منذ أن ترك أحمد أبو خليل القباني (1841- 1902) سوريا هاربًا من تزمت أهلها الديني تجاه مسرحه، وجاء إلى الإسكندرية، حيث أسس أول مسرح غنائي عربي، دخل المسرح الغنائي عالم الموسيقى العربية المعاصرة، وأصبح الغناء الجماعي يشكل خطًّا موازيًا لخط الغناء الفردي بما يتضمنه من أدوار وموشحات ومواويل ومعزوفات كانت تُقدَّم في الوصلة الغنائية العربية.
تدريجيًّا، زحف المسرح الغنائي علي الحياة الموسيقية العربية. فمن الصعب أن نجد ملحنًا في الثلث الأول من القرن العشرين لم يخض تجربة التلحين المسرحي. ويبرز اسم الشيخ سلامة حجازي علامة فارقة في تأصيل حركة المسرح الغنائي.
عمل سلامة حجازي مع القباني طويلًا، وتأثر بمنهجه قبل أن ينشق عنه ويؤسس مسرحًا غنائيًّا خاصًّا به، معتمدًا على صوته قبل كل شيء.
لم يهتم سلامة حجازي، الذي نشأ في مدرسة التجويد والتطريب والأساليب الارتجالية، باللحن الجماعي قدر عنايته بألحانه الفردية. مع ذلك، فإن ما قدمه كان تمهيدًا وافيًا لما سيكون من بعده على يد فرسان تأسس على أكتافهم تاريخ مهم للمسرح الغنائي المصري.
سيد درويش.. التعبير بالموسيقى
يؤكد عدد من نقاد الأغنية العربية أن الحركة الثورية التي أحدثها الشيخ سيد درويش في تاريخ الموسيقى العربية، لم تقم بالأساس على «لفظ الماضي والتخلص من تراثه القديم»، بل قامت على تثوير مفهوم التلحين واعتماد «التعبيرية» قاعدة أساسية في صناعة الموسيقى. بالتدقيق في مسيرة الشيخ سيد اللحنية، نجد أن تلك القاعدة لم تتبلور إلا بعدما خاض أولى تجاربه المسرحية، وكانت عبارة عن تلحين أوبريت «فيروز شاه» لفرقة جورج أبيض عام 1918.
على مدار خمس سنوات، لحَّن سيد درويش نحو 256 أغنية مسرحية في 30 مسرحية غنائية، لفرق مسرحية أمثال فرقة «أولاد عكاشة» وجورج أبيض ومنيرة المهدية ونجيب الريحاني، وفرقته هو ذاته التي أسسها عام 1921.
تضمنت كل مسرحية ألحانًا تراوح عددها بين لحنين و18 لحنًا. انفرد درويش بتلحين بعضها واشترك معه في الألحان الأخرى مجموعة من الملحنين أمثال: كامل الخلعي وإبراهيم فوزي وأمين صدقي وغيرهم.
تظل المسرحيات الثلاثة الأخيرة: «شهرزاد» و«العشرة الطيبة» و«الباروكة» تمثل ذراه في المسرح الغنائي.
قدمت فرقة سيد درويش مسرحية «شهرزاد» للمرة الأولى في يونيو 1921، وضمت أكثر من 15 لحنًا، برز منها نصان موسيقيان هما: نشيد «أنا المصري كريم العنصرين»، ونشيد «دقت طبول الحرب يا خيالة» اللذان حملا دلالة فنية شديدة الأهمية في مسيرة سيد درويش المسرحية.
نشيد «أنا المصري»، تسيطر عليه روحان مختلفتان تمامًا لنفس المقام الموسيقي، وهو «العجم». الأولى: تسيطر على بداية النشيد، ويعطي اللحن وإيقاعه البطيء عبق المعابد الفرعونية. والثانية: التي يفصل بينها وبين الأولى كلمة: «وأقولك»، توحي بالروح العربية والمزاج الشرقي في التلحين. ربما كان ذلك تجسيدًا لمعنى العنصرين الذي قصده مؤلف أغاني الأوبريت الشاعر محمود بيرم التونسي.
