بينما يحتاج المرء إلى تعلُّم لغات جديدة للتواصل مع الآخرين، تبقى الموسيقى وحدها لغة عالمية يتحدث بها الجميع.
مقطوعة موسيقية تسمعها وأنت حزين قادرة على جعلك تبتسم، وأخرى تصادفها وقت فرحك يمكنها أن تقلب حالتك فورًا. هكذا هي الموسيقى، يستمع إليها الجميع، ولكن استمتاعنا بها يتفاوت، فمنَّا من يكتفي بالاستماع مع أخذ انطباع عام من نوع «أعجبتني» أو «لم تعجبني»، وآخرون ينفذون إلى التفاصيل ويستغرقون في الاستماع إلى كل آلة وحدها، ويكوِّنون رأيًا عن كل نغمة.
لمزيد من الاستمتاع بالموسيقى توجد مهارات يمكن تَعلُّمها، تَحدَّث عنها بالتفصيل كتاب «Music: Ways of Listening» (الموسيقى: طرق الاستماع) للمؤلّف إليوت شوارتز Elliott Schwartz. وفي محاولة لتلخيص الكتاب كان هذا المقال من موقع «Brain Pickings»، الذي ذكر سبع مهارات مُهِمّة للاستمتاع بالموسيقى.
يذكر «شوارتز» عن هذه المهارات أنها «ضعُفَت بسبب العادة التي صارت متأصلة في القرن العشرين، عادة عدم الاهتمام»، ويحاول من خلال الكتاب تقديم «العلاج» المطلوب لمداواة هذا الضَّعف.
1. حتى الضوضاء فيها موسيقى
استخرِجِ الجَمالَ من كل صوت تسمعه، بدايةً من أصوات الباعة الجائلين في الشوارع وصوت الماء يغلي، وصولًا إلى نغمات البيانو في فواصل البرامج. عندما تبدأ في التركيز مع الأصوات المختلفة ستشعر تدريجيًّا بتميُّز كل صوت واحتوائه على سحر خاص به، ومن ثَمَّ ستلمس جماله.
هل أعجبتك اللعبة؟ إليك واحدة أخرى: جرب الآن أن تربط الأصوات المختلفة معًا لتصنع مقطوعتك الخاصة، صوت مكيف الهواء مثلًا على إيقاع دقات الساعة.
2. طوِّر شعورك بالزمن
الزمن عامل مهم جدًّا للاستمتاع بالموسيقى، لهذا يجب تطوير إحساسك بتفاصيله: المُدَّة، الحركة، تغُّير وضع الأحداث في إطار الوقت.
قد يبدو هذا الكلام معقَّدًا للوهلة الأولى، ولتبسيط الأمر إليك سؤال سهل: هل تستطيع حساب 30 ثانية دون ساعة؟ سيفاجئك اختلاف إحساسك بالمُدَّة الزمنية باختلاف النشاط الذي تمارسه خلالها، فساعة تقضيها في ممارسة لعبة أو رياضة تحبها، ستمر عليك كأنها أسرع من آخِر ساعة عمل في اليوم.
اقرأ أيضًا: تبحث عن شغفك؟ لا تقرأ هذا المقال
3. موسيقى لكل ذكرى
هذه مهارة سيتطلب تطويرها مجهودًا: كلما استمعت إلى مقطوعة موسيقية، حاول أن تربط بعض نغماتها بأحداث مألوفة لك. إذا نجحت في ربط عدة مواقف بالمقطوعة التي تستمع إليها؛ ستتضاعف المتعة.
ليس الأمر سهلًا بالطبع، لكن مثلما تصل إلى النقطة التي تدرك فيها أنك تستطيع أن تقود الدراجة بمفردك، ستجد الشعور نفسه هنا.
4. تحدَّث لغة الموسيقى
كي تتكلم أو تكتب عن الموسيقى، ينبغي أن تدرك مفردات لغتها.الموسيقى لغة «غير لفظية»، لهذا فالكلمات المستخدَمة لوصفها خاصة وبعيدة عن استخدامنا اليومي. نحتاج إلى مزيد من المفردات لوصف الموسيقي، ومع الأسف، فإن المفردات المتاحة، خصوصًا في اللغة العربية، قليلة.
