بسرعة لو سمحت: لماذا أصبحنا متعجلين دائما؟

الصورة: Getty/Yury Vinokurov

دينا ظافر
نشر في 2018/02/22

يصل بعضنا إلى مرحلة من العجلة المستمرة تجعله يركض على السلالم المتحركة صعودًا وهبوطًا، ويتوقف في إشارة المرور كابِسًا بقدمه على «الدبرياج»، ممسكًا بمقبض الغيار استعدادًا للانطلاق حتى قبل أن تتحول الإشارة إلى اللون الأخضر.

هل أنت من الذين يغلقون صفحة إنترنت استغرق تحميلها أكثر من ثلاث ثوان، ويفوِّتون أجزاء من مقاطع الفيديو التي يشاهدونها كي يصلوا سريعًا إلى خلاصتها، ولو على حساب الاستمتاع بمحتواها؟

هل تجد نفسك تُزَرِّر قميصك وأنت تُعِد قهوتك، وتتفقّد هاتفك، وتتحدث مع أمك، أما عقلك ففي مكان آخر يتساءل إن كنت ستلحق بتدريب «الجيم» بعد الانتهاء من العمل، هذا ويومك بالكاد بدأ؟

أو ربما وصلت إلى مرحلة بائسة من العجلة تمنعك حتى من شرب كوب شاي ساخن يعلن منظر البخار المتصاعد منه عن لحظات قليلة من الراحة تلتقط فيها أنفاسك وسط يوم طويل. ربما لا يتوقف عقلك عن الثرثرة، ولا يفتأ يُذكّرك بكثرة الأعمال التي لم تنجزها بعد، ولا يَفوته أن يوسوس لك بأن ساعات اليوم قليلة، فتهب من مجلسك، وتنصرف إلى عمل هنا أو هناك، ثم تعود، فتجد الشاي باردًا.

إذا كنت قد فقدت لذة الاستمتاع بالحاضر من فرط الانشغال، ربما تعاني «اضطراب العجلة»، وهنا نسعى إلى كشف أسبابه وأعراضه، وكيفية التغلب عليه.

انجِز: لماذا صرنا متعجلين طوال الوقت؟

الصورة: Snapwire

ربما لأننا نعمل لفترات أطول بينما الوقت محدود

نحن في عصر ترتفع فيه قيمة الوقت، فالوقت يساوي المال، وتزداد تكاليف الحياة بينما يقل الشعور بالأمان الوظيفي، وهو ما يضعنا تحت ضغط أكبر لإنجاز مزيد من العمل وجمع كثير من المال، فكثيرون يعملون لساعات إضافية، أو في أكثر من عمل لرفع الدخل.

المعضلة أننا حين نكسب أموالًا أكثر، لا نكسب معها وقتًا إضافيًّا لإنفاق ما جنيناه من أموال، والنتيجة أن الوقت، ذلك المصدر المحدود غير المتجدد، أصبح ذا قيمة أكبر من السابق، وأصبحت لدينا رغبة قوية في تحقيق أكبر استفادة منه مهما ضاق.

أصبحنا نعيش في «عالم لا نهائي»، فهناك مزيد من الاجتماعات باستمرار، ومزيد من الإيميلات والمقالات التي تستحق القراءة، ومزيد من الأفكار.

لأن كثرة وسائل الترفيه قد تكون نقمة

أوقات الفراغ صارت أقل، وحين تأتي هذه الأوقات نجد أن تعدد وسائل الترفيه سبب آخر يفسر شعورنا بضيق الوقت، وهذا ما تقترحه دراسة أمريكية، فتعدد أماكن التنزه، والأفلام في السينمات، والبرامج التلفزيونية، والكتب المنشورة، يجعلنا نشعر بضيق الوقت، لأن تعدد الاختيارات، الذي يبدو في ظاهره إيجابيًّا، قد يسبب التوتر، فلو اخترت شيئًا بعينه سيكون حتمًا على حساب اختيار آخر ليس لديك الوقت لتجربته.

