كيف ننتقل بسلام من الحب الملتهب إلى الود والحنان؟

الصورة: Getty/Eric Audras

دينا ظافر
نشر في 2018/08/28

تبدأ كثير من قصص الحب بدايات متشابهة: مشاعر ملتهبة وأشواق لا تهدأ ورغبة دائمة في الاقتراب من الحبيب. ثم تخبو حدة المشاعر، ويعلو صوت العقل على حساب همسات القلب، وربما انتهت العلاقة إلى الأبد عند انطفاء جمرة الحب هذه.

كيف يمكن أن يستمر الزواج حتى بعد أن يذهب وهج البدايات، وأول لقاء، وأول نزهة، وأول رحلة؟ وكيف نتوقف عن الانصياع الأعمى إلى إملاءات المشاعر؟ لماذا لا تستمر بعض العلاقات التي ظهرت مثالية حين بدأت؟ هذه هي الأسئلة التي سعت «جيل روثينبرغ» إلى الإجابة عنها في مقال لها على موقع «Quartz»، مستعرضة إحدى تجاربها الشخصية.

مات الحب بعد أربعة أشهر

دق قلب الكاتبة جيل فور أن دخل ذلك الرجل ذو العينين الزرقاوين إلى أحد مقاهي ستاربكس في مانهاتن. كان يرتدي قميصًا برتقاليًّا فاقعًا فوق زِي العمل، وترك حذاؤه المتسخ آثارًا من الطين حيث سار. خلع قبعته، ومسح عرقه وأعطى طلبه للنادل. بدا متعجلًا، ولعل هذا ما ميَّزه وسط الرؤوس الكثيرة المتيبسة المنحنية أمام شاشات الكمبيوتر.

طلب قهوته وهو يتفقد المكان من حوله، وحينها التقت أعينهما. ابتسم لها ابتسامة خفق لها قلبها، واشتعلت شرارة الحب لتعلن بدء ما تسميه الكاتبة: «رقصة الهرمونات».

«حين يتعلق الأمر بالحب، فإننا نفضل القصص القصيرة».

كان في ذلك الشاب كثير مما يجذب «جيل» بشكل شخصي في الرجال. تحكي عن أن إحدى صديقاتها كانت لديها القدرة على تحديد نوعية الرجال الذين تنجذب إليهم «جيل» في أي مكان مهما ازدحم. رغم هذا، كانت الكاتبة عزباء.

تتظاهر «جيل» بأنها تُحضِر منديلًا، وعندما تستدير تجد ذلك الشاب الجذاب إلى جوارها. يخبرها بأنه من جزيرة ستاتن، ويعمل في موقع بالقرب من بارك أفينيو. من ناحيتها، تخبره بأنها في زيارة إلى المدينة، وأنها من سكان الغرب.

بعد دقائق، كانا معًا في الموقع يجلسان وسط الزهور، يحدق كل منهما في عيني الآخر تائهًا لا يشعر بضجيج المرور. لا تذكر الكاتبة ما تبادلاه من كلمات وقتها. تبدو كبداية مثالية؟

بعد أربعة أشهر فقط، انتهت قصة حب «جيل» و«ستيف».

كانت «جيل» في منتصف الأربعينات من عمرها، ومع ذلك عاجزة عن بناء أساس قوي لعلاقة حب، ربما بسبب الخوف، فكانت تدخل في علاقات حب عابرة، تنتهي واحدة فتبدأ أخرى. يقول الخبراء إن كثيرًا من الناس يعجزون عن بناء علاقة طويلة الأمد تتأسس على الحميمية والثقة أكثر منها على الرغبة.

قد يهمك أيضًا: خرافة كيوبيد: الحب اختيار

تعمُّد الوقوع في الحب؟

تستكشف «ماندي لن كاترون»، في كتابها «How to Fall in Love with Anyone: A Memoir in Essays»، إمكانية تهيئة الأجواء للوقوع في الحب، وهذا المؤلَّف مستوحى من عمودها الشهير «To Fall in Love with Anyone, Do This» في «نيويورك تايمز»، والذي كتبته عام 2015، ونال شعبية كبيرة.

