على خلفية الانتخابات القائمة في عدد من دول العالم: مصر ولبنان وروسيا وغيرها، انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي صورة تجمع عددًا من الروساء السابقين للولايات المتحدة الأمريكية.
أول سؤال يتبادر إلى أذهاننا، نحن العرب، هو: لماذا لا توجد لدينا مثل هذه الصورة؟ لماذا لا يمكنها أن تتحقق في عالمنا العربي؟
الجواب بسيط: لأن رؤساء العالم العربي لا يتركون مناصبهم إلا بالموت أو بالثورات، وكذلك الانقلابات التي تطيح بهم إلى السجون.
يمكننا أن نتفهم ما تمثله هذه الصورة لأغلبنا، ويمكننا كذلك أن نفهم الحرص الأمريكي الدائم على نشر مثل هذه الصور، واستغلال الحفلات الخيرية والمناسبات الاجتماعية لالتقاطها. باتت الصورة التي تجمع رؤساء أمريكا السابقين الدليل الدامغ على نجاح الديمقراطية الأمريكية، فأمريكا هي واحة الديمقراطية والناطقة دومًا باسمها.
لكن السؤال الأهم الذي يجب علينا طرحه: هل تعد الانتخابات تمثيلًا لإرادة الشعوب الحرة؟ هل يمكن تلخيص الديمقراطية في صناديق الاقتراع؟
يشرح الفيلسوف الفرنسي «جاك رانسيير» في كتابه «كراهية الديمقراطية» كيف أن الحكومات تكره الديمقراطية بقدر ما تعلن تبنِّيها الزائف لها. يقول رانسيير: «ليست الديمقراطية شكلًا للحكم، ولا للمجتمع، وتتطلب ممارستها أن تتبلور خلال الصراع من أجل تحرير المجال العام، مؤسسات مستقلة، وقوانين تنظم عملها، وثقافة يتصرف وفقها الأفراد. ولا يمكن في غياب كل هذا تلخيصها في صندوق الاقتراع».
يبيِّن رانسيير أن كتابة دستور الولايات المتحدة هو المثال الكلاسيكي على جهد المشرِّعين الأرستقراطيين بهدف استخلاص ما يمكن استخلاصه من الواقع الديمقراطي، مع احتوائه بصرامة من أجل الحفاظ على «منفعتين مترادفتين: حُكم مَن هُم أفضل، والدفاع عن نظام الملكية».
أي أن، وحسب الدرس الماركسي، قوانين الديمقراطية ومؤسساتها هي الأدوات التي تتم بواسطتها ممارسة سلطة الطبقة البورجوازية. ومن ثَمَّ يصبح النضال ضد تجليات تلك السلطة الطريق نحو ديمقراطية «حقيقية»، ديمقراطية «لا تعود فيها الحرية والمساواة ممثلتين في مؤسسات القانون والدولة، بل متجسدتان في ذات أشكال الحياة المادية والخبرة المحسوسة»، بتعبير رانسيير.
بالنسبة إلى مواطن عربي، مستحيل أن يأتي زمن يمكن فيه مشاهدة عمل عربي مثل «House of Cards»، الذي يصوِّر الرئيس قاتلًا ومزورًا وفاسدًا.
تؤدي هوليوود دور «جهاز الدولة الأيديولوجي»، والبراهين كثيرة على أنها في خدمة واشنطن. سلسة مستمرة من الاجتماعات والتنسيق بين رجال البنتاغون والمخابرات مع كبار مديري هوليوود التنفيذيين، من أجل توصيل «الرسالة الأيديولوجية الصحيحة» في موضوعات محددة، كما حدث في فترة الحرب العالمية الثانية والحرب الباردة، وكذلك في الحقبة المكارثية، وانتهاءً بالحرب على الإرهاب في مطلع القرن الواحد والعشرين.
