نشرت مجلة «التايم» الأمريكية، على أحد أغلفتها، صورة طفلة صغيرة تبكي بينما ينظر إليها الرئيس الأميركي دونالد ترامب مبتسمًا، وجسده في وضع أشبه بالانحناء. ووضعت التايم عنوانًا لهذه الصورة هو «مرحبًا بكِ في أمريكا».
انتشر الغلاف على جميع مواقع التواصل الاجتماعي بكثافة، وحاز إعجاب كثيرين، ووُصِف بأنه مؤثر وقوي وجريء.
التقط صورة الطفلة المصور «جون موور» لوكالة «غيتي إيمدجز»، ولاقت انتشارًا واسعًا. وفيها تظهر طفلة هندوراسية، في الثانية من عمرها، تبكي بينما والدتها (المهاجرة غير الرسمية) تخضع للتفتيش عند الحدود الأمريكية المكسيكية قبل فصلها عن ابنتها.
انتشرت هذه الصورة أيضًا بكثافة، كخير ما يعبر عن قسوة قانون ترامب الجديد لفصل المهاجرين غير الشرعيين عن أطفالهم. صورة بألف كلمة كما يقولون، اُستخدِمت لجمع تبرعات بقيمة 17 مليون دولار لصالح منظمة «RAICES» التي توفر التعليم والخدمات القانونية للاجئين والمهاجرين، ومقرها ولاية تكساس.
هذه الصورة واحدة ضمن مجموعة من الصور والفيديوهات التي انتشرت في عشرات الصحف والمجلات، وتمثل أوراق الضغط على الرئيس الأمريكي لوقف سياساته غير المتسامحة تجاه اللاجئين والمهاجرين، حتى اضطر ترامب، في العشرين من يونيو 2018، إلى التراجع عن قراره وتوقيع مرسوم يُنهي فيه حالة فصل أسر المهاجرين غير الرسميين عند الحدود الأمريكية.
عبَّرت الصورة بدورها عن الغضب والاشمئزاز مما يعانيه اللاجئون في أمريكا، في عهد ترامب، وحققت المنشود بوضع حد لسياساته الباطلة. لكن ماذا عن غلاف التايم هذا؟
أثار الغلاف جدلًا، وبخاصة بعد تصريح والد الطفلة الصادم الذي أكد فيه أن أبنته لم تُنتزع من والدتها عند الحدود، بل احتجزوهما معًا في مدينة مكالين بولاية تكساس بعدما تقدمت الأم بطلب لجوء. أي أن صورة الطفلة الصغيرة على غلاف التايم، تنتمي إلى سياق آخر، يختلف تماماً عن سياق غلاف مجلة التايم.
استنكرت «Kainaz Amaria»، المصورة الصحفية بمجلة «Vox»، غلاف التايم الأخير، وشعرت بأنه ليس سوى حيلة للترويج للعدد الجديد من المجلة، وأنه أيضًا ربما دون قصد، أتاح الفرصة لعدد من الناس للسخرية من هذه المأساة الشخصية على مواقع التواصل الاجتماعي واستخدامها كـ«ميم».
توقع كثيرون نهاية المجلات المطبوعة على أن تحل محلها النسخة الإلكترونية، لكن ما زال كثيرون يُقبلون على شرائها، لأغلفتها الخارجية.
كان تعليق مجلة التايم على الغلاف عند نشره هو:
«بسبب التأثير القوي للصورة التي انتشرت في الوقت الذي هوجم فيه ترامب من منتقديه من جميع الأطياف السياسية بسبب قانونه (الملغي الآن) لفصل الأطفال عن أسرهم بسبب احتجاز الأهل لعبورهم غير الرسمي لحدود الولايات المتحدة الأمريكية، اختار محررو التايم صورة مور لاستخدامها في صنع غلاف العدد الذي سيظهر فيه ترامب أيضًا، ليُنشر الغلاف في العدد الذي سيصدر بتاريخ الثاني من يوليو».
تتساءل أماريا: إن كان للصورة مثل هذا التأثير، لماذا لم تُستخدَم كما هي دون أن تُقتطع الطفلة من محيطها؟
قلَب غلاف التايم الموازين، وأبطل التأثير القوي للصورة. فبعد انتشاره بـ24 ساعة تعامل الناس معه على أنه «خبر مُفبرَك».
