إذا جربت العمل في مركز لخدمة العملاء، فلا بد أنك تألف شكل المكتب المفتوح بما يحويه من مكاتب مرصوصة جنبًا إلى جنب، وتعتاد سماع الجدال الدائر بين زملائك والعملاء، وربما ألقى صديقك في الصف المقابل كرة مطاطية على رأسك خلال محاولتك إرضاء عميل متذمر، وكل هذا بينما تأتي موسيقى مزعجة من آخر المكتب كقدر لا مفر منه. هكذا يكون روتينك اليومي في العمل.
ترجع إلى البيت، وكل ما تتمناه لليوم التالي هو بعض الهدوء في مكتب خاص بك، ولكنك تعلم أن صاحب الشركة لن يوفر لك سوى المكتب المفتوح الواسع الذي يضم عشرات العاملين.
ليست شركات خدمة العملاء فقط من تفضل وضع موظفيها في مكاتب مكشوفة متلاصقة لا يفصلها جدار، وهو ما يعرف باسم المكتب المفتوح، بل يفعل ذلك عديد من الشركات العالمية مثل غوغل وياهو، كما يورد مقال لجريدة الواشنطن بوست.
المكتب المفتوح: تقليعة جديدة تزداد انتشارًا
يذكر المقال أن مارك زوكربيرغ مؤسس موقع فيسبوك وكَّل المعماري الشهير «فرانك غيري» لتصميم أكبر مكتب مفتوح في العالم، يتسع لثلاثة آلاف موظف.
يبدو على مُلَّاك الشركات الكبرى الاقتناع بما يعكسه هذا النمط المكتبي من شفافية وعدالة، وهذا مثلًا رأي «مايكل بلومبيرغ»، عمدة نيويورك الأسبق وأحد أوائل من تبنوا هذا التصميم الجديد لمكاتب العمل، وطبَّقه في مبنى البلدية في أثناء إدارته لمدينة نيويورك.
بعيدًا عن الكلمات البراقة، هل يمنح المكتب المفتوح موظفيه مناخًا ملائمًا للعمل، أم يصب في صالح أصحاب الشركات فحسب؟
قد يعجبك أيضًا: كيف غيَّر كارل ماركس وجه العالم؟
المكتب المفتوح سيصيبك بالإحباط والتشتت
يجني رجال الأعمال مزايا كثيرة من المكتب المفتوح، الذي أصبح تقليدًا منتشرًا في عالم البيزنس، فبجانب توفيره النفقات واستغلاله كل بوصة من مساحة الشركة، فإنه يُمكِّن أصحاب العمل من مراقبة العاملين عن قرب، والقضاء على الأوقات التي يهدرها بعض الموظفين في تصفح مواقع التواصل الاجتماعي أو إجراء مكالمات شخصية، لأن المدير لن يرغب في دفع رواتب مقابل هذه الدقائق.
لكن هل يدرك المديرون الانعكاس السلبي للمكاتب المفتوحة على أداء العاملين؟ على الأرجح لا.
تعمل ضوضاء المكاتب المفتوحة على تقليل إنتاجية الأفراد بمقدار الضعف مقارنةً بالمكاتب الخاصة.
يعاني عديد من العمال في المكاتب المفتوحة من حالة إحباط بسبب التشتت الهائل الذي يتعرضون له خلال العمل،حسبما أقرت دراسة أُجريت عام 2013.
اتفق نصف المشاركين في الدراسة على افتقادهم الشعور بالخصوصية في ما يقولونه في المكتب، فكل من حولهم يستطيعون سماع محادثاتهم، كما أعرب 30% من المشاركين عن مواجهتهم المشكلة نفسها في الخصوصية البصرية، لأن من يجلس أمامك أو إلى جوارك يستطيع رؤية كل ما تفعله: التقرير الذي تكتبه، والساندويتش الذي ابتعته للتو، وطريقة جلوسك إلى المكتب.
قد يهمك أيضًا: لماذا نزداد قلقًا يومًا بعد يوم؟
ربما لا يواجه الموظفون في المكاتب المفتوحة مشكلة في التفاعل مع زملائهم، وهذه تكون عادةً الحجة الأبرز في الدفاع عن هذا التصميم. لكن أقل من 10% فقط من العاملين يجدون صعوبة في التواصل، سواءً في المكاتب المفتوحة أو المغلقة، بينما تعمل الضوضاء الملازمة لطبيعة العمل في المكاتب المفتوحة على تقليل إنتاجية الأفراد بمقدار الضعف مقارنةً بالمكاتب الخاصة.
يخلق المكتب المفتوح حميمية بين الزملاء ربما تُخفي تأثيره السلبي على أدائهم، إذ يتعزز شعور الموظف بأنه جزء من المؤسسة، لكن يقلُّ انتباهه وتفكيره الإبداعي، وينخفض مستوى رضاه وإنتاجه، عكس ما يحدث في حالة حصوله على الخصوصية أثناء عمله. وبالإضافة لكل هذه المساوئ، قد يذهب العاملون إلى العمل بكامل صحتهم، ثم يلتقطون عدوى من أحد الموظفين تتركهم وقد تمكن منهم المرض، فيتعطَّل سير عملهم.
كيف يمكن جعل المكتب المفتوح أكثر انغلاقًا؟
هل سيعترف أصحاب الشركات بالتأثير السلبي للمكتب المفتوح؟
لو رغب أصحاب الشركات في إنجاح العمل في المكاتب المفتوحة، عليهم إرساء قواعد للحدِّ من هذا الصخب اليومي وزيادة كفاءة العاملين، إذ لا يُعقل أن يُركِّز شخص في عمله خلال وجوده في مكان تدور به محادثات بين 12 فردًا على مدار الساعة.
يجب على أصحاب الأعمال إنشاء مزيد من الأماكن الخاصة، ووضع قوانين صارمة بخصوص التفاعل بين الزملاء، مثل التنبيه بعدم إزعاج أي موظف منشغل بعمل، والمرور عليه في وقت لاحق أو التواصل معه عبر البريد الإلكتروني، بالإضافة إلى منع الاستماع إلى الموسيقى بصوت عالٍ في المكتب.
مثلما أقبل رواد الأعمال على هذا النمط الرائج من مكاتب العمل، قد ينبغي عليهم إلقاء نظرة على طريقة العمل عن بُعد أو من المنزل، وهي طُرُق أثبتت فعاليتها، وربما تدفع موظفيهم إلى العمل ساعات أكثر، لأنهم لن يتعرضوا لهذا الكَمِّ من التشتيت.
اقرأ أيضًا: الاقتصاد للجميع: قصة ثلاثة طلبة يريدونك أن تفهم ما يقوله الخبراء
لكن هل سيعترف أصحاب الشركات بنتائج هذه الدراسات التي أثبتت التأثير السلبي للمكتب المفتوح على إنتاجية الموظفين؟ أم ربنا يغُضُّون النظر عنها متأثرين بما يوفره لهم هذا النمط المكتبي من مكاسب وأموال، وسُلطة مراقبة كل صغيرة وكبيرة تدور حولهم في العمل؟