بالطبع لم يكن هدف هوليوود أن تكون خاضعة لسياسة الحكم بقدر ما كانت ترى في مجاراتها لها تجارة مربحة وجاذبة لأكبر عدد ممكن من الجمهور. ومع أن سيطرة البروباغندا والأبعاد التجارية والسرديات الرسمية ما زالت مستمرة، إلا أن الاستثناءات تظل موجودة دائمًا. إذ أعقبت حرب فيتنام موجة من الأفلام المناهضة للحرب وللسياسية الأمريكية عمومًا. وهو ما تكرر بعد حرب الخليج الأخيرة، فقد ظهرت مجموعة من الأفلام السياسية بعد الشرارة التي أطلقها «مايكل مور» بفيلمه «Fahrenheit 9/11».
قد يهمك أيضًا: أفلام آدم كيرتس تكشف حقيقة التحكم في الشعوب
في الوقت الذي تندُر فيه شخصية «الرئيس» وأفلام الكواليس السياسية عمومًا في الأعمال السينمائية والدرامية العربية، فإنها تتواتر في عدد من الأعمال الأمريكية.
ربما عمدت بعض الأفلام الهوليوودية إلى تقديس صورة الرئيس وإظهاره بطلًا ومقاتلًا ورجل عائلة خفيف الظل يتمتع بحس الدعابة، إلا أن هناك كثيرًا من الأعمال التي قدمت سبرًا لكواليس السلطة السياسية أو سردًا للتفاصيل والمؤامرات داخل البيت البيض وخارجه.
بالنسبة إلى مواطن عربي، فإنه في المستقبل البعيد جدًّا، بل وربما من المستحيل، أن يأتي الزمن الذي يمكن فيه مشاهدة عمل درامي عربي مثل المسلسل التلفزيوني الأمريكي «House of Cards»، فالبطل الرئيسي «فرانسيس أندروود»، السياسي البارز في الحزب الحاكم، ثم الرئيس بعد ذلك، قاتل ومزور وفاسد ولا يكف عن حياكة المؤامرات والإيقاع بالخصوم السياسيين بأي وسيلة ممكنة.
حاولت بعض الأفلام رصد سيطرة رؤوس الأموال وفساد الآليات الإجرائية لدى القوى المهيمنة ومتخذي القرار، وكيف تسير العملية الانتخابية والسبل التي يمكن أن يرتقي بها الإنسان إلى كرسي الحكم وووسائل الحفاظ عليه.
لطالما استفاد صناع الأفلام في هوليوود من الاستقلال النسبي للفنان، فقد أصبحت حرية التعبير، في أمريكا والغرب، واقعًا لا يمكن الالتفاف عليه. الأفلام التي سنعرضها هنا تتناول ثيمة الانتخابات، ربما لا تكون انتخابات رئاسية بالضرورة، وتحاول أن تكشف عن ما يعتمل في الكواليس وتحت السطح البراق للعملية الانتخابية بوصفها التجلي الأمثل للديمقراطية.
«The Manchurian Candidate»: من الخطر الشيوعي إلى الشركات الرأسمالية
فيلم «The Manchurian Candidate» في 2004 هو إعادة صنع لفيلم «جون فرانكنهايمر» الذي أُنتِجَ عام 1962 عن رواية بنفس العنوان للكاتب «ريتشارد كوندون». لكن المخرج الكبير «جوناثان ديمي» لا يعيد صناعة الفيلم مع بضع تعديلات في الأحداث الزمنية لتتواءم مع الألفية الجديدة، بقدر ما يصنع فيلمًا جديدًا مغايرًا في الموقف والرؤية العامة. استخدم ديمي ثيمات المؤامرة السياسية وأجواء الغموض مع لمسات من عالم الخيال العلمي، وصنع تحويلات جوهرية في الخلفية العامة للأحداث.
تدور أحداث الفيلم الأول خلال الحرب الكورية، إذ تلقي القوات السوفييتية القبض على فصيلة أمريكية وتنقلها إلى منشوريان في الصين الشيوعية. «رايموند شو» ابن عائلة سياسية يمينية بارزة، تعرَّض لغسل دماغه في الأسر الشيوعي خلال الحرب الكورية ليصبح قاتلًا دون إرادته.