قد يهمك أيضًا: حرب تكسير العظام بين ترامب والإعلام
جعلني الجدل حول غلاف التايم أفكر في الأدوار المختلفة المؤثرة التي تؤديها أغلفة المجلات، وأتساءل عما يجعل الناس يُقبِلون عليها بمثل هذه الدرجة حتى في وقتنا هذا، الوقت الذي تهيمن فيه التكنولوجيا على حياتنا.
توقع كثيرون نهاية المجلات المطبوعة كما عرفناها دائمًا، على أن تحل محلها النسخة الإلكترونية كما حدث مع كثير من الصحف. ربما قل عدد النسخ المستهلكة من كل مجلة على مر السنين، لكن ما زال كثيرون يُقبلون على شرائها، والفضل ليس فقط لمحتواها، لكن لأغلفتها الخارجية.
الكتاب يُعرف من عنوانه، والمجلة من غلافها:
هناك مقولة شهيرة تقول: «لا وجود لمجلة جيدة بغلاف سيئ»، كناية عن الأهمية الشديدة لأن يكون لأي مجلة غلاف جذاب، حتى في العصر الرقمي ما زال الغلاف أكثر الوسائل أناقة ورُقيًّا في الترويج لمنتج أو قضية ما. للغلاف المصمَّم بحرفية قدرة على خلق حالة من الفضول داخل الناس للتعرف إلى المحتوى الداخلي للمجلة، وشراؤها وقراءتها، ومن ثَم زيادة مبيعاتها.
تقدم المجلات المطبوعة للقارئ تجسيد للتعاون بين المحررين والفنانين والمصممين والكُتاب، ولا شيء يعبر عن هذا التعاون مثلما يفعل الغلاف.
احتوى مقال على موقع «The Huffington Post»، عددًا من القصص التي أبرزت دور الغلاف القوي في استمرارية طباعة المجلات إلى وقتنا هذا. أبرز هذه القصص عن مجلة «Newsweek»، ففي عام 2012 أعلنت «تينا براون»، المحررة السابقة لمجلة «Newsweek»، التي كان وجودها أساسيًّا في أكشاك الجرائد، وعلى طاولات المقاهي لعشرات السنين، أن المجلة ستصدر عددها المطبوع الأخير بحلول نهاية العام، ورأت تينا أن الشركة قدمت أفضل ما لديها في عالم الطباعة، ولم يعد في وسعها تقديم ما هو أفضل.
كان السبب وراء اتخاذها هذا القرار انخفاض نسبة أرباح المجلة نظرًا إلى خسارتها ما يقرب من 50% من عدد المشتركين بها، بداية من 2007 إلى 2011. وباعت جريدة «The Washington post» الشركة للمهندس ورجل الأعمال الأمريكي «سيدني هارمان» مقابل دولار واحد فقط، ليدمجها هارمان في ما بعد مع موقع «الدايلي بيست»، إذ إن تكلفة طباعة العدد الواحد منها كانت 42 مليون دولار.
لاحقًا، حدث ما لم يكن في الحسبان. وذلك عندما اشترت شركة «IBT Media» المجلة، وتنحَّت تينا براون عن منصبها، ليتولى «Jim Impoco» منصب رئيس التحرير، وتعود النسخة المطبوعة من المجلة مرة أخرى بعد اختفائها من عالم الطباعة لأربعة عشر شهرًا.
أعلنت المجلة عن ميلادها الجديد بغلاف عن المؤسس المراوغ لعملة «البيتكوين»، فكان الغلاف عبارة عن قناع فضي يستند إلى خلفية سوداء، وكان عنوان العدد: «الرجل الغامض وراء العملة الرقمية المشفرة» (العملة الافتراضية).
أثار الغلاف ضجة إعلامية، وكان بمثابة قبلة الحياة للمجلة بعد موتها، لتستعيد مكانتها وسط الناس مجددًا.
