السينما مرآة المجتمع، تُظهر خباياه وتزيح عنها الستار، وكثير من الظواهر ربما لم نكن لنسمع عنها إلا عن طريق مسلسل جريء أو فيلم وثائقي. وشرمين عبيد جنائي مخرجة باكستانية مغامرة، كتبت لموقع «TED» عن فيلمها الوثائقي الفائز بجائزة الأوسكار، الذي خرج بجرائم الشرف الشائعة في دولتها من الصمت إلى العلن، «A Girl in the River»، رغبةً منها في رفع صوت نساء باكستان عاليًا، وإدانة الجرائم التي تنهي حياتهن.
صوت المرأة الباكستانية
جائزة الأوسكار التي تلقتها جنائي بمناسبة فيلمها الصادر عام 2016 هي الثانية لها، بعد أن فازت بجائزة الأوسكار لأفضل فيلم وثائقي قصير كذلك عام 2012 عن فيلمها «Saving Face»، الذي يُطلع المشاهدين على مآسي السيدات الباكستانيات اللاتي يتعرضن للهجوم بالسوائل الحمضية الحارقة.
تشعر شرمين بالواجب تجاه المواضيع الشائكة التي يتجنب الآخرون تناولها، ويتضح ذلك في اختياراتها لموضوعات أفلامها. ففي أثناء مسيرتها الفنية، ركزت على استعراض الحكايات المُهملة والأصوات الخافتة للفئات المهمشة، فعرضت محنة الأطفال في المناطق التي مزقتها الحرب في فيلم «Pakistan's Taliban Generation»، واستعرضت قصص المتحولين جنسيًّا في فيلم «Transgenders: Pakistan's Open Secret».
يتعرض فيلم شرمين جنائي الأخير لجرائم الشرف، إذ تتبعت قصة فتاة ناجية من محاولة قتل بسبب تزوجها رجلًا دون موافقة أهلها.
أشارت جنائي كذلك إلى حالة اللاجئين العراقيين في الأردن وسوريا في فيلم «Iraq: The Lost Generation»، والحكايات المُروعة للسيدات اللاتي يجرين عمليات إجهاض غير مشروعة في الفلبين في فيلم بعنوان «City of Guilt».
يتعرض فيلم جنائي الأخير «A Girl in the River: The Price of Forgiveness» لجرائم الشرف وقتل الفتيات على يد أقاربهن الرجال لمحو العار الذي جلبنه لعائلاتهن. وفي الفيلم، تتبعت المخرجة قصة صبا القيصر، وهي فتاة ناجية من محاولة قتل أقدم عليها والدها وأخوها بسبب تزوجها من رجل دون موافقة أهلها.
اقرأ أيضًا: مسلسل «The Handmaid's Tale»: استعباد النساء باسم الرب
أغسل عاري بيدي
يعاقب قانون العقوبات الباكستاني القاتل في جرائم الشرف بالسجن 10 سنوات، لكنه يسمح لعائلة الضحية بالعفو عن الجاني.
تُقتل مئات النساء سنويًّا في باكستان باسم «الشرف»، وسُجلت ألف جريمة شرف في عام 2014 وحده، بينما يزيد الرقم الحقيقي في اعتقاد جنائي عن هذه الإحصائية بمراحل بسبب الحالات التي لا يُبلَّغ عنها.
تحمل الزوجات والبنات والأمهات شرف العائلة حول أعناقهن، وربما يُقتلن حين يصيب هذا الشرف أي تهديد، حتى إن كان الدافع مجرد شك أو اتهام كاذب راود أحد رجال العائلة، أو شيء تافه مثل مغازلة عابرة من غريب.
قد يهمك أيضًا: النساء.. آلهة استُعبِدن باسم الزواج
لا يطبق القانون الباكستاني عقوبة رادعة على مرتكبي جرائم الشرف، إذ ينص قانون العقوبات على سجن القاتل 10 سنوات على الأقل، لكنه يسمح لعائلة الضحية بالعفو عن الجاني، ممَّا يعني أنه لو قتل الأب ابنته يمكن أن تسامحه الزوجة، ولو قتل الأخ أخته قد يسامحه أبواه، ومن ثَمَّ يُطلق سراح القاتل.
هكذا يسمح النظام الأبوي بحسب جنائي بإزالة المسؤولية عن جرائم الشرف، ولا يساعد في القضاء عليها.
الصحافة المتخاذلة
ينظر أغلب الباكستانيين إلى جرائم الشرف باعتبارها من «محرمات المجتمع»، وتتجاهلها الصحافة المحلية بالتالي بحجة أنها تحدث في نطاق العائلة وليست شأنًا عامًّا، أما الجرائد التي تضع جرائم الشرف أحيانًا ضمن عناوينها، فتبرر للجريمة بعبارات مثل «قُتلت الفتاة لأنها هربت من المنزل» أو «أحبت رجلًا» أو «رغبت في الطلاق»، بحسب جنائي.
تقول شرمين إن تربية الأبناء على احترام المرأة ومناقشة المساواة أمر أساسي لرؤية ثمار التحولات في السياسة والقانون.
بعد نجاح فيلم «A Girl in the River»، دعا رئيس الوزراء الباكستاني المخرجة لعرضه في منزله، وتعهد بالمساعدة في وقف جرائم الشرف، وطالب فريقه بإعادة صياغة القوانين لضمان معاقبة القاتل وحماية الضحية.
ترى جنائي في هذا التشريع الجديد الذي يُحتمل تطبيقه تأكيدًا لقدرة السينما على إحداث تغيير حقيقي، رغم أن المشكلة لم تختف بالطبع.
يكمُن جزء من الحل الكلي لمشكلة بهذا الحجم في تغيير ثقافة المجتمع، إذ ينبغي في رأي جنائي تربية الأبناء على احترام المرأة، ومناقشة المساواة بين الجنسين في المنزل والمدرسة والجامعة وغيرها، وعندها فقط سنتمكن من رؤية ثمار التحولات في السياسة والقانون.
قد يعجبك أيضًا: كيف أصبحت نسوية نكدية؟
ترى المخرجة الباكستانية أنه ينبغي تشجيع النساء على تمثيل أنفسهن في الحكومة، ففي بعض المناطق لا تتمكن المرأة من المشاركة السياسية، مما يؤدي إلى عدم إشراكها في المعارك القائمة بشأن حقوقها، وستستمر معاملتها بالتالي كما لو كانت مواطنًا من الدرجة الثانية.
تُنتَقد شرمين جنائي بسبب مناصرتها للمرأة الباكستانية في أعمالها السينمائية، لكنها لا تعبأ بهذه الانتقادات، لأنها تأمل في إحداث تحولات حقيقية في حياة الأشخاص الذين تعرض قصصهم، ومن يشبهونهم، خصوصًا النساء اللاتي تتأثر حيواتهن بالقرارات التي يتخذها آخرون نيابة عنهن. لكن هل ستُحدث هذه الأفلام في النهاية التأثير الذي تأمله جنائي على أرض الواقع؟ لا أحد يعلم.