يُمنَح شو ميدالية الشرف بناء على توصية من قائد الفصيلة، وعلى خلفية هذه البطولة، والشهادات التي يوردها زملاؤه عن شجاعته في الحرب، يكون تصعيده داخل الحزب. يتضح فيما بعد أن والدته، «إليانور»، السياسية البارزة، ليست سوى عميلة شيوعية، والخطة هي أن يغتال ابنها المرشح الأمريكي لمنصب نائب رئيس الجمهورية من أجل خدمة الشيوعية العالمية. لكن الرائد «بن ماركو»، زميله في الحرب، يسعى إلى تخليصه وإبطال هذه المؤامرة.
صار الفيلم من كلاسيكيات هوليوود بسبب أسلوب فرانكنهايمر المتميز ونجومية أبطاله: «فرانك سيناترا» و«لورانس هارفي»، وإثارة قصة الفيلم السياسية.
يقدم فيلم «مرشح منشوريان» البطولة المزيفة والتحكم في اللعبة السياسية، فتحول من بروباغندا تخدم السياسة الأمريكية لنقد لها.
يصوغ جوناثان ديمي الحكاية على خلفية حرب الخليج وإحدى معارك «عاصفة الصحراء». يدخل الرائد «بينيت ماركو» (دينزل واشنطن)، قائد إحدى الفصائل المشاركة في عاصفة الصحراء، في دوامة مضنية من كوابيس مرعبة.
ذكريات ماركو في هذه الفصيلة كذكريات الجميع فيها، تتكلم عن أعمال بطولة الرقيب «رايموند شو» (ليف شريبير) عندما كان في كمين صحراوي، ويتسلم عنها ميدالية الشرف، وهي أعلى وسام يناله أي جندي. غير أن ماركو يرى أحلامًا وهلوسات تخالف حقيقة رايموند شو هذه. أحلامه مليئة بصور اختطاف، وجرائم، وغسل أدمغة، إلى جانب عدة أشخاص كان قد حارب معهم في السابق.
وبعد اختيار رايموند شو بشكل مفاجئ كي يكون مرشحًا لمنصب نائب الرئيس الأمريكي تحت عناية ومراقبة والدته السيناتور «إيلينور برينتس» (ميريل ستريب)، يقرر ماركو إثبات أن هناك كثيرًا من الحقائق والأحداث التي مَرُّوا بها معًا في الحرب، وأن رايموند شو قد لا يكون الشخص الذي يعتقده الجميع. إن لم يستطع ماركو كشف حقيقته في الوقت المناسب، فإن مستقبل الرئاسة الأمريكية سيكون في خطر كبير.
الجنود هم الضحية. ففضلًا عن ارتدادات الحرب عليهم من كوابيس وتخيلات، يتم تضليلهم بواسطة جهة ما عن طريق زرع آلة صغرى في أجسامهم تسمح بالتحكم في أفكارهم وأفعالهم.
في نسخة جوناثان ديمي، جهة المؤامرة ليست لصالح الشيوعية، وإنما شركة الأسلحة المتطورة «منشوريان جلوبال» الداعمة لأمه إليانور والممولة لحملته الانتخابية كذلك. تسعى «منشوريان جلوبال» إلى إيصال شو لكرسي الرئاسة، وبالتالي تصير البلاد تحت سيطرتها الكاملة، ويمكن وقتها زيادة نفوذها وأرباحها من الحروب المحتمَل وقوعها.
يقدم جوناثان ديمي فيلمًا عن صناعة البطولة المزيفة، وعن تحكم الشركات الكبرى في اللعبة السياسية. وهكذا تحول الفيلم من كونه بروباغندا تخدم السياسة الأمريكية في الحرب الباردة، إلى نقد للفساد السياسي في الإدارة الأمريكية وتوغل نفوذ الشركات العملاقة، إلى درجة صياغتها شخصية الرئيس وبطولاته والتحكم فيه وفي مصير بلاده والعالم بأسره.
