منذ سنوات ليست بعيدة، كان الحديث عن التغيرات المناخية وتأثيرها إلى حدٍ كبير في شكل الحياة في الأرض، نوعًا من الرفاهية الزائدة، وأمرًا لا يهم سوى فئات قليلة.
بمرور الوقت، يبدو أن الأرض أصبحت أكثر ضيقًا بالفعل، فزادت نسبة من بدأوا الالتفات إلى تقلبات المناخ والاحتباس الحراري، مع الكثير من حملات التوعية بما يمكن أن يضر البيئة والاتجاه لإعادة تدوير المنتجات لتقليل التلوث، فـفي سبتمبر المقبل، تصل مستويات الكربون في الجو إلى نسبة عالية شديدة الخطورة، وهو ما حذر منه العلماء لسنوات.
الأجيال المقبلة هي التي ستعاني كثيرًا من آثار التقلبات المناخية.
وبينما كان النقاش الدائر عن التغيرات المناخية في الوطن العربي مقتصرًا على الحديث عن المدن التي ستغرق، ودرجات الحرارة التي ترتفع نسبيًا، عامًا بعد عام،تصاعدت وتيرة الحديث في العالم حتى وصلت إلى حدِّ اتخاذ البعض قرارًا بعدم الإنجاب حفاظًا على الأرض. على اﻷقل هذا ما أشار إليه موقع Broadly.
قررنا عدم الإنجاب
الأجيال المقبلة هي التي ستعاني كثيرًا من آثار التقلبات المناخية، بحسب بيان حديث لليونيسف، مما دفع الكثير من النساء لإعادة النظر في فكرة الإنجاب.
موارد الأرض آخذة في التناقص بشكل ملحوظ.
ورغم أن هذا التفكير قد يبدو للوهلة الأولى «نخبويًا» أو مُرفهًا، خصوصا لقارئ عربي لم يعتد اهتمام حكومته بما يخص البيئة، فإن التغيرات المناخية لن تؤثر في حياة الأجيال المقبلة فحسب، وإنما قد تدمر حياتهم أو تنهيها من الأساس، فأسرة جائعة لن تهتم بإرسال أبنائها للمدارس ولن تستطيع تأمين الرعاية الصحية لهم، بحسب تقرير لليونيسف بعنوان «التغير المناخي والأطفال».
«هارييت سبارك» (Harreit Spark)، منسقة سوشيال ميديا ومدربة غطس أسترالية، تقول: «أنا أعمل في برامج لحماية البيئة، ولهذا أحتك يوميًا بحوادث بيئية في أماكن كثيرة من العالم». وبينما تؤدي عملها، تشاهد سبارك ما يؤكد لها آثار التغيرات المناخية، وأبرزها تحول ألوان الشعاب المرجانية إلى الأبيض في الحاجز المرجاني الأعظم.
كيف تؤثر تغيرات المناخ في الخيارات الإنجابية؟
تُلخِّص سبارك أسباب قرارها عدم الإنجاب في نقطتين: الأولى أنها ترى أن موارد الأرض آخذة في التناقص بشدة، ولا ترغب في الإتيان بشخص جديد في الحياة يشارك في استهلاك الباقي من مواردها، والنقطة الثانية عدم رغبتها في أن يكون لديها طفل في هذا العالم، الذي ترى أنه يمر بأسوأ الظروف، وتُعلِّق على هذا قائلة: «إن العالم بشكله الحالي لا يحتمل المزيد من البشر».
«ستيفاني ويس» (Stefanie Weiss)، كاتبة في الأربعينات من العمر تعيش في نيويورك، هي الأخرى لا تُحبِّذ فكرة الإتيان بأطفالٍ إلى هذا العالم، والدافع وراء ذلك هو أيضًا مشكلات البيئة.
اقرأ أيضًا: «جنيفر أنيستون» ليست معجبة بالأمومة: الإنجاب ﻻ يُكمِّل المرأة
طفل واحد يساوي أكثر من تسعة آلاف طن
السبب وراء قرار ويس كان دراسة قرأتها، نشرها علماء في جامعة ولاية أوريجون. وتتابع: «الرقم 9441 يُمثِّل أطنان الكربون التي تضاف للغلاف الجوي مع كل طفل جديد يولد، هذه الكمية لا يمكن استرجاعها، وهو ما استوقفني».
لتصور قيمة هذا الرقم، يجب معرفة إنه طبقًا للدراسة السابقة نفسها، والأرقام هنا خاصة بالولايات المتحدة الأمريكية، إذا قرر شخص ما إعادة تدوير الورق والبلاستيك والزجاج وغيرها من المواد طول حياته، فإنه لن يحمي البيئة سوى من انبعاث 17 طنًا من الكربون فقط.