حمل النشيد عنصرًا آخر من عناصر الصناعة الموسيقية الحديثة، وهو مفهوم «الإلقاء الغنائي المرسل» عن طريق مد بعض الحروف والارتكاز عليها، ما يجعل وقع اللحن شديد التأثير.
وصف محمد عبد الوهاب شعوره عند سماعه هذا اللحن لأول مرة قائلًا: «هربت مذعورًا من المسرح عند سماعي هذا اللحن. أردت أن أهرب من تاريخنا الموسيقي القديم».
اقرأ أيضًا: مضناك جفاه مرقده: من تركيا لعبد الوهاب وليس انتهاءً بمريم صالح
في ختام الفصل الأول من المسرحية، يبرز في لحن «دقت طبول الحرب يا خيالة» عناصر موسيقية جديدة في مسيرة التلحين المسرحي عند سيد درويش. فعند نهاية اللحن، تختلط أصوات الداعين لـ«زعبلة» (بطل المسرحية) بأصوات الحاقدين عليه، في توليف موسيقي قائم بالكلية على مفهوم «البوليفونية»، أي امتزاج صوتين أو أكثر في تزامن واحد، وفي توافق هارموني كامل.
يروي حسن القصبجي، عضو فرقة سيد درويش، في كتاب «سيد درويش حياة ونغم»، كيف طلب منه سيد أن يغني اللحن الذي تؤديه المجموعة، وما إن بدأ يغني، حتى بدأ سيد درويش في غناء اللحن الآخر، فتوقف القصبجي، فأشار إليه سيد ألا يتوقف ويُكمل، وأخذ سيد درويش يدندن بصوت خافت، المعارضة اللحنية الخاصة بالجنود في اللحن، ثم رفع صوته شيئًا فشيئًا حتى ظهر اللحنان معًا.
وإذا علمنا أن التأليف «البوليفوني» من أعقد صور التأليف المسرحي، وأن الشيخ سيد درويش لم يدرس شيئًا منه، لأدركنا حجم عبقرية الرجل ومشروعه التجديدي الجبار.
بعد شهر من نجاح «شهرزاد»، أعادت فرقة سيد درويش تقديم مسرحية «العشرة الطيبة» لمحمد تيمور، ومن أزجال بديع خيري، والتي سبق ولحنها سيد درويش لفرقة نجيب الريحاني في مارس 1920، وضمت 16 لحنًا، أشهرها: تلك الحوارية الرائعة بين سيد درويش والمطربة حياة صبري: «علي قد الليل ما يطول»، ولحن «الانتهازيين» الذي ظهر فيه التعبير الدرامي في صعود اللحن وهبوطه كي يوافق المعنى في جملة: «علشان ما نِعلا ونِعلا ونِعلا لازم نطاطي نطاطي نطاطي».
يمكن اعتبار لحن جملة: «كان نني عينهم يا ساتر بيدق شرار» في مسرحية «الباروكة» قمة التلحين التعبيري.
في المسرحية نفسها، لحن آخر يدل على عبقرية سيد درويش في التعبير الدرامي، وهو لحن: «اتمختري يا عروسة واتهنِّي بعريسك سيد العرسان». على الرغم من أنها أغنية أفراح، فإن حالة الشجن بها لا تخفى على أحد. فالبطلة في أحداث المسرحية تُزَف إلى عريسها قسرًا، فأراد سيد درويش أن يجمع بين شعورين متناقضين في بنيان لحني واحد.
في 24 نوفمبر 1921، بدأت فرقة سيد درويش موسمها التمثيلي الثاني، والذي قدمت فيه مسرحيتها الثالثة: «الباروكة» في دار التمثيل العربي. تضمنت المسرحية لحن «الشيطان»، ولعله أعظم الألحان المسرحية التعبيرية على الإطلاق، فهو مثال صارخ على اكتمال مفهوم الصراع الدرامي في مسرح سيد درويش. فاللحن على قِصَره الشديد (نحو دقيقة وأربعين ثانية) يمكن اعتباره مسرحية مصغرة تجسد صراع الشيطان مع الإنسان. وعلى الرغم من الوتيرة السريعة التي سار فيها اللحن، فإنه يحتوي على عناصر ارتكاز حقيقية لإبراز الصراع الدرامي.