رحل جوناثان ديمي عن عالمنا في إبريل 2017، بعد أن قدَّم للسينما عددًا من الأفلام المهمة التي تحمل بصمته الإخراجية المتميزة، ومنها ما يعد من علامات تسعينيات القرن العشرين، مثل «The Silence of the Lambs» و«Philadelphia». وكان لجوناثان ديمي أثر كبير على الأجيال اللاحقة من المخرجين الأمريكيين، مثل «بول توماس أندرسون» و«ريتشارد لينكلاتر».
«The Ides of March»: القاعدة الأخلاقية الوحيدة للمرشح الرئاسي
«ستيفن مايرز» (رايان غوسلينغ)، سكرتير الحملة الدعائية والإعلامية للمرشح الديمقراطي، شاب مثالي متألق، وهو الرجل الثاني في قيادة الحملة الانتخابية الرئاسية لـ«مايك موريس» (جورج كلوني)، ومؤمن حقيقي بهذا الرجل.
في الأيام الأخيرة قبل الانتخابات الرئاسية المحمومة والتمهيدية لأوهايو، تدور منافسة شديدة، فالسكرتير الصحفي للحملة القادمة يجد نفسه متورطًا في فضيحة سياسية تهدد مرشح بلاده. يطلب مدير حملة المرشح المنافس مقابلة ستيفن، ويعده بوظيفة ما. تجذب متدربة حملة الشباب «مولي ستيرنز» (إيفان ريتشيل وود) انتباه ستيفن، لكن يبدو أنها تحمل خدعة كبيرة قد تُوقعه ومرشحه، بالرغم من ثقة ستيفن بها.
يقع ستيفن مايرز فريسة المكر السياسي لـ«توم دافي»، مدير الحملة الرئاسية للمرشح الجمهوري المنافس، الذي أراد من العرض الوظيفي الذي قدمه لمايرز زعزعة ثقة رئيسه «بول زارا» (فيليب سيمور هوفمان)، المدير العام لحملة المرشح الديمقراطي، لأنه يعلم جيدًا بارانويا زارا وهوسه بالثقة والأمانة. يخبر مايرز زارا بمقابلته مع دافي، وبأنه لم يقبل عرضه.
يعلم مايرز، بالصدفة، أن المتدربة الشابة مولي كانت على علاقة بمايك موريس، وتسعى إلى إجراء عملية إجهاض خوفًا من معرفة عائلتها الكاثوليكية بالأمر. يساعدها مايرز ويقرضها المال اللازم لإجراء العملية.
في الوقت نفسه، يطرده زارا قائلا إنه لم يعد يستطيع أن يثق به. زارا نفسه هو من سرَّب خبر مقابلة مايرز لتوم دافي إلى الصحافة حتى يخلق المبرر اللازم أمام الإعلام للتخلي عن الفتى اللامع والوجه الإعلامي المحبوب. عندما يذهب مايرز إلى دافي، يعلم أنه لم يكن يود أن يوظفه من البداية، وإنما كان يسعى فقط إلى خسارة منافسه لخدمات مايرز.
مدفوعًا بالرغبة في تجنب الهزيمة، يسعى مايرز إلى استغلال ذكائه وقدراته والتخلي عن مثاليته. تظن مولي أنه قد يسرب قصتها إلى الصحافة، وتحت وطأة شعورها بالضعف وسط هذه الصراعات، تُقدِم على الانتحار.
في النهاية ينجح مايرز في الرجوع إلى حملة المرشح الديمقراطي، إذ يواجهه بالحقيقة، ويهدد بفضحه. ويشترط طرد بول زارا وتوليته منصب مدير الحملة.
