم ذكور) لعبتان غير مألوفتين. أخبر الباحثان الأطفال أن لعبة من الاثنتين مناسبة للأطفال الأذكياء للغاية، أما الأخرى فتناسب الأطفال الذين يبذلون كل ما في وسعهم. بعد ذلك، وجَّه الباحثان للأطفال بعض الأسئلة لقياس مدى اهتمامهم باللعبتين.
أظهرت الفتيات اهتمامًا أقل من الأولاد بالألعاب المخصصة للأطفال الأذكياء، ولم يكن لهذا أي علاقة بمظهرها الخارجي، لأن وصف اللعبة نفسها على أنها لعبة للأطفال الذين يبذلون كل ما في وسعهم يجعل اهتمام الأولاد والبنات بها متساويًا.
في هذه المرة كذلك كان الفرق يبدأ منذ عمر السادسة، إذ أظهر الأولاد والفتيات في عمر الخامسة نفس الاهتمام باللعبة المخصصة للأطفال الأذكياء.
مهندسات قليلات؟ السبب في الطفولة
ربما تحمل الاختلافات في تصورات الأطفال آثارًا كبيرة بعد ذلك، ويشير سيمبين وليزلي إلى أن ضَعف تمثيل النساء في المهن التي يُعتقد أنها تتطلب ذكاءً خاصًّا، مثل العلوم والهندسة، ربما تعود جذوره إلى مرحلة الطفولة.
ربما يكون إطلاع البنات على إسهامات النساء الناجحات أفضل طريقة لإقناعهن بأنهن ذكيات بما فيه الكفاية.
ينصح الباحثان بتأكيد أهمية التعلُّم والجهد للنجاح في أي مهنة، بدلًا من التركيز على القدرة الفطرية فقط، إذ ربما يحصِّن هذا الفتيات ضد الصور النمطية. فهذه القوالب التي بدأت بالظهور عند الأطفال منذ عامهم السادس تحدد مَن يُفترض به أن يكون ذا ذكاء فطري، وسيضعف تأثير هذه الصور إذا نظرنا للموهبة والقدرات الفطرية على أنها شيء ثانوي بالقياس إلى الجهد والتعلم.
كذلك، توضح دراسة أن الشروع في توزيع أكثر تكافؤًا للأعباء المنزلية يمكن أن يساعد في تحقيق التوازن في التطلعات المهنية للأولاد والفتيات.
قد يهمك أيضًا: جيل الألفية الأمريكي لا يؤمن بالمساواة في أعمال المنزل
ربما يكون إطلاع البنات باستمرار على نماذج أنثوية ناجحة، مثلما نطلعهن على النماذج الذكية في الرجال، أفضل طريقة لإقناع الفتيات الصغيرات بأنهن في الحقيقة ذكيات بما فيه الكفاية، وتعزيز دوافعهن وحمايتهن من الفكرة القائلة إنهن غير قادرات على المنافسة.