في عمودها حكت كاترون عن خروجها في موعد غرامي مع شخص تعرفه لاختبار مجموعة من الأسئلة حددها عالم النفس «آرثر آرون» لخلق حالة من الحميمية بين شخصين في أجواء معملية. الأسئلة التي حددها تشمل: «متى كانت آخر مرة غنيت لنفسك؟» و«هل لديك شعور خفي بمعرفة الطريقة التي ستموت بها؟». الهدف من تلك الأسئلة أن يدرك كل طرف حقيقة الآخر. لكن «كاترون» تقول في كتابها: حين يتعلق الأمر بالحب، فإننا نفضل القصص القصيرة، في ما يبدو.

تقول كاترون إن عمودها الشهير أصبح مثل قصة «خزعبلية» مبالَغ في بساطتها، تقترح أن هناك طريقة مثالية لعيش حالة حب. «لقد جعل الحب يبدو متوقعًا، مثل نص مكتوب يمكن الالتزام به. كان واضحًا أنني قدمت شيئًا قويًّا: فكرة وجود صيغة جاهزة للوقوع في الحب».

تقول جيل إن كتاب كاترون يصحح هذه الفكرة. عندما تعثرت علاقتها العاطفية هي شخصيًّا، وانتهى زواج والديها، بدأت رحلتها البحثية لفهم الأسباب التي تجعل علاقة رومانسية تتنتهي أو تتعمق، لم تكن تشغلها الأسباب التي تطلق شرارة الحب الأولى.

كانت إحدى النتائج المدهشة التي توصلت إليها أننا نملك قدرًا أكبر من السيطرة على مجريات علاقاتنا العاطفية على عكس الاعتقاد السائد بأننا نقف عاجزين في مواجهة مشاعر الحب.

قد يعجبك أيضًا: كيف يمكن لسؤال واحد أن ينقذ زواجًا منهارًا؟

يخبرنا العلم بأن الأمور البيولوجية، مثل تغير الفرمونات والهرمونات، تلعب دورًا كبيرًا خلف الكواليس. لكن كاترون تزعم، رغم هذا، أن الحب أكثر مرونة مما نعتقد. تقول كاترون: علمتني دراسة «آرثر آرون» أنه يمكن بسهولة أن نخلق الثقة والحميمة، وهي المشاعر التي يحتاجها الحب ليزدهر.

تدعم أبحاث أخرى فكرة أن النوايا تحدد كثيرًا من نتائج علاقاتنا. إذ وجدت دراسة أجرتها جامعتا «روتشستر» و«جورجيا» أن الأشخاص الذين يتمتعون بمستويات أعلى من «التأمل الواعي» (وهو تمتعك بانتباه مفتوح ووعي بما يحدث) أظهروا درجة إشباع أكبر في علاقاتهم العاطفية. ربطت الدراسة كذلك بين «التأمل الواعي» والتمتع بمهارات تواصل أفضل، ما يساعد على التخفيف من وطأة النزاعات في العلاقات.

ينبغي أن تجد الأشياء التي تعطيك شعورًا بالإشباع وتسهم في إحساسك بقيمتك. ولن يستطيع شريكك الرومانسي أن يفعل ذلك.

بينما تُعظِّم كثير من الأفلام والكتب والبرامج من شأن لهيب الحب والرومانسية، فإنه يمكن للأشخاص أن يستفيدوا من التطلع إلى ما وراء شرارة الحب الأولى والانجذاب، وفقًا لعالمة الاجتماع والجنس بجامعة واشنطن «بيبر شوارتز» التي تعمل خبيرة علاقات في برنامج على تلفزيون «A&E» باسم «Married at First Sight» الذي تعمل فيه لجنة على تزويج شخصين بناءً على نتائج استبيان مفصَّل ملأه الطرفان. البرنامج يقدم فكرة تشبه «زواج الصالونات»، وإن كان بطريقة أكثر عصرية تسمح أيضًا للزوجين بأن ينفصلا بعد بضعة أشهر من الزواج.

يقترح الأسلوب المنطقي الذي تتخذه الحلقات في تزويج الأشخاص، أن العقل والمنطق يمكنهما أن يكونا مرشدَيْن في مسائل الحب، أفضل من الاستسلام لفوران الهرمونات.