يقول مايرز للمرشح موريس أهم جملة حوارية بالفيلم: «تستطيع أن تفعل ما تشاء بهذا البلد، تستطيع أن تشن حروبًا، أن تخرب الموازنة والاقتصاد، أن تأخذ الرشاوى، لكن لا يمكنك أن تضاجع المتدربات». أي أن هذه القاعدة التي خرقها موريس كفيلة بوضع نهاية لمشواره السياسي بعيدًا عن نزاهة قناعاته السياسية والاقتصادية.
يعود جورج كلوني بفيلم سياسي آخر من إخراجه. فبعد أن أخرج فيلمًا سياسيًّا متميزًا هو «Good Night, and Good Luck» عام 2005، عن دور التلفزيون والإعلام في مواجهة المكارثية وتأكيد حرية التعبير، يقدم في «The Ides of March» رؤية عن كواليس الحملات الانتخابية وكيفية إقامة التحالفات السياسية.
يكشف الفيلم عن صورة المرشح الرئاسي كما تهتم بها وسائل الإعلام. ومن خلال شخصية ستيفن مايرز نكتشف ضحايا السياسة المجهولين الذين يبدون كآثارها الجانبية، وأن السياسة لعبة فوز أو هزيمة من دون صداقات أو عداوات دائمة، وكذلك، دون قيم أو أخلاقيات مثالية. إنها تغيُّر دائم نحو الأسوأ.
«All the King's Men»: النهاية المأساوية لمرشح الفقراء
ما الذي يمكن حدوثه لو فاز في الانتخابات من لم يكن ينبغي له الفوز؟ أي لو فاز من هو ضد مصالح الطبقات المسيطرة وخارج حسابات اللوبيات المهيمنة والضاغطة؟
مخرج «All the King's Men» هو «ستيفن زيليان»، الذي عُرف كواحد من أهم كُتاب السيناريو في هوليوود. وقد سبق له أن رُشِّحَ لجائزة الأوسكار كأفضل سيناريو ثلاث مرات، وفاز بالجائزة عن فيلم «Schindler's List 1993» للمخرج ستيفن سبيلبرغ.
يبدو «ويلي ستارك» رجلًا فظًّا لا يفرق بين الوسيلة والغاية، وتظهر الطبقة الأرستقراطية مهذبة ومثقفة.
يعود زيليان إلى خمسينيات القرن العشرين ليقدم شخصية ويلي ستارك. يروي الفيلم قصة صعود ويلي وكيف استطاع أن يصبح حاكم ولاية لويزيانا بدعم من الطبقات الفقيرة.
يتنبه ستارك في منتصف حملته الانتخابية إلى الغرض الأساسي وراء دعم مجموعة من السياسيين لترشيحه. فالدور المنوط به هو تفتيت أصوات الفقراء لضمان فوز أحد المرشحين المدعومين من الطبقات المسيطرة وشركات النفط والوقود. لكن ستارك يقلب الطاولة عليهم، وينجح من خلال شعبيته وخطابه المناصر للفقراء في الفوز واكتساح منافسيه وسط فرحة الريفيين وازدراء الأرستقراطية المتحللة.
ونتيجةً لنشأته في بيئة ريفية متواضعة، يناصر ستارك المستضعفين، ويتحدى المؤسسة السياسية الفاسدة المدعومة من شركات النفط وأصحاب رؤوس الأموال. يسعى إلى بناء المدارس والمستشفيات والطرق للريفيين الفقراء، ويلجأ إلى فرض ضرائب على الأغنياء من أجل توفير الموارد اللازمة لمشروعاته. يؤدي هذا الصراع إلى اتهامه بعدم مشروعية موارده، والطعن في ذمته المالية ومحاولات استجوابه داخل المجلس.
يعاون ستارك في هذه المهام «جاك بيردن»، الصحفي النابه ذو الأصول الأرستقراطية، في الوقت الذي يساند القاضي المرموق «إروين» الحملات المناهضة للحاكم ستارك. ونتيجةً لعلاقة بيردن الوثيقة بالقاضي الأرستقراطي (فالقاضي هو الأب الروحي له)، يطلب الحاكم من بيردن التنقيب في ماضي القاضي إروين محاولًا العثور على ما يمكن ابتزازه به وإبعاده عن دعم معارضي ستارك.