حين نستنفد جانبًا كبيرًا من الوقت والطاقة في العمل، يعزز هذا رغبتنا في تحقيق أعلى استفادة من أوقات الفراغ.  فأنت تريد أن تقرأ رواية اشتريتها، وأن تتسوق لاختبار أحدث الهواتف الذكية، وأن تذهب إلى المقهى الجديد، وأن تواظب على رياضتك في الجيم، وأن تتابع برنامج مسابقات الغناء، ولكن أين الوقت لكل ذلك؟

لأن عالمنا لا محدود

أصبحنا نعيش في «عالم لا نهائي»، فهناك مزيد من الاجتماعات باستمرار، ومزيد من الإيميلات والمقالات التي تستحق القراءة، ومزيد من الأفكار، إضافةً إلى أن وجود التكنولوجيا الرقمية المحمولة في أيدينا جعل العمل والمسؤوليات تتنقل معنا أينما كنا.

يجعلنا هذا نتخيل أننا مغمورون بالأعمال والمسؤوليات طوال الوقت، وقد نضطر إلى أداء عدة مهام في وقت واحد، أو التنقل بين مهام مختلفة، وهذا يُشعرنا بشُح الوقت والرغبة المُلحة في الإنجاز، لكننا بشر لنا قدرات محدودة، بينما نحاول أداء مهام لا نهائية.

ولو لم نستخدم هواتفنا الذكية في إنجاز العمل، سنستخدمها بصورة تقتطع من أوقات فراغنا، فنشعر بأن الوقت المتاح للاستمتاع بممارسة هواية أو التنزه بات محدودًا، فمن منا يشعر أنه انتهى أخيرًا من قراءة كل منشورات فيسبوك أو مشاهدة صور إنستغرام؟

لأن وعينا بالوقت صار مشوهًا

يقترح باحثون أن الهواتف الذكية وغيرها من الأدوات التكنولوجية الحديثة تجعلنا نشعر بأن الوقت يمر بصورة أسرع من الحقيقة، فكأننا نحاول أن نحاكي هذه التكنولوجيا لنكون أسرع وأكثر كفاءة. وعلى الرغم من أن ذلك قد يساعدنا على العمل بصورة أسرع، فإنه يجعلنا كذلك نشعر بضغط أكبر بسبب الوقت.

قارن الباحثون بين مجموعتين من الأشخاص في ما يتعلق بإحساسهم بمرور الوقت، المجموعة الأولى تستخدم التكنولوجيا بصورة دائمة، والثانية نادرًا ما تستخدمها. مستخدمو التكنولوجيا يبالغون في تقدير الوقت المنصرم، فلو مضت 50 دقيقة خلال جلوسهم في غرفة، سيشعرون بأنها ساعة كاملة. هذا الفرق في التقدير يعني أنهم قد يشعرون بتوتر أكبر نتيجة لإحساسهم بأن الوقت يمضي بخطى أسرع من الواقع.

لأننا لم نعد نطيق الانتظار

أصبحنا متعجلين نافدي الصبر لأننا تعوّدنا إشباع رغباتنا فورًا، وربما كان هذا أيضًا من آثار الاتصال المستمر بالإنترنت عبر الهواتف الذكية، الذي عودنا على العثور على أجوبة فورية وإيجاد حلول سريعة، فحتى مقعدك في السينما تحجزه بضغطة زر، والتاكسي تطلبه من خلال تطبيق دون أن تفارق مكانك، والقاموس تقلب صفحاته جالسًا.

ارتفع سقف توقعاتنا، فلو لم نحقق ما نريده في التو سينتابنا شعور ثقيل بأننا نضيع فرصة فعل شيء آخر.

تكشف الإحصاءات أن أكثر من خُمس مستخدمي الإنترنت يغلقون أي مقطع فيديو يستغرق أكثر من خمس ثوانٍ في التحميل. وينصرف الناس عن فتح موقع على الإنترنت لو وجدوه أقل سرعةً من موقع منافس بأكثر من 250 مللي من الثانية (المللي ثانية = واحد على الألف من الثانية).

لقد وصلنا فعلًا إلى ذلك السقف الطموح، الذي يجعلنا نقيس استفادتنا من الوقت «بالثانية».