اتضح في ما بعد أن المجلة لم تقدم أفضل ما لديها كما زعمت براون. ففي العالم الأثيري (غير المادي) لوسائل الإعلام الرقمية، ما زالت المجلات المطبوعة تقدم للقارئ شيئًا ملموسًا، تجسيدًا ماديًّا للتعاون بين المحررين والفنانين والمصممين والكُتاب، ولا شيء يعبر عن هذا التعاون مثلما يفعل الغلاف، والذي يظل إلى وقتنا هذا أكثر القطع الفنية التي يستهلكها الناس ويُقبِلون على اقتنائها.
الغلاف: يوثق اللحظة ويتجاوزها:
تحكي «Françoise Mouly»، المُحررة الفنية لمجلة «The New Yorker»، عن غلاف المجلة الذي تعين عليها اختياره تعبيرًا عن مأساة أحداث 11 سبتمبر عام 2001، ليُنشر الغلاف في العدد الذي صدر بعد الحادث بأسبوعين. تقول مولي:
«في البداية لم يكن في نيتي أن أصنع غلافًا على الإطلاق. فكرت في أن يكون الغلاف عبارة عن خلفية سوداء فقط. شعُرت حينها أنه من الوقاحة أن يفكر المرء في أشياء مثل غلاف مجلة في مثل هذه الظروف. كنت محطمة وانقلب عالمي رأسًا على عقب.
حينها اقترح عليَّ زوجي «Art Spiegelman» رسام الكاريكاتير، أن يكون الغلاف عبارة عن ظلين للبرجين يستندان على خلفية سوداء. وهو ما أصبح غلاف العدد الأيقوني في ما بعد».
تستكمل مولي: «كانت الرسالة وراء الغلاف مزيجًا من صناعة صورة تشتمل على رفض لصناعة صورة. وكأننا نقول إن الصور عاجزة، لكنها في ذات الوقت لديها القوة المطلقة إذا أجادت التعبير عن استهجانها لأحداث مشابهة».
اعتاد «روجر براين» أن يقتطع غلاف كل عدد من مجلة «نيويوركر» ثم يُرفِق معه خطابًا إلى الشخصية التي ظهرت عليه يطلب توقيعها على الغلاف.
كان غلاف أحداث الحادي عشر من سبتمبر خير دليل على أهمية أغلفة المجلات، فقد كان ملائمًا لزمنه، لكنه أيضًا أبدي. يلتقط لحظة من الزمن ويحتفظ بها ويتجاوزها في الوقتِ ذاته. هكذا تكون الأخبار ويكون الفن الذي يؤثر في مشاعرنا ويبقى في أذهاننا حتى بعد انتهاء الحدث.
تحكي مولي عن أشخاص تعرفهم، يحتفظون بأغلفة مجلة «نيويوركر»، ويُزينون بيوتهم بها، إذ تبدو وكأنها خير توثيق لكثير من الأحداث التاريخية المهمة.
هكذا فعل رجل يُدعى «روجر براين»، من بلدة تدعى إلدورادو بولاية تكساس، فقد اعتاد أن يحتفظ بأغلفة مجلة التايم لمدة 38 عامًا، وبدأ مشروعًا فريدًا، فكان يقتطع غلاف كل عدد، ثم يُرفِق معه خطابًا إلى الشخصية الشهيرة التي ظهرت عليه يطلب توقيعها على الغلاف.
معظم هذه الأغلفة تعود إليه مُوقَّعة، وبعضها يعود كما هو، أو ربما تعود النسخ دون توقيع، لكن يُرفق معها خطاب بالرفض كما حدث مع العائلة الملكية البريطانية. أبرز الشخصيات التي وقعت على أغلفة التايم، كان الرئيس الأميركي «رونالد ريغان» والرئيس المصري محمد أنور السادات و«إلتون جون» و«كلينت إيستوود» و«ستيفن سبيلبرغ» و«كاثرين هيبورن» التي تمكَّن براين من أن يتحدث إليها هاتفيًّا ليطلب منها توقيع الغلاف. إضافة إلى الرئيس الليبي معمر القذافي الذي وقع الغلاف، لكن باللغة العربية. يرى براين أن السر وراء نجاحه في الحصول على هذه التوقيعات هو الرسالة القصيرة التي يُرفِقها مع كل غلاف.
