ورق عنب، بامية، كبسة، مكرونة بالبشاميل.. أظن أن استمراري في سرد هذه القائمة لن يكون في صالح استمرارك أنت في قراءة تلك السطور، إذ يصعب أن نجد بيننا من يستطيع مقاومة هذه الأصناف، التي تميز مطابخنا العربية بما تحتويه من دهون وبهارات، لكن بعد أن تُرضي أنفك برائحتها الزكية وفمك بمذاقها الشهي، تأتي معركة المعدة لإزالة آثار العدوان وهضم تلك الوجبة الدسمة؛ مهمة يصعب إتمامها دون عامل مساعد.
عرف العالم مشروب الزبادي من منطقة الشرق الأوسط والهند، لكنه ظهر بمذاق مالح وأُطلق عليه «لبن العيران».
مشروب الزبادي، الذي يعرف بأسماء تجارية عديدة مثل «الزبادو» و«الرايب» وغيرها، يسميه الخليجيون (وهو منتشر في الخليج ربما أكثر من أي مكان في الوطن العربي)«لِبَن»، يأتي كالمنقذ لكثير ممن يعانون مشاكل بالهضم أو حموضة بالمعدة يصحبها عدم ارتياح، لا يلبث أن يزول في وجود هذا المشروب الذي ينزل بردًا وسلامًا على معدتك. وبهذا التأثير السحري، استطاع مشروب الزبادي أن يكتسب شعبية كبيرة في الأسواق العربية والعالمية في غضون سنوات معدودة، خصوصًا بعد أن تفننت الشركات في تقديمه بالعديد من نكهات الفواكه المحببة للصغار قبل الكبار.
قد يعجبك أيضًا: كيف تحولنا إلى وصفات مطبوخة في قدور العالم
أسباب شعبيته
ساعد الإيقاع السريع للحياة العصرية على زيادة شعبية مشروب الزبادي، كما ساعد على رواج سلع غذائية أخرى، فوسط ازدحام جدول أعمال اليوم يضطر الإنسان إلى تناول عدد أكبر من الوجبات الخفيفة صغيرة الحجم المشبعة بالزيوت والدهون، فأصبح الشكل التقليدي للزبادي في صورته الصلبة غير عمليًّا بالقدر الكافي لمواكبة هذا النمط، ليأتي المشروب في زجاجة رشيقة سهلة الحمل والفتح، يمكن تناوله مباشرة منها دون أي أدوات أو تحضيرات خاصة، ليصبح الحل الأمثل.
أصله شرقي
بحث موقع كوارتز الأمريكي في أصل نشأة مشروب الزبادي. فقد يتخيل البعض أن فكرة تصنيعه، شأنها شأن الكثير من الأفكار الصناعية، وُلدت في الغرب ثم انتقلت إلى دول العالم الثالث، بعدما أخذت حقها من القبول الشعبي هناك، وهذا معتقد خاطئ إلى حد بعيد؛ فقد عرف العالم مشروب الزبادي من منطقة الشرق الأوسط والهند، لكنه ظهر بمذاق مالح، بعكس ما أضيف له من نكهات الفواكه في وقتنا الحالي، وكان يطلق عليه اسم «شنينة» أو «لبن العيران».
ناجي: الزبائن يقبلون بشراهة على تناول لبن العيران، سواء أضافوا إليه قطع الخيار أو تناولوه دون إضافات.
الشنينة أو «Doogh» هو مشروب زبادي خفيف، يعد ضمن المواد الغذائية الرئيسية في إيران، يُترك خارج الثلاجة قبل استهلاكه لعدة أيام لتعزيز مذاقه، بعكس مشروب الزبادي حلو المذاق المتداول حاليًا في أسواقنا العربية وأوروبا وأمريكا.
اقرأ أيضًا: رحلة في الجذور العربية للمطبخ الصقلي
تطوره في أمريكا
وفقًا لتقرير كوارتز، فقد تطور الذوق العام لدى شريحة من الأمريكيين في السنوات الأخيرة، إذ تحمسوا لمذاق جديد ولذيذ لمشروب الزبادي، ما زاد من الإقبال على الزبادي اليوناني الذي يحتوي على نسبة أعلى من الدهون، وبطعم طبيعي خالٍ من السكر. ومع تزايد الوعي بأهمية المحافظة على صحة الأمعاء، وفوائد بكتيريا «البروبيوتيك» (Probiotic)، تحول الأمريكيون إلى استهلاك مشروب «الكفير» أو الفطر الهندي الذي يشبه مذاقه الزبادي، ويتم إعداده من حليب الأبقار أو الأغنام أو الماعز مع حبوب الكفير، التي تتكون من البكتيريا والخميرة وخليط من البروتين ودهن الحليب والسكر.
ناجي بستاني، الذي يعمل طاهيًا في مطعم تركي يدعى «مانوشه» بمدينة نيويورك الأمريكية، يقول إن زبائنه لا زالوا يقبلون بشراهة على تناول لبن العيران، سواء أضافوا إليه قطع الخيار أو تناولوه دون إضافات. ويعتقد بستاني أن ما عُرف عن لبن العيران من فوائد صحية هو أحد أسباب إقبال الزبائن عليه، فيما يرى آخرون أنه لا يزال أمامهم وقت طويل لاعتياد المذاق المالح لمشروبهم المسكَّر المفضل.