يكتشف الصحفي بيردن شبهات تحوم حول ذمة القاضي المالية، والأهم هو اكتشافه لنوع من المؤامرة العائلية ضد ستارك هدفها قتله. يُدفَع إليها طبيب من عائلة مرموقة بعدما اقتنع باتخاذ الحاكم له كواجهة يزين سمعته من خلالها، وكستار يخفي وراءه علاقته بأخت الطبيب.
تكمن براعة الفيلم في تصعيده ثنائية الخير والشر حد تلاشيها، رغم اعتماده على الصراع كفكرة رئيسية. فويلي ستارك يبدو خلال عدد من أحداث الفيلم كرجل فظ، لا يفرق بين الوسيلة والغاية، ويلجأ إلى استخدام الابتزاز وكل ما يتوفر لديه لسحق خصومه. وتظهر الطبقة الأرستقراطية كطبقة مهذبة ومثقفة.
في نهاية الفيلم يبين زيليان أن ويلي ستارك ضحية الفساد، وموته ثمن مناصرته للفقراء، والطبقات الفقيرة لن تجد بعد وفاته من يهتم بأمورها ومشكلاتها.
في الفيلم أداءات تمثيلية متميزة من «شون بين» و«جود لو» و«كينت وينسلت» و«أنطوني هوبكنز» و«مارك رافالو»، وهو مأخوذ عن رواية للكاتب الأمريكي الحائز على جائزة «بوليتزر»، «روبرت بين وارين».
«Wag the Dog»: النهاية الوهمية للحرب
تقول النكتة: لو كان ذيل الكلب أذكى، فإنه هو الذي سيهز الكلب. هكذا فسر ليفنسون عنوان فيلمه.
تدور قصة «Wag the Dog» في إطار سياسي كوميدي، حول رئيس أمريكي يتورط في فضيحة جنسية قبل الانتخابات بعشرة أيام تقريبًا.
يلجأ إلى «كونراد برين» (روبرت دي نيرو) المعروف عنه حل الأزمات، يشير عليه برين بأن يشن حربًا على إحدى الدول لإلهاء الرأي العام عن الفضيحة. يتعاون برين مع «ستانلي موتس» (داستن هوفمان)، أحد كبار منتجي هوليوود التنفيذيين، من أجل تنفيذ الحرب الوهمية وفبركة أحداثها، وإخراج مجموعة من اللقطات المزيفة لحرب في ألبانيا. وعندما يسأل الرئيس: «لماذا ألبانيا تحديدًا؟»، يجيبه برين: «ولماذا غيرها؟ ماذا تعرف عنها؟»، فيرد الرئيس: «لا شيء»، فيعلق برين: «أرأيت؟».
يكفي أن يخرج الرئيس ويتحدث عن السلام والاستقرار، ويؤكد أنه لن يشن أي حرب ضد ألبانيا. بعدها يتلقف الإعلام الطُّعم، فيُشعل الحديث عن تكهنات بحرب مزمعة ضد ألبانيا، وهكذا تتحول الحرب إلى حقيقة. ينفذ المنتج السينمائي الشهير عملية الخداع المتقَنَة، فبدأ الشعب كله ينصرف عن «فضيحة الرئيس»، ويتابع تفاصيل قصة الحرب الوهمية التي رسم تفاصيلها المنتج والمخرج السينمائي.
يمكن للرئيس بعدها أن يضع نهاية بطولية لتلك الحرب الوهمية، وهكذا تزداد شعبيته قبل الانتخابات بأيام.
يرسم المخرج الأمريكي الكبير «باري ليفنسون» كوميديا سياسية من طراز رفيع. ويُعد الفيلم مرجعًا لكثير من الرؤى التي ترى في الحرب نوعًا من الإلهاء المتعمَّد للشعوب والرأي العام. لكن المشكلة أن كثيرين صاروا يرون في أي نزاع أو حرب نوعًا من اللعبة أو المؤامرة، ومرجعيتهم هي دراما باري ليفنسون.