منظمات ترفع شعار لا للإنجاب
ربما يبدو أن فكرة رفض الإنجاب نالت المزيد من الانتشار مؤخرًا، لكن في الحقيقة الفكرة ليست جديدة، بل تبنَّتها عدة مجموعات سابقًا، مثل مجموعة (Conceivable Future) أو «المستقبل ما زال ممكنًا». رسالة هذه المنظمة «نشر الوعي بشأن التهديد الذي يحمله تغيّر المناخ للعدالة الإنجابية».
وتقول إحدى مؤسِّسات الحركة، ميجان كالمان (Meghan Kallman): «السؤال الذي نسأله هو، كيف تؤثر تغيرات المناخ في الخيارات الإنجابية؟ وقد لاقى هذا السؤال صدىً كبيرًا لدى الكثيرين».
وتسعى المنظمة لنشر فكرتها للمرأة في كل مكان، تضيف كالمان: «نحن نمنح الجميع الفرصة لاستكشاف هذه الفكرة ومناقشتها، لما ستتركه من صدى كبير على حياتهن». وتختلف الآراء وطرق التلقي بين النساء، هناك من تقتنع تمامًا بالامتناع عن الحمل، وهناك من عقدت النية بالفعل على الإنجاب ولن تتراجع عن هذا، وأخيرًا هناك من يرحلن دون اتخاذ قرار نهائي.
أما أطرف ما ذكرته كالمان عن هذه الاجتماعات فهو أن بعض النساء يأتين بأطفالهن معهن بالفعل. لك أن تتخيل أن يذهب أطفال لحضور اجتماع عن خطورة الإنجاب، أي إن هذه المحاضرة لو كانت قد ظهرت منذ سنوات قليلة، ربما ما كانوا سيأتون إلى الوجودأصلًا.
الرجال يقولون نعم والنساء يقلن لا
«ترافِس ريدر» (Travis Rieder) الباحث في جامعة جونز هوبكنز بيرمان (Johns Hopkins Berman) الذي ألَّف كتابًا عن العلاقة بين زيادة السكان وتقلبات المناخ، كان له رأي في كيفية تقبل المرأة والرجل فكرة إلغاء الإنجاب.
من الطبيعي أن يشجع الرجال الإنجاب، فهم يعرفون أنهم لن يتحملوا أيًا من مشقات عملية الولادة.
يقول ريدر: «ألقيت محاضرات في عدة ولايات، النساء صغيرات السن يسهل تقبلهن للفكرة، وأخذها على محمل الجدية، وأعتقد أنهن فكَّرن أن تنظيم الأسرة يمثل تحديًا لحياتهن الوظيفية».
ولكن عندما ينتقل الحديث إلى الرجال فإن الصورة تنقلب، يعلق ريدر «طول فترة تدريسي، يمكنني إحصاء عدد الرجال الذين اقتنعوا بفكرة عدم الإنجاب على أصابع يدي. أعتقد أنه من الطبيعي أن يفكر الرجال بهذا الشكل عن قصد أو دون قصد، في النهاية هم يعلمون أنهم لن يتحملوا أيًا من مشقات عملية الولادة».
اقرأ أيضًا: المأساة الجنسية في العالم العربي
الرجل يرى المرأة أنانية
بالعودة إلى الكاتبة ستيفاني ويس، فإن لديها تجربة شخصية عن رفض الرجال هذه الفكرة. تحكي ويس أن معظم من وصفوها بالأنانية، بسبب قرارها عدم الإنجاب كانوا رجالًا، وعندما اتخذت هذا القرار كانت على علاقة برجل، وصفها هو الآخر بالأنانية وبأن تفكيرها هذا غير أخلاقي.
في حين ترى ويس أنها واقعية وأخلاقية لاتخاذها هذا القرار، وتعتقد أن العالم لا يستطيع استقبال المزيد من البشر، ولهذا فهي لن تأتي بالمزيد من البشر.
الأمر يستحق أن نعرف لِمَ يقرر هؤلاء الآمنون ألا ينجبوا أطفالًا إلى العالم، وما الضرر الذي سيلحق بالأرض من أبنائنا المستقبليين.
هذا القرار إذا اتخذه زوجان عربيان، فعلى الأغلب سيكون بدافع الخوف على سلامة أبنائهم المستقبليين، النفسية والجسدية، أو على حياتهم، إذا كان حظهم عثرًا وولدوا في إحدى مناطق الاقتتال المتناثرة على خريطتنا العربية.
الحفاظ على النفس أهم بالنسبة إلى العرب من الحفاظ على الكوكب، باعتبار الحفاظ على الأرض ليس جزءًا من السعي للحفاظ على الأرواح، لكن الأمر يستحق أن نعرف لِمَ يقرر هؤلاء الآمنون ألا ينجبوا أطفالًا إلى العالم، وما الضرر الذي سيلحق بالأرض من أبنائنا المستقبليين.
في النهاية قد تتفاوت الآراء، لكن الأرقام لا تكذب، ويبدو أن الكوكب العجوز ضاق بناسه!