5. طوِّل نَفَسَك الموسيقي
يحتاج المستمع إلى تطوير إمكانياته في الاستماع «بتركيز» لفترات أطول.
قديمًا كان «السمِّيعة» يبقون في المسرح للإنصات إلى أم كلثوم تغنِّي عدة أغنيات، أقل واحدة منها قد تتجاوز ساعة، ثم يعيدون الاستماع إلى الأغنية نفسها مرات ومرات على الراديو، واليوم يتراوح طول الأغنية بين ثلاث وخمس دقائق.
هذه هي المهارة الخامسة، التدرُّب على التركيز في الموسيقى لفترات طويلة، أو النَّفَس الطويل في الاستماع. صُنَّاع الموسيقى يدركون صعوبة الاحتفاظ بالمستمع في حالة تركيز لمُدَّة طويلة، لهذا لديهم حيلهم الخاصة، إذ يضعون «لوازم موسيقية» (جمع لازمة)، أو فواصل في مواضع محدَّدة لإعادة التركيز إلى المستمعين.
في المقابل يحتاج المستمع إلى تطوير إمكانياته في الاستماع «بتركيز» لفترات أطول. الكل يستطيع أن يركز في مقطوعة موسيقية قصيرة لعُمَر خيرت مثلًا، لكن التركيز يكون أصعب عندما نستمع إلى سيمفونية طولها ساعة لبيتهوفن، أو إلى ثلاث ساعات من أوبرا فيردي.
لهذا فإن هذه المهارة تبادلية؛ الموسيقيون يوفرون عوامل الجذب، والمستمع يطوِّر قدرته على الاستماع.
قد يعجبك أيضًا: حكايات ذاتية جدًّا: عمار الشريعي.. وآخرون
6. استمع بموضوعية
بالتأكيد سمعتَ هذه العبارة مع صدور ألبوم جديد لمطرب مشهور: «هذا أسوأ ما أصدره»، ثم لا تمضي أيام حتى تجد صاحب العبارة ينشر أغنيات الألبوم ويرددها.
هذه مشكلة شائعة لدينا، الحكم على الموسيقى من باب التوُّقعات والأمنيات التي ننتظرها، لا بموضوعية، وهو ما يُضعِف كثيرًا تجربتنا ويقلل استمتاعنا.
لنعُد إلى النقطة الخاصة بتعلُّم مفردات الموسيقى. حاول التعبير عما سمعته من خلال هذه المفردات، وبهذه الطريقة ستوحِّد لغتك للتعبير عن أشكال موسيقية مختلفة، بناءً على جودة الموسيقى نفسها وبعيدًا عن الانطباعات العامَّة.
لا تفزع في البداية حين تكون مفرداتك قليلة، فمع الوقت ستكتسب مزيدًا لتعِّبر أفضل.
7. المعلومات تُثري التجربة
حاول دائمًا أن تسترجع معلوماتك وخبرتك الموسيقية مع كل مقطوعة تستمع إليها.
ليس المقصود هنا المفردات أو قدرتك على التحليل والاستماع فقط، بل أيضًا ما تعرفه عن المؤلف الموسيقي وأعماله وتاريخ المقطوعة، كل هذا سيمنح الاستماع متعة مضاعَفة.
قد تبدو هذه النقطة متعارضة مع سابقتها، التي تطالب بالحكم بموضوعية بعيدًا عن أي آراء أو طموحات سابقة، ولكن من الصعب جدًّا في الواقع أن تفصل أي عمل عن إطاره العام فصلًا تامًّا، لذا سيقف بعض المعلومات حائلًا دون استمتاعك بما تنصت إليه، وبعضها قد يثري التجربة، وهذا ما نعنيه هنا.
يمنحنا كتاب «الموسيقى: طرق للاستماع» نظرة شديدة الأهمية على فن الاستماع، ويعطينا القدرة على تطوير هذه المهارة، وفوق هذا كله يثبت أن «فن الإنصات» يمكن تحسينه لدى كل منا، وليس موهبة لا يحظى بها سوى أشخاص بعينهم.