لمن ندين بالفضل؟
صدرت أول مجلة في التاريخ، في ألمانيا عام 1663، وكانت تُسمى «Erbauliche Monaths Unterredungen» (محادثات موناش البناءة). خُصصت المجلة لشؤون الأدب والفلسفة، واستهدفت جمهور المتعلمين والمثقفين فقط. كان نطاق موضوعاتها ضيقًا، وكان مؤلف واحد فقط هو من يكتبها، ويمكننا أن نرى مدى تأثرها بالشكل المعتاد للكتاب في ذلك الوقت. ظهرت أول نسخة من المجلات بشكل قريب مما نعرفه الآن، عام 1672، عندما أصدر الكاتب الفرنسي «Jean Donneau de Vize» مجلته الجديدة التي سماها «Le Mercure Galant»، واشتملت المجلة على موضوعات مختلفة عن المسرح والأدب وأخبار المحاكم، وعمل بها عدد من الكتاب، واقُبِس أسلوب المجلة الفريد في كل المجلات التي صدرت في ما بعد في أوروبا.
صدرت أول مجلة خاصة بشؤون السيدات في لندن عام 1693، تحت اسم «Ladie’s Mercury».
لم يُطلَق على هذه المطبوعات حينها اسم «Magazine» أو «مجلة» بل أُطلِق عليها اسم «دوريات». ويقال إن كلمة «ماجازين» مشتقة من الكلمة العربية «مخزن» التي تشير إلى المكان الذي يُحفظ فيه كميات كبيرة من البضائع المختلفة. تمامًا كما تفعل المجلة التي تحتوي على معلومات قيمة عن المسافرين والبحارة.
ظهر اسم «مجلة» لأول مرة عام 1731 بصدور مجلة «Gentleman’s Magazine». حققت المجلة نجاحًا باهرًا، لكنها عانت من صعوبات بالغة، فقد كانت تكلفة طباعة العدد الواحد منها باهظة، ما جعلها تنتشر في حدود ضيقة نظرًا إلى أن عدد النسخ الموزعة منها لم تتجاوز مئات الآلاف. إضافة إلى صعوبة التنقل بكميات كبيرة منها لمسافات بعيدة.
في منتصف القرن التاسع عشر، لم يقتصر انتشار المجلات على الأوساط الثرية فقط، وأصبحت متاحة للطبقة المتوسطة أيضًا. حينها ظهرت المجلات العائلية أول مرة، أبرزها مجلة «Dickens Household Words»، وتوجب حينها اختراع طريقة لضغط نفقات الطباعة، لذا ظهرت الإعلانات لأول مرة، ثم اختفت مجددًا بعد فرض ضريبة خاصة عليها، لتعود مرة أخرى عام 1853، بعد إلغاء الضريبة. وبالرغم من ذلك، لم تنتشر كثير من الإعلانات في المجلات، فقد رفض بعض الناشرين هذا النوع من العائد المادي الذي يعود على مجلاتهم منها. على سبيل المثال، مجلة «Reader’s digest» التي لم تنشر إعلانًا واحدًا حتى عام 1955.
انتهت هذه المشكلة بعد اختراع ماكينة الطباعة الدوارة، وازدياد عدد النسخ المطبوعة من المجلات، وبالتالي انخفاض أسعارها. وبالتدريج، ومع تطور التكنولوجيا ووسائل المواصلات، زاد انتشار المجلات وأصبحت أشهر وسيلة للإعلام.
بزيادة عدد الصور التي تضمنها كل عدد، أصبحت المجلات أكثر جاذبية للقراء. وأُنشئت أول وكالة للإعلان عام 1890 لتكون نقطة تحول في مسيرة المجلة المطبوعة.
العصر الذهبي للمجلات:
في مطلع القرن العشرين، ظهر كثير من المجلات الشهيرة التي نعرفها الآن، والتي ما زال معظمها مستمرًّا ومزدهرًا إلى وقتنا هذا. مثل مجلة «Time» و«National Geographic» و«Vogue» و«Vanity Fair» و«Life».