يمكن اعتبار لحن جملة: «كان نني عينهم يا ساتر بيدق شرار» قمة التلحين التعبيري، والتي صيغت على شكل صرخة مجسدة للرعب الذي تسببه رؤية الشيطان.
رغم رحيل سيد درويش المبكر (10 سبتمبر 1923)، لم يقف ميراثه المسرحي عند زمن وفاته، بل صار مع الوقت أرشيفًا مقدسًا لكل مهتم بالتلحين التعبيري. فثورية سيد درويش لم تكن يسيرة، لا في تحولاتها، ولا في أثرها في المجتمع الموسيقي.
ومهما تكثر الآراء المتناقضة التي كانت وما زالت تحاول تقييم تجربة سيد درويش، فإن التعبيرية الغنائية تبقى نقطة ارتكاز مشروعه الغنائي. تلك النزعة التي بدأت مع أول أدواره الغنائية، وانتهت بتمرسه في فن المسرح، وتمكنه من الصناعة التعبيرية، حتى قال معتزًّا لرفيق عمره بديع خيري: «أنا أقدر ألحن الجورنال».
قد يهمك أيضًا: لأن اللحن أكثر بلاغة: يا صاحبي، دعك من كلام الأغاني
زكريا أحمد.. حارس «الربع تون»
بمقارنة الألحان الأولى من إنتاج زكريا أحمد المسرحي، يظهر التأثر الواضح بألحان سيد درويش المسرحية.
بدأ الشيخ زكريا أحمد مسيرته التلحينية للمسرح الغنائي قبل سيد درويش بعامين، تحديدًا عام 1916، حين دعته مجموعة من هواة المسرح لتلحين روايتهم «فقراء نيويورك»، فلحنها وانقطع عن التلحين للمسرح الغنائي ثماني سنوات، حتى عاد 1924، أي بعد وفاة سيد درويش بعام بواحد، وذلك حين طلب منه علي الكسار تلحين مسرحية «دولة الحظ»، بالاشتراك مع مؤلف المسرحية أمين صدقي.
نستطيع إحصاء 54 مسرحية غنائية لحنها زكريا أحمد بين عامي 1916 و1945، وبلغ عدد الألحان فيها أكثر من 580 لحنًا. وتكشف قراءة تجربة زكريا أحمد المسرحية عن تقاطعات بينها وبين تجربة سيد درويش في المسرح الغنائي، بل يمكن القول إن مسرحياته كانت امتدادًا لتراث سيد درويش المسرحي من ناحية تصوير المضمون الاجتماعي للمجتمع بعد ثورة 1919، عن طريق النقد الهادئ أحيانًا، والنقد العنيف في غالبية الأحيان.
بمقارنة الألحان الأولى من إنتاج زكريا أحمد المسرحي، يظهر التأثر الواضح بألحان سيد درويش المسرحية. مثلًا، في أوبريت «أنوار» الذي لحنه عام 1927 لفرقة علي الكسار، قُدِّمت أغنية «أصل الظلومة انتي يا عيني» كلحن يعتمد بالأساس على التعبير الدرامي والمناجاة. إلا أن المتأمل في ذلك اللحن يجد تطابقًا حقيقيًّا بينه وبين تيمة لحن «والله تستاهل يا قلبي» الذي قدمه سيد درويش في مسرحية «راحت عليك» عام 1920.
مع ذلك، يكشف التقييم النهائي لتجربة زكريا أحمد المسرحية، عن خلاف جوهري في طبيعة معظم الألحان التي قدمها الاثنان. فأرشيف زكريا أحمد المسرحي يرتكز في جوهره على المخزون الشرقي الذي تلقاه من رواد مدرسة التطريب في نهايات القرن التاسع عشر، فكان محافظًا يعاند التجديد والتطوير المتعلق بالآلات الموسيقية أو المقامات العربية، ولم تخل مسرحية غنائية له من تطويع الربع تون العربي، ولم يعرف مسرحه البناء الأوركسترالي المتطور، علي عكس مسرح سيد درويش.