قد يعجبك أيضًا: من قال لا تؤجل عمل اليوم إلى الغد؟

فيمَ العجلة؟ الاستعجال المستمر مرض

الصورة: Free-Photos

لو كنت تعاني اضطراب العجلة، فأنت تعيش في المستقبل وليس الحاضر، وتعجز عن التوقف لملاحظة التفاصيل التي تعطي طعمًا للحياة، فعينك دائمًا على الهدف.

اضطراب العجلة نمط سلوكي يعاني صاحبه اللهاث والتوتر المستمرّيْن، فالمصاب به يتمكن منه شعور دائم بالاستعجال، فهو يعتقد، بشكل مزمن، أن وقته ضيق، لذا يُسرع بإنجاز مهامه، ويرتبك حين يتعرض لأي تأخير.

يقلق من يعانون اضطراب العجلة بشأن قدرتهم على الالتزام بالمواعيد، فيكثفون جهدهم للانتهاء من التزاماتهم سريعًا، ويلهثون حين يمكن أن يكونوا أقل سرعة، ويؤدون عدة أعمال في نفس الوقت، ولا يعطون أنفسهم فسحة للاستمتاع بأوقات الترفيه.

لو كنت تعاني اضطراب العجلة، فأنت تعيش في المستقبل وليس الحاضر، أنت عاجز عن التوقف لملاحظة التفاصيل التي تعطي طعمًا للحياة، فعينك دائمًا على الهدف.

يخبئ هؤلاء توترهم وراء ستار من الانشغال الدائم، فحين يتوقفون يشعرون بالذنب، ما يدفعهم إلى الدخول مجددًا في تلك الحلقة المفرغة.

المصابون بهذا الاضطراب يفكرون بسرعة، يتكلمون بسرعة، يأكلون بسرعة، يمشون بسرعة. وستجد المصابين به كثيرًا ما يرددون عبارات مثل: «أعمل بشكل أفضل تحت الضغط» أو «أحب أن أظل مشغولًا».

الساعون إلى الكمال من أقوى المرشحين للإصابة بهذا الاعتلال، فهم أقل تقبُّلًا للسيناريوهات البديلة أو الحلول الوسط، ويكرهون الانحراف عن خططهم، ولا يحبون طلب المساعدة، ويعتقدون أن التعبير عن الشعور بالضغط علامة على الضعف، فلا حل أمامهم سوى العجلة.

إليكم بعض العلامات التي قد تدل على الإصابة باضطراب العجلة:

  1. الانتقال من طابور إلى آخر في البنك لأن الثاني يبدو أقصر أو أسرع، والتنقل بين حارات المرور خلال القيادة للوصول إلى أسرعها
  2. أداء مهام متعددة في نفس الوقت إلى درجة تنسيك إحداها
  3. النوم بملابس الخروج لتوفير وقت تغيير الملابس صباحًا
  4. ارتداء الملابس مقلوبة أو معكوسة خطأً

ضاق الوقت: ما أضرار اضطراب العجلة؟

الصورة: Thomas Leuthard

الاستعجال يشبه السُّكْر، حالة مشوّهه من الوعي، فالضغط الذي يسببه يجعلك تتخذ قرارات مبنية على مشاعر غير منطقية، تدفعك إلى الإقدام على أفعال لا تشبه طبيعتك، وربما تندم عليها لاحقًا.

الاستعجال كذلك يرفع مخاطر الإصابة بالنوبات القلبية، فنفاد الصبر يؤدي إلى التوتر، الذي يدفع إلى الغضب، ويتسبب بدوره في انسداد الشرايين، إلى جانب ارتباط الضغط المزمن بفقدان القدرة على التركيز. ويرفع الاستعجال مستوى إفراز هرمون الكورتيزول، الذي قد يسبب مشكلات صحية طويلة الأمد مثل الاكتئاب.

أداء مهام متعددة في وقت واحد يرفع فرص الوقوع في الأخطاء. إضافة إلى أن حالة التنبيه المفرِط التي يصاب بها العقل جراء هذا الاعتلال تجعل صاحبها غير قادر على الاسترخاء.