تطورت المجلات في القرن العشرين، وأصبحت تُطبع بالألوان، وظهر فيها مفهوم التصوير الصحفي لأول مرة، ما أدى إلى زيادة أسعارها، وبالتالي خسارتها لكثير من قرائها المخلصين، وانخفاض أرباحها كما حدث مع مجلة «Fortune».
من أشهر الأسماء التي استطاعت التغلب على كل هذه العوائق، هي «Helene Gordon Lazareff» صاحبة مجلة «Elle» الفرنسية التي صدر أول عدد منها عام 1945، وخُصصت المجلة لشؤون المرأة والموضة. غيرت المجلة مفهوم النساء عن أنفسهن، وعن الطريقة التي يتوجب عليهن التحدث والتصرف بها.
كان لهيلين قدرة فائقة على الاختيار السليم للوجه الذي سيظهر على غلاف مجلتها، وكان لديها القدرة على أن تخلق نجمًا. ففي عام 1947، روجت أعمال مصمم الأزياء الشهير «كريستيان ديور»، والذي كان مغمورًا نسبيًّا حينها، وفي عام 1950، وضعت صورة الممثلة الفرنسية «بريجيت باردو» المغمورة أيضًا في ذلك الوقت، على غلاف مجلتها، وفي عام 1955، روجت لعودة «كوكو شانيل» رغمًا عن أنف الصحافة الفرنسية التي عارضت شانيل في ذلك الوقت.
من أشهر المجلات الأمريكية وأكثرها قيمة، مجلة «Esquire»، التي كتب فيها «ألبير كامو» و«جون شتاينبك» و«جيروم ديفيد سالينغر».
أما في الولايات المتحدة، فانطلقت ثورة في عالم الدعاية والإعلان من مانهاتن التي وُلد فيها أشهر المصممين والمخرجين الفنيين وأعظمهم، والذين سيضعون الأسس التي يقوم عليها تصميم المجلات حتى وقتنا هذا.
في مبانٍ متفرقة في مانهاتن عمل عدد من الثوريين العباقرة في مجالي التصميم والدعاية، أمثال: «Alexey Brodovitch» لمجلة «Harper’s Bazar» و«Leo Lionni» لمجلة «Fortune»، و«Henry Wolf» لمجلة «Esquire» و«Art Paul» لمجلة «Playboy». عمل كل هؤلاء بإمكانات شديدة التواضع من أقلام رصاص ومحايات ومساطر وشريط لاصق. واستغرق العمل على العدد الواحد أربعة أشهر.
أشهر هذه المجلات وأكثرها قيمة من ناحية الشكل والمضمون، كانت مجلة «Esquire»، والتي كتب فيها كثير من الأسماء الكبيرة في عالم الأدب، مثل: «ألبير كامو» و«جون شتاينبك» و«جيروم ديفيد سالينغر».
أشهر أغلفة المجلات وأكثرها جدلًا:
ربما يغيب عن أشهر مجلاتنا العربية الإبداع في تصميم الغلاف ومساندته لقضايا مهمة وشائكة، واستخدام الرمز الذي يُضفي عليه عُمقًا وبعدًا جماليًا. ما زلنا نقف عند مرحلة «نجمك المفضل»، ونسبة كبيرة ممن يقبلون على شراء المجلات إلى وقتنا هذا يسعون إلى اقتناء غلاف يظهر فيه أشهر النجوم أو ربما بوستر لهؤلاء النجوم داخل العدد، شيء اعتدت أنا شخصيًّا على فعله في صغري وفترة مراهقتي لأصنع نسختي الخاصة من المجلة، مستخدِمةً الأساليب البدائية من قص ولصق وتلوين، وبالطبع الكتابة. لم أجد عيبًا في أن تقتصر المجلات المصرية على الصورة فقط، أو أن تعتمد عليها بشكل أساسي.
لكنني الآن، عندما أطالع أغلفة أشهر المجلات الأجنبية، أرى بدقة ما هي قادرة عليه في إحداث تغيير في قرائها، وبالتالي في المجتمع بقضاياه المختلفة، فلا تجعل دورها يقتصر على الترفيه أو الوجوه الجميلة فقط، لكنها تُدهش قرائها وترضي أذواقهم المختلفة وتحفز عقولهم على التفكير والنقد، وتجعلهم يتعاطفون مع قضايا كثير من المهمشين.