تقول شوارتز إن ما يهم في تلك الزيجات حصولك على شخص يتمتع بالشرف والنزاهة. فمن المهم أن تتزوج شخصًا ترى أنك في موضع آخر قد تحترمه كزميل، شخص له قدرة على مساءلة نفسه والالتزام بمرتبة أعلى والاعتراف بفشله حين يعجز عن الوصول إلى تلك المرتبة، فنحن نخذل أنفسنا، ونحتاج إلى شخص يفهم هذه العملية ويمارسها مع نفسه أيضًا.

توصي «شوارتز» بترك فكرة أن الحب الرومانسي سيجعل جميع مشكلاتنا الأخرى تختفي. وتؤكد أن الاعتقاد بأن الطرف الآخر «سيُكملك» كفيل بأن يجعلك تشعر بالفراغ من داخلك، بوجه عام.

يمكن لشخص آخر أن يساعدك، لكنه لن يجعلك ما تريد أن تكون. في نهاية الأمر، ينبغي أن تجد الأشياء التي تهمك وتعطيك شعورًا بالإشباع وتتحدى قدراتك وتسهم في إحساسك بقيمة نفسك. لا يستطيع شريكك الرومانسي أن يفعل ذلك.

الرومانسية المستديمة ممكنة

بمجرد أن نجد الشريك المناسب، توصي كاترون بمجموعة أمور من أجل الحفاظ على ذلك الحب، بناءً على النظرية النفسية التي يسميها الباحثون «العزو الخطأ للإثارة».

الوضوح بشأن الاحتياجات الشخصية والزوجية وكيفية الوفاء بها له تأثير ضخم في مسار الزواج.

تشير النظرية إلى أنه حين نفعل أمرًا شديد الإثارة نمتلئ حماسًا، وتتسارع دقات قلوبنا، أو حتى حين نفعل شيئًا جديدًا ومثيرًا، فإننا نميل إلى إرجاع هذه المشاعر القوية إلى الشخص الذي نكون بصحبته، بدلًا من نسبها إلى الشيء نفسه الذي نفعله، وفق كاترون. هذا هو السبب الذي يجعل برامج تليفزيون الواقع، مثل «The Bachelor»، ترسل المشاركين في رحلات إلى القفز المظلي الحر.

لذا، فإنه في العلاقات طويلة المدى، ربما تكون فكرة جيدة أن يسعى الطرفان إلى خوض تجارب جديدة معًا، مثل تجربة مطعم يقدم أكلات جديدة، أو ممارسة هواية مشتركة مثل تسلق الصخور وغيرها.

قد يهمك أيضًا: 3 صفات تصنع «الرجل الحقيقي» في عين المرأة

في عمود جديد لها في «The New York Times»، تنصح كاترون الأزواج بالاحتفاظ «بعقد للعلاقة»، يحدد كل شيء من ممارسة العلاقة الزوجية وأداء الأعمال المنزلية وصولًا إلى النفقات والخطط المستقبلية، وترى أن هذا العقد يساعد الأزواج في الوقوف على المشكلات قبل أن تتفاقم.

الوضوح بشأن الاحتياجات الشخصية والزوجية وكيفية الوفاء بها له تأثير ضخم في مسار الزواج، وفق «سوزان بيز غادو» التي شاركت في كتابة «The New I Do: Reshaping Marriage for Skeptics, Realists, and Rebels».

يُذكِّرنا هذا العقد، وفق كاترون، بأن الحب ليس شيئًا يحدث لنا، وإنما نصنعه معًا. هذا الأسلوب ما يجمعنا في المقام الأول.

أما عن الأزواج الذين جمعتهم كاترون في إطار اختبارها الأسئلة التي وضعها آرون لبناء الحميمية، فهم ما زالوا معًا إلى اليوم.

تتمنى جيل، كاتبة المقال، لو كانت استفادت من الأسئلة التي وضعها آرون في تعميق علاقتها مع صاحب العينين الزرقاوين، مثلما تتمنى أن لو كان كل منهما استكشف طبيعة الآخر واحتياجاته وأهدافه في الحياة. على كل حال، فإن جيل تقول إنها في المرة القادمة التي تقابل شابًّا يعجبها، ستكون واعية تمام الوعي بأن الوقوع في الحب والاستمرار فيه لا يعني دائمًا أن يأخذك حب جارف.

مواضيع مشابهة