تكمن أهمية تجربة زكريا أحمد المسرحية في أن جذوره الشعبية، ومنابع إلهامه، أكسبته نكهة خاصة في صناعة الأغنية الشعبية التي حفلت بها مسرحياته. فإذا كانت الأغنية الشعبية بمفهومها ومضامينها جزءًا من التراث القائم على الفلكلور أو الألحان التي أبتدعها الخيال الشعبي، فإن تراث زكريا أحمد الغنائي كان تجسيدًا لتلك الألحان التي جاء معظمها يحمل كثيرًا من صفات العفوية الغنائية.
في أوبريت «يوم القيامة» الذي لحنه زكريا أحمد عام 1940، من كلمات بديع خيري، والذي أعادت عرضه الفرقة القومية عام 1960، ظهرت أغنية «يا حلاوة الدنيا». وهي تستحق الوقوف عندها باعتبارها خطًّا فاصلًا في حياة مطربتها فتحية أحمد. فبعيدًا عن مقام الأغنية النادر: «الزنجران»، لم يخل العمل من توظيف الكورال باعتباره صدى صوت للمطربة، وليس مجرد ترديد كورالي، إضافة إلى أن العناصر اللحنية للأغنية أعطتنا فكرة شبه كاملة عن قدرات فتحية أحمد الصوتية، التي أبدعت في زخرفة غنائها بموال إعجازي في الأداء والارتجال.
كان لموسيقى زكريا أحمد حظ من التصوير الوجداني للشخصيات، ومشاعر الأبطال المختلفة. ووصف زكريا ذلك للمؤرخ صبري أبو المجد الذي سجل ذكرياته معه في كتاب «زكريا أحمد» حين قال له: «كنت كأنني مستودع بشر، مملوءً بمختلف العواطف، كلما احتجت إلى فرد مددت يدي إلى قلبي». وربما يتجلى ذلك في أغاني أوبريت «بدر البدور» الذي قدمته فرقة عزيز عيد للمرة الأولى عام 1927، والذي حفظته لنا الإذاعة المصرية في نسخة إذاعية من بطولة محمد فوزي وعصمت عبد العليم.
أما أوبريت «عزيزة ويونس»، الذي كان خاتمة مسيرة زكريا أحمد في المسرح الغنائي، فقد جسَّد العنصر الانفعالي في ألحانه التي اتصف به معظمها من ناحية المضمون. ويُعرَّف العنصر الانفعالي بأنه (تكرار بعض الجمل الغنائية عدة مرات لبلوغ قمة الانفعال الدرامي في اللحن الموسيقي). ويبرز لنا لحنان من ذلك الأوبريت يؤكدان ذلك المفهوم.
الأول: «خلي السيف يجول» الذي غناه محمد الكحلاوي، ويتألف من مذهب مختَصَر، وثلاثة غصون «كوبليهات». وعمد زكريا إلى تلحين كل غصن بلحن مختلف عن الآخر. وفي ختام كل مقطع تظهر ذروة حماسية في اللحن، يردد بعدها الكورال الجملة الرئيسية في المذهب: «خلي السيف يقول» على درجة موسيقية منخفضة، وفي نهاية الأغنية تتكرر جملة المذهب في صورة انفعالية ومتسارعة توحي ببدء معركة فعلًا.
الثاني: لحن «يا صلاة الزين» الذي انسلخ مع الأيام عن الأوبريت، وأصبح شبه موروث شعبي متصل بأذن الجماهير عبر أصوات غنائية مختلفة. وصيغ اللحن من مقام «البياتي» الذي يعد أصل الأغنية الشعبية المصرية التي تجمع الخفة والطرب في بنيان واحد. ورأى بعضهم «يا صلاة الزين» نموذجًا للأغنية الشعبية المسرحية المكتملة العناصر. وعلى الرغم من أن الأغنية تُصنَّف تحت خانة «الطقطوقة»، فإنها تبعد عن هذا التصنيف خطوة. فبعد تكرار مذهبها الغنائي، يدخل اللحن في حالة نداء وجواب مع الكورال، ما يجعل «يا صلاة الزين» أغنية جماعية بامتياز.