اقرأ أيضًا: لماذا ينبغي أن نحصل على راحة دون شعور بالذنب؟

نفد صبري: ما الحل؟

هذه خطوات قد تساعدك على التخلص من عجلتك المستمرة:

1. اجعل الوقت صديقك، لا عدوك

أنت من يختار أن يعادي الوقت أو يصادقه، فإذا اتخذته صديقًا ستتعامل بهدوء وروية أكبر، أما إذا استعديته، فستشعر بأنه يمر كحبات رمال تهرب من بين أصابعك. المشكلة تكمن في رأسك: أعد التفكير في كيفية رؤيتك للوقت وعلاقتك به، والأشياء التي تهمك، ضع الأمور في نصابها وفق أهميتها الحقيقية.

للتخلص من اضطراب العجلة، واجه خوفك من الفشل، فالرغبة في إرضاء الجميع تدفعك إلى اللهاث لتجنب إصابة من يحبونك بخيبة الأمل.

2. ابنِ سقفًا معقولًا لتوقعاتك

جزء كبير من المشكلة يتمثل في اعتقادك أن عليك أن تفعل المزيد. فهل تحاول أن تؤدي أكثر مما تستطيعه؟ اعرف حدودك، وركز على إنجاز مهمة واحدة، ثم انتقل إلى ما بعدها. اطلب المساعدة ممن حولك لو تَطَلّب الأمر.

3. حدد أولوياتك

ليست كل الأمور بنفس الإلحاح والأهمية. ضع قائمة بالأمور التي تمثل أهمية كبرى والتزم بها، ولا تملأها بتوقعات غير واقعية.

4. تمهل قليلا، وأصغِ

افعل بعض الأشياء ببطء وروية. حاول أن ترى الأمور من منظور طفل، فالأطفال لا يعبؤون بالوقت، يلعبون دون أن يهتموا بالزمن الذي يستغرقه اللعب، يعيشون في الحاضر.

عندما تتحدث مع الناس أصغِ أكثر مما تتحدث، فالتدريب على الاستماع الجيد سيعطيك شعورًا بالهدوء، ويقلل من توترك.

5. واجه خوفك من الفشل

يعاني كثير من المصابين باضطراب العجلة خوف الرفض، فالرغبة في إرضاء الجميع تدفعهم إلى اللهاث لتجنب إصابة مَن يحبونهم بخيبة الأمل.

6. فرِّق بين التزامات العمل والترفيه

التزامات العمل قد لا تحتمل التأخير، فتأكد أنك لا تعامل أوقات اللهو بنفس الجدية. لا تجعل ذهابك لمقابلة أصدقائك أمرًا يستدعي سلوكًا مثل مقابلة رسمية مع رئيس مجلس إدارة الشركة.

7. قلل أوقات الشاشات

حدد مدة معينة لمشاهدة التلفزيون وتصفُّح مواقع التواصل الاجتماعي، قاوم الرغبة في الإمساك بالهاتف والرد على بريدك الإلكتروني في غير الأوقات التي حددتها. لا تجعل الجميع يعتقد أنك متاح طوال الـ24 ساعة ومستعد للرد متى راسلوك.

8. التزم بسرعات الطريق المقررة

لو كنت تخشى التأخر على موعد مهم، غادر منزلك مبكرًا بدلًا من قيادة السيارة بسرعة، هكذا توفر على نفسك الشعور بالتوتر لو تعطلت. جرب أن تقود سيارتك في الحارة البطيئة، ولو في بعض الأوقات لتروض نفسك.

سرعة الإنجاز قد تكون مطلبًا عامًّا في الحياة، لكن العجلة المستمرة أمر آخر، فهي تنزع لَذّات الحياة عنها، تفسد العمل، تخرجنا عن طبيعتنا، تعرِّضنا للمرض. لا تعش نصف حياة، ولا تشرب نصف كوب شاي لأنك على عجل. استمتع بعملك وأوقات فراغك ما أمكن، ولا تجعل العجلة تسلبك متعة عيش الحاضر بتفاصيله الجميلة. تمر الأوقات السعيدة سريعًا، فلا تهزم نفسك مرتين باستعجالك نهايتها. أسقِط الأجندة من رأسك ولو لبعض الوقت، وعش اللحظة، ودعك من التفكير في ما سيأتي بعدها.

مواضيع مشابهة