عندما تداعب كلبًا، فإنه يهز ذيله في سعادة، لكن لماذا يهز الكلب ذيله؟ تقول النكتة: لأن الكلب أذكى من ذيله، أما لو كان الذيل أذكى، فإنه هو الذي سيهز الكلب.
هكذا فسر ليفنسون عنوان فيلمه، مشيرًا إلى أولئك الذين يقلبون الحقائق ويفكرون في الوسائل التي تجعل الذيل هو الذي يهز الكلب، وليس العكس. الفيلم سبر لآليات التلاعب بالشعوب وصناعة الوهم، ويرصد توغل الميديا وسطوة الصورة على الخيال الجمعي، ويؤكد ما ذهب إليه الفيلسوف الفرنسي «بودريار» من أن المشهد صار هو الواقع، وهو صانع الحقيقة وليس العكس.
«Swing Vote»: صوتك أمانة
في مفارقة سينمائية هوليوودية غير محتملة الحدوث في واقعنا الحقيقي، تتوقف نتيجة الانتخابات الرئاسية على صوت مرشح واحد، فرد واحد يمكنه تحديد الرئيس المستقبلي لأمريكا. «باد جونسون»، الذي يؤدي دوره «كيفن كوستنر»، مواطن يعيش في لامبالاة ولا يهتم بالسياسة. تدفعه الرغبة في ألا يخيب أمل ابنته الصغيرة، وأن يكون عند حسن ظنها به وتطلعها إليه.
الابنة نقيض الأب، فهي تتعلم من حصصها المدرسية طبيعة النظام الفيدرالي وواجبات المواطن الاجتماعية. والأب مُطَلَّق، وسكير، قضى معظم حياته عاطلًا عن العمل.
لنفكر في إمكانية حدوث مفارقة فيلم «Swing Vote» في واقعنا العربي: ما الثمن الذي يمكن أن يدفعه المرشحون في صوت مثل هذا؟ بكم يشترونه؟
تتوجه الحملة الانتخابية للرئيس، وكذلك حملة المرشح المنافس، إلى منزل جونسون الصغير في ولاية نيومكسيكو. وتربض وسائل الإعلام أمام بيته ليل نهار، ويتوافد إليه أصحاب المصالح، فهو البوصلة التي يمكنها أن تحدد مواقف المرشحين، ويمكن استخدامه لتغييرها حتى إذا تناقضت مع ما صُرِّح به من قبل.
في النهاية، وإدراكًا منه للمسؤولية التي وجدها ملقاة عليه، وتعلق آمال ابنته به ومعها بقية الشعب، يدعو جونسون إلى مناظرة علنية بين المرشحين ليقرأ عليهما الكم الهائل من الرسائل المرسلة إليه التي تتضمن أسئلة المواطنين ومشكلاتهم. وفي هذا العرس الديمقراطي، يحاول المرشحان إجابة هذه الأسئلة بصدق وأمانة، بعدما حاول كلاهما استمالة جونسون من قبل ومحاولة إقناعه بترشيحه.
رغم سذاجة الطرح السينمائي والرؤية المتصالحة، فإن الفيلم يجعلنا نفكر في مفارقة مهمة، وهي إذا كانت السياسة فن الممكن، فإن الفن من الممكن أن يتعامل مع غير الممكن وغير المحتمل.
لنفكر كذلك في إمكانية حدوث هذه المفارقة على الأرض الواقع، وبالتحديد واقعنا العربي، ونتساءل: ما الثمن الذي يمكن أن يدفعه المرشحون في صوت مثل هذا؟ بكم يشترونه؟ مجرد سؤال، وربما لا يحتاج إلى إجابة، لأن سؤالًا أهم يجب طرحه أولًا: هل الديمقراطية الحقيقية ممكنة في العالم العربي؟