داوود حسني وكامل الخلعي.. الأوبرا بموسيقى مصرية
منذ الولادة الأولى للمسرح الغنائي، سعى رواده إلى توظيف كل مقومات الغناء العربي في صناعة أوبرا عربية. ووفقًا لشهادة الأديب توفيق الحكيم عن سيد درويش، في كتاب «فنان الشعب»، فإن درويش لم يترك أوبرا واحدة لم يحضرها، وشاهد كل عروض الفرق الإيطالية الوافدة إلى مصر، وألف كثيرًا من مسرحياته تحت تأثير مشاهدته تلك الأوبرات، غير أن القدر لم يتح له فرصة أن يخوض التجربة بنفسه، وأتاحها لصديقيه داوود حسني وكامل الخلعي.
لعب داوود حسني دورًا كبيرًا في نهضة الغناء المسرحي، بعدما لحَّن أكثر من 30 أوبريت، أشهرها «الشاطر حسن». وأتيحت له فرصة عمره حين طُلب منه أن يلحن أول أوبرا عربية، هي «شمشون ودليلة».
تفصح المقاطع القصيرة المتوفرة من تلك الأوبرا، عن تعبيرية في رسم ألوان غنائية لكل شخصية، وخلْق موسيقى تصويرية مناسبة لكل مكان داخل النص الروائي، وربما يظهر هذا في لحن «صلاة عبدة الأصنام» وترابطه مع الموسيقى التصويرية داخل المعبد، وألحان الإغراء والمواجهة بين شمشون ودليلة.
كرر داود حسني التجربة الأوبرالية في «ليلة كليوباترا»، وحوَّل أوبريت «هدى»، من ألحان سيد درويش، إلى أوبرا. وعلى الرغم من كل تلك المحاولات، اشتهر داوود حسني، هو وزميل عصره كامل الخلعي، بأنهما كانا ملتزمين إلى حد بعيد بالقوالب الموسيقية التقليدية حتى على المسرح. فاللحن يجب أن يخضع للقوالب الغنائية المعروفة، سواء طقطوقة أو موال أو قصيدة، ولا يخرج عن قيود الموازين والإيقاعات المتعارف عليها، مع اعتبار الخروج عنها خروجًا عن القواعد.
أما كامل الخلعي، فتضافرت في هذا الموسيقار النابغة عوامل التفرد. في عام 1906، سافر إلى إيطاليا وباريس لدراسة فن تلحين الأوبرا، لكنه لم يتأثر بموسيقى الغرب، وظل نموذجًا للملحن الشرقي المُلمِّ بضروب الموسيقى العربية.
ظهر ذلك حين لحَّن لفرقة منيرة المهدية أوبرا «كارمن» عام 1917. ابتعد عن الألحان التي وضعها «جورج بيزيه» في النص الفرنسي الأصلي. وحين لحن أوبرا كوميك «أدنا»، وهي ترجمة لأوبرا «إكسير الحب»، لم يستعر جملة واحدة من ألحان «غايتانو دونيزيتي».
غير أن الإذاعة المصرية لم تحفظ لنا من تراثه المسرحي والأوبرالي إلا النذر القليل، ومنه لحن «احنا مشايخ الحارات» من أوبريت «مبروك عليك» الذي يعد نموذجًا من ألحان الطوائف التي برع فيها كامل الخلعي.
خريطة الطريق
كان أثر ظهور السينما الغنائية عام 1932 في المسرح الغنائي حاسمًا، ما رجح كفة الغناء الفردي مقابل الغناء الجماعي. ومع انهيار الأغنية الفردية، بعد مرحلة مجد امتدت منذ ثلاثينيات القرن العشرين حتى نهاية سبعيناته، بدأ التخبط النظري في إيجاد منفذ لإنقاذ مستقبل الأغنية العربية، وطرح بعضهم تساؤل: هل الحل في رفض الغناء الفردي وإحياء المسرح الغنائي؟
يمكن القول إن مستقبل الغناء العربي يتعلق بتطوير المسرح الغنائي وإعادة بعثه، فإذا كانت الأغنية الفردية تحمل حالة نفسية واحدة أو مزاجًا إنسانيًّا واحدًا، فالمسرح الغنائي يصور حالات عدة عبر مزج صور إنسانية مختلفة في لوحة غنائية واحدة. وذلك ما عبر عنه الموسيقار محمد عبد الوهاب في مذكراته «رحلتي: والأوراق الخاصة جدًّا» حين قال: «الأغنية الفردية جزء من كل، والكل هو المسرح الغنائي أو الأوبريت أو الأوبرا».