أول صورة عرفها الناس عن شكل الجنين في الرحم، ظهرت في مجلة «Life»، في العدد الصادر بتاريخ 30 إبريل عام 1965.
من أشهر هذه الأغلفة التي أثارت جدلًا واسعًا عند ظهورها، غلاف مجلة «Esquire» الذي نشر في إبريل عام 1968، ويظهر فيه نجم الملاكمة الشهير محمد علي كلاي، وقد أصيب بستة أسهم في أماكن مختلفة في جسده، وكان عنوان الغلاف «آلام محمد علي». وجاء الغلاف على هذه الصورة تضامنًا مع كلاي الذي منعته الحكومة الأمريكية دخول حلبة الملاكمة، وسلبته لقبه لرفضه الالتحاق بالجيش الأمريكي لأن معتقداته الدينية تمنعه من ذلك. كان الغلاف من تصميم «George Lois»، المدير الفني لمجلة «Esquire» في الستينيات، والذي استلهمه من حادثة «القديس سباستيان» الذي سقط شهيدًا بالسهام دفاعًا عن معتقداته الدينية.
هناك أيضًا غلاف مجلة «ناشيونال جيوغرافيك» الشهير الذي نُشر في يونيو عام 1985، وخلَّد عيون طفلة من اللاجئين إلى معسكر على الحدود الأفغانية الباكستانية. دمرت الطائرات السوفييتية قرية الطفلة وعائلتها، فاضطرت إلى أن تفر هاربة وحدها في رحلة استمرت أسبوعين. التقط الصورة المصور الأمريكي الشهير «ستيف ماكوري»، وكانت الطفلة في الثانية عشر من عمرها حينذاك.
اقرأ أيضًا: عنصرية وتضليل: حتى أنتِ يا «ناشيونال جيوغرافيك»
ما لا يعرفه كثيرون أن أول صورة عرفها الناس عن شكل الجنين في الرحم، ظهرت في مجلة «Life»، في العدد الصادر بتاريخ 30 إبريل عام 1965، التقطها المصور السويدي «لينارت نيلسون» لجنين يبلغ ثمانية عشر أسبوعًا، واستخدم منظارًا له مصباحًا (فلاش) إلكترونيًّا في التقاط صورة الغلاف والصور داخل العدد. كان للصور تسلسل معين لدورة حياة الطفل داخل الرحم حتى ولادته، ووُضِع لهذه الصور عنوان هو: «ميلاد طفل».
أخيرًا، غلاف العدد الصادر من مجلة «Newsweek»، بتاريخ 30 يوليو عام 1973، بصورة للبيت الأبيض من أعلى، وقد تحول سطحه إلى مُسجل لشرائط الكاسيت. جاء هذا الغلاف بعد انتشار أخبار تفيد بأن الرئيس الأمريكي ظل يُسجل كل ما يُقال داخل البيت الأبيض لمدة عامين على الأقل. وعام 1974، تسربت هذه التسجيلات التي أسفرت عن فضيحة «ووترجيت» الشهيرة المتعلقة بتجسس حزبه الجمهوري على نظيره الديمقراطي، وأرغمته هذه الفضيحة على الاستقالة، ليتولى بعده «جيرالد فورد» منصب رئيس الجمهورية.
ملمس الورق + مادية الفكرة = نجاة المجلة المطبوعة:
لا نحاول فرض فكرة أن الإنترنت لم يؤثر في مبيعات المجلات، لكننا نحاول أيضًا أن نثبت أنه لا بديل عن الغلاف المطبوع وملمس الورق بين الأصابع. قد يبدو كلامي شاعريًّا، لكن الإنسان بطبيعته لا يستمتع فقط بمراقبة الجمال، بل يسعى لامتلاكه. هذه هي الفكرة التي تقوم عليها المجلات، تضافر بين الفكرة والصورة والرسومات الكاركاتيرية على ورق ممتاز الجودة، كيف يمكن لأيٍ منا أن يقاوم الرغبة في الاحتفاظ بنسخته الخاصة من هذا الجمال الخالص؟